فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)}.
التفسير: إنه سبحانه لما نفى الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبعه ذكر من هو أهل للخيرات عاجلًا وآجلًا فوصفهم بصفات أربع: الأولى الإشفاق من خشية ربهم وظاهره ينبئ عن تكرار، لأن الإشفاق يتضمن الخشية فمنهم من قال: جمع بينهما للتأكيد، ومنهم من حمل الخشية على العذاب أي من عذاب ربهم مشفقون وهو قول الكلبي ومقاتل، ومنهم من حمل الإشفاق على اثره وهو الدوام في الطاعة. والمعنى الذين هم من خشيته دائمون على طاعته جادّون في طلب مرضاته. ومنهم من قال: الإشفاق كمال الخوف اي هم من سخط الله عاجلًا ومن عقابه آجلًا في نهاية الخوف، ويلزم ذلك أن يكونوا في غاية الاحتراز عن المعاصي. وفيه أنهم إذا كانوا خائفين من الخشية فلأن يخافوا من عدم الخشية أولى. الثانية قوله: {والذين هم بآيات ربهم يؤمنون} والظاهر أنها القرآن. وقيل: هي المخلوقات الدالة على وجود الصانع. وليس المراد التصديق بوجودها فقط فإن ذلك معلوم بالضرورة فلا يوجب المدح، بل التصديق بكونها دلائل موصلة إلى العرفان ويتبعه الإقرار اللساني ظاهرًا. الثالثة التبري عما سوى الله ظاهرًا وباطنًا بأن لايشرك به طرفة عين. الرابعة قوله: {والذين يؤتون ما آتوا} أي يعطون ما أعطوا {وقلوبهم وجلة} خائفة في شأن ذلك الإعطاء.
ثم علل ذلك الوجل بقوله: {أنهم} اي لأنهم {إلى ربهم راجعون} فإن من اعتقد الرجوع إلى الجزاء والمساءلة ونشر الصحف وتتبع الأعمال وعلم أن المجازي هو الذي لا يخفى عليه الضمائر والسرائر لم يخل عمله من حسن النية وخلوص الطوية بحيث يكون أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص. والظاهر أن هذا الإيتاء مختص بالزكاة والتصدق، ويحتمل أن يراد إعطاء كل فعل أو خصلة أي إتيانها يؤيده ما روي أن رسول الله صلى الله عليه سولم قرأ {ويأتون ما أتوا} أي يفعلون ما فعلوا. وعن عائشة أنها قالت: قلت يا رسول الله هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكن هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله أن لا يقبل منه. وفي قوله: {يسارعون في الخيرات} معنيان:
أحدهما يرغبون في الطاعات اشد الرغبة فيبادرونها، والثاني أنهم يتعجلون في الدنيا وجوه المنافع والإكرام لأنهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها. قال جار الله: وهذا الوجه أحسن طباقًا للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفى عن الكفار للمؤمنين. وقال في قوله: {وهم لها سابقون} إنه متروك المفعول أو منويه أي فاعلون السبق لأجلها أو سابقون الناس لأجلها، والمراد إياها سابقون كقولك هو لزيد ضارب بمعنى هو زيدًا ضارب جئت باللام لضعف عمل اسم الفاعل ولا سيما فيما قبله، والمعنى أنهم ينالون الخيرات قبل الأخرى حيث عجلت لهم في الدنيا. وجوّز أن يكون {لها سابقون} خبرين أحدهما بعد الآخر كقولك هذا هو لهذا الأمر أي صالح له.
وحين أنجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر حكمين لهما الأوّل قوله: {ولا نكلف نفسًا إلا وسعها} وفي الوسع قولان:
أحدهما أنه الطاقة والآخر أنه دون الطاقة وهو قول المعتزلة ومقاتل والضحاك والكلبي، لأنه اتسع فيه على المكلف ولم يضيق مثاله إن لم يستطيع أن يصلي قائمًا فليصل قاعدًا وإلا فليوم إيماء. وفيه أن هذا الذي وصف به الصالحين غير خارج من وسعهم. الثاني قوله: {ولدينا كتاب ينطق} والمراد ينطقه إثبات كل عمل فيه وهو اللوح أو صحيفة الأعمال لا يقرأون منها يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل. والبحث بين الأشاعرة والمعتزلة في مثل هذا المقام معلوم. أما قوله: {بل قلوبهم في غمرة من هذا} ففيه طريقان:
أحدهما رادع إلى الكفار والمعنى بل قلوب الكفار في غفلة غامرة لها من هذا الذي بيناه في القرآن، أو من هذا الذي ينطق بالحق أو الذي عليه هؤلاء المؤمنون. {ولهم أعمال} متجاوزة لذلك الذي وصف به المؤمنون كمتابعة الهوى وطلب الدنيا والإعراض عن المولى.
