فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {شِقْوَتُنَا}: قرأ الأخَوان: {شَقاوتُنا} بفتح الشين وألفٍ بعد القاف. والباقون بكسرِ الشينِ وسكونِ القافِ وهما مصدران بمعنى واحدٍ، فالشَّقاوة كالقَساوة وهي لغةٌ فاشِيَةٌ، والشِّقْوةُ كالفِطْنَة والنِّعْمة. وأنشد الفراء:
كُلِّفَ مِنْ عَنائِهِ وشِقْوَتِهْ ** بنتَ ثمانِيَْ عَشْرةٍ مِنْ حِجَّتِهْ

وهي لغةُ الحجاز. قرأ قتادة والحسن في روايةٍ كالأَخَوَيْن إلاَّ أنهما كَسَرا الشينَ. وشبلٌ في اختياره كالباقين، إلاَّ أنَّه فَتَح الشينَ.
قوله: {إِنَّهُ كَانَ}: العامَّةُ على كسرِ الهمزةِ استئنافًا. وأُبَيّ والعتكيُّ بفتحها أي: لأنه. والهاءُ ضميرُ الشأنِ.
قوله: {سِخْرِيًَّا}: مفعولٌ ثانٍ للاتخاذ. وقرأ الأخَوان ونافعٌ هنا وفي ص بكسرِ السين. والباقون بضمِّها في المؤمنين. واختلف الناس في معناهما. فقيل: هما بمعنىً واحدٍ، وهو قولُ الخليلِ وسيبويه والكسائي وأبي زيد. وقال يونس: إن أُرِيْدَ الخِدْمَةُ والسُّخْرة فالضمُّ لا غيرُ. وإنْ أريدَ الهُزْءُ فالضمُّ والكسر. ورجَّح أبو عليٍ وتبعه مكي قراءةَ الكسرِ قالا: لأنَّ ما بعدها أليقُ لها لقولِه: {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}. قلت: ولا حجةَ فيه لأنَّهم جمعوا بين الأمرَيْن: سَخَّروهم في العمل، وسَخِروا منهم استهزاءً. والسُّخْرَة بالتاء: الاستخدام، و{سُخْرِيًَّا} بالضمِّ منها، والسُّخْرُ بدونها: الهزء، والمكسورُ منه. قال الأعشى:
إنِّي أتاني حديثٌ لا أُسَرُّ به ** مِنْ عَلْوَ لا كَذِبٌ فيه ولا سُخْرُ

ولم يَختلف السبعةُ في ضَمِّ ما في الزخرف؛ لأنَّ المرادَ الاستخدامُ وهو يُقَوِّي قولَ مَنْ فَرَّق بينهما. إلاَّ أنَّ ابنَ محيصن وابن مسلم وأصحابَ عبدِ الله كسروه أيضًا، وهي مُقَوِّيَةٌ لقولِ مَنْ جعلهما بمعنى.
والياءُ في {سِخريًَّا} و{سُخْريًَّا} للنسبِ زِيْدَتْ للدلالةِ على قوةِ الفعل، فالسُّخْرِيُّ أقوى من السُّخْر، كما قيل في الخصوص: خصوصيَّة، دلالةً على قوةِ ذلك، قال معناه الزمخشري.
قوله: {أَنَّهُمْ هُمُ الفآئزون}: قرأ الأخوان بكسرِ الهمزةِ استئنافًا. والباقون بالفتحِ، وفيه وجهان، أظهرُهما: أنه تعليلٌ وهي موافقةٌ للأولى فإنَّ الاستئنافَ يُعَلَّلُ به أيضًا. والثاني ولم يذكُرْ الزمخشري غيرَه أنَّه مفعولٌ ثانٍ لجَزَيْتُهم. أي: بأنهم أي: فَوزْهم. وعلى الأول يكونُ المفعولُ الثاني محذوفًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)}.
نطقوا بالحقِّ.... ولكن في يومٍ لا ينفع فيه الإقرار، ولا يُقْبَلُ الاعتذار، ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)}.
والحقُّ يقول: لو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه. عِلمَ أنّ ردَّهم إلى الدنيا لا يكون، ولكنه عِلم أنّه لو كان فكيف كان يكون.
{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}.
عند ذلك يتمُّ عليهم البلاء، وشتدُّ عليهم العناء، لأنهم ما داموا يذكرون الله لم يحصل الفراق بالكلية، فإذا حِيلَ بينهم وبين ذكره تتم لهم المحنة، وهو أحدُ ما قيل في قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103].
وفي الخبر: «أنهم ينصرفون بعد ذلك فإذا لهم عواءٌ كعواء الذئب». وبعض الناس تغار من أحوالهم؛ لأن الحق يقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا}، فيقولون: يا ليتنا يقول لنا! أليس هو يخاطبنا بذلك؟! وهؤلاء يقولون: قَدْحُ الأحباب ألذُّ من مَدْح الأجانب، وينشدون في هذا المعنى:
أتاني عنكِ سَبُّكِ لي فسُبِّي ** أليس جرى بِفِيكِ اسمي فَحسْبِي

{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}.
الحقُّ- سبحانه- ينتقم من أعدائه بما يطيِّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خصومةُ الحق، فيقول: قد كان قومٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وثناي، ويتصفون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخريًا. فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. اهـ.

