فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)}.
الأماناتُ مختلفةُ، وعند كلِّ أحدٍ أمانةٌ أخرى، فقومٌ عندهم الوظائفُ بظواهرهم، وآخرون عندهم اللطائُف في سرائرهم، ولقومٍ معاملاتُهم، ولآخرين منازلاتهُم، ولآخرين مواصلاتهم.
وكذلك عهودهم متفاوته فمنهم مَنْ عاهده ألا يَعْبُدَ سواه، ومنهم مَنْ عَاهَدَهُ ألا يشهدَ في الكونين سواه.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}.
لا تصادفهم الأوقات وهم غير مستعدين، ولا يدْعُوهم المُنَادِي وهم ليسوا بالباب، فهم في الصف الأول بظواهرهم، وكذلك في الصف الأول بسرائرهمْ.
{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}.
الإرث على حسب النَّسب، وفي استحقاق الفردوسِ بوصف الإرثِ لِنَسَبِ الإيمان في الأصل، ثم الطاعات في الفضل.
وكما في استحقاق الإرث تفاوتٌ في مقدار السهمان: بالفرض أو بالتعصيب- فكذلك في الطاعات؛ فمنهم مَنْ هم في الفردوس بنفوسهم، وفي الأحوال اللطيفة بقلوبهم، ثم هم خالدون بنفوسهم وقلوبهم جميعًا لا يبرحون عن منال نفوسهم ولا عن حالات قلوبهم. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} وقال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها}.
والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو البستان الذي فيه الاعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب الفراديس بالشام وانشد لجرير:
فقلت للركب إذ جد المسير بنا ** يا بعد من باب الفراديس

وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان وأن ثواب الله كل مخلد... جنان من الفردوس فيها يخلد. اهـ.

.تفسير الآيات (12- 16):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه الجنة المتضمن ذكرها للبعث، استدل على القدرة عليه بابتداء الخلق للإنسان، ثم لما هو أكبر منه من الأكوان، وما فيهما من المنافع، فلما ثبت ذلك شرع يهدد من استكبر عنه بإهلاك الماضين، وابتدأ بقصة نوح عليه الصلاة والسلام لأنه أول، ولأن نجاته كانت في الفلك المختوم به الآية التي قبله، وفي ذلك تذكير بنعمة النجاة فيه لأن الكل من نسله، فلما ثبت بالتهديد بإهلاك الماضين القدرة التامة بالاختيار، خوف العرب مثل ذلك العذاب، فلما تم زاجر الإنذار بالنقم شرع في الاستعطاف إلى الشكر بالنعم، بتمييز الإنسان على سائر الحيوان ونحو ذلك، ثم عاد إلى دلائل القدرة على البعث بالوحدانية والتنزه عن الشريك والولد- إلى آخرها، ثم ذكر في أول التي بعدها على ما ذكر هنا من صون الفروج، فذكر حكم من لم يصن فرجه وأتبعه ما يناسبه من توابعه.
ولما كان التقدير: فلقد حكمنا ببعث جميع العباد بعد الممات، فريقًا منهم إلى النعيم، وفريقًا إلى الجحيم، فإنا قادرون على الإعادة وإن تمزقتم وصرتم ترابًا فإنه تراب له أصل في الحياة، كما قدرنا على البداءة فلقد خلقنا أباكم آدم من تراب الأرض قبل أن يكون للتراب أصل في الحياة، عطف عليه قوله، دلالة على هذا المقدر واستدلالًا على البعث مظهرًا له في مقام العظمة، مؤكدًا إقامة لهم بإنكارهم للبعث مقام المنكرين: {ولقد خلقنا الإنسان} أي هذا النوع الذي تشاهدونه آنسًا بنفسه مسرورًا بفعله وحسه {من سلالة} أي شيء قليل، بما تدل عليه الصيغة كالقلامة والقمامة، انتزعناه واستخلصناه برفق، فكان على نهاية الاعتدال، وهي طينة آدم عليه الصلاة السلام، سلّها- بما له من اللطف- {من طين} أي جنس طين الأرض، روى الإمام أحمد وأبو داود والترميذي عن أبي موسى- رضي الله عنهم- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله خلق آدم عن قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك».
