فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاستكانة: مصدر بمعنى الخضوع مشتقة من السكون لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من خضع له، فهو افتعال من السكون للدلالة على تمكن السكون وقوته.
وألفه ألف الافتعال مثل الاضطراب، والتاء زائدة كزيادتها في استعاذة.
وقيل الألف للإشباع، أي زيدت في الاشتقاق فلازمت الكلمة.
وليس ذلك من الإشباع الذي يستعمله المستعملون شذوذًا كقول طرفة:
ينباع من ذفري غضوب جسرة

أي ينبع.
وأشار في الكشاف إلى الاستشهاد على الإشباع في نحوه إلى قول ابن هرمة:
وأنت من الغوائل حين ترمي ** ومن ذم الرجال بمنتزاح

أراد: بمنتزح فأشبع الفتحة.
ويبعد أن يكون {استكانوا} استفعالًا من الكون من جهتين: جهة مادته فإن معنى الكون فيه غير وجيه وجهة صيغته لأن حمل السين والتاء فيه على معنى الطلب غير واضح.
والتعبير بالمضارع في {يتضرعون} لدلالته على تجدد انتفاء تضرعهم.
والتضرع: الدعاء بتذلل، وتقدم في قوله: {لعلهم يتضرعون} في سورة الأنعام (42).
والقول في جملة {حتى إذا فتحنا عليهم بابًا} كالقول في {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} [المؤمنون: 64].
و إذا من قوله: {حتى إذا فتحنا عليهم بابًا} مثل إذا التي تقدمت في قوله: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} إلخ.
وفتح الباب تمثيل لمفاجأتهم بالعذاب بعد أن كان محجوزًا عنه حسب قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33].
وقريب من هذا التمثيل قوله تعالى: {ولو دُخلت عليهم من أقطارها} [الأحزاب: 14].
شبهت هيئة إصابتهم بالعذاب بعد أن كانوا في سلامة وعافية بهيئة ناس في بيت مغلق عليهم ففتح عليهم باب البيت من عدو مكروه، أو تقول: شبهت هيئة تسليط العذاب عليهم بهيئة فتح باب اختزن فيه العذاب فلما فتح الباب انهال العذاب عليهم.
وهذا كما مثل بقوله: {وفار التنور} [هود: 40] وقولهم: طفحت الكأس بأعمال فلان، وقوله تعالى: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} [الذاريات: 59] وقول علقمة:
فحقّ لشاس من نداكَ ذَنوبُ

ومنه قول الكتّاب: فتح باب كذا على مصراعيه، تمثيلًا لكثرة ذلك وأفاض عليه سجلًا من الإحسان، وقول أبي تمام:
من شاعر وقف الكلام ببابه ** واكتن في كنفيْ ذراه المنطق

ووصف {بابًا} بكونه {ذا عذاب شديد} دون أن يضاف باب إلى عذاب فيقال: باب عذاب كما قال تعالى: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} [الفجر: 13] لأن {ذا عذاب} يفيد من شدة انتساب العذاب إلى الباب ما لا تفيده إضافة باب إلى عذاب، وليتأتى بذلك وصف عذاب بـ شديد بخلاف قوله: {سوط عذاب} فقد استغني عن وصفه بـ شديد بأنه معمول لفعل صب الدال على الوفرة.
والمراد بالعذاب الشديد عذاب مستقبل. والأرجح: أن المراد به عذاب السيف يوم بدر.
وعن مجاهد: أنه عذاب الجوع.
وقيل: عذاب الآخرة.
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون الباب حقيقة وهو باب من أبواب جهنم كقوله تعالى: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} [الزمر: 71].
والإبلاس: شدة اليأس من النجاة.يقال: أبلس، إذا ذل ويئس من التخلص، وهو ملازم للهمزة ولم يذكروا له فعلًا مجردًا.فالظاهر أنه مشتق من البلاس كسحاب وهو المِسح، وأن أصل أبلس صار ذا بَلاس. وكان شعار من زهدوا في النعيم. يقال: لبس المسوح، إذا ترهب. وهنا انتهت الجمل المعترضة المبتدأة بجملة {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [المؤمنون: 23] وما تفرع عليها من قوله: {فذرهم في غمرتهم حتى حين} [المؤمنون: 54] إلى قوله: {إذا هم فيه مبلسون}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}.
