فصل: قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {قال ربِّ انصرني}.
وقرأ عكرمة، وابن محيصن: {قال ربُّ} بضم الباء، وفي القصة الأخرى [المؤمنون: 39].
قوله تعالى: {بما كذَّبونِ} وقرأ يعقوب: {كذَّبوني} بياء، وفي القصة التي تليها أيضًا: {فاتقوني} [المؤمنون: 52] {أن يَحْضُروني} [المؤمنون: 98] {ربِّ ارجِعوني} [المؤمنون: 99] {ولا تكلِّموني} [المؤمنون: 108] أثبتهن في الحالين يعقوب، والمعنى: انصرني بتكذيبهم، أي: انصرني بإهلاكهم جزاءً لهم بتكذيبهم.
{فأوحينا إِليه} قد شرحناه في [هود: 37] إِلى قوله: {فاسلك فيها} أي: أدخل في سفينتك {من كلٍّ زوجين اثنين} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {من كلّ} بكسر اللام من غير تنوين، وقرأ حفص عن عاصم: {من كلٍّ} بالتنوين.
قال أبو علي: قراءة الجمهور إِضافة {كلّ} إِلى {زوجين}، وقراءة حفص تؤول إِلى زوجين، لأن المعنى: من كل الأزواج زوجين.
قوله تعالى: {وقُلْ ربِّ أنزلني مُنْزَلًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {مُنْزَلًا} بضم الميم.
وروى أبو بكر عن عاصم فتحها.
والمَنزِلُ، بفتح الميم: اسم لكل ما نزلتَ به، والمُنْزَلُ، بضمها: المصدر بمعنى الإِنزال؛ تقول: أنزلتُه إِنزالًا ومُنْزَلًا.
وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان:
أحدهما: عند نزوله في السفينة.
والثاني: عند نزوله من السفينة.
قوله تعالى: {إِن في ذلك} أي: في قصة نوح وقومه {لآيات وإِنْ كُنَّا} أي: وما كنا {لَمُبْتَلِينَ} أي: لمختبرين إِياهم بإرسال نوح إِليهم. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}.
لما ذكر أولًا بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سببًا لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالًا لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال الله رسلًا المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولًا آدم في قوله: {من سلالة من طين} ولقصته أيضًا مناسبة بما قبلها إذ قبلها {وعلى الفلك تحملون} فذكر قصة من صنع الفلك أولًا وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة الله، كل هذه القصص يحذر بها قريشًا نقم الله ويذكرهم نعمه.
{ما لكم من إله غيري} جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفردًا بالإلهية فكأنها تعليل لقوله: {اعبدوا الله} {أفلا تتقون} أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره {فقال الملأ} أي كبراء الناس وعظماؤهم، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير.
{ما هذا إلاّ بشر مثلكم} أي مساويكم في البشرية.
{فأنى تؤفكون} اختصاص بالرسالة.
{يريد أن يتفضل عليكم} أي يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} هذا يدل على أنهم كانوا مقرين بالملائكة وهذه شنشنة قريش ودأبها في استبعاد إرسال الله البشر، والإشارة في هذا تحتمل أن تكون لنوح عليه السلام، وأن تكون إلى ما كلمهم به من الأمر بعبادة الله ورفض أصنامهم، وأن يكون إلى ما أتى به من أنه رسول الله وهو بشر، وأعجب بضلال هؤلاء استبعدوا رسالة البشر واعتقدوا إلهية الحجر.
وقولهم {ما سمعنا بهذا} الظاهر أنهم كانوا مباهتين وإلاّ فنبوّة إدريس وآدم لم تكن المدة بينها وبينهم متطاولة بحيث تنسى فدافعوا الحق بما أمكنهم دفاعه، ولهذا قالوا {إن هو إلاّ رجل به جنة} ومعلوم عندهم أنه ليس بمجنون {فتربصوا به} أي انتظروا حاله حتى يجلى أمره وعاقبة خبره.
فدعا ربه تعالى بأن ينصره ويظفره بهم بسبب ما كذبوه.
وقال الزمخشري: يدل ما كذبون كما تقول: هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} انتهى.
وقرأ أبو جعفر وابن محيصن {قال رب} بضم الباء، وتقدم توجيهه في قوله: {قال رب احكم} بضم الباء وتقدم الكلام على أكثر تفسير ألفاظ هذه الآية في سورة هود، ونهاه تعالى أن يخاطبه في قومه بدعاء نجاة أو غيره وبين علة النهي بأنه تعالى قد حكم عليهم بالإغراق، وأمره تعالى بأن يحمده على نجاته وهلاكهم وكان الأمر له وحده وإن كان الشرط قد شمله ومن معه لأنه نبيهم وإمامهم وهم متبعوه في ذلك إذ هو قدوتهم.
قال مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلاّ ملك أو نبي انتهى.
ثم أمره أن يدعوه بأنه ينزله {منزلًا مباركًا} قيل وقال ذلك عند الركوب في السفينة.
وقيل: عند الخروج منها.
وقرأ الجمهور {مُنزلًا} بضم الميم وفتح الزاي فجاز أن يكون مصدرًا ومكانًا أي إنزالًا أو موضع إنزال.
وقرأ أبو بكر والمفضل وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبان: بفتح الميم وكسر الزاي أي مكان نزول {إن في ذلك} خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أي إن في ما جرى على هذه أمّة نوح لدلائل وعبرًا {وإن كنا لمبتلين} أي لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو لمختبرين بهذه الآيات عبادنا ليعتبروا كقوله: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر}. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}.
التفسير: لما أنجر الكلام في السورة المتقدمة إلى الختم بالصلاة والزكاة بدأ في هذه السورة بذكر فضائلهما وفضائل ما ينخرط في سلكهما من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات. وقد نقيضة لما لأنها تثبت المتوقع و لما تنفيه، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي إخبار بثبوت الفلاح لهم.