ولما ذكر سبحانه أصل الآدمي الأول الذي هو الطين الذي شرفه به لجمعه الطهورين، وعبر فيه بالخلق لما فيه من الخلط، لأن الخلق- كما مر عن الحرالي في أول البقرة: تقدير أمشاج ما يراد إظهاره بعد الامتزاج والتركيب صورة، مع أنه ليس مما يجري على حكمة التسبيب التي نعهدها أن يكون من الطين إنسان، أتبعه سبحانه أصله الثاني الذي هو أطهر الطهورين: الماء الذي منه كل شيء حي، معبرًا عنه بالجعل لأنه كما مر أيضًا إظهار أمر سبب وتصيير، وما هو من الطين مما يتسبب عنه من الماء ويستجلب منه وهو بسيط لا خلط فيه فلا تخليق له، وعبر بأداة التراخي لأن جعل الطين ماء مستبعد جدًا فقال: {ثم جعلناه} أي الطين أو هذا النوع المسلول من المخلوق من الطين بتطوير أفراده ببديع الصنع ولطيف الوضع {نطفة} اي ماء دافقًا لا أثر للطين فيه {في قرار} أي من الصلب والترائب ثم الرحم، مصدر جعل اسمًا للموضع {مكين} أي مانع من الأشياء المفسدة.
ولما كان تصيير الماء دمًا أمرًا بالغًا خارجًا عن التسبيب، وكانت النطفة التي هي مبدأ الآدمي تفسد تارة وتأخذ في التكون أخرى، عبر بالخلق لما يخلطها به مما تكتسبه من الرحم عند التحمير وقرنه بأداة التراخي فقال: {ثم} أي بعد تراخ في الزمان وعلو في الرتبة والعظمة {خلقنا} أي بما لنا من العظمة {النطفة} أي البيضاء جدًا {علقة} حمراء دمًا عبيطًا شديد الحمرة جامدًا غليظًا.
ولما كان ما بعد العلقة من الأطوار المتصاعدة مسببًا كل واحد منه عما قبله بتقدير العزيز العليم الذي اختص به من غير تراخ، وليس تسببه من العادة التي يقدر عليها غيره سبحانه، عبر بالفاء والخلق فقال: {فخلقنا العلقة مضغة} أي قطعة لحم صغيرة لا شكل فيها ولا تخطيط {فخلقنا المضغة} بتصفيتها وتصليبها بما سببنا لها من الحرارة والأمور اللطيفة الغامضة {عظامًا} من رأس ورجلين وما بينهما {فكسونا} بما لنا من قدرة الاختراع، تلك {العظام لحمًا} بما ولدنا منها ترجيعًا لحالها قبل كونها عظمًا، فسترنا تلك العظام وقويناها وشددناها بالروابط والأعصاب.
ولما كان التصوير ونفخ الروح من الجلالة بمكان أيّ مكان، أشار إليه بقوله: {ثم أنشأناه} أي هذا المحدث عنه بعظمتنا {خلقًا آخر} أي عظيمًا جليلًا متحركًا ناطقًا خصيمًا مبينًا بعيدًا من الطين جدًا؛ قال الرازي: وأصل النون والشين والهمزة يدل على ارتفاع شيء وسموه.
ولما كان هذا التفصيل لتطوير الإنسان سببًا لتعظيم الخالق: {فتبارك} أي ثبت ثباتًا لم يثبته شيء، بأن حاز جميع صفات الكمال، وتنزه عن كل شائبة نقص، فكان قادرًا على كل شيء، ولو داناه شيء من عجز لم يكن تام الثبات، ولذلك قال: {الله} فعبر بالاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى؛ وأشار إلى جمال الإنسان بقوله: {أحسن الخالقين} أي المقدرين، أي قدر هذا الخلق العجيب هذا التقدير، ثم طوره في أطواره ما بين طفل رضيع، ومحتلم شديد، وشاب نشيط، وكهل عظيم، وشيخ هرم- إلى ما بين ذلك من شؤون لا يحيط بها إلا اللطيف الخبير.
