فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة} وهو الصفح عنها والإِحسان في مقابلتها لكن بحيث لم يؤد إلى وهن في الدين. وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك. وقيل هو الأمر بالمعروف والسيئة المنكر وهو أبلغ من أدفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على التفضيل. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} بما يصفونك به أو بوصفهم إياك على خلاف حالك وأقدر على جزائهم فوكل إلينا أمرهم.
{وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} وساوسهم، وأصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض، شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الراضة للدواب على المشي والجم للمرات أو لتنوع الوساوس أو لتعدد المضاف إليه.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} يحوموا حولي في شيء من الأحوال، وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل لأنها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه.
{حتى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الموت} متعلق ب {يَصِفُونَ}، وما بينهما اعتراض لتأكيد الإِغضاء بالاستعاذة بالله من الشيطان أن يزله عن الحلم ويغريه على الانتقام أو بقوله: {إِنَّهُمْ لكاذبون}. {قَالَ} تحسرًا على ما فرط فيه من الإِيمان والطاعة لما اطلع على الأمر. {رَبِّ ارجعون} ردوني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب. وقيل لتكرير قوله ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا.
{لَعَلّي أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ} في الإِيمان الذي تركته أي لعلي آتي الإِيمان وأعمل فيه، وقيل في المال أو في الدنيا. وعنه عليه الصلاة والسلام «قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا، فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدومًا إلى الله تعالى، وأما الكافر فيقول رب ارجعون» {كَلاَّ} ردع من طلب الرجعة واستبعاد لها. {إِنَّهَا كَلِمَةٌ} معنى قوله: {رَبِّ ارجعون} الخ، والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض. {هُوَ قَائِلُهَا} لا محالة لتسلط الحسرة عليه. {وَمِن وَرَائِهِمْ} أمامهم والضمير للجماعة. {بَرْزَخٌ} حائل بينهم وبين الرجعة. {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يوم القيامة، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور} لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن {الصور} أيضًا جمع الصورة. {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ} تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها. {يَوْمَئِذٍ} كما يفعلون اليوم. {وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} ولا يسأل بعضهم بعضًا لاشتغاله بنفسه، وهو لا يناقض قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} لأنه عند النفخة وذلك بعد المحاسبة، أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار.
{فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} موزونات عقائده وأعماله، أي فمن كانت له عقائد وأعمال صالحة يكون لها وزن عند الله تعالى وقدر. {فأولئك هُمُ المفلحون} الفائزون بالنجاة والدرجات.
{وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} ومن لم يكن له ما يكون له وزن، وهم الكفار لقوله تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا}. {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} غبنوها حيث ضيعوا زمان استكمالها وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها. {فِي جَهَنَّمَ خالدون} بدل من الصلة أو خبر ثان {لأولئك}.
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} تحرقها واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرًا. {وَهُمْ فِيهَا كالحون} من شدة الاحتراق والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان، وقرئ {كلحون}.
{أَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} على إضمار القول أي يقال لهم {أَلَمْ تَكُنْ}. {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ} تأنيب وتذكير لهم بما استحقوا هذا العذاب لأجله.
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} ملكتنا بحيث صارت أحوالنا مؤدية إلى سوء العاقبة، وقرأ حمزة والكسائي {شقاوتنا} بالفتح كالسعادة وقرئ بالكسر كالكتابة. {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالّينَ} عن الحق.
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} من النار. {فَإِنْ عُدْنَا} إلى التكذيب. {فَإِنَّا ظالمون} لأنفسنا.
{قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا} اسكتوا سكوت هوان في النار فإنها ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ. {وَلاَ تُكَلِّمُونِ} في رفع العذاب أو لا تكلمون رأسًا.
قيل إن أهل النار يقولون ألف سنة: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} فيجابون {حَقَّ القول مِنْي} فيقولون ألفًا {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين} فيجابون {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} فيقولون ألفًا {يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} فيجابون {إِنَّكُمْ ماكثون} فيقولون ألفًا {رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} فيجابون {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل} فيقولون ألفًا {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا} فيجابون {أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ} فيقولون ألفًا {رَبّ ارجعون} فيجابون {اخسَئُواْ فِيهَا} ثم لا يكون لهم فيها إلا زفير وشهيق وعواء.
