فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}.
ابتدأ تعالى بتعديد نعم في نفس تعديدها استدلال بها على عظيم قدرته وأنها لا يعزب عنها أمر البعث ولا يعظم و{أنشأ} بمعنى اخترع و{السمع} مصدر فلذلك وحد وقيل أراد الجنس، و{الأفئدة} القلوب وهذه إشارة إلى النطق والعقل وقوله: {قليلًا} نعت لمصدر محذوف تقديره شكرًا قليلًا ما تشكرون وذهبت فرقة إلى أنه أراد {قليلًا} منكم من يشكر أي يؤمن ويشكر حق الشكر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأول أظهر وَذرأ معناه بث وخلق، وقوله: {وإليه} فيه حذف مضاف أي إلى حكمه وقضائه، و{تحشرون} يريد البعث، وقوله: {وله اختلاف الليل والنهار} أي له القدرة التي عنها ذلك، والاختلاف هنا التعاقب، والكون خلفة، ويحتمل أن يكون الذي هو المغايرة البينة، وقوله: {بل} إضراب والجحد مقدر كأنه قال ليس لهم نظر في هذه الآيات أو نحو هذا، و{الأولون} يشير به إلى الأمم الكافرة كعاد وثمود، وقوله: {لمبعوثون} أي لمعادون أحياء وقولهم {وآباؤنا} أي حكى المقالة عن العرب فمرادهم من سلف من العالم جعلوهم آباء من حيث النوع واحد وإن حكى ذلك عن الأولين فالأمر مستقيم فيهم، و الأساطير قيل هي جمع أسطورة كأعجوبة وأعاجيب وأحدوثة وأحاديث وقيل هي جمع سطر وأسطار وأساطير. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قليلًا ما تَشْكُرون}.
قال المفسرون: يريد أنهم لا يشكرون أصلًا.
قوله تعالى: {ذرأكم في الأرض} أي: خلقكم من الأرض.
قوله تعالى: {وله اختلاف الليل والنهار} أي: هو الذي جعلهما مختلفَين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض {أفلا تعقلون} ما ترون مِنْ صُنعه؟! وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: {قل لِمَن الأرض}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار}.
عرّفهم كثرة نعمه وكمال قدرته.
{قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي ما تشكرون إلا شكرًا قليلًا.
وقيل: أي لا تشكرون ألْبَتّةَ.
قوله تعالى: {وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} أي أنشأكم وبَثّكم وخلقكم.
{وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون للجزاء.
قوله تعالى: {وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اختلاف الليل والنهار} أي جعلهما مختلفَين؛ كقولك: لك الأجر والصّلة؛ أي إنك تؤجِر وتوصِل؛ قاله الفرّاء.
وقيل: اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر.
وقيل: اختلافهما في النور والظلمة.
وقيل: تكررهما يومًا بعد ليلة وليلة بعد يوم.
ويحتمل خامسًا: اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} كُنْهَ قدرته وربوبيّته ووحدانيّته، وأنه لا يجوز أن يكون له شريك من خلقه، وأنه قادر على البعث.
ثم عيّرهم بقولهم وأخبر عنهم أنهم {قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} هذا لا يكون ولا يتصوّر.
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} أي من قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم، فلم نر له حقيقة.
{إِنْ هذآ} أي ما هذا {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين} أي أباطيلهم وتُرّهاتهم؛ وقد تقدّم هذا كله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78)}.
الهمز: النخس والدفع بيد وغيرها، ومنه مهماز الرائض وهمز الناس باللسان.
البرزخ: الحاجز بين المسافتين.
وقيل: الحجاب بين الشيئين يمنع أحدهما أن يصلى إلى الآخر.
النسب: القرابة من جهة الولادة.
اللفح: إصابة النار الشيء بوهجها وإحراقها.
وقال الزجاج: اللفح أشد من اللقيح تأثيرًا.
الكلوح: تشمر الشفتين عن الأسنان ومنه كلوح كلوح الكلب والأسد.
وقيل: الكلوح بسور الوجه وهو تقطيبه، وكلح الرجل كلوحًا وكلاحًا ودهر كالح وبرد كالح شديد.
العبث: اللعب الخالي عن فائدة.
{وَهُوَ الذى أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة}.
مناسبة {وَهُوَ الذى أَنْشَأَ لَكُمُ} لما قبله أنه لما بيَّن إعراض الكفار عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق خاطب قيل المؤمنين، والظاهر العالم بأسرهم تنبيهًا على أن من لم يعمل هذه الأعضاء في ما خلقه الله تعالى وتدبر ما أودعه فيها من الدلائل على وحدانيته وباهر قدرته فهو كعادم هذه الأعضاء، وممن قال تعالى فيهم {فَمَا أَغْنِى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء} فمن أنشأ هذه الحواس وأنشئت هي له وأحيا وأمات وتصرف في اختلاف الليل والنهار هو قادر على البعث.
وخص هذه الأعضاء بالذكر لأنه يتعلق بها منافع الدين والدنيا من أعمال السمع والبصر في آيات الله والاستدلال بفكر القلب على وحدانية الله وصفاته، ولما كان خلقها من أتم النعم على العبد قال: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي تشكرون قليلًا و{مَا} زائدة للتأكيد.
ومن شكر النعمة الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك.
و{ذَرَأَكُمْ} خلقكم وبثكم فيها.
{وَإِلَيْهِ} أي وإلى حكمه وقضائه وجزائه {تُحْشَرُونَ} يريد البعث والجمع في الآخرة بعد التفرق في الدنيا والاضمحلال.
{وَلَهُ اختلاف اليل والنهار} أي.
هو مختص به ومتوليه وله القدرة التي ذلك الاختلاف عنها.
والاختلاف هنا التعاقب أي يخلف هذا هذا.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} من هذه تصرفات قدرته وآثار قهره فتوحدونه وتنفون عنه الشركاء والأنداد، إذ هم ليسوا بقادرين على شيء من ذلك.
وقرأ أبو عمرو في رواية: يعقلون بياء الغيبة على الالتفات.
{بَلْ قَالُواْ} {بَلِ} إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات {بَلْ قَالُواْ} والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَهُوَ الذى أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار}.
لتشاهدُوا بها الآياتَ التَّنزيليةَ والتَّكوينيَّةَ {والأفئدة} لتتفكَّروا بها فيما تُشاهدونَهُ وتعتبروا اعتبارًا لائقًا {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي شكرًا قليلًا غيرَ معتدَ به تشكرون تلك النِّعمَ الجليلةَ لما أنَّ العُمدةَ في الشُّكرِ صرفُ تلك القُوى التي هي في أنفسِها نعمٌ باهرةٌ إلى ما خُلقتْ هي له وأنتُم تخلُّون بذلك إخلالًا عظيمًا.
{وَهُوَ الذى ذَرَأَكُمْ في الأرض} أي خلقَكم وبثَّكم فيها بالتَّناسلِ {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تُجمعون يومَ القيامةِ بعد تفرُّقكم لا إلى غيرِه فما لكُم لا تُؤمنون به ولا تَشكرونَهُ.
{وَهُوَ الذى يُحىِ وَيُمِيتُ} من غير أنْ يشاركَه في ذلك شيءٌ من الأشياءِ {وَلَهُ} خاصَّةً {اختلاف الليل والنهار} أي هُو المؤثِّرُ في اختلافِهما أي تعاقبِهما أو اختلافِهما ازديادًا وانتِقاصًا أو لأمرِه وقضائِه اختلافُهما {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي ألا تتفكَّرون فلا تعقلون أو أتتفكَّرون فلا تعقلونَ بالنَّظرِ والتَّأمُّلِ أنَّ الكُلَّ منَّا وأنَّ قدرتَنا تعمُّ جميعَ الممكناتِ التي من جُملتِها البعثُ. وقرئ يعقلونَ على أنَّ الالتفاتَ إلى الغَيبةِ لحكايةِ سوء حالِ المُخاطبين لغيرِهم، وقيل: على أنَّ الخطابَ الأَوَّلَ لتغليبِ المؤمنينَ وليس بذاكَ.
{بَلْ قَالُواْ} عطفٌ على مضمرٍ يقتضيهِ المقامُ أي فلم يعقلُوا بل قالُوا {مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} أي آباؤُهم ومَن دان بدينِهم.
{قَالُواْ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} تفسيرٌ لما قبله من المُبهم وتفصيلٌ لما فيهِ من الإجمالِ وقد مرَّ الكلامُ فيه.
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا} أي البعثَ {مِن قَبْلُ} متعلق بـ الفعلِ من حيثُ إسنادُه إلى آبائِهم لا إليهم أي ووُعد آباؤُنا من قبل. أو بمحذوفٍ وقعَ حالًا من آباؤنا أي كائنينَ من قبلُ.
