فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{فَإِذَا نُفِخَ في الصور}.
وقرأ ابن عباس والحسن وابن عياض {فِى الصور} بفتح الواو جمع صورة، وأبو رزين بكسر الصاد وفتح الواو، وكذا فأحسن صوركم وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسر الفاء شاذ.
{فَلاَ أنساب} نفي عام، فقال ابن عباس: عند النفخة الأولى يموت الناس فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات، وهذا القول يزبل هول الحشر.
وقال ابن مسعود وغيره: عند قيام الناس من القبور فلهول المطلع اشتغل كل امرىء بنفسه فانقطعت الوسائل وارتفع التفاخر والتعاون بالأنساب.
وعن قتادة: ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن يكون له عنده مظلمة، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقيل: {فَلاَ أنساب} أي لا تواصل بينهم حين افتراقهم إلى ما أعدّ لهم من ثواب وعقاب، وإنما التواصل بالأعمال.
وقرأ عبد الله ولا يساءلون بتشديد السين أدغم التاء في السين إذ أصله {يَتَسَاءلُونَ} ولا تعارض بين انتفاء التساؤل هنا وبين إثباته في قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} لأن يوم القيامة مواطن ومواقف، ويمكن أن يكون انتفاء التساؤل عند النفخة الأولى، وأما في الثانية فيقع التساؤل.
وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في أوائل الأعراف.
وقال الزمخشري؛ {فِى جَهَنَّمَ خالدون} بدل من خسروا أنفسهم ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف انتهى.
جعل {فِى جَهَنَّمَ} بدلًا {خَسِرُواْ} وهذا بدل غريب، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي يتعلق به {فِى جَهَنَّمَ} أي استقروا في جهنم، وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأن من خسر نفسه استقر في جهنم.
وأجاز أبو البقاء أن يكون {الذين} نعتًا لأولئك، وخبر {أولئك} {فِى جَهَنَّمَ} والظاهر أن يكون خبرًا لأولئك لا نعتًا.
وخص الوجه باللفح لأنه أشرف ما في الإنسان، والإنسان أحفظ له من الآفات من غيره من الأعضاء، فإذا لفح الأشرف فما دونه ملفوح.
ولما ذكر إصابة النار للوجه ذكر الكلوح المختص ببعض أعضاء الوجه وفي الترمذي: «تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» قال هذا حديث حسن صحيح.
وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة {كلحون} بغير ألف.
{أَلَمْ تَكُنْ ءاياتى تتلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ}.
يقول الله لهم على لسان من يشاء من ملائكته {أَلَمْ تَكُنْ ءاياتى} وهي القرآن. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَإِذَا نُفِخَ في الصور}.
لقيام السَّاعة وهي النَّفخةُ الثَّانيةُ التي يقع عندها البعث والنُّشورُ وقيل: المعنى فإذا نُفخ في الأجساد أرواحُها على أنَّ الصُّورَ جمع الصُّورةِ لا القَرنِ، ويؤيِّده القراءةُ بفتحِ الواوِ وبه مع كسرِ الصَّادِ {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ} تنفعُهم لزوال التَّراحُمِ والتَّعاطُفِ من فرط الحيرة واستيلاءِ الدَّهشةِ بحيث يفرُّ المرءُ من أخيه وأمِّه وأبيه وصاحبتِه وبنيهِ أو لا أنسابَ يفتخرون بها {يَوْمَئِذٍ} كما هي بينُهم اليَّومَ {وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} أي لا يسألُ بعضُهم بعضًا لاشتغالِ كلَ منهُم بنفسِه ولا يناقضُه قولُه تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} لأنَّ هذا عند ابتداءِ النَّفخةِ الثَّانيةِ وذلك بعد ذلك.
{فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} موزوناتُ حسناتِه من العقائدِ والأعمالِ أي فمن كانتْ له عقائدُ صحيحةٌ وأعمالٌ صالحةٌ يكون لها وزنٌ وقدرٌ عند الله تعالى {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ النَّاجُون من كلِّ مهروبٍ.
{وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} أي ومَن لم يكُن له من العقائدِ والأعمالِ ما له وزنٌ وقدرٌ عنده تعالى وهم الكُفَّارُ لقوله تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} وقد مرَّ تفصيلُ ما في هذا المقامِ من الكلامِ في تفسيرِ سورة الأعرافِ {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} ضيَّعُوها بتضييع زمانِ استكمالِها وأبطلُوا استعدادَها لنيل كمالِها. واسمُ الإشارةِ في الموضعينِ عبارةٌ عن الموصولِ وجمعُه باعتبارِ معناهُ كما أنَّ إفرادَ الضَّميرِ في الصِّلتينِ باعتبارِ لفظه {فِى جَهَنَّمَ خالدون} بدلٌ من الصِّلةِ أو خبرٌ ثانٍ لأولئك.
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} تحرِقُها. واللَّفحُ كالنَّفخُ إلاَّ أنَّه أشدُّ تأثيرًا منه، وتخصيصُ الوجوهِ بذلك لأنَّها أشرفُ الأعضاء فبيانُ حالِها أزجرُ عن المعاصي المؤدِّيةِ إلى النَّارِ وهو السِّرُّ في تقديمها على الفاعل {وَهُمْ فِيهَا كالحون} من شدَّةِ الاحتراقِ. والكُلوحُ: تقلُّصُ الشَّفتينِ عن الأسنانِ. وقرئ {كَلِحون}.
{أَلَمْ تَكُنْ ءاياتى تتلى عَلَيْكُمْ} على إضمارِ القولِ أي يُقال لهم تعنيفًا وتوبيخًا وتذكيرًا لما به استحقُّوا ما ابتُلوا به من العذابِ: ألم تكُن آياتي تُتلى عليكم في الدُّنيا {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ} حينئذٍ {قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِذَا نُفِخَ في الصور}.