يعني: لو حدث هذا لعادوا إلى ما كانوا عليه، كما قال سبحانه في موضع آخر: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} [يونس: 12].
وليْتَه اكتفى عند هذا الحدِّ، إنما يتعدّى هذا، كما جاء في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا} [الزمر: 8] يقول كما قال قارون: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78] يعني: هذا بمجهودي وتعبي، وقد كلمت فلانًا، وفعلت كذا وكذا.
لذلك كان طبيعيًا أن يقول له ربه: ما دُمْتَ قد أوتيتَهُ على علم عندك، فاحفظه بعلم عندك قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} [القصص: 81]. فأين الآن عِلْمك؟ وأيُّ علم هذا الذي لا يستطيع أن يحتفظ بما أتى به؟ ومعلوم أن استنباط الشيء أصعب من حفْظه وصيانته.
ومعنى {لَّلَجُّواْ} [المؤمنون: 75] تمادوا {فِي طُغْيَانِهِمْ} [المؤمنون: 75] والطغيان: مجاوزة الحدِّ؛ لأن الله تعالى جعل لكل شيء في الوجود حَدًَّا مرسومًا لا ينقص ولا يزيد، فإن اتبعتَ هذا الحدّ الذي رسمه الله لك استقمتَ واستقامتْ حركة حياتك بلا منازع، ولو طغى الشيء أفسد حركة الحياة، حتى لو كان الماء الذي جعل الله منه كل شيء حيٍّ، لو طغى يُغرق ويُدمّر بعد أنْ كان سر الحياة حال اعتداله. ومنه قوله سبحانه: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11]. ويقال لمن جاوز الحدَّ: طاغية بتاء التأنيث الدالة على المبالغة، فإنْ تجاوز هذه أيضًا نقول: طاغوت.
ثم تأتي نتيجة التمادي في الطغيان {يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75] يعني: يتحيرون ويَعْمَوْن عن الرُّشْد والصواب، فلا يُميّزون بين خير وشر.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ}.
استكان فلان لا تقال إلا لمَنْ كان مُتحركًا حركةً شريرة، ثم هدأ وسكن، نقول: فلان انكَنّ أو استكان وأصلها كوْن فالمعنى: طلب وجودًا جديدًا غير الوجود الذي كان عليه، أو حالًا غير الحال الذي كان عليه أولًا، فقبل أنْ يستكين ويخضع كان لابد مُتمرِّدًا على ربه.
والوجود نوعان: وجود أولي مطلق، ووجود ثَانٍ بعد الوجود الأولي، كما نقول مثلًا: وُلِد زيد يعني وُجِد زيد وجودًا أوليًا، إنما على أيِّ هيئة وُجد؟ جميلًا، قبيحًا.. هذه تحتاج إلى وجود آخر، تقول: كان زيدٌّ هكذا فعل وفاعل لا يحتاج إلى إخبار آخر لأنها للوجود الأول، لكن حين نقول: كان زيد مجتهدًا، فهذا هو الوجود الثاني وهو الاجتهاد، وهو وجود ناتج عن الوجود الأول. فكان الأولى هي كان التامة التي وردتْ في قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] أي: وُجِد ذو عُسْرة، ولا تحتاج في هذه الحالة إلى خبر. ونقول: تمنّى فلان على الله أنْ يُوجَد له ولد، فكان محمد، يعني: وُجِد. أما كان الناقصة فتحتاج إلى خبر؛ لأن كان فِعْل يدل على زمان الماضي، والفعل لابد أنْ يدل على زمن وحدث؛ لذلك لابد لها من الخبر الذي يعطي الحدث تقول: كان زيد مجتهدًا، فجاء الخبر ليكمل الفعل الناقص، فكأنك قلتَ: زيد مجتهد.
