فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ}.
لما يُؤتمنون عليه ويُعاهدون من جهة الحقِّ أو الخلقِ {راعون} أي قائمون عليها حافظون لها على وجه الإصلاحِ. وقرئ {لأمانتِهم}.
{والذين هُمْ على صلواتهم} المفروضةِ عليهم {يُحَافِظُونَ} يُواظبون عليها ويُؤدُّونها في أوقاتها. ولفظُ الفعلِ فيه لما في الصَّلاةِ من التَّجدُّدِ والتَّكرُّر وهو السرُّ في جمعها وليس فيه تكريرٌ لما أنَّ الخشوعَ في الصَّلاة غيرُ المحافظةِ عليها. وفصلهما للإيذانِ بأنَّ كلًا منهما فضيلةٌ مستقلَّةٌ على حيالِها ولو قُرنا في الذِّكرِ لربَّما توهِّم أنَّ مجموعَ الخشوعِ والمحافظةِ فضيلةٌ واحدةٌ.
{أولئك} إشارةٌ إلى المؤمنين باعتبار اتِّصافِهم بما ذُكر من الصِّفاتِ. وإيثارُها على الإضمار للإشعار بامتيازهم بها عن غيرهم ونزولهم منزلة المُشار إليه حِسًّا، وما فيه من معنى البُعدِ للإيذانِ بعلوِّ طبقتهم وبُعدِ درجتهم في الفضل والشَّرفِ أي أولئك المنعوتُون بالنُّعوت الجليلة المذكورةِ {هُمُ الوارثون} أي الأحِقَّاءُ بأنْ يُسمَّوا ورَّاثًا دون مَن عداهم ممَّن ورِثَ رغائب الأموال والذَّخائرِ وكرائمهما.
{الذين يَرِثُونَ الفردوس} بيانٌ لما يرثونَه وتقييدٌ للوراثة بعد إطلاقها وتفسيرٌ لها بعد إبهامِها تفخيمًا لشأنها ورفعها لمحلِّها وهي استعارةٌ لاستحقاقهم الفِردوسَ بأعمالهم حسبما يقتضيه الوعدُ الكريمُ للمبالغة فيه. وقيل إنَّهم يرثون من الكفَّارِ منازلهم فيها حيث فوَّتُوها على أنفسِهم لأنَّه تعالى خلقَ لكلِّ إنسان منزلًا في الجنَّةِ ومنزلًا في النَّارِ. {هُمْ فِيهَا} أي في الفردوسِ. والتَّأنيثُ لأنَّه اسمٌ للجنَّةِ أو لطبقتهم العُليا وهو البستان الجامعُ لأصناف الثَّمرِ. رُوي أنَّه تعالى بَنَى جنَّة الفِردوسِ لبنةً من ذهبٍ ولَبنةً من فضَّةٍ وجعلَ خلالَها المسكَ الأذفرَ، وفي روايةٍ ولبنةً من مسكٍ مذريَ وغرسَ فيها من جيِّدِ الفاكهةِ وجيِّدِ الرَّيحانِ. {خالدون} لا يخرجُون منها أبدًا والجملة إمَّا مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لما قبلها وإمَّا حالٌ مقدَّرةٌ من فاعل يرثون أو مفعولهِ إذ فيها ذِكرُ كلَ منهما. ومعنى الكلامِ لا يموتُون ولا يخرجون منها. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون}.
قائمون بحفظها وإصلاحها، وأصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه، ثم استعمل في الحفظ مطلقًا.
والأمانات جمع أمانة وهي في الأصل مصدر لكن أريد بها هنا ما ائتمن عليه إذ الحفظ للعين لا للمعنى وأما جمعها فلا يعين ذلك إذ المصادر قد تجمع كما قدمنا غير بعيد، وكذا العهد مصدر أريد به ما عوهد عليه لذلك، والآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الناس كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والايمان والنذور والعقود ونحوها، وجمعت الأمانة دون العهد قيل لأنها متنوعة متعددة جدًا بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العد.
وجوز بعض المفسرين كونها خاصة فيما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الناس وليس بذاك، ويجوز عندي أن يراد بالأمانات ما ائتمنهم الله تعالى عليه من الأعضاء والقوى، والمراد برعيها حفظها عن التصرف بها على خلاف أمره عز وجل.
وأن يراد بالعهد ما عاهدهم الله تعالى عليه مما أمرهم به سبحانه بكتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمراد برعيه حفظه عن الإخلال به وذلك بفعله على أكمل وجه فحفظ الأمانات كالتخلية وحفظ العهد كالتحلية.
وكأنه جل وعلا بعد أن ذكر حفظهم لفروجهم ذكر حفظهم لما يشملها وغيرها، ويجوز أن تعمم الأمانات بحيث تشمل الأوال ونحوها وجمعها لما فيها لمن التعدد المحصوص المشاهد فتأمل.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو في رواية {لأمانتهم} بالإفراد، {والذين هُمْ على صلواتهم} المكتوبة عليهم كما أخرج ابن المنذر عن أبي صالح.
وعبد بن حميد عن عكرمة {يُحَافِظُونَ} بتأديتها في أوقاتها بشروطها وإتمام ركوعها وسجودها وسائر أركانها كما روى عن قتادة.
وأخرج جماعة عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله تعالى يكثر ذكر الصلاة في القرآن {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] {والذين هُمْ على صلواتهم يحافظون} [المعارج: 34] قال ذاك على مواقيتها قالوا: ما كنا نرى ذلك الأعلى فعلها وعدم تركها قال: تركها الكفر، وقيل: المحافظة عليها المواظبة على فعلها على أكمل وجه.
