فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذات قرار} أي منبسط صالح لأن يستقر فيه لما فيه من المرافق {ومعين} أي ماء ظاهر للعين، ونافع كالماعون، فرع اشتق من أصلين، ولم يقدر من خالفه من الملوك وغيرهم على كثرتهم وقوتهم على قتله لا في حال صغره، ولا في حال كبره، كما مضى نقله عن الإنجيل وصدقة عليه القرآن، مع كونه مظنة لتناهي الضعف بكونه، من أنثى فقط ولا ناصر له إلا الله، ومع ذلك فأنجح الله أمره وأمر من اتبعه، وخيب به الكافرين، ورفعه إليه ليؤيد به هذا الدين في آخر الزمان، ويكون للمؤمنين حينئذ فلاح لم يتقدمه مثله، وكان ذلك من إحسان خالقه ونعمته عليه.
ذكر شيء من دلائل كونه آية من الإنجيل:
قال يوحنا أحد المترجمين للإنجيل وأغلب السياق لمتى فإني خلطت كلام المترجمين الأربعة: ولما قرب عيد المظال قال إخوة يسوع أي الاثني عشر تلميذًا- له: تحول من هاهنا إلى يهوذا ليرى تلاميذك الأعمال التي تعمل لأنه ليس أحد يعمل شيئًا سرًا فيجب أن يكون علانية إذ كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم، فقال لهم يسوع: أما وقتي فلم يبلغ، وأما وقتكم فإنه مستعد في كل حين، لم يقدر العالم أن يبغضكم وهم يبغضونني لأني أشهد عليهم أن أعمالهم شريرة، اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، فإني لا أصعد الآن، ثم قال: ولما انتصف أيام العيد صعد يسوع إلى الهيكل فبدأ يعلم، وكان اليهود ويتعجبون ويقولون: كيف يحسن هذا الكتاب ولم يعلمه أحد، فقال: تعليمي ليس هو لي، بل للذي أرسلني، فمن أحب أن يعمل مرضاته فهو يعرف تعليمي هو من الله أو من عندي؟ من يتكلم من عنده إنما يطلب المجد لنفسه، وأما الذي يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم، أليس موسى أعطاكم الناموس وليس فيكم أحد يعمل بالناموس، ثم قال: وفي اليوم العظيم الذي هو آخر العيد كان يسوع قائمًا ينادي: كل من يؤمن بي كما قالت الكتب تجري من بطنه أنهار ماء الحياة، وإن الجمع الكثير سمعوا كلامه فقالوا: هذا نبي حقًا، وآخرون قالوا: هذا هو المسيح، وآخرون قالوا: ألعل المسيح من الجليل يأتي؟ أليس قد قال الكتاب: إنه من نسل داود، من بيت لحم قرية داود خاصة يأتي المسيح، فوقع بين الجموع خوف من أجله، قال متى: حينئذ جاء إلى يسوع من يروشليم كتبة وفريسيون قائلين: لماذا تلاميذك يتعدون وصية المشيخة إذ لا يغسلون أيديهم عند أكلهم؛ وقال مرقس: ثم اجتمع إليه الفريسيون وبعض الذين جاؤوا من يروشليم فنظروا إلى تلاميذه يأكلون الطعام بغير غسل أيديهم، لأن الفريسيين وكل اليهود لا يأكلون إلا بغسل أيديهم تمسكًا بتعليم شيوخهم والذين يشترونه من الأسواق إن لم يغسلوه لا يأكلونه، وأشياء أخر كثيرة تمسكوا بها من غسل كؤوس وأواني ومصاغ وأسرة، وسأله الكتبة والفريسيون: لم تلاميذك لا يسيرون على ما وصّت به المشيخة قال متى: فأجابهم وقال: لماذا أنتم تتعدون وصية الله من أجل سننكم، ألم يقل الله: أكرم أباك وأمك، والذي يقول كلامًا رديئًا في أبيه وأمه يستأصل بالموت، وأنتم تقولون: من قال لأبيه أو لأمه.
