فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

وعطف {وشجرة} على جنات وهي شجرة الزيتون وهي كثيرة بالشام.
وقال الجمهور {سيناء} اسم الجبل كما تقول: جبل أحد من إضافة العام إلى الخاص.
وقال مجاهد: معنى {سيناء} مبارك.
وقال قتادة: معناه الحسن والقولان عن ابن عباس.
وقيل الحسن بالحبشة.
وقيل: بالنبطية.
وقال معمر عن فرقة: معناه ذو شجر.
وقيل: {سيناء} اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده قاله مجاهد أيضًا.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والحسن بكسر السين وهي لغة لبني كنانة، وقرأ عمر بن الخطاب وباقي السبعة بالفتح وهي لغة سائر العرب، وقرأ سيني مقصورًا وبفتح السين والأصح أن {سيناء} اسم بقعة وأنه ليس مشتقًا من السناء لاختلاف المادتين على تقدير أن يكون سيناء عربي الوضع لأن نون السناء عين الكلمة وعين سيناء ياء.
وقرأ الجمهور {تنبت} بفتح التاء وضم الباء والباء في {بالدهن} على هذا باء الحال أي {تنبت} مصحوبة {بالدهن} أي ومعها الدهن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسلام وسهل ورويس والجحدري بضم التاء وكسر الباء، فقيل {بالدهن} مفعول والباء زائدة التقدير تنبت الدهن.
وقيل: المفعول محذوف أي {تنبت} جناها و{بالدهن} في موضع الحال من المفعول المحذوف أي تنبت جناها ومعه الدهن.
وقيل: أنبت لازم كنبت فتكون الباء للحال، وكان الأصمعي ينكر ذلك ويتهم من روى في بيت زهير:
قطينا بها حتى إذا أنبت البقل

بلفظ أنبت، وقرأ الحسن والزهري وابن هرمز بضم التاء وفتح الباء مبنيًا للمفعول و{بالدهن} حال.
وقرأ زر بن حبيش بضم التاء وكسر الباء الدهن بالنصب.
وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب بالدهان بالألف، وما رووا من قراءة عبد الله {يخرج الدهن} وقراءة أُبي {تثمر بالدهن} محمول على التفسير لمخالفته سواد المصحف المجمع عليه، ولأن الرواية الثابتة عنهما كقراءة الجمهور والصبغ الغمس والائتدام.
وقال مقاتل: الصبغ الزيتون والدهن الزيت جعل تعالى في هذه الشجرة تأدمًا ودهنًا.
وقال الكرماني: القياس أن يكون الصبغ غير الدهن لأن المعطوف غير المعطوف عليه.
وقرأ الأعمش {وصبغًا} بالنصب، وقرأ عامر بن عبد الله {وصباغ} بالألف، فالنصب عطف على موضع {بالدهن} كان في موضع الحال أو في موضع المفعول، والصباغ كالدبغ والدباغ وفي كتاب ابن عطية.
وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعًا {للآكلين} كأنه يريد تفسير الصبغ.
ذكر تعالى شرف مقر هذه الشجرة وهو الجبل الذي كلم الله فيه نجيه موسى عليه السلام، ثم ذكر ما فيها من الدهن والصبغ ووصفها بالبركة في قوله: {من شجرة مباركة زيتونة} قيل: وهي أول شجرة نبتت بعد الطوفان {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها} تقدم تفسير نظير هذه الجملة في النحل {ولكم فيها منافع} من الحمل والركوب والحرث والانتفاع بجلودها وأوبارها، ونبه على غزارة فوائدها وألزامها وهو الشرب والأكل، وأدرج باقي المنافع في قوله: {ولكم فيها منافع كثيرة} ثم ذكر ما تكاد تختص به بعض الأنعام وهو الحمل عليها وقرنها بالفلك لأنها سفائن البر كما أن {الفلك} سفائن البحر.
قال ذو الرمة:
سفينة بر تحت خدي زمامها