وجيء بالفعل دون الاسم كما في سائر رؤس الآي السابقة لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعت في قراءة السبعة ما عدا الأخوين وليس ذلك تكريرًا لما وصفهم به أولًا من الخشوع في جنس الصلاة للمغايرة التامة بين ماهنا وما هناك كما لا يخفى.
وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها، وتقديم الخشوع للاهتمام به فإن الصلاة بدونه كلا صلاة بالاجماع وقد قالوا: صلاة بلا خشوع جسد بلا روح، وقيل: تقديمه لعموم ما هنا له.
{أولئك} إشارة إلى المؤمنين باعتبار اتصافهم بما ذكر من الصفات وإيثارها على الإضمار للإشعار بامتيازهم بها عن غيرهم ونزولهم منزلة المشار إليهم حسًا، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو طبقتهم وبعد درجتهم في الفضل والشرف أي أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة {هُمُ الوارثون} أي الأحقاء أن يسموا وارثًا دون من عداهم ممن لم يتصف بتلك الصفات من المؤمنين، وقيل: ممن ورث رغائب الأموال والذخائر وكرائمها.
{الذين يَرِثُونَ الفردوس} صفة كاشفة أو عطف بيان أو بدل، وإياما كان ففيه بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيمًا لها وتأكيدًا، والفردوس أعلا الجنان، أخرج عبد بن حميد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أنس رضي الله تعالى عنه أن الربيع بنت نضير أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابنها الحرث بن سراقة أصيب يوم بدر أصابه سهم غرب فقالت: أخبرني عن حارثة فإن كان أصاب الجنة احتسبت وصبرت وإن كان لم يصب الجنة اجتهدت في الدعاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها جنان في جنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها» وعلى هذا لا إشكال في الحصر على ما أشرنا إليه أولًا فإن غير المتصف بما ذكر من الصفات وإن دخل الجنة لا يرث الفردوس التي هي أفضلها، وبتقدير إرثه إياها فهو ليس حقيقًا بأن يسمى وارثًا لما أن ذلك إنما يكون في الأغلب بعد كد ونصب، وإرثهم إياها من الكفار حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل منزلًا في الجنة ومنزلًا في النار.
وأخرج سعيد بن منصور وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزلة فذلك قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوارثون}» وقيل الإرث استعارة للاستحقاق وفي ذلك من المبالغة ما فيه لأن ازرث أقوى أسباب الملك، واختير الأول لأنه تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما صححه القرطبي {هُمْ فِيهَا} أي في الفردوس وهو على ما ذكره ابن الشحنة مما يؤنث ويذكر.
وذكر بعضهم أن التأنيث باعتبار أنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا، وقد تقدم لك تمام الكلام في الفردوس.
{خالدون} لا يخرجون منها أبدًا، والجملة إما مستأنفة مقررة لما قبلها وإما حال مقدرة من فاعل {يَرِثُونَ} أو مفعوله كما قال أبو البقاء إذ فيها ذكر كل منهما، ومعنى الكلام لا يموتون ولا يخرجون منها. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.
أي: قائمون عليها بحفظها وإصلاحها. والآية تحتمل العموم في كل ما اؤتمنوا عليه وعوهدوا، من جهة الله تعالى ومن جهة الخلق والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهودهم. ولذا عدت الخيانة في الأمانة من آيات النفاق في الحديث المشهور.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي: يحافظون عليها. وذلك أن لا يسهوا عنها ويؤدّوها في أوقاتها، ويقيموا أركانها، ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتم به أوصافها. وليس هذا تكريرًا لما وصفهم به أولًا. فإن الخشوع في الصلاة، غير المحافظة عليها. وتقديم الخشوع اهتمامًا به. حتى كأن الصلاة، لا يعتد به بدونه، أو لعموم هذا له. وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة، تعظيم لشأنها.
{أُولَئِكَ} أي: الجامعون لهذه الأوصاف: {هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} أي: الجنة: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: لا يخرجون منها أبدًا. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الفردوس: أنهم راعون لأماناتهم وعهدهم: أي محافظون على الأمانات، والعهود. والأمانة تشمل: كل ما استودعك الله، وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والعهود أيضًا تشمل: كل ما أخذ عليك العهد بحفظه، من حقوق الله، وحقوق الناس.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من حفظ الأمانات والعهود جاء مبينًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] وقوله تعالى في سأل سائل {والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المعارج: 32] وقوله في العهد {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] الآية. وقوله: {وَمَنْ أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] وقوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل: 91] وقد أوضحنا هذا في سورة الأنبياء في الكلام على قوله: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث} [الأنبياء: 78] الآية. وقوله: راعون: جمع تصحيح للراعي، وهو القائم على الشيء، بحفظ أو إصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية، وفي الحديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» الحديث، وقرأ هذا الحرف ابن كثير وحده: لأمانتهم بغير ألف بعد النون، على صيغة الإفراد والباقون بألف بعد النون، على صيغة الجمع مؤنث السالم.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الفردوس: أنهم يحافظون على صلواتهم والمحافظة عليها تشمل إتمام أركانها، وشروطها، وسننها، وفعلها في أوقاتها في الجماعات في المساجد، ولأجل أن ذلك من أسباب نيل الفردوس أمر تعالى بالمحافظة عليها في قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] الآية. وقال تعالى في سورة المعارج {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34] وقال فيها أيضًا {إِلاَّ المصلين الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ} [المعارج: 22- 23] وذم وتوعد من لم يحافظ عليها في قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} [مريم: 59].