فصل: (سورة المؤمنون: الآيات 31- 32).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



. [سورة المؤمنون: الآيات 31- 32].

{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32)}.
{قَرْنًا آخَرِينَ} هم عاد قوم هود: عن ابن عباس رضي الله عنهما. وتشهد له حكاية اللّه تعالى قول هود: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء. فإن قلت: حق أرسل أن يعدى بإلى، كأخواته التي هي: وجه، وأنفذ، وبعث. فما باله عدّى في القرآن بإلى تارة، وبقي أخرى، كقوله: {كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ}، {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِير}، {فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا} أى في عاد. وفي موضع آخر {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا}؟ قلت: لم يعدّ بفي كما عدّى بإلى، ولم يجعل صلة مثله، ولكن الأمّة أو القرية جعلت موضعا للإرسال، كما قال رؤبة:
أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام

وقد جاء بعث على ذلك في قوله: {وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً}. أَنِ مفسرة لأرسلنا، أى: قلنا لهم على لسان الرسول اعْبُدُوا اللَّهَ.

. [سورة المؤمنون: الآيات 33- 34].

{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ (34)}.
فإن قلت: ذكر مقال قوم هود في جوابه في سورة الأعراف وسورة هود بغير واو: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ}، {قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ} وهاهنا مع الواو، فأى فرق بينهما؟ قلت: الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: قالوا كيت وكيت. وأما الذي مع الواو، فعطف لما قالوه على ما قاله. ومعناه: أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل، وشتان ما هما {بِلِقاءِ الْآخِرَةِ} بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب، كقولك: يا حبذا جوار مكة: أى جوار اللّه في مكة. حذف الضمير، والمعنى: من مشروبكم، أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه إِذًا واقع في جزاء الشرط، وجواب للذين قاولوهم من قومهم، أى: تخسرون عقولكم وتغبنون في آرائكم.

. [سورة المؤمنون: الآيات 35- 38].

{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)}.
ثنى {أَنَّكُمْ} للتوكيد، وحسن ذلك لفصل ما بين الأوّل والثاني بالظرف. ومخرجون: خبر عن الأول. أو جعل {أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} مبتدأ، {وإِذا مِتُّمْ} خبرا، على معنى: إخراجكم إذا متم، ثم أخبر بالجملة عن {أنكم}، أو رفع {أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} بفعل هو جزاء للشرط، كأنه قيل: إذا متم وقع إخراجكم، ثم أوقعت الجملة الشرطية خبرا عن إنكم. وفي قراءة ابن مسعود: {أيعدكم إذا متم}. اهـ.

.قال الخازن:

