فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا}.
قراءة الجمهور بضم الميم وفتح الزاي، وقرأ عاصم في رواية بكر بفتح الميم وكسر الزاي والفرق بينهما أن المُنزَلَ بالضم فعل النزول وبالفتح موضع النزول.
{وَأَنتَ خَيْرٌ الْمُنزِلِينَ} في ذلك قولان: أحدهما: أن نوحًا قال ذلك عند نزوله في السفينة فعلى هذا يكون قوله مباركًا يعني بالسلامة والنجاة.
الثاني: أنه قاله عند نزوله من السفينة، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون قوله مباركًا يعني بالماء والشجر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِذَا استويت} أي علوْت.
{أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك} راكبين.
{فَقُلِ الحمد للَّهِ} أي احمدوا الله على تخليصه إياكم.
{مِنَ القوم الظالمين} ومن الغرق.
والحمد لله: كلمة كل شاكر لله.
وقد مضى في الفاتحة بيانه.
قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا} قراءة العامة {مُنْزَلا} بضم الميم وفتح الزاي، على المصدر الذي هو الإنزال؛ أي أنزلني إنزالًا مباركًا.
وقرأ زِرّ بن حُبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل {مَنزِلا} بفتح الميم وكسر الزاي على الموضع؛ أي أنزلني موضعًا مباركًا.
الجوهري: المَنْزَل بفتح الميم والزاي النزول وهو الحلول؛ تقول: نزلت نزولًا ومَنْزَلًا.
وقال:
أأنْ ذكّرتك الدارُ مَنْزَلهَا جُمْلُ ** بكيتَ فدمعُ العين مُنْحَدرٌ سَجْلٌ

نصب {المَنْزَل} لأنه مصدر. وأنزله غيره واستنزله بمعنى. ونزله تنزيلًا؛ والتنزيل أيضًا الترتيب.
قال ابن عباس ومجاهد: هذا حين خرج من السفينة؛ مثل قوله تعالى: {اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} [هود: 48].
وقيل: حين دخلها؛ فعلى هذا يكون قوله: {مباركًا} يعني بالسلامة والنجاة.
قلت: وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا؛ بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلّموا قالوا.
وروي عن على رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد قال: اللهم أنزلني منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين.
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ} أي في أمر نوح والسفينة وإهلاك الكافرين.
{لآيَاتٍ} أي دلالات على كمال قدرة الله تعالى، وأنه ينصر أنبياءه ويهلك أعداءهم.
{وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} أي ما كنا إلا مبتلين الأمم قبلكم؛ أي مختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي فيتبيّن للملائكة حالهم؛ لا أن يستجد الرب علمًا.
وقيل: أي نعاملهم معاملة المختبرين.
وقد تقدم هذا المعنى في البقرة وغيرها. وقيل: {وإن كُنا} أي وقد كنا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى} في السَّفينةِ أو منها {مُنزَلًا مُّبَارَكًا} أيْ إنزالًا أو موضعَ إنزالٍ يستتبعُ خيرًا كثيرًا. وقرئ مَنْزلًا أي موضعَ نزولٍ {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} أُمر عليه السَّلامُ بأنْ يشفع دعاءه بما يُطابقه من ثنائه عز وجلَّ توسُّلًا به إلى الإجابةِ. وإفرادُه عليه السَّلامُ بالأمر مع شركة الكلِّ في الاستواءِ والنَّجاةِ لإظهار فضله عليه السَّلامُ والإشعارِ بأنَّ في دُعائه وثنائِه مندوحةً عمَّا عداهُ.
{إِنَّ في ذَلِكَ} الذي ذُكر ممَّا فُعل له عليه السَّلامُ وبقومِه {لاَيَاتٍ} جليلةً يستدلُّ بها أُولو الأبصارِ ويعتبر بها ذَوُو الاعتبار {وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} إنْ مخفَّفةٌ من أنَّ واللامُ فارقةٌ بينها وبين النَّافيةِ. وضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ أي وإنَّ الشَّأنَ كُنَّا مصيبين قومَ نوحٍ ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآياتِ عبادَنا لننظر مَن يعتبرُ ويتذكَّر، كقولِه تعالى: {وَلَقَدْ تركناها ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ}.
من أهلك وأتباعك {عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ الذى نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين} فإن الحمد على الإنجاء منهم متضمن للحمد على إهلاكهم، وإنما قيل ما ذكر ولم يقل فقل الحمد لله الذي أهلك القوم الظالمين لأن نعمة الإنجاء أتم، وقال الخفاجي: إن في ذلك إشارة إلى أنه لا ينبغي المسرة بمصيبة أحد ولو عدوا من حيث كونها مصيبة له بل لما تضمنته من السلامة من ضرره أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله.
وأنت تعلم أن الحمد هنا رديف الشكر فإذا خص بالنعمة الواصلة إلى الشاكر لا يصح أن يتعلق بالمصيبة من حيث أنها مصيبة وهو ظاهر، وفي أمره عليه السلام بالحمد على نجاة أتباعه إشارة إلى أنه نعمة عليه أيضًا.
{وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى} في الفلك {مُنزَلًا} أي إنزالًا أو موضع إنزال {مُبَارَكًا} يتسبب لمزيد الخير في الدارين {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} أي من يطلق عليه ذلك، والدعاء بذلك إذا كان بعد الدخول فالمراد إدامة ذلك الإنزال ولعل المقصود إدامة البركة، وجوز أن يكون دعاء بالتوفيق للنزول في أبرك منازلها لأنها واسعة، وإن كان قبل الدخول فالأمر واضح.
وروى جماعة عن مجاهد أن هذا دعاء أمر نوح عليه السلام أن يقوله عند النزول من السفينة فالمعنى رب أنزلني منها في الأرض منزلًا الخ، وأخذ منه قتادة ندب أن يقول راكب السفينة عند النزول منها {رَّبّ أَنزِلْنِى} الخ، واستظهر بعضهم الأول إذ العطف ظاهر في أن القولين وقت الاستواء، وأعاد {قُلْ} لتعدد الدعاء، والأول متضمن دفع مضرة ولذا قدم وهذا لجلب منفعة.
وأمره عليه السلام أن يشفع دعاءه ما يطابقه من ثنائه عز وجل توسلًا به إلى الإجابة فإن الثناء على المحسن يكون مستدعيًا لإحسانه.
وقد قالوا: الثناء على الكريم يغني عن سؤاله، وإفراده عليه السلام بالأمر مع شركة الكل في الاستواء لإظهار فضله عليه السلام وأنه لا يليق غيره منهم للقرب من الله تعالى والفوز بعز الحضور في مقام الإحسان مع الإيماء إلى كبريائه عز وجل وأنه سبحانه لا يخاطب كل أحد من عباده والإشعار بأن في دعائه عليه السلام وثنائه مندوحة عما عداه.
وقرأ أبو بكر، والمفضل، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبان {مُنزَلًا} بفتح الميم وفتح الزاي أي مكان نزول. وقرأ أبو بكر عن عاصم {مُنزَلًا} بفتح الميم وكسر الزاي.
قال أبو علي: يحتمل أن يكون المنزل على هذه القراءة مصدرًا وأن يكون موضع نزول.
{إِنَّ في ذَلِكَ} الذي ذكر مما فعل به عليه السلام وبقومه {لآيات} جليلة يستدل بها أولوا الأبصار ويعتبر ذوو الاعتبار {وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} إن مخففة من إن واللام فارقة بينها وبين إن النافية وليست إن نافية واللام بمعنى إلا والجملة حالية أي وإن الشأن كنا مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا للنظر من يعتبر ويتذكر، والمراد معاملين معاملة المختبر وهذا كقوله تعالى: {وَلَقَدْ تركناها ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 15]. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي}.
أي: في السفينة أو منها: {مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} أي: لمن أنزلته منزل قربك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما فعل بنوح وقومه: {لَآيات} أي: يَستدل بها ويعتبر أولو الأبصار: {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} أي: مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد. أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا، لننظر من يعتبر ويدّكر. كقوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]، وإن مخففة على الأصح- وقيل نافية. واللام بمعنى إلا والجملة حالية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ}.
الاستواء: الاعتلاء.
وتقدم عند قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} في سورة الأعراف (54).
وإطلاق الاستواء على الاستقرار في داخل السفينة مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق وإلا فحقيقة الاستقرار في الفلك أنه دخول.
وأُتي بحرف الاستعلاء دون حرف الظرفية لأنه الذي يتعدى به معنى الاعتلاء إيذانًا بالتمكن من الفلك فهو ترشيح للمجاز.
والتنجية من القوم الظالمين: الإنجاء من أذاهم والكوننِ فيهم لأن في الكون بينهم مشاهدة كفرهم ومناكرهم وذلك مما يؤذي المؤمن.
والظلم: يجوز أن يراد به الشرك كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]، ويجوز أن يراد به الاعتداء على الحق لأن الكافرين كانوا يؤذون نوحًا والمؤمنين بشتَّى الأذى باطلًا وعدوانًا وإنما كان ذلك إنجاء لأنهم قد استقلوا بجماعتهم فسلموا من الاختلاط بأعدائهم.
وقد ألهمه الله بالوحي أن يحمَد ربه على ما سَهَّل له من سبيل النجاة وأن يسأله نزولًا في منزل مبارك عقب ذلك الترحل، والدعاءُ بذلك يتضمن سؤال سلامة من غرق السفينة.
وهذا كالمحامد التي يُعلمها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم يوم الشفاعة.
فيكون في ذلك التعليم إشارة إلى أنه سيتقبَّل ذلك منه.
وجملة {وأنت خير المنزلين} في موضع الحال. وفيها معنى تعليل سؤاله ذلك، وقرأ الجمهور {مُنَزلًا} بضم الميم وفتح الزاي وهو اسم مفعول من أنزله على حذف المجرور، أي مُنزَلا فيه.
ويجوز أن يكون مصدرًا، أي إنزالًا مباركًا، والمعنيان متلازمان، وقرأه أبو بكر عن عاصم بفتح الميم وكسر الزاي، وهو اسم لمكان النزول.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)}.