فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{قل لِمَن الأرض}.
أي: قل لأهل مكة المكذِّبين بالبعث: لِمَن الأرض {ومن فيها} مِن الخَلْق {إِن كنتم تعلمون} بحالها، {سيقولون لله} قرأ أبو عمرو: {لله} بغير ألف هاهنا، وفي اللَّذَين بعدها بألف.
وقرأ الباقون: {لله} في المواضع الثلاثة.
وقراءة أبي عمرو على القياس.
قال الزجاج: ومن قرأ: {سيقولون الله} فهو جواب السؤال، ومن قرأ {لله} فجيّد أيضًا، لأنك إِذا قلتَ؛ مَنْ صاحبُ هذه الدار؟ فقيل: لزيد، جاز، لأن معنى مَن صاحب هذه الدار؟: لمن هي؟ وقال أبو علي الفارسي: من قرأ {لله} في الموضعين الآخَرين، فقد أجاب على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ.
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {سيقولون الله} {الله} {الله} بألف فيهن كلِّهن.
قال أبو علي الأهوازي: وهو في مصاحف أهل البصرة بألف فيهن.
قوله تعالى: {قل أفلا تَذَكَّرون} فتعلمون أن من قدر على خَلْق ذلك ابتداءًا، أقدر على إِحياء الأموات؟!
قوله تعالى: {أفلا تَتَّقُون} فيه قولان:
أحدهما: تتقون عبادة غيره.
والثاني: تخشَون عذابه.
فأما الملكوت، فقد شرحناه في [الأنعام: 75].
قوله تعالى: {وهو يُجِير ولا يُجَار عليه} أي: يمنع من السوء من شاء، ولا يمنع منه من أراده بسوء، يقال: أَجَرْتُ فلانًا: أي: حميته، وأجرتُ عليه: أي: حميت عنه.
قوله تعالى: {فأنَّى تُسْحَرون} قال ابن قتيبة: أنَّى تُخْدَعون وتُصْرَفون عن هذا؟!
قوله تعالى: {بل أتيناهم بالحق} أي: بالتوحيد والقرآن {وإِنَّهم لكاذبون} فيما يُضِيفون إِلى الله من الولد والشريك؛ ثم نفاهما عنه بما بعد هذا إِلى قوله: {إِذًا لذهب كل إِله بما خَلَق}. اهـ.

.قال القرطبي:

قال الله تعالى: {قُل} يا محمد جوابًا لهم عما قالوه {لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ} يخبر بربوبيّته ووحدانيته وملكه الذي لا يزول، وقدرته التي لا تحول؛ فـ {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ولابد لهم من ذلك.
ف {قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أفلا تتعظون وتعلمون أن من قدر على خلق ذلك ابتداء فهو على إحياء الموتى بعد موتهم قادر.
{قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} يريد أفلا تخافون حيث تجعلون لي ما تكرهون؛ زعمتم أن الملائكة بناتي، وكرهتم لأنفسكم البنات.
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يريد السموات وما فوقها وما بينهن، والأرضين وما تحتهن وما بينهن، وما لا يعلمه أحد إلا هو.
وقال مجاهد: ملكوت كلِّ شيء خزائن كل شيء.
الضحاك: ملك كل شيء.
والملكوت من صفات المبالغة كالجَبَرُوت والرَّهَبُوت؛ وقد مضى في الأنعام.
{وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} أي يَمنع ولا يُمنع منه.
وقيل: يُجير يؤمّن من شاء.
ولا يُجَار عَلَيْه أي لا يؤمّن من أخافه.
ثم قيل: هذا في الدنيا؛ أي من أراد الله إهلاكه وخوفه لم يمنعه منه مانع، ومن أراد نصره وأمنه لم يدفعه من نصره وأمنه دافع.
وقيل: هذا في الآخرة، أي لا يمنعه من مستحق الثواب مانع ولا يدفعه عن مستوجب العذاب دافع.
{فأنى تُسْحَرُونَ} أي فكيف تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده.
أو كيف يخيَّل إليكم أن تشركوا به ما لا يضر ولا ينفع! والسحر هو التخييل.
وكل هذا احتجاج على العرب المقرين بالصانع.
وقرأ أبو عمرو {سيقولون الله} في الموضعين الأخيرين؛ وهي قراءة أهل العراق.
الباقون {لله}، ولا خلاف في الأوّل أنه {لله}؛ لأنه جواب ل {قل لمن الأرض ومن فيها} فلما تقدّمت اللام في {لمن} رجعت في الجواب.
ولا خلاف أنه مكتوب في جميع المصاحف بغير ألف.
وأما من قرأ {سيقولون الله} فلأن السؤال بغير لام فجاء الجواب على لفظه، وجاء في الأوّل {لله} لمّا كان السؤال باللام.
وأما من قرأ {لله} باللام في الأخيرين وليس في السؤال لام فلأن معنى {قل مَن ربّ السموات السبعِ ورب العرش العظيم}؛ {قل لمن السموات السبع ورب العرش العظيم}.
فكان الجواب {لله}؛ حين قدّرت اللام في السؤال.
وعلّة الثالثة كعلة الثانية.
وقال الشاعر:
إذا قيل من ربّ المزالف والقُرَى ** وربُّ الجياد الجُرْد قلت لخالد

