فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين}.
أي وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت به وهي جمع همزة، والهمز النخس والدفع بيد أو غيرها، ومنه مهماز الرائض لحديدة تربط على مؤخر رجله ينخس به الدابة لتسرع أو لتثب، وإطلاق ذلك على الوسوسة والحث على المعاصي لما بينهما من الشبه الظاهر، والجمع للمرات أو لتوع الوساوس أو لتعدد الشياطين.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ} أي من حضورهم حولي في حال الأحوال، وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحال حلول الأجل كما روى عن عكرمة لأنها أحرى الأحوال بالاستعاذة منها لا سيما الحال الأخيرة ولذا قيل: اللهم إني أعوذ بك من النزع عند النزع، وإلى العموم ذهب ابن زيد، وفي الأمر بالتعوذ من الحضور بعد الأمر بالتعوذ من همزاتهم مبالغة في التحذير من ملابستهم، وإعادة الفعل مع تكرير النداء لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به وعرض نهاية الابتهال في الاستدعاء ويسن التعوذ من همزات الشياطين وحضورهم عند إرادة النوم، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع بسم الله أعوذ بكلمات التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».
{حتى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الموت} {حتى} ابتدائية وغاية لمقدر يدل عليه ما قبلها والتقدير فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم حتى إذا جاء الخ، ونظير ذلك قوله:
فيا عجبًا حتى كليب تسبني

فإن التقدير يسبني كل الناس حتى كليب إلا أنه حذفت الجملة هنا لدلالة ما بعد حتى، وقيل إن هذا الكلام مردود على {يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96] الثاني على معنى إن حتى متعلقة بمحذوف يدل عليه كأنه قيل: لا يزالون على سوء المقالة والطعن في حضرة الرسالة حتى إذا الخ، وقوله تعالى: {وَقُل رَّبّ} [المؤمنون: 97] إلخ اعتراض مؤكد للأغضاء المدلول عليه بقوله سبحانه: {ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: 96] إلخ بالاستعاذة به تعالى من الشيالطين أن يزلوه عليه الصلاة والسلام عما أمر به، وقيل على {يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] الأول أو على {يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 92] وليس بشيء.
وجوز الزمخشري أن يكون مرورًا على قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} [المؤمنون: 90] ويكون من قوله سبحانه {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] إلى هذا المقام كالاعتراض تحقيقًا لكذبهم ولاستحقاقهم جزاءه وليس بالوجه، ويفهم من كلام ابن عطية أنه يجوز أن تكون {حتى} هنا ابتدائية لا غاية لما قبلها وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت ابتدائية لا تفارقها الغاية، والظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه أن ضمير {أَحَدِهِمْ} راجع إلى الكفار، والمراد من مجيء الموت ظهور أماراته أي إذا ظهر لأحدهم أي أحد كان منهم أمارات الموت وبدت له أحوال الآخرة {قَالَ} تحسرًا على ما فرط في جنب الله تعالى: {رَبّ ارجعون} أي ردني إلى الدنيا، والواو لتعظم المخاطب وهو الله تعالى كما قوله:
ألا فارحموني يا إله محمد ** فإن لم أكن أهلًا فأنت له أهل