وقد مر معنى الإيمان والاختلاف فيه بين الأقوام في أول البقرة. وأما الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون، وترك الالتفات، والنظر إلى موضع السجود، والتوقي عن كف الثوب أي جمعه، والعبث بجسده وثيابه، والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم، والسدل بأن يضع وسط الثوب على رأسه أو على عاتقه ويرسل طرفيه، والاحتراز عن الفرقعة والتشبيك وتقليب الحصى، والاختصار وهو أن يمسك بيده عصًا أو سوطًا ونحوهما. وقال الحسن وابن سيرين: كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فلما نزلت هذه الآية طأطأ وكان لا يجاوز بصره مصلاة، وهذا الخشوع واجب عند المحققين. نقل الإمام الغزالي عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي: من لم يخشع فسدت صلاته. وعن الحسن: كلا صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وعن معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمدًا وهو في الصلاة فلا صلاة له. وروي عنه مرفوعًا: «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها وعشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها». وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته. ومما يدل على صحة هذا القول قوله سبحانه {افلا يتدبرون القرآن} [النساء: 82] والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله: {وأقم الصلاة لذكرى} [طه: 14] والغفلة تضاد الذكر ولهذا قال: {ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205] وقوله: {حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] نهي للسكران إلا أن المستغرق في هموم الدنيا بمنزلته. وقوله صلى الله عليه وسلم: «المصلي يناجي ربه» ولا مناجاة مع الغفلة أصلًا بخلاف سائر أركان الإسلام فإِن المقصود منها يحصل مع الغفلة، فإن الغرض من الزكاة كسر الحرص وإغناء الفقير، وكذا الصوم قاهر للقوي كاسر لسطوة النفس التي هي عدّو الله، وكذا الحج فإِن أفعاله شاقة وفيه من المجاهدة ما يحصل به الابتلاء وإن لم يكن القلب حاضرًا. والمتكلمون أيضًا اتفقوا على أنه لابد من الحضور والخشوع قالوا: لأن السجود لله تعالى طاعة، وللصنم كفر، وكل واحد منهما يماثل الآخر في ذاته ولوازمه، فلابد من مميز وما ذاك إلا القصد والإرادة ولابد فيهما من الحضور.
وأما الفقهاء فالأكثرون منهم لا يوجبون ذلك فيقال لهم: هبوا أنه ليس من شرط الإجزاء وهو عدم وجوب القضاء، أليس هو من شرط القبول الذي يترتب عليه الثواب؟ فمن استعار ثوبًا ثم ردّه على أحسن الوجوه فقد خرج عن العهدة، وكذا إن ردّه على وجه الإهانة والاستخفاف إلا أنه يستحق المدح في الصورة الأولى والذم في الصورة الثالنية.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابصر رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول: اللهم زّوجني الحور العين. فقال: بئس الخاطب أنت قلت: لا ريب أن الاحتياط إنما هو في رعاية جانب الخشوع كما حكي عن بعض العلماء أنه اختار الإمامة فقيل له في ذلك؟ فقال: أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي. وإن قرأت مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة، فاخترت الإمامة طلبًا للخلاص عن هذا الخلاف. قال علماء المعاني: سبب إضافة الصلاة إليهم هو أن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى لأجله، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته، وأما المصلى له فمتعال عن ذلك. ولما كان اللغو هو الساقط من القول أو الفعل احتمل أن يقع في الصلاة، وأيضًا كان الإعراض عنه من باب التروك كما أن الخشوع وهو استعمال الآداب وما لا يصح ولا تكمل الصلاة إلا به كان من باب الأفعال وعلى الفعل والترك بناء قاعدة التكليف فلا جرم جعلهما قرينين فقال: {والذين هم عن اللغو معرضون} واللغو على ما قلنا يشمل كل ما كان حرامًا أو مكروهًا أو مباحًا لا ضرورة إليه ولا حاجة قولًا أو فعلًا. فمن الحرام قوله تعالى حكاية عن الكفار {لا تسمعوا لهذا القرآن واللغو فيه} [فصلت: 26] فإِن ذلك اللغو كفر والكفر حرام. ومن المباح قوله: {لا يؤاخذكم الله بالغوا في أيمانكم} [البقرة: 225] ولو لم يكن مباحًا لم يناسبه عدم المؤاخذة. والإعراض عن اللغو هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه كما قال عز من قائل: {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} [الفرقان: 72] ثم وصفهم بفعل الزكاة وهو مناسب للصلاة. وليس المراد بالزكاة هاهنا عين القدر المخرج من النصاب لأن الخلق لا قدرة لهم على فعلها فلا يصح فقوله للمزكي فاعل الزكاة كقولك للضارب فاعل الضرب. وعن أبي مسلم أنه حمل الزكاة هاهنا على فعل محمود مرضي كقوله: {قد افلح من تزكى} [الأعلى: 14] والأول أقرب لأنه مناسب لعرف الشرع. الصفة الرابعة قوله: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم} قال الفراء: على بمعنى عن: وقال غيره: هو في موضع الحال أي إلا والين أو قوامين على أزواجهم نظيره قولهم كان زياد على البصرة اي واليًا عليها، والمعنى أنهم مستمرون على حفظ الفروج في كافة الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسربهم. أو تعلق الجار بمحذوف يدل عليه {غير ملومين} كأنه قيل: يلامون على كل من يباشرونه إلا على أزواجهم فإنهم غير ملومين عليهن، وجوّز في الكشاف أن يكون صلة لحافظين من قولهم احفظ على عنان فرسي على تضمينه معنى الفي أي لا تسلط على فرسي.