ومعنى {فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ} [المؤمنون: 76] أن خضوعهم واستكانتهم لم تكُنْ لأنفسهم ولا للناس، إنما استكانة لله بأخْذ أوامره بمنتهى الخضوع وبمنتهى الطاعة، لكنهم ما فعلوا وما استكانوا، لا في حال الرحمة وكَشْف الضر، ولا في حال الأَخْذ والعذاب، وكان عليهم أن يعلموا أن الله غيَّر حاله معهم، ومقتضى ذلك أن يُغيِّروا هم أيضًا حالهم مع الله، فيستكينوا لربهم ويخضعوا لأوامره.
{وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] الضراعة: هي الدعاء والذلّة والخضوع لمن أخذ بيدك في شيء، كما جاء في قوله تعالى: {فلولا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام: 43] يعني: لجئوا إلى الله وتوجَهوا إليه بالدعاء والاستغاثة.
{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}.
لقد فشلتْ معهم كل المحاولات، فما أجدَتْ معهم الرحمة واستمروا على غَلْوائهم، وما أجدى معهم العذاب وما استكانوا بعد أن أخذهم الله به، إذن: لم يَبْقَ لهم حجة ولا أملٌ في النجاة، ففتح الله عليهم {بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون: 77] يعني: أصابتهم محنة كأنهم من وراء باب مُغْلق تفاجئهم {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون: 77] آيسون من النجاة مُتحسِّرون على ما فاتهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {أفلم يدبروا القول} قال: إذًا والله كانوا يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {أم لم يعرفوا رسولهم} قال: عرفوه، ولكن حسدوه وفي قوله: {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال: الحق الله عزوجل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بل أتيناهم بذكرهم} قال: بينا لهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {بل أتيناهم بذكرهم} قال: هذا القرآن، وفي قوله: {أم تسألهم أجرًا} يقول: أم تسألهم على ما أتيناهم به جعلًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {خرجًا} قال: أجرًا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: الخرج وما قبلها من القصة لكفار قريش. وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {أم تسألهم خَرَجًا} بغير ألف {فخراج ربك} بالألف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ {أم تسألهم خراجًا فخراج ربك خير}. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} قال: ما فيه عوج. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلًا فقال له «أسلم فتعصب له ذلك وكبر عليه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كنت في طريق وعر وعث فلقيت رجلًا تعرف وجهه وتعرف نسبه فدعاك إلى طريق واسع سهل أكنت تتبعه؟ قال: نعم قال: فوالذي نفس محمد بيده إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو كنت فيه وإني لأدعوك إلى أسهل من ذلك الطريق لو دعيت إليه» وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم: لقي رجلًا فقال له أسلم. فصعده ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت فتييك أحدهما إن حدث صدقك وإن أمنته أدى إليك؟ والآخر إن حدث كذبك وإن ائتمنته خانك؟ قال: بلى. فتاي الذي إذا حدثني صدقني وإذا أمنته أدى إلى. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: كذاكم أنت عند ربكم».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون} قال: عن الحق عادلون.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر} قال: الجوع.
{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}.
أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي قي الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز- يعني الوبر- بالدم. فأنزل الله {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس؛ أن ثمامة بن أنال الحنفي «لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله، لحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: بلى. قال: فقد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع. فأنزل الله {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}».
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ولقد أخذناهم بالعذاب} قال: بالسنة والجوع.
وأخرج العسكري في المواعظ عن على بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} أي: لم يتواضعوا في الدعاء، ولم يخضعوا، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: إذا أصاب الناس من قبل السلطان بلاء فإنما هي نقمة، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار، واستكينوا وتضرعوا إلى الله، وقرأ هذه الآية {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}.
واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {حتى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد} قال: قد مضى كان يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {حتى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {حتى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد} قال: لكفار قريش الجوع وما قبلها من القصة لهم أيضًا. اهـ.