يريد صيدح ناقته. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَشَجَرَةً} بالنَّصبِ عطف على جنَّاتٍ. وقرئ بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ دلَّ عليه ما قبله أي وممَّا أُنشىء لكم به شجرةٌ وتخصيصها بالذِّكرِ من بين سائر الأشجار لاستقلالِها بمنافعَ معروفةٍ قيل هي أوَّلُ شجرةٍ نبتت بعد الطُّوفانِ. وقوله تعالى: {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} وهو جبلُ موسى عليه السَّلامُ بين مصرَ وأيلة وقيل بفلسطينَ ويقال له طورُ سينين فإمَّا أنْ يكون الطُّورُ اسم الجبل وسيناءُ اسمَ البُقعةِ أُضيف إليها، أو المركَّب منهم عَلَم له كامرئ القيس. ومُنع صرفُه على قراءةِ من كسر السِّينَ للتَّعريفِ والعُجمةِ أو التَّأنيثِ على تأويل البُقعةِ لا للألف لأنَّه فِيعالٌ كدِيماسٍ من السَّناءِ بالمدِّ وهو الرِّفعةُ أو بالقصر وهو النُّورُ أو ملحق بفعلال كعلباء من السِّين إذ لا فعلاء بألف التَّأنيثِ بخلاف سيناء فإنه فَيعالٌ ككَيْسانَ أو فَعْلأَ كصَحْراءَ إذ لا فَعلال في كلامِهم وقرئ بالكسرِ والقصرِ. والجملةُ صفةٌ لشجرةً وتخصيصها بالخروج منه مع خروجِها من سائر البقاعِ أيضًا لتعظيمها ولأنَّه المنشأُ الأصليُّ لها. وقولُه تعالى: {تَنبُتُ بالدهن} صفة أخرى لشجرةً والياء متعلِّقة بمحذوفٍ وقع حالًا منها أي تنبتُ ملتبسةً به. ويجوزُ كونُها صلةً معدية أي تنبتُه بمعنى تتضمَّنه وتحصِّله، فإنَّ النَّباتَ حقيقةً صفةٌ للشَّجرةِ لا للدُّهنِ. وقرئ تُنبت من الإفعالُ وهو إمَّا من الإنباتِ بمعنى النَّباتِ كما في قولِ زُهيرٍ:
رَأيتُ ذَوي الحاجاتِ حولَ بيوتهِم ** قَطينًا لهم حتَّى إذا أنبتَ البقلُ

أو على تقديرِ تُنبت زيتونَها مُلتبِسًا بالدُّهنِ. وقرئ على البناءِ للمفعول وهو كالأوَّلِ وتُثمر بالدُّهنِ وتخرُج بالدُّهنِ وتنبت بالدِّهانِ. {وَصِبْغٍ لّلاكِلِيِنَ} معطوف على الدُّهنِ جارٍ على إعرابه عطف أحد وصفَيْ الشَّيءِ على الآخرِ أي تنبت بالشَّيءِ الجامع بين كونهِ دُهنًا يُدهنُ به ويُسرجُ منه وكونهِ إدامًا يُصبغ فيه الخبز أي يُغمس فيه للائتدامِ. وقرئ وصباغٍ كدباغٍ في دِبْغٍ.
{وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً} بيان النِّعم الفائضة عليهم من جهة الحيوانِ إثرَ بيانِ النِّعم الواصلةِ إليهم من جهة الماءِ والنَّبات وقد بُيِّن أنَّها مع كونِها في نفسِها نعمةً ينتفعون بها على وجوهٍ شتى عبرةٌ لابد من أنْ يعتبرُوا بها ويستدلُّوا بأحوالها على عظيم قُدرة اللَّهِ عز وجلَّ وسابغ رحمته ويشكروه ولا يكفروه وخُصَّ هذا بالحيوان لما أنَّ محلَّ العبرة فيه أظهرُ ممَّا في النَّباتِ. وقولُه تعالى: {نُّسْقِيكُمْ مّمَّا في بُطُونِهَا} تفصيلٌ لما فيها من مواقعِ العبرةِ وما في بطونِها عبارة إمَّا عن الألبانِ فمِن تبعيضيةٌ. والمرادُ بالبطونِ الجَوفُ، أو عن العلف الذي يتكوَّن منه اللَّبنُ فمن ابتدائيةٌ والبطون على حقيقتها. وقرئ بفتح النُّونِ وبالتَّاءِ أي تسقيكم الأنعامُ. {وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ} غيرُ ما ذُكر من أصوافِها وأشعارِها {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فتنتفعون بأعيانها كما تنتفعون بما يحصُل منها.
{وَعَلَيْهَا} أي على الأنعامِ فإنَّ الحملَ عليها لا يقتضي الحملَ على جميعِ أنواعِها بل يتحقَّقُ بالحمل على البعضِ كالإبل ونحوِها. وقيل المرادُ هي الإبلُ خاصَّة لأنَّها هي المحمولُ عليها عندهم والمناسبُ للفلك فإنَّها سفائنُ البرِّ قال ذُو الرُّمَّةِ:
سفينةُ بَرَ تحتَ خَدِّي زِمامُها