إن القربان شيء ينتفع به، فلا يكرم أباه وأمه، فأبطلتم كلام الله من تلقاء روايتكم؛ قال مرقس: وتفعلون كثيرًا مثل هذا- انتهى.
يا مراؤون حسنًا يثني وقال مرقس: نعمًا يثني عليكم أشعيا قائلًا: إن هذا لاشعب قرب مني ويكرمني بشفتيه، وقلبه بعيد عني، يعبدونني باطلًا ويعلّمون تعليم وصايا الناس.
ودعا الجمع وقال لهم: اسمعوا وافهموا، ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، لكن الذي يخرج من الفم ينجس الإنسان، حينئذ جاء إليه تلاميذه وقالوا: اعلم أن الفريسيين لما سمعوا الكلام شكوا، فأجابهم وقال: كل غرس لا يغرسه أبي السماوي يقلع، دعوهم فإنهم عميان يقودهم عميان، أجابه بطرس وقال: فسر لنا المثل! فقال: حتى أنتم لا تفهمون؟ أما تعلمون أن كل ما يدخل إلى الفم يصل إلى البطن وينطرد إلى المخرج، فأما الذي يخرج من الفم فهو يخرج من القلب، هذا الذي ينجس الإنسان، لأنه يخرج من القلب الفكر الشرير: القتل الزنى الفسق السرقة وشهادة الزور التجديف، هذا هو الذي ينجس الأنسان، وأما الأكل بغير غسل الأيدي وفليس ينجس الإنسان، وقال مرقس: إن كل ما كان خارجًا يدخل إلى فم الإنسان لا يقدر أن ينجسه لأنه لا يصل إلى القلب، بل إلى الجوف ويذهب إلى خارج، والذي يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان، لأنه من داخل تخرج أفكار السوء: فجور الزنى قتل سرقة شره شر غش فسق عين شريرة تجديف تعاظم جهل، هذا كله شر من داخل يخرج وينجس الإنسان انتهى.
وفيه مما لا يجوز إطلاقه في شرعنا: الأب- كما تقدم غير مرة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}.
فقال القاضي معناه أنه سبحانه خص موسى عليه السلام بالكتاب الذي هو التوراة لا لذلك التكذيب لكن لكي يهتدوا به فلما أصروا على الكفر مع البيان العظيم استحقوا أن يهلكوا، واعترض صاحب الكشاف عليه فقال لا يجوز أن يرجع الضمير في لعلهم إلى فرعون وملائه لأن التوراة إنما أوتيها بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون وملائه بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى} [القصص: 43] بل المعنى الصحيح: ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يعملون بشرائعها ومواعظها فذكر موسى والمراد آل موسي كما يقال هاشم وثقيف والمراد قولهما.
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)}.
القصة الخامسة قصة عيسى وقصة مريم عليهما السلام:
اعلم أن ابن مريم هو عيسى عليه السلام جعله الله تعالى آية بأن خلقه من غير ذكر وأنطقه في المهد في الصغر وأجرى على يديه إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وأما مريم فقد جعلها الله تعالى آية لأنها حملته من غير ذكر.
وقال الحسن تكلمت مريم في صغرها كما تكلم عيسى عليه السلام وهو قولها: {هُوَ مِنْ عِندِ الله إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] ولم تلقم ثديًا قط، قال القاضي إن ثبت ذلك فهو معجزة لزكريا عليه السلام لأنها لم تكن نبية، قلنا القاضي إنما قال ذلك لأن عنده الإرهاص غير جائز وكرامات الأولياء غير جائزة وعندنا هما جائزان فلا حاجة إلى ما قال، والأقرب أنه جعلهما آية بنفس الولادة لأنه ولد من غير ذكر وولدته من دون ذكر فاشتركا جميعًا في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة والذي يدل على أن هذا التفسير أولى وجهان: أحدهما: أنه تعالى قال: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً} لأن نفس الإعجاز طهر فيهما لا أنه ظهر على يدهما وهذا أولى من أن يحمل على الآيات التي ظهرت على يده نحو إحياء الموتى وذلك لأن الولادة فيه وفيها آية فيهما وكذلك أن نطقا في المهد وما عدا ذلك من الآيات ظهر على يده لا أنه آية فيه الثاني: أنه تعالى قال آية ولم يقل آيتين، وحمل هذا اللفظ على الأمر الذي لا يتم إلا بمجموعهما أولى وذلك هو أمر الولادة لا المعجزات التي كان عيسى عليه السلام مستقلًا بها.