لقيام الساعة وهي النفخة الثانية التي يقع عندها البعث والنشور، وقيل: المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها على أن الصور جمع صورة على نحو بسر وبسرة لا القرن، وأيد بقراءة ابن عباس والحسن وابن عياض {فِى الصور} بضم الصاد وفتح الواو، وقراءة ابن رزين {فِى الصور} بكسر الصاد وفتح الواو فإن المذكور في هاتين القراءتين جمع صورة لا بمعنى القرن قطعًا والأصل توافق معاني القراءات، ولا تنافي بين النفخ في الصور بمعنى القرن الذي جاء في الخبر ودلت عليه آيات أخر وبين النفخ في الصور جمع صورة فقد جاء أن هذا النفخ عند ذاك {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذا نفخ في الصور كما هي بينهم اليوم، والمراد أنها لا تنفعهم شيئاف فهي منزلة منزلة العدم لعظم الهول واشتغال كل بنفسه بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الأولين والآخريين وفي لفظ: يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه وفي لفظ من كان له مظلمة فليجيء ليأخذ حقه فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرًا ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ في الصور فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ}. وهذا الأثر يدل على أن هذا الحكم غير خاص بالكفرة بل يعمهم وغيرهم، وقيل: هو خاص بهم كما يقتضيه سياق الآية، وقيل لا ينفع نسب يومئذٍ إلا نسبه صلى الله عليه وسلم. فقد أخرج البزار والطبراني والبيهقي وأبو نعيم والحاكم والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي».
وقد أخرج جماعة نحوه عن مسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه مرفوعًا، وأخرج ابن عساكر نحوه مرفوعًا أيضًا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو خبر مقبول لا يكاد يرده إلا من في قلبه شائبة نصب، نعم ينبغي القول بأن نفع نسبه صلى الله عليه وسلم إنما هو بالنسبة للمؤمنين الذين تشرفوا به وأما الكافر والعياذ بالله تعالى فلا نفع له بذلك أصلًا، وقد يقال: إن هذا الخبر لا ينافي إرادة العموم في الآية بأن يكون المراد نفي الالتفات إلى الأنساب عقيب النفخة الثانية من غير فصل حسبما يؤذن به الفاء الجزائية فإنها على المختار تدل على التعقيب ويكون المراد تهويل شأن ذلك الوقت ببيان أنه يذهب فيه كل أحد عمن بينه وبينه نسب ولا يلتفت إليه ولا يخطر هو بباله فضلًا عن أنه ينفعه أو لا ينفعه، وهذا لا يدل على عدم نفع كل نسب فضلًا عن عدم نفع نسبه صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكي عن الجبائي أن المراد أنه لا يفتخر يومئذٍ بالأنساب كما يفتخر بها في الدنيا وإنما يفتخر هناك بالأعمال والنجاة من الأهوال فحيث لم يفتخر بها ثمت كانت كأنها لم تكن، فعلى هذا وكذا على ما تقدم يكون قوله تعالى: {فَلاَ أنساب} من باب المجاز.
وجوز أن يكون فيه صفة مقدرة أي فلا أنساب نافعة أو ملتفتًا إليها أو مفتخرًا بها وليس بذاك، والظاهر أن العامل في {يَوْمَئِذٍ} هو العامل في {بَيْنَهُمْ} لا {أنساب} لما لا يخفى {وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} أي ولا يسأل بعضهم بعضًا عن حاله وممن هو ونحو ذلك لاشتغال كل منهم بنفسه عن الالتفات إلى أبناء جنسه وذلك عقيب النفخة الثانية من غير فصل أيضًا فهو مقيد بيومئذٍ وإن لم يذكر بعده اكتفاءً بما تقدم، وكأن كلا الحكمين بعد تحقق أمر تلك النفخة لديهم ومعرفة أنها لماذا كانت، وحينئذٍ يجوز أن يقال: إن قولهم: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] قبل تحقق أمر تلك النفخة لديهم فلا أشكال، ويحتمل أن كلا الحكمين في مبدأ الأمر قبل القول المذكور كأنهم حين يسمعون الصيحة يذهلون عن كل شيء الأنساب وغيرها كالنائم إذا صيح به صيحة مفزعة فهب من منامه فزعًا ذاهلًا عمن عنده مثلًا فإذا سكن روعهم في الجملة قال قائلهم: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] وقيل: لا نسلم أن قولهم: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] أنه كان بطريق التساؤل، وعلى الاحتمالين لا يشكل هذا مع قوله تعالى في شأن الكفرة يوم القيامة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات: 27] وفي شأن المؤمنين {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات: 50] فإن تساؤل الكفرة المنفي في موطن وتساؤلهم المثبت في موطن آخر ولعله عند جهنم وهو بعد النفخة الثانية بكثير، وكذا تساؤل المؤمنين بعدها بكثير أيضًا فإنه في الجنة كما يرشد إليه الرجوع إلى ما قبل الآية، وقد يقال: إن التساؤل المنفي هنا تساؤل التعارف ونحوه مما يترتب عليه دفع مضرة أو جلب منفعة والتساؤل المثبت لأهل النار تساؤل وراء ذلك وقد بينه سبحانه بقوله عز من قائل: {قَالُواْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} [الصافات: 28] الآية، وقد بين جل وعلا تساؤل أهل الجنة بقوله سبحانه: {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ} [الصافات: 51] الآية، وهو أيضًا نوع آخر من التساؤل ليس فيه أكثر من الاستئناس دون دفع مضرة عمن يتكلم معه أو جلب منفعة له.