وقول الآخر:
وإن شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردًا

والحق أن التعظيم يكون في ضمير المتكلم والمخاطب بل والغائب والاسم الظاهر وإنكار ذلك غير رضي والإيهام الذي يدعيه ابن مالك هنا لا يلتفت إليه، وقيل: الواو لكون الخطاب للملائكة عليهم السلام والكلام على تقدير مضاف أي يا ملائكة ربي ارجعوني، وجوز أن يكون {رَبّ} استغاثة به تعالى و{ارجعوني} خطاب للملائكة عليهم السلام، وربما يستأنس لذلك بما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريح قال: زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها: «إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ قال: إلى دار الهموم والأحزان بل قدومًا إلى الله تعالى وأما الكافر فيقولون له نرجعك؟ فيقول؛ رب ارجعوني» وقال المازني: جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال: رب ارجعني ارجعني ارجعني، ومثل ذلك تثنية الضمير في قفا نبك ونحوه.
واستشكل ذلك الخفاجي بأنه إذا كان أصل ارجعوا مثلًا ارجع ارجع ارجع لم يكن ضمير الجمع بل تركيبه الذي فيه حقيقة فإذا كان مجازًا فمن أي أنواعه وكيف دلالته على المراد وما علاقته وإلا فهو مما لا وجه له.
ومن غريبه أن ضميره كان مفردًا واجب الاستتار فصار غير مفرد واجب الإظهار ثم قال: لم تزل هذه الشبهة قديمة في خاطري والذي خطر لي أن لنا استعارة أخرى غير ما ذكر في المعاصي ولكونها لا علاقة لها بالمعنى لم تذكر وهي استعارة لفظ مكان لفظ آخر لنكتة بقطع النظر عن معناه وهو كثير في الضمائر كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في كفى به حتى لزم انتقاله عن صفة أخرى ومن لفظ إلى آخر وما نحن فيه من هذا القبيل فإنه غير الضمائر المستترة إلى ضمير جمع ظاهر فلزم الاكتفاء بأحد ألفاظ الفعل وجعل دلالة ضمير الجمع على تكرر الفعل قائمًا مقامه في التأكيد من غير تجوز فيه.
ولابن جني في الخصائص كلام يدل على ما ذكرناه فتأمل انتهى كلامه.
ولعمري لقد أبعد جدًا، ولعل الأقرب أن يقال: أراد المازني أنه جمع الضمير للتعظيم بتنزيل المخاطب الواحدة منزلة الجماعة المخاطبين ويتبع ذلك كون الفعل الصادر منه بمنزلة الفعل الصادر من الجماعة ويتبعهما كون {ارجعوني} مثلًا بمنزلة ارجعني ارجعني ارجعني لكن إجراء نحو هذا في نحو قفا نبك لا يتسنى إلا إذا قيل بأنه قد يقصد بضمير التثنية التعظيم كما قد يقصد ذلك بضمير الجمع؛ ولم يخطر لي أني رأيته فليتبع وليتدبر.
{لَعَلّى أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ} أي في الايمان الذي تركته، ولعل للترجي وهو إما راجع للعمل والايمان لعلمه بعدم الرجوع أو للعمل فقط لتحقيق إيمانه إن رجع فهو كما في قولك: لعلي أربح في هذا المال أو كقولك: لعلي أبني على أس أي أسس ثم أبني، وقيل: فيما تركت من المال أو من الدنيا جعل مفارقة ذلك تركًا له، ويجوز أن تكون لعل للتعليل.
وفي البرهان حكى البغوي عن الواقدي أن جيمع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فإنها للتشبيه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك نحوه، ثم إن طلب الرجعة ليس من خواص الكفار.
فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن مانع الزكاة وتارك الحج المستطيع يسألان الرجعة عند الموت.
وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه فعند ذلك يقول: {رَبّ ارجعون لَعَلّى أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ}» وهذا الخبر يؤيد أن الراد مما تركت المال ونحوه {كَلاَّ} ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها.
{أَنَّهَا} أي قوله: {رَبّ ارجعون} [المؤمنون: 99] إلخ {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة وتسلط الندم عليه فتقديم المسند إليه للتقوى أو هو قائلها وحده فالتقديم للاختصاص، ومعنى ذلك أنه لا يجاب إليها ولا تسمع منه بتنزيل الإجابة والاعتداد منزلة قولها حتى كأن المعتد بها شريك لقائلها.
ومثل هذا متداول متداول فيقول من كلمة صاحبه بما لا جدوى تحته: اشتغل أنت وحدك بهذه الكلمة فتكلم واستمع يعني أنها مما لا تسمع منك ولا تستحق الجواب.
والكلمة هنا بمعنى الكلام كما في قولهم: كلمة الشهادة وهي في هذا المعنى مجاز عند النحاة.
وأما عند اللغويين فقيل حقيقة، وقيل مجاز مشهور.
والظاهر أن {كَلاَّ} وما بعدها من كلامه تعالى، وأبعد جدًا من زعم أن {كَلاَّ} من قول من عاين الموت وأنه يقول ذلك لنفسه على سبيل التحسر والندم {وَمِن وَرَائِهِمْ} أي أمامهم وقد مر تحقيقه، والضمير لأحدهم والجمع باعتبار المعنى لأنه في حكم كلهم كما أن الأفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ {بَرْزَخٌ} حاجز بينهم وبين الرجعة {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من قبورهم وهو يوم القيامة، وهذا تعليق لرجعتهم إلى الدنيا بالمحال كتعليق دخولهم الجنة بقولهم سبحانه: {حتى يَلِجَ الجمل في سَمّ الخياط} [الأعراف: 40] وعن ابن زيد أن المراد من ورائهم حاجز بين الموت والبعث في القيامة من القبور باق إلى يوم يبعثون، وقيل: حاجز بينهم وبين الجزاء التام باق إلى يوم القيامة فإذا جاء ذلك اليوم جوزوا على أتم وجه. اهـ.

.قال القاسمى:

{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}.
أي: وساوسهم المغْرية على الباطل والشرور والفساد، والصدّ عن الحق: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} أي: يحضروني في حال من الأحوال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} أي: حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب، وعاين وحشة هيئات السيئات، تمنى الرجوع، وأظهر الندامة، ونذر العمل الصالح في الإيمان الذي ترك. وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ} يعني قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ} الخ: {هُوَ قَائِلُهَا} أي: لا يجاب إليها ولا تسمع منه، يعني أنه لم يحصل إلا على الحسرة والندامة، والتلفظ بألفاظ التحسر والندم، والدعوة دون المنفعة والفائدة والإجابة. والآية نظيرها قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]، {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي: حائل يحول بينهم وبين الرجعة، يلبثون فيه إلى يوم القيامة.
لطيفة:
الواو في {ارجعون} قيل: لتعظيم المخاطب وهو الله تعالى، وردّه ابن مالك بأنه لا يعرف أحدًا يقول: رب ارحموني، ونحوه لما فيه من إيهام التعدد. مدفوع بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك، ألا يطلقه الله تعالى على نفسه. كما في ضمير المتكلم. وقيل إنه لتكرير قوله: ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا إن أصله قف قف على التأكيد، وبه فسر قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [قّ: 24]، قال الشهاب: فيكون من باب استعارة لفظ مكان آخر لنكتة، بقطع النظر عن معناه، وهو كثير في الضمائر. كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في كفى به حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى، ومن لفظ إلى آخر. وما نحن فيه من هذا القبيل. فإنه غيِّر الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر. فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل، وجعل دلالة الضمير على المثنى على تكرير الفعل، قائمًا مقامه في التأكيد، من غير تجوز فيه ولابن جني في الخصائص كلام يدل على ما ذكرناه. انتهى. اهـ.