أما قوله تعالى: {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار} أي جعلنا مأواهما الربوة والربوة والرباوة في راءيهما الحركات الثلاث وهي الأرض المرتفعة، ثم قال قتادة وأبو العالية هي إيلياء أرض بيت المقدس، وقال أبو هريرة رضي الله عنه إنها الرملة.
وقال الكلبي وابن زيد هي بمصر وقال الأكثرون إنها دمشق وقال مقاتل والضحاك هي غوطة دمشق، والقرار المستقر من كل أرض مستوية مبسوطة، وعن قتادة ذات ثمار وماء، يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها والمعين الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض.
فنبه سبحانه على كمال نعمه عليها بهذا اللفظ على اختصاره.
ثم في المعين قولان: أحدهما: أنه مفعول لأنه لظهوره يدرك بالعين من عانه إذا أدركه بعينه وقال الفراء والزجاج إن شئت جعلته فعيلًا من الماعون ويكون أصله من المعن والماعون فاعول منه قال أبو على والمعين السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى والماعون ما سهل على معطيه، ثم قالوا وسبب الإيواء أنها فرت بإبنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، وإنما ذهب بهما ابن عمها يوسف ثم رجعت إلى أهلها بعد أن مات ملكهم، وهاهنا آخر القصص، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَوْلُهُ: رَبْوَةٍ فِيهَا خَمْسُ لُغَاتٍ: كَسْرُ الرَّاءِ، وَفَتْحُهَا، وَضَمُّهَا، ثَلَاثُ لُغَاتٍ، وَيُقَالُ رِبَاوَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَلَمْ أُقَيِّدْ غَيْرَهُ فِيمَا وَجَدْته الْآنَ عِنْدِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الرَّبْوَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الرَّمْلَةُ؛ وَهِيَ فِلَسْطِينُ؛ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ.
الثَّانِي: قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَقْرَبُ الأرض إلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا دِمَشْقُ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا مِصْرُ قَالَهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَلَيْسَ الرُّبَا إلَّا بِمِصْرَ، وَالْمَاءُ يُرْسَلُ فَيَكُونُ الرُّبَا عَلَيْهَا الْقُرَى، وَلَوْلَا ذَلِكَ غَرِقَتْ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الأرض؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ.
السَّادِسُ: أَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَقْوَالُ مِنْهَا مَا تُفَسَّرُ لُغَةً، وَمِنْهَا مَا تُفَسَّرُ نَقْلًا؛ فَأَمَّا الَّتِي تُفَسَّرُ لُغَةً فَكُلُّ أَحَدٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةُ الْمَدْرَكِ بَيْنَ الْخَلْقِ.