أي لمن المزالف.
والمزالف: البراغيل وهي البلاد التي بين الريف والبرّ الواحدة مزلفة.
ودلّت هذه الآيات على جواز جدال الكفار وإقامة الحجة عليهم.
وقد تقدم في البقرة.
ونبّهتْ على أن من ابتدأ بالخلق والاختراع والإيجاد والإبداع هو المستحق للألوهية والعبادة.
قوله تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بالحق} أي بالقول الصدق، لا ما تقوله الكفار من إثبات الشريك ونَفْي البعث.
{وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أن الملائكة بنات الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما اتخذوا من دون الله تعالى آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط جهلهم بكونهم يقرون بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شيء وهم مع ذلك ينسبون له الولد ويتخذون له شركاء.
وقرأ عبد الله والحسن والجحدري ونصر بن عاصم وابن وثاب وأبو الأشهب وأبو عمرو من السبعة {سَيَقُولُونَ الله} الثاني والثالث بلفظ الجلالة مرفوعًا وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام.
وقرأ باقي السبعة {لِلَّهِ} فيها بلام الجر فالقراءة الأولى فيها المطابقة لفظًا ومعنى، والثانية جاءت على المعنى لأن قولك: من رب هذا؟ ولمن هذا؟ في معنى واحد، ولم يختلف في الأول أنه باللام.
وقرأ ابن محيصن {العظيم} برفع الميم نعتًا للرب، وتقول أجرت فلانًا على فلان إذا منعته منه أي وهو يمنع من يشاء ممن يشاء ولا يمنع أحد منه أحدًا.
ولا تعارض بين قوله: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} لا ينفي عنهم وبين ما حكي عنهم من قولهم.
{سَيَقُولُونَ الله} لأن قوله: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} لا ينفي علمهم بذلك، وقد يقال مثل ذلك في الاحتجاج على وجه التأكيد لعلمهم، وختم كل سؤال بما يناسبه فختم ملك الأرض ومن فيها حقيق أن لا يشرك به بعض خلقه ممن في الأرض ملكًا له الربوبية وختم ما بعدها بالتقوى وهي أبلغ من التذكر وفيها وعيد شديد أي أفلا تخافونه فلا تشركوا به.
وختم ما بعد هذه بقوله: {فأنى تُسْحَرُونَ} مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به في الاحتجاج وأني بمعنى كيف قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته، والسحر هنا مستعار وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك.
وقرىء بل آتيتهم بتاء المتكلم، وابن أبي إسحاق بتاء الخطاب {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيما ينسبون إلى الله تعالى من اتخاذ الولد ومن الشركاء وغير ذلك مما هم فيه كاذبون. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا}.
من المخلوقاتِ تغليبًا للعُقلاءِ على غيرِهم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} جوابُه محذوفٌ ثقةً بدلالة الاستفهامِ عليه أي إنْ كنتُم تعلمون شيئًا فأخبرونِي به، فإنَّ ذلك كافٍ في الجوابِ. وفيه من المُبالغةِ في وضوحِ الأمرِ وفي تجهيلِهم ما لا يَخْفى أو إنْ كنتُم تعلمون ذلكَ فأخبرونِي وفيه استهانةٌ بهم وتقريرٌ لجهلِهم ولذلك أخبرَ بجوابهم قبل أنْ يُجيبوا حيثُ قيل: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} لأنَّ بديهةَ العقلِ تضطرُّهم إلى الاعترافِ بأنَّه تعالى خالقُها.
{قُلْ} أي عندَ اعترافِهم بذلك تبكيتًا لهم {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أتعلمون ذلكَ أو تقولون ذلكَ فلا تتذكَّرون أنَّ مَن فطرَ الأرض وما فيها ابتداءً قادرٌ على إعادتها ثانيًا فإنَّ البَدْءَ ليس بأهونَ من الإعادةِ بلِ الأمرُ بالعكس في قياس العقولِ. وقرئ تتذكَّرون على الأصل.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم} أُعيد الرَّبُّ تنويهًا لشأن العرش ورفعًا لمحلِّه عن أن يكونَ تبعًا للسَّمواتِ وجُودًا وذِكرًا، ولقد رُوعي في الأمر بالسُّؤال التَّرقِّي من الأدنى إلى الأعلى {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} باللامِ نظرًا إلى معنى السُّؤالِ فإنَّ قولك: مَن رَبُّه ولمنْ هُو في معنى واحدٍ. وقرئ هُو وما بعدَهُ بغير لامٍ نظرًا إلى لفظ السُّؤالِ.
{قُلْ} إفحامًا لهم وتوبيخًا {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي تعلمون ذلك ولا تقُون أنفسَكم عقابَهُ بعدم العمل بموجب العلم حيثُ تكفرون به وتُنكرون البعث وتُثبتون له شريكًا في الرُّبوبيَّةِ.
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء} ممَّا ذُكر وما لم يُذكرْ أي ملكه التَّامُّ القاهرُ وقيل: خزائنُه {وَهُوَ يُجْيِرُ} أي يُغيث غيرَه إذا شاء {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} أي ولا يُغيث أحدٌ عليه أي لا يُمنع أحدٌ منه بالنَّصر عليه {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي شيئًا ما أو ذلك فأجيبُوني على ما سبق {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} أي لله ملكوتُ كلِّ شيءٍ وهو الذي يجيرُ ولا يُجارُ عليه {قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} أي فمِن أين تُخدعون وتُصرفون عن الرُّشدِ مع علمكم به إلى ما أنتُم عليه من الغيِّ فإنَّ مَن لا يكونُ مسحورًا مختلَّ العقل لا يكونُ كذلك.
{بَلْ أتيناهم بالحق} الذي لا محيدَ عنه من التَّوحيدِ والوعد بالبعث {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيما قالُوا من الشِّركِ وإنكار البعث. اهـ.