ولما كانت إماتة ما صار هكذا- بعد القوة العظيمة والإدراك التام- من الغرائب، وكان وجودها فيه وتكرارها عليه في كل وقت قد صيرها أمرًا مألوفًا، وشيئًا ظاهرًا مكشوفًا، وكان عتو الإنسان على خالقه وتمرده ومخالفته لأمره نسيانًا لهذا المألوف كالإنكار له، أشار إلى ذلك بقوله تعالى مسببًا مبالغًا في التأكيد: {ثم إنكم} ولما كان من الممكن ليس له من ذاته إلا العدم، نزع الجار فقال: {بعد ذلك} أي الأمر العظيم من الوصف بالحياة والمد في العمر في آجال متفاوتة {لميتون} وأشار بهذا النعت إلى أن الموت أمر ثابت للإنسان حيّ في حال حياته لازم له، بل ليس لممكن من ذاته إلا العدم.
ولما تقرر بذلك القدرة على البعث تقررًا لا يشك فيه عاقل، قال نافيًا ما يوهمه إعراء الظرف من الجار: {ثم إنكم} وعين البعث الأكبر التام، الذي هو محط الثواب والعقاب، لأن من أقر بما هو دونه من الحياة في القبر وغيرها، فقال: {يوم القيامة} أي الذي يجمع فيه جميع الخلائق {تبعثون} فنقصه عن تأكيد الموت تنبيهًا على ظهوره، ولم يخله عن التأكيد لكونه على خلاف العادة، وليس في ذكر هذا نفي للحياة في القبر عند السؤال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)}.
اعلم أنه سبحانه لما أمر بالعبادات في الآية المتقدمة، والاشتغال بعبادة الله لا يصح إلا بعد معرفة الإله الخالق، لا جرم عقبها بذكر ما يدل على وجوده واتصافه بصفات الجلال والوحدانية فذكر من الدلائل أنواعًا:
النوع الأول: الاستدلال بتقلب الإنسان في أدوار الخلقة وأكوان الفطرة وهي تسعة:
المرتبة الأولى: قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ} والسلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر، فُعالة وهو بناء يدل على القلة كالقُلامة والقُمامة، واختلف أهل التفسير في الإنسان فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل: المراد منه آدم عليه السلام فآدم سل من الطين وخلقت ذريته من ماء مهين، ثم جعلنا الكناية راجعة إلى الإنسان الذي هو ولد آدم، والإنسان شامل لآدم عليه السلام ولولده، وقال آخرون: الإنسان هاهنا ولد آدم والطين هاهنا اسم آدم عليه السلام، والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المني صارت منيًا، وهذا التفسير مطابق لقوله تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مهِين} [السجدة: 7، 8] وفيه وجه آخر، وهو أن الإنسان إنما يتولد من النطفة وهي إنما تتولد من فضل الهضم الرابع وذلك إنما يتولد من الأغذية، وهي إما حيوانية وإما نباتية، والحيوانية تنتهي إلى النباتية، والنبات إنما يتولد من صفو الأرض والماء فالإنسان بالحقيقة يكون متولدًا من سلالة من طين، ثم إن تلك السلالة بعد أن تواردت على أطوار الخلقة وأدوار الفطرة صارت منيًا، وهذا التأويل مطابق للفظ ولا يحتاج فيه إلى التكلفات.
المرتبة الثانية: قوله تعالى: {ثُمَّ جعلناه نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولًا طينًا، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة فصار الرحم قرارًا مكينًا لهذه النطفة والمراد بالقرار موضع القرار وهو المستقر فسماه بالمصدر ثم وصف الرحم بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها كقولك طريق سائر أو لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت من حيث هي وأحرزت.