فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}.
وبكسر التاء: يزيد، ورُوي عنه بالكسر والتنويم فيهما، والكسائي يقف بالهاء وغيره بالتاء وهو اسم للفعل واقع موقع بعد فاعلها مضمر أي بعد التصديق أو الوقوع {لِمَا تُوعَدُونَ} من العذاب، أو فاعلها {ما توعدون} واللام زائدة أي بعد ما توعدون من البعث {إِنْ هِىَ} هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه وأصله إن الحياة {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} ثم وضع {هي} موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها، والمعنى لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها ودنت منا، وهذا لأن أن النافية دخلت على هي التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي لنفي الجنس {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يموت بعض ويولد بعض، ينقرض قرن فيأتي قرن آخر، أو فيه تقديم وتأخير أي نحيا ونموت وهو قراءة أبي وابن مسعود رضي الله عنهما {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الموت {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِبًا} أي ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه وفيما يعدنا من البعث {وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين.
{قَالَ رَبّ انصرنى بِمَا كَذَّبُونِ} فأجاب الله دعاء الرسول بقوله: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ} {قليل} صفة للزمان كقديم وحديث في قولك ما رأيته قديمًا ولا حديثًا وفي معناه عن قريب و ما زائدة أو بمعنى شيء أو زمن وقليل بدل منها وجواب القسم المحذوف {لَّيُصْبِحُنَّ نادمين} إذا عاينوا ما يحل بهم {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل صاح عليهم فدمرهم {بالحق} بالعدل من الله يقال فلان يقضي بالحق أي بالعدل {فجعلناهم غُثَاء} شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما يلي واسودّ من الورق والعيدان {فَبُعْدًا} فهلاكًا يقال بعد بعدًا أو بعدًا أي هلك وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا يستعمل إظهارها {لّلْقَوْمِ الظالمين} بيان لمن دعي عليه بالبعد نحو {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا ءاخَرِينَ} قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ} من صلة أي ما تسبق أمة {أَجَلُهَا} المكتوب لها والوقت الذي حدد لهلاكها وكتب {وَمَا يَسْتَئَخِرُونَ} لا يتأخرون عنه.
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} فعلى والألف للتأنيث كسكرى لأن الرسل جماعة ولذا لا ينون لأنه غير منصرف {تترى} بالتنوين: مكي وأبو عمرو ويزيد على أن الألف للإلحاق كأرطى، وهو نصب على الحال في القراءتين أي متتابعين واحدًا بعد واحد، وتاؤها فيهما بدل من الواو والأصل و ترى من الوتر وهو الفرد فقلبت الواوتاء كتراث {كُلَّمَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} الرسول يلابس المرسل والمرسل إليه والإضافة تكون بالملابسة فتصح إضافته إليهما {فَأَتْبَعْنَا} الأمم والقرون {بَعْضُهُم بَعْضًا} في الهلاك {وجعلناهم أَحَادِيثَ} أخبارًا يسمع بها ويتعجب منها، والأحاديث تكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وتكون جمعًا للأحدوثة وهي ما يتحدث به الناس تلهيًا وتعجبًا وهو المراد هنا {فَبُعْدًا لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون} بدل من {أخاه} {بأياتنا} التسع {وسلطان مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة.
{إلى فِرْعَوْنَ وَمَلاَئِه فاستكبروا} امتنعوا عن قبول الإيمان ترفعًا وتكبرًا {وَكَانُواْ قَوْمًا عالين} متكبرين مترفعين {فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} البشر يكون واحدًا وجمعًا ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث {وَقَوْمُهُمَا} أي بنو إسرائيل {لَنَا عابدون} خاضعون مطيعون وكل من دان لملك فهو عابد له عند العرب {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ المهلكين} بالغرق.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى} أي قوم موسى {الكتاب} التوراة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يعملون بشرائعها ومواعظها {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً} تدل على قدرتنا على ما نشاء لأنه خلق من غير نطفة واحدة، لأن الأعجوبة فيهما واحدة، أو المراد وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها {وءاويناهما} جعلنا مأواهما أي منزلهما {إلى رَبْوَةٍ} شامي وعاصم.
{رُبوة} غيرهما أي أرض مرتفعة وهي بيت المقدس أو دمشق أو الرملة أو مصر {ذَاتِ قَرَارٍ} مستقر من أرض مستوية منبسطة أو ذات ثمار وماء يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها {وَمَعِينٍ} وماء ظاهر جارٍ على وجه الأرض وهو مفعول أي مدرك بالعين بظهوره من عانه إذا أدركه بعينه، أو فعيل لأنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهي المنفعة {يا أيّها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه، أو هو خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم، أو لعيسى عليه السلام لاتصال الآية بذكره وكان يأكل من غزل أمه وهو أطيب الطيبات، والمراد بالطيبات ما حل والأمر للتكليف أو ما يستطاب ويستلذ والأمر للترفيه والإباحة {واعملوا صالحا} موافقًا للشريعة {إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} فأجازيكم على أعمالكم.
{وَإِنَّ هذه} كوفي على الاستئناف.
{وأن} حجازي وبصري بمعنى ولأن أي فاتقون لأن هذه، أو معطوف على ما قبله أي بما تعملون عليم وبأن هذه.
أو تقديره واعلموا أن هذه {أُمَّتُكُمْ} أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها {أُمَّةً وَاحِدَةً} ملة واحدة وهي شريعة الاسلام.