{قد أفلح المؤمنون}.
عن عمر بن الخطاب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فأنزل الله عليه يومًا فمكث ساعة ثم سري عنه فقرأ {قد أفلح المؤمنون} إلى عشر آيات من أولها. وقال: من أقام هذه العشر آيات دخل الجنة ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا اللهم أرضنا وأرض عنا» أخرجه الترمذي.
قوله عز وجلّ {قد أفلح المؤمنون} قال ابن عباس قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة وقيل الفلاح البقاء والنجاة {الذين هم في صلاتهم خاشعون} قال ابن عباس: مخبتون أذلاّء خاضعون.
وقيل خائفون وقيل: متواضعون وقيل الخشوع من أفعال القلب كالخوف والرهبة وقيل هو من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات وغض البصر.
وقيل لابد من الجمع بين أفعال القلب والجوارح وهو الأولى فالخاشع في صلاته لابد وأن يحصل له الخشوع في جميع الجوارح، فأما ما يتعلق بالقلب من الأفعال فنهاية الخضوع والتذلل للمعبود ولا يلتفت الخاطر إلى شيء سوى ذلك التعظيم.
وأما ما يتعلق بالجوارح فهو أن يكون ساكنًا مطرقًا ناظرًا إلى موضع سجوده.
وقيل الخشوع هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ق عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» الاختلاس هو الاختطاف عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الله مقبلًا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه» وفي رواية «أعرض عنه» أخرجه أبو داود والنسائي.
وقيل الخشوع هو أن لايرفع بصره إلى السماء خ عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم» وقال أبو هريرة «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل {الذين هم في صلاتهم خاشعون} رمقوا بأبصارهم إلى موضع السجود».
وقيل الخشوع هو أن لا يعبث بشيء من جسده في الصلاة لما روي «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه» ذكره البغوي بغير سند.
عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عمّا سوى الله والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر.
{والذين هم عن اللغو معرضون} قال ابن عباس عن الشرك وقيل عن المعاصي وقيل هو كل باطل ولهو ما لا يجمل من القول والفعل وقيل هو معارضة الكفار الشتم والسب {والذين هم للزكاة فاعلون} أي الزكاة الواجبة مؤدّون فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل وقيل الزكاة ها هنا العمل الصالح والأول أولى {والذين هم لفروجهم حافظون} الفرج اسم لسوأة الرجل والمرأة وحفظه التعفف عن الحرام {إلاّ على أزواجهم} على بمعنى من {أو ما ملكت أيمانهم} يعني الإماء والجواري والآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكها {فإنهم غير ملومين} يعني بعدم حفظ فرجه من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك وإنما لا يلام فيما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور فلا يجوز ومن فعله فإنه ملوم {فمن ابتغى وراء ذلك} أي التمس وطلب سوى الأزواج والولائد وهن الجواري المملوكة {فأولئك هم العادون} أي الظالمون المجاوزون الحد من الحلال إلى الحرام.
وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام وهو قول أكثر العلماء.
سئل عطاء عنه فقال: مكروه سمعت أن قومًا يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم.
قوله عز وجلّ {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} أي حافظون يحفظون ما ائتمنوا عليه والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها.
والأمانات تختلف فمنها ما يكون بين العبد وبين الله تعالى كالصلاة والصوم وغسل الجنابة وسائر العبادات التي أوجبها الله تعالى على العباد فيجب الوفاء بجميعها.
ومنها ما يكون بين العباد كالودائع والصنائع والأسرار وغير ذلك فيجب الوفاء به أيضًا {والذين هم على صلواتهم يحافظون} أي يداومون ويراعون أوقاتها وإتمام أركانها وركوعها وسجودها وسائر شروطها.
فإن قلت كيف كرر ذكر الصلاة أولًا وآخرًا.
قلت هما ذكران مختلفان فليس تكرارًا وصفهم أولًا بالخشوع في الصلاة وآخرًا بالمحافظة عليها.
قوله عز وجلّ {أولئك} يعني أهل هذه الصفة {هم الوارثون} يعني يرثون منازل أهل النار من الجنة.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فمن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله. وذلك قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون}» ذكره البغوي بغير سند وقيل معنى الوراثة هو أن يؤول أمرهم إلى الجنة وينالوها كما يئول أمر الميراث إلى الوارث.
{الذين يرثرون الفردوس} هو أعلى الجنة.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في الجنة مائة درجة ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس» أخرجه الترمذي {هم فيها خالدون} أي لا يخرجون منها ولايموتون.
قوله عز وجلّ {ولقد خلقنا الإنسان} يعني ولد آدم الإنسان اسم جنس {من سلالة من طين} قال ابن عباس السلالة صفوة الماء وقيل هي المني لأن النطفة تسل من الظهر من طين يعني طين آدم لأن السلالة تولدت من طين خلق منه آدم وقيل: المراد من الإنسان هو آدم، وقوله من سلالة أي سل من كل تربة {ثم جعلناه نطفة} يعني الذي هو الإنسان جعلناه نطفة {في قرار مكين} أي حريز وهو الرحم وسمي مكينًا لاستقرار النطفة فيه إلى وقت الولادة {ثم خلقنا النطفة علقة} أي صيرنا النطفة قطعة دم جامد {فخلقنا العلقة مضغة} أي جعلنا الدم الجامد قطعة لحم صغيرة {فخلقنا المضغة عظامًا فسكونا العظام لحمًا} وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالسكوة له.
قيل إن بين كل خلق وخلق أربعين يومًا {ثم أنشأناه خلقًا آخر} أي مباينًا للخلق الأول قال ابن عباس: هو نفخ الروح فيه وقيل جعله حيوانًا بعد ما كان جمادًا وناطقًا بعدما كان أبكم وسميعًا وكان أصم وبصيرًا وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره عجائب صنعه وغرائب فطره وعن ابن عباس قال: إن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الرضاع إلى القعود والقيام إلى المشي إلى الفطام إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها {فتبارك الله} أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال {أحسن الخالقين} أي المصورين والمقدرين.
فإن قلت كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {الله خالق كل شيء} وقوله: {هل من خالق غير الله} قلت الخلق له معان: منها الإيجاد والإبداع ولا موجد ولا مبدع إلاّ الله تعالى.
ومنها التقدير كما قال الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ** ض القوم يخلق ثم لا يفري

معناه أنت تقدّر الأمور وتقطعها وغيرك لا يفعل ذلك فعلى هذا يكون معنى الآية الله أحسن المقدرين.
وجواب آخر وهو أنّ عيسى خلق طيرًا وسمّى نفسه خالقًا بقوله: {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} فقال: {تبارك الله أحسن الخالقين} {ثم إنكم بعد ذلك} أي بعد ما ذكر من تمام الخلق {لميتون} أي عند انقضاء آجالكم {ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} أي للحساب والجزاء.
قوله عز وجلّ {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} يعني سبع سموات طرائق لأن بعضها فوق بعض وقيل لأنها طرائق الملائكة في الصعود والهبوط {وما كنا عن الخلق غافلين} يعني بل كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم.
وقيل معناه بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب.
وقيل ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي وقيل معناه إنما خلقنا السماء فوقهم لتنزل عليهم الأرزاق والبركات منها.
وقيل معناه وما كنا عن الخلق غافلين أي عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم لا تخفى علينا خافية {وأنزلنا من السماء ماء بقدر} أي يعلمه الله من حاجتهم إليه وقيل بقدر ما يكفيهم لمعايشهم في الزرع والغرس والشرب وأنواع المنفعة {فأسكناه في الأرض} يعني ما يبقى في الغدران والمستنقعات مما ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر.