فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المعنى: ولو كان الحق ما يقولون من اتحاد الآلهة مع الله لاختلفت الآلهة، ومثل ذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وقد ذهب إلى القول الأوّل الأكثرون، ولكنه يرد عليه أن المراد بالحق هنا هو: الحق المذكور قبله في قوله: {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} ولا يصح أن يكون المراد به هنالك الله سبحانه، فالأولى تفسير الحق هنا وهناك: بالصدق الصحيح من الدين الخالص من شرع الله، والمعنى: ولو ورد الحق متابعًا لأهوائهم موافقًا لفاسد مقاصدهم لحصل الفساد، والمراد بقوله: {وَمَن فِيهِنَّ} من في السموات والأرض من المخلوقات.
وقرأ ابن مسعود: {وما بينهما} وسبب فساد المكلفين من بني آدم ظاهر، وهو ذنوبهم التي من جملتها الهوى المخالف للحق، وأما فساد ما عداهم فعلى وجه التبع؛ لأنهم مدبرون في الغالب بذوي العقول فلما فسدوا فسدوا.
ثم ذكر سبحانه أن نزول القرآن عليهم من جملة الحق فقال: {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} والمراد بالذكر هنا القرآن، أي بالكتاب الذي هو فخرهم وشرفهم، ومثله قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].
والمعنى: بل آتيناهم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجب عليهم أن يقبلوه، ويقبلوا عليه.
وقال قتادة: المعنى: بذكرهم الذي ذكر فيه ثوابهم وعقابهم.
وقيل: المعنى بذكر ما لهم به حاجة من أمر الدين.
وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر: {أتيتهم} بتاء التكلم، وقرأ أبو حيوة والجحدري: {أتيتهم} بتاء الخطاب، أي أتيتهم يا محمد، وقرأ عيسى بن عمر: {بذكراهم}، وقرأ قتادة: {نذكرهم} بالنون والتشديد من التذكير، وتكون الجملة على هذه القراءة في محل نصب على الحال.
وقيل: الذكر هو: الوعظ والتحذير {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي هم بما فعلوا من الاستكبار والنكوص عن هذا الذكر المختص بهم معرضون لا يلتفتون إليه بحال من الأحوال، وفي هذا التركيب ما يدل على أن إعراضهم مختص بذلك لا يتجاوزه إلى غيره.
ثم بين سبحانه أن دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم ليست مشبوهة بأطماع الدنيا فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} و{أم} هي المنقطعة، والمعنى: أم يزعمون أنك تسألهم خرجًا تأخذه على الرسالة، والخرج: الأجر والجعل، فتركوا الإيمان بك وبما جئت به لأجل ذلك، مع أنهم يعلمون أنك لم تسألهم ذلك ولا طلبته منهم {فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ} أي فرزق ربك الذي يرزقك في الدنيا، وأجره الذي يعطيكه في الآخرة خير لك مما ذكر.
قرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى ابن وثاب: {أم تسألهم خراجًا}، وقرأ الباقون: {خرجا} وكلهم قرؤوا {فَخَرَاجُ} إلا ابن عامر وأبا حيوة فإنهما قرآ: {فخرج} بغير ألف.
والخرج: هو الذي يكون مقابلًا للدخل، يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك: خرجًا، والخراج غالب في الضريبة على الأرض.
قال المبرد: الخرج: المصدر، والخراج: الاسم.
قال النضر بن شميل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال: الخراج ما لزمك، والخرج ما تبرعت به.
وروي عنه أنه قال: الخرج من الرقاب، والخراج من الأرض {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من كون خراجه سبحانه خير.
ثم لما أثبت سبحانه لرسوله من الأدلة الواضحة المقتضية لقبول ما جاء به ونفى عنه أضداد ذلك قال: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي إلى طريق واضحة تشهد العقول بأنها مستقيمة غير معوجة، والصراط في اللغة: الطريق، فسمي الدين طريقًا لأنها تؤدّي إليه.
ثم وصفهم سبحانه بأنهم على خلاف ذلك فقال: {وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لناكبون} يقال: نكب عن الطريق ينكب نكوبًا: إذا عدل عنه ومال إلى غيره، والنكوب والنكب: العدول والميل، ومنه النكباء للريح بين ريحين، سميت بذلك لعدولها عن المهابّ، و{عن الصراط} متعلق بـ {ناكبون}، والمعنى: أن هؤلاء الموصوفين بعدم الإيمان بالآخرة عن ذلك الصراط أو جنس الصراط لعادلون عنه.
ثم بين سبحانه أنهم مصرّون على الكفر لا يرجعون عنه بحال فقال: {وَلَوْ رحمناهم وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ} أي من قحط وجدب {لَّلَجُّواْ فِي طغيانهم} أي لتمادوا في طغيانهم وضلالهم {يَعْمَهُونَ} يتردّدون ويتذبذبون ويخبطون.
وأصل اللجاج: التمادي في العناد، ومنه اللجة بالفتح لتردّد الصوت، ولجة البحر تردّد أمواجه، ولجة الليل تردد ظلامه.
وقيل: المعنى: لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجوا في طغيانهم.
{وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها.
والعذاب قيل: هو الجوع الذي أصابهم في سني القحط.
وقيل: المرض.
وقيل: القتل يوم بدر، واختاره الزجاج.
وقيل: الموت.
وقيل: المراد من أصابه العذاب من الأمم الخالية {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ} أي ما خضعوا ولا تذللوا، بل أقاموا على ما كانوا فيه من التمرّد على الله والانهماك في معاصيه {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أي وما يخشعون لله في الشدائد عند إصابتها لهم، ولا يدعونه لرفع ذلك {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} قيل: هو عذاب الآخرة.
وقيل: قتلهم يوم بدر بالسيف.
وقيل: القحط الذي أصابهم.
وقيل: فتح مكة {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: متحيرون، لا يدرون ما يصنعون.
والإبلاس: التحير والإياس من كل خير.
وقرأ السلمي: {مبلسون} بفتح اللام من أبلسه، أي أدخله في الإبلاس.
وقد تقدّم في الأنعام.
{وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والابصار} امتنّ عليهم ببعض النعم التي أعطاهم، وهي نعمة السمع والبصر {والأفئدة} فصارت هذه الأمور معهم ليسمعوا المواعظ وينظروا العبر ويتفكروا بالأفئدة فلم ينتفعوا بشيء من ذلك لإصرارهم على الكفر وبعدهم عن الحق، ولم يشكروه على ذلك ولهذا قال: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي شكرًا قليلًا حقيرًا غير معتدّ به باعتبار تلك النعم الجليلة.
وقيل: المعنى: أنهم لا يشكرونه ألبتة، لا أن لهم شكرًا قليلًا.
كما يقال لجاحد النعمة: ما أقلّ شكره، أي: لا يشكره، ومثل هذه الآية قوله: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} [الأحقاف: 26].
{وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ في الأرض} أي: بثكم فيها كما تبث الحبوب لتنبت وقد تقدّم تحقيقه {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون يوم القيامة بعد تفرّقكم.
{وَهُوَ الذي يُحي وَيُمِيتُ} على جهة الانفراد والاستقلال، وفي هذا تذكير لنعمة الحياة، وبيان الانتقال منها إلى الدار الآخرة {وَلَهُ اختلاف اليل والنهار} قال الفراء: هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض.
وقيل: اختلافهما: نقصان أحدهما وزيادة الآخر.
وقيل: تكرّرها يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة {أَفلاَ تعقلون} كنه قدرته وتتفكرون في ذلك.
ثم بين سبحانه أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد المبنيّ على مجرد الاستبعاد فقال: {بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} أي آباؤهم والموافقون لهم في دينهم.
ثم بين ما قاله الأوّلون فقال: {قَالُواْ أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} فهذا مجرّد استبعاد لم يتعلقوا فيه بشيء من الشبه، ثم كملوا ذلك القول بقولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} أي وعدنا هذا البعث ووعده آباؤنا الكائنون من قبلنا فلم نصدّقه كما لم يصدّقه من قبلنا، ثم صرّحوا بالتكذيب وفرّوا إلى مجرّد الزعم الباطل فقالوا: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} أي ما هذا إلا أكاذيب الأولين التي سطروها في الكتب جمع أسطورة كأحدوثة، والأساطير: الأباطيل والترهات والكذب.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} قال: عرفوه ولكنهم حسدوه.
وفي قوله: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءهُمْ} قال: الحق: الله عز وجلّ.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} قال: بينا لهم، وأخرجوا عنه في قوله: {عَنِ الصراط لناكبون} قال: عن الحقّ لحائدون.
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز، يعني الوبر بالدم، فأنزل الله: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}، وأصل الحديث في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال: «اللّهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» الحديث.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس: أن ابن أثال الحنفي لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله لحق باليمامة. فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: «بلى».
قال: فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} الآية.
وأخرج العسكري في المواعظ عن على بن أبي طالب في قوله: {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} قال: أي لم يتواضعوا في الدعاء ولم يخضعوا، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} قال: قد مضى، كان يوم بدر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} المؤمنون: 81- 83، وفي سورة النمل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} النمل: 67- 68، للسائل أن يسأل عن تقديم المضمر المذكور والمعطوف عليه على المفعول الذي هو هذا في آية المؤمنون وعكس ذلك في آية النمل؟
والجواب عنه، والله أعلم: أنه لما تقدم قبل آية المؤمنون قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} المؤمنون: 68، فتقدم التعريف في هذه الآية أن آباءهم قد جاءتهم الرسل، وأنذروا كما أنذر هؤلاء، لهذا قالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} المؤمنون: 83، ولما لم يتقدم في آية النمل ذكر إنذار آبائهم كان أهم شيء ذكر الموعود به الذي هو هذا، فقالوا: لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا. اهـ.