{إِنَّ هَذَا} أي ما هذا {إِلاَّ أساطير الأولين} أي أكاذيبُهم التي سَطَرُوها جمع أُسطورةٍ كأُحدوثةٍ وأُعجوبةٍ. وقيل: جمعُ أسطارٍ جمعُ سطرٍ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَهُوَ الَّذي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبصار}.
لتحسوا بها الآيات التنزيلية والتكوينية لتحسوا بها الآيات التنزيلية والتكوينية {والافئدة} لتتكفروا بها في الآيات وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع، وقدم السمع لكثرة منافعه، وأفرد لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر، وقيل: أفرد لأنه يدرك به نوع واحد من المدركات وهو الأصوات بخلاف البصر فإنه يدرك به الأضواء والألوان والأكوان والأشكال وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك به أنواع شتى من التصورات والتصديقات.
وفي الآية إشارة إلى الدليل الحسي والعقلي، وتقديم ما يشير إلى الأول قد تقدم فتذكر فما في العهد من قدم {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي شكرًا قليلًا تشكرون تلك النعم الجليلة لأن العمدة في الشكر صرف تلك القوى التي هي في أنفسها نعم باهرة إلى ما خلقت هي له فنصب {قَلِيلًا} على أنه صفة مصدر محذوف، والقلة على ظاهره بناء على أن الخطاب للناس بتغليب المؤمنين، وجوز أن تكون بمعنى النفي بناء على أن الخطاب للمشركين على سبيل الالتفات، وقيل: هو للمؤمنين خاصة وليس بشيء، والأولى عندي كونه للمشركين خاصة مع جواز كون القلة على ظاهرها كما لا يخفى على المتدبر؛ و{مَا} علا سائر الأقوال مزيدة للتأكيدة.
{وَهُوَ الذى ذَرَأَكُمْ في الأرض} أي خلقكم وبثكم فيها {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم لا إلى غيره تعالى فما لكم لا تؤمنون به سبحانه وتشكرونه عز وجل.
{وَهُوَ الذى يُحْيىِ وَيُمِيتُ} من غير أن يشاركه في ذلك شيء من الأشياء {وَلَهُ} تعالى شأنه خاصة {اختلاف الليل والنهار} أي هو سبحانه وتعالى المؤثر في اختلافهما أي تعاقبهما من قولهم: فلان يختلف إلى فلان أي يتردد عليه بالمجيء والذهاب أو تخالفهما زيادة ونقصًا، وقيل: المعنى لأمره تعالى وقضائه سبحانه اختلافهما ففي الكلام مضاف مقدر، واللام عليه يجوز أن تكون للتعليل {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي ألا تتفكرون فلا تعقلون أو أتتفكرون فلا تعقلون بالنظر والتأمل أن الكل صار منا وأن قدرتنا تعم جميع الممكنات التي من جملتها البعث.
وقرأ أبو عمرو في رواية {يَعْقِلُونَ} على أن الالتفات إلى الغيبة لحكاية سوء حال المخاطبين، وقيل: على أن الخطاب الأول لتغليب المؤمنين وليس بذاك.
{بَلْ قَالُواْ} عطف على مضمر يقتضيه المقام أي فلم يعقلوا بل قالوا: {مِثْلَ مَا قَالَ الاولون} أي آباؤهم ومن دان بدينهم من الكفرة المنكرين للبعث.
{قَالُواْ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} تفسير لما قبله من المبهم وتفصيل لما فيه من الإجمال وقد مر الكلام فيه.
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا} البعث {مِن قَبْلُ} متعلق بـ الفعل من حيث إسناده إلى المعطوف عليه والمعطوف على ما هو الظاهر، وصح ذلك بالنسبة إليهم لأن الأنبياء المخبرين بالبعث كانوا يخبرون به بالنسبة إلى جميع من يموت، ويجوز أن يكون متعلقًا به من حيث إسناده إلى آبائهم لا إليهم أي ووعد آباؤنا من قبل أو بمحذوف وقع حالًا من آبائنا أي كائنين من قبل {إِنَّ هَذَا} أي ما هذا {إِلاَّ أساطير الاولين} أي أكاذيبهم التي سطروها جمع أسطورة كأحدوثة وأعجوبة وإلى هذا ذهب المبرد وجماعة، وقيل: جمع أسطار جمع سطر كفرس وأفراس، والأول كما قال الزمخشري أوفق لأن جمع المفرد أولى وأقيس ولأن بنية أفعولة تجيء لما فيه التلهي فيكون حينئذ كأنه قيل مكتوبات لا طائل تحتها. اهـ.