.تفسير الآيات (112- 114):

قوله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الفائز- وهو الظافر- من لم يحصل له بؤس في ذلك الأمر الذي فاز به، وكان قد أشار سبحانه بحرف الغاية وما شاكله إلى أنه مد لأهل الشقاء في الدنيا في الأعمار والأرزاق حتى استهانوا بعبادة السعداء، فكان ربما قيل: إن أعداءهم فازوا بالاستهزاء بهم والرفعة عليهم في حال الدنيا، وكان سبحانه قد أسلف ما يرد ذلك من الإخبار بأنه خلدهم في النار وأعرض عنهم وزجرهم عن كلامه، وكان أنعم أهل الدنيا إذا غمس في النار غمسة ثم سئل عن نعيمه قال: ما رأيت نعيمًا قط، فكان ذلك محزًا لتقريع الأشقياء بسبب تضيع أيامهم وتنديمهم عليها.
تشوف السامع إلى أنه هل يسألهم عن تنعيمه لهم في الدنيا الذي كان جديرًا منهم بالشكر فقابلوه بالكفر والاستهزاء بأوليائه؟ فأجاب تشوفه ذلك مجهلًا لهم ومندمًا ومنبهًا على الجواب أن فوزهم في الدنيا- لقلته التي هي أحقر من قطرة في جنب بحر- عدم، بقوله: {قال} تأسيفًا على ما أضاعوا من عبادة يسيرة تؤرثهم سعادة لا انقضاء لها وارتكبوا من لذة قليلة أعقبتهم بؤسًا لا آخر له- هذا على قراءة الجماعة، وبين سبحانه بقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي أن القول بواسطة بعض عباده الذين أقامهم لتعذيبهم إعراضًا عنهم تحقيقًا لما أشار إليه {ولا تكلمون} فقال: {قل} أي يا من أقمناه للانتقام ممن أردنا أي لهؤلاء الذين غرتهم الحياة الدنيا على ما يرون من قصر مدتها ولعبها بأهلها فكفروا بنا واستهزؤوا بعبادنا: {كم لبثتم في الأرض} على تلك الحال التي كنتم تعدونها فوزًا {عدد سنين} أنتم فيها ظافرون ولأعدائكم قاهرون، ولعله عبر بما منه الإسنات الذي معناه القحط إشارة إلى أن أيام الدنيا ضيقة حرجة وإن كان فيها سعة، ولا سيما للكفرة بكفرهم وخبثهم ومكرهم الذي جرهم إلى أضيق الضيق وأسوأ العيش {قالوا} استقصارًا له في جنب ما رأوا من العذاب واستنقاذًا لأنفسهم ظنًا أن مدة لبثهم في النار تكون بمقدار مكثهم في الدنيا: {لبثنا يومًا} ولعلهم ذكروا العامل تلذذًا بطول الخطاب، أو تصريحًا بالمراد دفعًا للبس والارتياب، ثم زادوا في التقليل فقالوا: {أو بعض يوم}.
ولما كان المكرة في الدنيا إذا أرادوا تمشية كذبهم قالوا لمن أخبروه فتوقف في خبرهم: سل فلانًا، إيثاقًا بإخبارهم، وسترًا لعوارهم، جروا على ذلك تماديًا منهم في الجهل بالعليم القدير في قولهم: {فاسأل} أي لتعلم صدق خبرنا أو بسبب ترددنا في العلم بحقيقة الحال لتحرير حقيقة المدة {العادين} ويحتمل أيضًا قصد الترقيق عليهم بالإشارة إلى أن ما هم فيه من العذاب شاغل لهم عن أن يتصوروا شيئًا حاضرًا محسوسًا، فضلًا عن أن يكون ماضيًا، فضلًا عن أن يكون فكريًا، فكيف إن كان حسابًا.
ولما كان ذلك على تقدير تسليمه لا ينفعهم لأن الجزاء بالعذاب على عزمهم على التمادي في العناد على مرّ الآباد، المصدق منهم بالانهماك في الفساد، أجابهم إلى قصدهم في عدهم بعبارة صالحة صادقة على مدة لبثهم طال أو قصر، بقوله على طريق الاستئناف لمن تشوف إلى معرفة جوابهم: {قال} أي الله على قراءة الجماعة، وبينت قراءة حمزة والكسائي أن إسناد القول إليه سبحانه مجاز عن قول بعض عباده العظماء فقال على طريق الأول: {قل} أي لهؤلاء الذين وقع الإعراض عنهم {إن} أي ما {لبثتم} أي في الدنيا {إلا قليلًا} أي هو من القلة بحيث لا يسمى بل هو عدم {لو أنكم كنتم} أي كونًا هو كالجبلة {تعلمون} أي في عداد من يعلم في ذلك الوقت، لما آثرثم الفاني على الباقي، ولأقبلتم على ما ينفعكم، وتركتم الخلاعة التي لا يرضاها عاقل، ولا يكون على تقدير الرضا بفعلها إلا بعد الفراغ من المهم، ولكنكم كنتم في عداد البهائم، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين الذين هم الوارثون على الشكر على ما منحهم من السرور بإهلاك أعدائهم وإيراثهم أرضهم وديارهم، مع إعزازهم والبركة في أعمارهم، بعد إراحتهم منهم في الدنيا، ثم بإدامة سعادتهم في الآخرة وشقاوة أعدائهم. اهـ.