فالضَّميرُ فيهِ كما في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} {وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي في البرِّ والبحرِ. وفي الجمع بينها وبين الفُلكِ في إيقاع الحملِ عليها مبالغةٌ في تحمُّلِها للحملِ وهو الدَّاعي إلى تأخير ذكرِ هذه المنفعةِ مع كونِها من المنافعِ الحاصلةِ منها عن ذكرِ منفعةِ الأكلِ المتعلِّقة بعينِها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَشَجَرَةً} بالنصب عطف على {جنات} [المؤمنون: 19]، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، والأولى تقديره مقدمًا أي أنشأنا لكن شجرة {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} وهو جبل موسى عليه السلام الذي ناجى ربه سبحانه عنده وهو بين مصر وابلة، ويقال لها اليوم العقبة، وقيل بفلسطين من أرض الشام، ويقال له طور سينين، وجمهور العرب على فتح سين سيناء والمد.
وبذلك قرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ويعقوب وأكثر السبعة وهو اسم للبقعة.
والطور اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو مضاف إلى {سَيْنَاء} كما أجمعوا عليه.
ويقصد تنكيره على الأول كما في سائر الأعلام إذا أضيفت، وعلى الثاني يكون طور سيناء كمنارة المسجد.
وجوز أن يكون كامرئ القيس بمعنى أنه جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علمًا على ذلك العلم، وقيل سيناء اسم لحجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وروي هذا عن مجاهد، وفي الصحاح طور سيناء جبل بالشام وهو طور أضيف إلى سيناء وهو شجر. وقيل هو اسم الجبل. والإضافة من إضافة العام إلى الخاص كما في جبل أحد.
وحكى هذا القول في البحر عن الجمهور لكن صحح القول بأنه اسم البقعة وهو ممنوع من الصرف للألف الممدودة فوزنه فعلاء كصحراء، وقيل: منع من الصرف للعلمية والعجمة، وقيل: للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة ووزنه فيعال لا فعلال إذ لا يوجد هذا الوزن في غير المضاعف في كلام العرب إلا نادرًا كخزعال لظلع الإبل حكاه الفراء ولم يثبته أبو البقاء، والأكثرون على أنه ليس بعربي بل هو أمانبطي أو حبشي واصل معناه الحسن أو المبارك، وجوز بعض أن يكون عربيًا من السناء بالمد وهو الرفعة أو السنا بالقصر وهو النور.
وتعقبه أبو حيان بأن المادتين مختلفتان لأن عين السناء أو السنا نون وعين سيناء ياء.
ورد بأن القائل بذلك يقول إنه فيعال ويجعل عينه النون وياءه مزيدة وهمزته منقلبة عن واو، وقرأ الحرميان وأبو عمرو والحسن {سَيْنَاء} بكسر السين والمد وهي لغة لبني كنانة وهو أيضًا ممنوع من الصرف للألف الممدودة عند الكوفيين لأنهم يثبتون أن همزة فعلاء تكون للتأنيث.
وعند البصريين ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث لأن ألف فعلاء عندهم لا تكون للتأنيث بل للالحاق بفعلال كعلباء وحرباء وهو ملحق بقرطاس وسرداح وهمزته منقلبة عن واو أو ياء لأن الإلحاق يكون بهما، وقال أبو البقاء: همزة سيناء بالكسر أصل مثل حملاق وليست للتأنيث إذ ليس في الكلام مثل حمراء والياء أصل إذ ليس في الكلام سناء، وجوز بعضهم أن يكون فيعالا كديماس، وقرأ الأعمش {سينا} بالفتح والقصر، وقرئ {سينا} بالكسر والقصر فألفه للتأنيث أن لم يكن أعجميًا، والمراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون وتخصيصها بالذكر من بين سائر الأشجار لاستقلالها بمنافع معروفة.