{هم لها عاملون} في الحال على سبيل الاعتياد لا يفطمون عنها حتى يأخذهم العذاب أو في الاستقبال لأنها مبينة في علم الله مكتوبة في اللوح عليهم أن يعملوا بها حكم الشقاء الأزلي. وثانيهما وهو اختيار أبي مسلم أن هذه الآيات من صفات المشفقين كأنه سبحانه قال بعد وصفهم {ولا نكلف نفسًا إلا وسعها} ونهايته ما أتى به هؤلاء. {ولدينا كتاب} يحفظ أعمالهم. {بل قلوبهم في غمرة من هذا} الذي وصفناهم به أهو مقبول عند الله أم مردود {ولهم أعمال} من {دون ذلك} الذي وصف {هم لها عاملون} وهي النوافل السرية والأعمال القلبية. ثم إنه رجع إلى وصف الكفار بقوله: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} وهو عذاب الآخرة أو قتلهم يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة واقدّ والأولاد. والجؤار الصراخ باستغاثة. ثم أخبر أنه يقال لهم حينئذ على جهة التبكيت {لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون} لا تغاثون من جهتنا أو لا تمنعون منا، ثم عدد عليهم التوبيخ بمقابحهم. ومعنى النكوص على العقبين التباعد عن الحق والتجافي عنه كمن رجع على ورائه وقد مر في الأنعام.
وفي مرجع الضمير في {به} أقوال: أحدها أنه للبيت العتيق أو للحرم. والذي سوّغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت والتفاخر بولايته والقيام به وكانوا يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم. وثانيها مستكبرين بهذا التراجع والتباعد. وثالثها مستكبرين بالقرآن على تضمين الاستكبار معنى التكذيب، أو على أن الباء للسببية لأن سماع القرآن كان يحدث لهم استكبارًا وعتوًّا. ورابعها أنه يتعلق بـ {سامرًا} أو بـ {تهجرون} والهجر بالضم الفحش وبالفتح الهذيان، وأهجر في منطفه إذا أفحش. والضمير للقرآن أو للنبي أي تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه أو في النبي، وكانت عامة سمرهم حول البيت ذكر القرآن وتسميته سحرًا وشعرًا وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع. ثم بين أن سبب إقدامهم على الكفر أحد أمور اربعة: الأوّل عدم التدبر في القرآن لأنهم إن تدبروه وتأملوا مبانيه ومعانيه ظهر لهم صدقه وإعجازه فيصدقوا به وبمن جاء به. الثاني قوله: {أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الولين} والمراد أمر الرسالة. ثم المقصود تقرير أنه لم يأت آباءهم الأقربين رسول كقوله: {لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم} [يس: 6] فلذلك أنكروه واستبعدوه، أو تقرير أنه أتى آباءهم الأقدمين رسل وذلك أنهم عرفوا بالتواتر أن رسل الله فيهم كثيرة وكانت الأمم بين مصدق ناج وبين مكذب هالك بعذاب الاستئصال، فما دعاهم ذلك إلى تصديق هذا الرسول وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان.
وقيل: إراد أفلم يدبروا القرآن فيخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه؟ عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولا تسبوا قسًا فإنه كان مسلمًا ولا تسبوا الحرث بن كعب ولا اسد بن خزيمة ولا تميم بن مر فإنهم كانوا على الإسلام وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعًا كان مسلمًا» الثالث قوله: {أم لم يعرفوا} نبه بذلك على أنهم عرفوه وعرفوا صحة نسبته وأمانته فكيف كذبوه بعد أن اتفقت كلمتهم على أنه أمين؟ الرابع نسبتهم إياه إلى الجنون وكانوا يعلمون أنه أرجحهم عقلًا ولكنه جاء بما يخالف هواهم فتشككوا في أمره أو شككوا العوام إبقاء على مناصبهم ورياستهم. ثم أضرب عن أقوالهم منبهًا على مصدوقية أمر النبي فقال: {بل جاءهم} متلبسًا {بالحق} أو الباء للتعدية والحق الدين القويم والصراط المستقيم {وأكثرهم للحق كارهون} واقلهم كانوا لا يكرهونه وإن لم يظهروا الإيمان به خوفًا من قالة الأعداء كما يحكى عن ابي طالب، ولهذا جاء الخلاف في صحة إسلامه. ثم بين أن الإلهية تقتضي الاستقلال في الأوامر والنواهي، وأن الحق والصواب ينحصر فيما دبره إله العالمين وقدّره فقال: {ولو اتبع الحق أهواءهم} نظيره ما مر في قوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] وقيل: الحق الإسلام، والمراد لو انقلب الإسلام شركًا كما تقتضيه أهواؤهم لجاء الله بالقيامة، ولأهلك العالم ولم يؤخر. وعن قتادة: الحق هو الله، والمعنى لو كان الله آمرًا بالشرك والمعاصي على وفق آرائهم لما كان إلهًا ولكان شيطانًا فلا يقدر على إمساك السموات والأرض، وحينئذ يختل نظام العالم. ثم ذكر أن نزول القرآن عليهم من جملة الحق فقال: {بل أتيناهم بذكرهم} إن كانت الباء للتعدية فظاهر، وإن كانت للمصاحبة.
فعلى حذف مضاف اي أتاهم رسولنا متلبسًا بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أوصيتهم وفخرهم، أو الإضافة بدل اللام العهدي أي بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون {لو أن عندنا ذكرًا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين} [الصافات: 168- 169] ثم بيّن أن دعوته ليست مشوبة بالطمع الموجب للنفرة فقال: {أم تسألهم خرجًا} أي جعلًا وكذا الخراج وقد مر في آخر الكهف. وقيل: الخرج أقل ولذا قرأ الأكثرون {خرجًا فخراج} يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلًا من عطاء الخلق فالكثير من عطاء الخالق خير.
وحين أثبت لرسوله مواجب قبول قوله ونفى عنه أضدادها صرح بمضمون أمره ومكنون سره فقال: {وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} هو دين الإسلام لا تدعوهم إلى غيره من الطرق المنحرفة عن جادة الصواب، وأشار إلى هذه الطرق بقوله: {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة} هم المذكورون فيما تقدم أو كل من لا يؤمن بالآخرة عن {الصراط} المستقيم المذكور {لناكبون} والتركيب يدور على العدول عن القصد ومنه المنكب لمجمع عظم العضد والكتف، والنكباء للريح التي تعدل عن مهاب الرياح للقوم.
ثم بين إصرارهم على الكفر بقوله: {ولو رحمناهم} الآية. يروى أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة ومنه الميرة عن أهل مكة وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز، جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: «بلى». فقال الاباء بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله أن يكشف عنا الضر. فأنزل الله الآية. والمعنى لو كشف الله برحمته هذا الهزال والجوع عنهم لأصروا على ما هم فيه من الطغيان. ثم استشهد على ذلك بقوله: {ولقد أخذناهم} اي قبل ذلك {بالعذاب} يعني ما جرى عليهم يوم بدر {فما استكانوا لربهم} أي ما خضعوا له وقد مر اشتقاقه في آل عمران {وما يتضرعون} عدل إلى المضارع لأنه أراد وما من عادة هؤلاء أن يتضرعوا حتى فتحنا عليهم باب العذاب الشديد وهو الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل، فأبلسوا الساعة أي خضعت رقابهم وجاء أعتاهم واشدهم شكيمة وأخشنهم عريكة يستعطفك. ويحتمل أن يراد محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما شوهد منهم انقياد للحق وهم كذلك إذ عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون، والإبلاس السكوت مع تحير أو الياس من كل خير. ثم نبه بقوله: {وهو الذي أنشأ لكم} على أن اسباب التأمل في الدلائل موجودة، وابواب الأعذار بالكلية مسدودة، فما كفر من كفر ولا عند من عند إلا للشقاء الأزلي. وفي قوله: {قليلًا ما تشكرون} أي تشكرون شكرًا قليلًا وما مزيدة للتوكيد دليل على أن المقر أقل من الجاحد. وعن أبي مسلم أنه قال: اراد بالقلة العدم. وفي الآية ثلاثة معان: أحدها إظهار النعمة. وثانيها مطالبة العباد بالشكر عليها فشكر السمع أن لا يسمع إلا لله وبالله ومن الله، وشكر البصر أن ينظر بنظر العبرة لله وبالله وإلى الله، وشكر الفؤاد تصفيته عن رين الأخلاق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين لشهوده بالله. وثالثها الشكاية أن الشاكر قليل.