وانتصاب {أمة} على الحال والمعنى وإن الدين دين واحد وهو الاسلام ومثله {إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19] {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} وحدي {فاتقون} فخافوا عقابي في مخالفتكم أمري {فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تقطع بمعنى قطع أي قطعوا أمر دينهم {زُبُرًا} جمع زبور أي كتبًا مختلفة يعني جعلوا دينهم أديانًا.
وقيل: تفرقوا في دينهم فرقًا كلٍ فرقة تنتحل كتابًا.
وعن الحسن: قطعوا كتاب الله قطعًا وحرفوه.
وقرئ {زَبرا} جمع زبرة أي قطعًا {كُلُّ حِزْبٍ} كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم {بِمَا لَدَيْهِمْ} من الكتاب والدين أو من الهوى والرأي {فَرِحُونَ} مسرورون معتقدون أنهم على الحق {فَذَرْهُمْ في غَمْرَتِهِمْ} جهالتهم وغفلتهم {حتى حِينٍ} أي إلى أن يقتلون أو يموتوا.
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} ما بمعنى الذي وخبر أن {نُسَارِعُ لَهُمْ في الخيرات} والعائد من خبر أن إلى اسمها محذوف أي نسارع لهم به، والمعنى أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجًا لهم إلى المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعالجة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم.
وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون إن الله لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين، وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح {بَل لَّا يَشْعُرُونَ} بل استدراك لقوله أيحسبون أي أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتأملوا في ذلك أنه استدراج أو مسارعة في الخير.
ثم بين ذكر أوليائه فقال: {إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} أي خائفون {والذين هُم بئايات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} أي بكتب الله كلها لا يفرقون بين كتبه كالذين تقطعوا أمرهم بينهم وهم أهل الكتاب {والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} كمشركي العرب {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات.
وقريء {يأتون ما أتوا} بالقصر أي يفعلون ما فعلوا {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} خائفة أي لا تقبل منهم لتقصيرهم {أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون} الجمهور على أن التقدير لأنهم وخبر {إن الذين} {أُوْلَئِكَ يسارعون في الخيرات} يرغبون في الطاعات فيبادرونها {وَهُمْ لَهَا سابقون} أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس.
{وَلاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها يعني أن الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حد الوسع والطاقة، وكذلك كل ما كلفه عباده وهو رد على من جوز تكليف ما لا يطاق {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} أي اللوح أو صحيفة الأعمال {يَنطِقُ بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لا يقرؤون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يظلم منهم أحد بزيادة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف ما لا وسع له به {بَلْ قُلُوبُهُمْ في غَمْرَةٍ مّنْ هذا} بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين {وَلَهُمْ أعمال مّن دُونِ ذلك} أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة متخطية لذلك أي لما وصف به المؤمنون {هُمْ لَهَا عاملون} وعليها مقيمون لا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب {حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} متنعميهم {بالعذاب} عذاب الدنيا وهو القحط سبع سنين حين دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، أو قتلهم يوم بدر.
و حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية {إذا هم يجئرون} يصرخون استغاثة والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم {لاَ تَجْئَرُواْ اليوم} فإن الجؤار غير نافع لكم {إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} أي من جهتنا لا يلحقكم نصر أو معونة.
{قَدْ كَانَتْ ءايَتِى تتلى عَلَيْكُمْ} أي القرآن {فَكُنتُمْ على أعقابكم تَنكِصُونَ} ترجعون القهقرى والنكوص أن يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه {مُسْتَكْبِرِينَ} متكبرين على المسلمين حال من {تنكصون} {بِهِ} بالبيت أو بالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم، والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو ب {آياتي} لأنها في معنى كتابي، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكبارًا.
ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي تعديته أو يتعلق الباء بقوله: {سامرا} تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعرًا وسحرًا.
والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع وقرئ {سمّارا}.
أو بقوله: {تَهْجُرُونَ} وهو من الهجر الهذيان {تهجرون}: نافع من أهجر في منطقه إذا فحش {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به {أم جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءابَاءهُمُ الأولين} بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستبدعوه {أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} محمدًا بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات {فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} بغيًا وحسدًا {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلًا وأثقبهم ذهنًا {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مردًا ولا مدفعًا فلذلك نسبوه إلى الجنون {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كارهون} وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارهًا للحق بل كان تاركًا للإيمان به أنفة واستنكافًا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب.
{وَلَوِ اتبع الحق} أي الله {أَهْوَاءضهُمْ} فيما يعتقدون من الآلهة {لَفَسَدَتِ السماوات والأرض} كما قال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] {وَمَن فِيهِنَّ} خص العقلاء بالذكر لأن غيرهم تبع {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو شرفهم لأن الرسول منهم والقرآن بلغتهم، أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه {وَيَقُولونَ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مّنَ الاولين} [الصافات: 168] الآية.
{فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} بسوء اختيارهم {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ} حجازي وبصري وعاصم، {خرجا فخرج} شامي، {خراجا فخراج} على وحمزة، وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك وإلى كل عامل من أجرته وجعله، والخرج أخص من الخراج تقول خراج القرية وخرج الكوفة فزيادة اللفظ لزيادة المعنى ولذا حسنت لقراءة الأولى يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلًا من عطاء الخلق فالكثير من الخالق خير {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو دين الإسلام فحقيق أن يستجيبوا لك.
{وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لناكبون} لعادلون عن هذا الصراط المذكور وهو الصراط المستقيم. اهـ.