وَأَمَّا مَا يُفَسَّرُ مِنْهَا نَقْلًا فَمُفْتَقِرٌ إلَى سَنَدٍ صَحِيحٍ يَبْلُغُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنَّهُ تَبْقَى هَاهُنَا نُكْتَةٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَقَلَ النَّاسُ تَوَاتُرًا أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، أَوْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَرَى كَذَا، أَوْ وَقَعَ لَزِمَ قَبُولُهُ، وَالْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِيمَانُ، وَخَبَرَ الْآحَادِ لابد مِنْ كَوْنِ الْمُخْبِرِ بِهِ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَاَلَّذِي شَاهَدْت عَلَيْهِ النَّاسَ، وَرَأَيْتهمْ يُعَيِّنُونَهَا تَعْيِينَ تَوَاتُرٍ دِمَشْقَ، فَفِي سَفْحِ الْجَبَلِ فِي غَرْبِيِّ دِمَشْقَ مَائِلًا إلَى جَوْفِهَا مَوْضِعٌ مُرْتَفِعٌ تَتَشَقَّقُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ، وَفِيهَا الْفَوَاكِهُ الْبَدِيعَةُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَقَدْ اُتُّخِذَ بِهَا مَسْجِدٌ يُقْصَدُ إلَيْهِ، وَيُتَعَبَّدُ فِيهِ، أَمَّا أَنَّهُ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَوْلِدَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم كَانَ بِبَيْتِ لَحْمٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيهِ رَأَيْت الْجِذْعَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ بِابْنِهَا اخْتَلَفَتْ الرُّوَاةُ، هَلْ أَخَذَتْ بِهِ غَرْبًا إلَى مِصْرَ؟ أَمْ أَخَذَتْ بِهِ شَرْقًا إلَى دِمَشْقَ؟ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
{ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَرْضٌ مُنْبَسِطَةٌ وَبَاحَةٌ وَاسِعَةٌ.
الثَّانِي: ذَاتُ شَيْءٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ مِنْ قُوتٍ وَمَاءٍ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَعِينٍ} وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قَوْلُهُ: {وَمَعِينٍ} يُرِيدُ بِهِ الْمَاءَ، وَهُوَ مَفْعَلُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَيُقَالُ: مَعَنَ الْمَاءُ وَأَمْعَنَ إذَا سَالَ، فَيَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
قَالَ عُبَيْدٌ: وَاهِيَةٌ أَوْ مَعِينٌ مُمْعِنٌ أَوْ هَضْبَةٌ دُونَهَا لُهُوبُ وَفِيهَا أَقْوَالُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً}.
فآيته أن خلق من غير ذكر وآيتها أن حملت من غير بعل، ثم تكلم في المهد فكان كلامه آية له، وبراءة لها.
{وَءَاوَيْنَا هُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ} الآية. الربوة ما ارتفع من الأرض وفيه قولان:
أحدهما: أنها لا تسمى ربوة إلا إذا اخضرت بالنبات وربت، وإلاّ قيل نشز اشتقاقًا من هذا المعنى واستشهادًا بقول الله تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة: 65] ويقول الشاعر:
طوى نفسه طيّ الحرير كأنه ** حوى جنة في ربوة وهو خاشع

الثاني: تسمى ربوة وإن لم تكن ذات نبات قال امرؤ القيس:
فكنت هميدًا تحت رمس بربوة ** تعاورني ريحٌ جنوب وشمألُ

وفي المراد بها هنا أربعة أقاويل:
أحدها: الرملة، قاله أبو هريرة.
الثاني: دمشق، قاله ابن جبير.
الثالث: مصر، قاله ابن زيد.
الرابع: بيت المقدس. قاله قتادة، قال كعب الأحبار، هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا.
وفي: {ذَاتِ قَرَارٍ} أربعة أوجه:
أحدها: ذات استواء، قاله ابن جبير.
الثاني: ذات ثمار، قاله قتادة.
الثالث: ذات معيشة تقرهم، قاله الحسن.
الرابع: ذات منازل تستقرون فيها، قاله يحيى بن سلام.
وفي {مَعَينٍ} وجهان:
أحدهما: أنه الجاري، قاله قتادة.
الثاني: أنه الماء الطاهر، قاله عكرمة ومنه قول جرير:
إن الذين غروا بلبك غادروا ** وشلًا بعينك ما يزال معينا

أي ظاهرًا، في اشتقاق المعين ثلاثة أوجه: أحدها: لأنه جار من العيون، قاله ابن قتيبة فهو مفعول من العيون.
الثاني: أنه مشتق من المعونة.
الثالث: من الماعون. اهـ.