ثم بين دلائل أخر على الوحدانية فقال: {وهو الذي ذرأكم} اي خلقكم وبثكم في الأرض للتناسل وإلى حيث لا مالك سواه تحشرون بعد تفرقكم {وهو الذي يحيي ويميت} وفيه مع تذكر نعمة الحياة بيان أن المقصود منها الانتقال إلى دار الثواب {وله اختلاف الليل والنهار} أي هو مختص بتصريفهما وأنهما يشبهان الموت والحياة.
وفي قوله: {أفلا تعقلون} توبيخ وتهديد. ثم نبه بقوله: {بل قالوا} الآيات على أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد والاستبعاد. قال علماء المعاني: قوله: {لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا} واراد على الأصل لأن التأكيد مذكور عقيب المؤكد وبعده المفعول الثاني. وأما في سورة النمل فسبب تقديم المفعول الثاني على الضمير وعلى المعطوف هو أنه اقتصر هناك على قوله: {ترابًا} والتراب أبعد في باب الإعادة من العظام، فقدم ليدل على مزيد الاعتناء به في شأن الاستنكار. ثم رد على منكري الإعادة أو على عبدة الأوثان بقوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون} أي إن كان عندكم علم فأجيبوني وفيه استهانة بهم وتجهيل لهم بأمر الديانات حتى جوّز أن يشتبه عليهم مثل هذا المكشوف الجلي. وفي قوله: {افلا تذكرون} ترغيب في التدبر وبعث على التأمل في أمر التوحيد والبعث، فإن من قدر على اختراع الأرض ومن فيها كان حقيقًا بأن لا يشرك به بعض خلقه وكان قادرًا على إعادة ما أفناه، وفي قوله: {أفلا تتقون} مثل هذا الترغيب مع التخويف وكان أولى بالآية الثانية لأجل التدرج ولتعظيم السموات والعرش، ولأن تذكر واجب الوجود مقدم على اتقاء مخالفته، قال جار الله: أجرت فلانًا على فلان إذا أغثته منه ومنعته يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث احد منه أحدًا {إن كنتم تعلمون} بهذه الصفة غيره فأجيبوني به. ومعنى {تسحرون} تخدعون عن طاعته والخادع هو الشيطان والهوى. ثم بين بقوله: {بل أتيناهم بالحق} أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات حتى استبان بما هو الحق والصدق {وإنهم} مع ذلك {لكاذبون} حيث يدعون له الولد والشريك وينسبون إليه العجز عن الإعادة.
التأويل: {من خشية ربهم مشفقون} إشارة إلى استيلاء سلطان الهيبة في الحضور والغيبة {بآيات ربهم يؤمنون} هي ما يكاشف لهم من شواهد الحق في السر والعلانية {بربهم لا يشركون} هو ترك الملاحظة في رد الناس وقبولهم ومدحهم وذمهم وانقطاع النظر في المضار والضار عن الوسائط والأسباب {يسارعون في الخيرات} يتوجهون إلى الله وينقطعون عما سواه {وهم لها سابقون} على قدر سبق العناية {ولا نكلف نفسًا إلا وسعها} كلفهم أن يقولوا لا إله إلا الله وهم قادرون على ذلك، وأمرهم بقبول دعوة الأنبياء وما هم بعد بعاجزين عنه، وقد كتب في اللوح أنهم يقدرون على هذه التكاليف. {وهم لا يظلمون} فلا يكلفون ما ليس في وسعهم واستعدادهم {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} مجرميهم بعذاب فساد الاستعداد لفسدت سموات أرواحهم وأرض نفوسهم ومن فيهن من القلب والسر {وهو خير الرازقين} فيه أن العلماء بالله عليهم أن لا يدنسوا وجوه قلوبهم الناضرة بدنس الأطماع الفارقة. {ولقد أخذناهم} أولًا بعذاب الغبن {حتى إذا فتحنا عليهم} باب عذاب الرين يحيي بنوره قلوب بعض عباده ويميت نفوسهم عن صفاتها الذميمة، أو يحيي بعض النفوس باتباع شهواتها ويميت بعض القلوب باستيلاء ظلمات الطبيعة عليها {وله اختلاف} ليل البشرية ونهار الروحانية أو طول ليل الفراق وقصر نهار الوصال {قالوا أئذا متنا} فيه أن الياس من الوصول والوصال ليس من شيم أهل الكمال فقد تقوم قيامة العشق فيبعث القلب الميت {أو من كان ميتًا فأحييناه} ملكوت كل شيء هي جهة روحانيته {وهو يجير} الأشياء بقيوميته عن الهلاك ولا مانع له ممن أراد به أن لا يجيره. اهـ.