{إِنَّهُ} إن الشأن وقرئ بالفتح أي لأنه. {كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي} يعني المؤمنين، وقيل الصحابة وقيل أهل الصفة. {يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الرحمين}.
{فاتخذتموهم سِخْرِيًّا} هزوًا وقرأ نافع وحمزة والكسائي هنا وفي ص بالضم، وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة، وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية. {حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي. {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} استهزاء بهم.
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صَبَرُواْ} على أذاكم. {أَنَّهُمْ هُمُ الفائزون} فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به، وهو ثاني مفعولي {جَزَيْتُهُمُ}. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر استئنافًا.
{قَالَ} أي الله أو الملك المأمور بسؤالهم، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي على الأمر للملك أو لبعض رؤساء أهل النار. {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض} أحياء أو أمواتًا في القبور. {عَدَدَ سِنِينَ} تمييز لكم.
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصارًا لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى خلودهم في النار، أو لأنها كانت أيام سرورهم وأيام السرور قصار، أو لأنها منقضية والمنقضي في حكم المعدوم. {فَاسْأَلِ العآدين} الذين يتمكنون من عد أيامها إن أردت تحقيقها فإنا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها وإحصائها، أو الملائكة الذين يعدون أعمار الناس ويحصون أعمالهم. وقرئ {العادين} بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون ما نقول، و{العاديين} أي القدماء المعمرين فإنهم أيضًا يستقصرون.
{قَالَ} وفي قراءة حمزة والكسائي {قل}. {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصديق لهم في مقالهم.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا} توبيخ على تغافلهم، و{عَبَثًا} حال بمعنى عابثين أو مفعول له أي: لم نخلقكم تلهيًا بكم وإنما خلقناكم لنتعبدكم ونجازيكم على أعمالكم وهو كالدليل على البعث. {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} معطوف على {أَنَّمَا خلقناكم} أو {عَبَثًا}، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم.
{فتعالى الله الملك الحق} الذي يحق له الملك مطلقًا فإن من عداه مملوك بالذات مالك بالعرض من وجه دون وجه وفي حال دون حال. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فإن ما عداه عبيد له. {رَبُّ العرش الكريم} الذي يحيط بالأجرام وينزل منه محكمات الأقضية والأحكام، ولذلك وصفه بالكرم أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين. وقرئ بالرفع على أنه صفة الرب.
{وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} يعبده إفرادًا أو إشراكًا. {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} صفة أخرى لإلها لازمة له فإن الباطل لا برهان به، جيء بها للتأكيد وبناء الحكم عليه تنبيهًا على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلًا عما دل الدليل على خلافه، أو اعتراض بين الشرط والجزاء لذلك: {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ} فهو مجاز له مقدار ما يستحقه. {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} إن الشأن وقرئ بالفتح على التعليل أو الخبر أي حسابه عدم الفلاح. بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين وختمها بنفي الفلاح عن الكافرين، ثم أمر رسوله بأن يستغفره ويسترحمه فقال: {وَقُل رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الرحمين}. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالروح والريحان وما تقر به عينه عند نزول ملك الموت» وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} حتى ختم العشر» وروي «أن أولها وآخرها من كنوز الجنة، من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح». اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ}.
يعني: من الجوع الذي أصابهم، يعني: من الجوع الذي أصابهم، {لَّلَجُّواْ}؛ أي مضوا وتمادوا {فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ}، يعني: في ضلالتهم يترددون.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب}، يعني: بالجوع، {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ}؛ يعني: ما تضعفوا وما خضعوا لربهم.
{وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}؛ يقول: ما يرغبون إلى الله في الدعاء وبالطاعة، {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ}؛ يعني: نفتح عليهم.
قال السدي: هو فتح مكة.
{إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}، قال: أبلسوا يومئذٍ وتغيرت وجوههم وألوانهم، حين ينظرون أصنامهم تكسرت، وقال عكرمة: ذا عذاب شديد، يعني: فتح مكة؛ ويقال: الجوع الشديد {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}، أي آيسون من كل خير ورزق.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الذى أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة}، فهذه الأشياء من النعم.
{قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}، يعني: أنتم لا تشكرون؛ ويقال: شكركم فيما صنع إليكم قليل.
{وَهُوَ الذى ذَرَأَكُمْ}، يعني: خلقكم في الأرض.
{وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} في الآخرة، {وَهُوَ الذى يُحىِ وَيُمِيتُ}؛ أي يحيي الموتى ويميت الأحياء.
{وَلَهُ اختلاف الليل والنهار}، أي ذهاب الليل ومجيء النهار، {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أمر الله؟ ويقال: أفلا تعقلون توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون؟ ثم قال عز وجل: {بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الاولون}، يعني: كذبوا مثل ما كذب الأولون.
{قَالُواْ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ}، يعني: هذا القول.
{إِنَّ هَذَا}، يعني: ما هذا {إِلاَّ أساطير الاولين}، يعني: أحاديثهم وكذبهم.
قوله عز وجل: {قُلْ} لكفار مكة: {لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا} من الخلق.
{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أن أحدًا يفعل ذلك غير الله تعالى، فأجيبوني.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}، يعني: تتعظون فتطيعونه وتوحدونه.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}، وكلهم قرؤوا الأول بغير ألف، وأما الآخر فإن كلهم قرؤوا بغير ألف غير أبي عمرو، فإنه قرأ الله؛ والباقون لله.
قال أبو عبيد: وجدت في مصحف الإمام كلها بغير ألف.
قال: وحدثني عاصم الجحدري أن أول من قرأ هاتين الألفين نصر بن عاصم الليثي.
فأما من قرأ {الله}، فهو ظاهر لأنه جواب السائل عما يسأل، ومن قرأ {لِلَّهِ}، فله مخرج في العربية سهل، وهو ما حكى الكسائي عن العرب أنه يقال للرجل: من رب هذه الدار؟ فيقول: لفلان، يعني: هي لفلان.
والمعنى في ذلك أنه إذا قيل: من صاحب هذه الدار؟ فكأنه يقول: لمن هذه الدار.
وإذا قال المجيب: هي لفلان أو قال: فلان، فهو جائز ولو كان الأول {الله}، لكان يجوز في اللغة، ولكنه لم يقرأ والاختلاف في الآخرين.
ثم قال: {قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عبادة غير الله تعالى، فتوحدوه.
قوله عز وجل: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء}، يعني: خزائن كل شيء.
{وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ}، يعني: يقضي ولا يقضى عليه، ويقال: وهو يؤمن من العذاب ولا يؤمن عليه، أي ليس له أحد يؤمن الكفار من عذابه.
{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ}، يعني: من الذين تصرفون عن الإسلام وعن الحق.
ثم قال عز وجل: {بَلْ أتيناهم بالحق}، قال الكلبي: يعني: القرآن؛ وقال مقاتل: يعني: جئناهم بالتوحيد.
{وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم إن الملائكة عليهم السلام كذا وكذا ثم قال: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، أي من شريك.
{إِذًا لَّذَهَبَ}، يعني: لو كان معه آلهة لذهب {كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ}، يعني: لاستولى كل إله بما خلق وجمع لنفسه كلما خلق.
{وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ}، يعني: ولغلب بعضهم على بعض.
{سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} من الكذب.
قوله عز وجل: {عالم الغيب والشهادة}، يعني: عالم السر والعلانية؛ ويقال: عالم بما مضى وما هو كائن.
{فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ}، يعني: هو أجلُّ وأعلى مما يوصف له من الشريك والولد.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص: {عالم الغيب} بكسر الميم على معنى النعت لقوله: {سبحان الله}، وقرأ الباقون بالضم على معنى الابتداء.
قوله: {قُل رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى مَا يُوعَدُونَ} من العذاب وما صلة؛ ويقال: إن أريتني عذابهم.
{رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِى في القوم الظالمين}، يعني: أخرجني منهم قبل أن تعذبهم، فلا تعذبني معهم بذنوبهم.
{وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} من العذاب {لقادرون}؛ قال الكلبي: هذا أمر قد كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهده أصحابه وقد مضى بعد الفتنة التي وقعت في الصحابة، بعد قتل عثمان رضي الله عنه وذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير بعد نزول هذه الآية ضاحكًا ولا مبتسمًا؛ وقال مقاتل: {وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون} يعني: يوم بدر؛ ويقال: يوم فتح مكة؛ ويقال: قل: {رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى مَا يُوعَدُونَ} يعني: الفتنة {رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِى في القوم الظالمين}، يعني: مع الفئة الباغية، وهذا كقوله: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 25].
وذكر عن الزبير أنه كان إذا قرأ هذه الآية، يقول قد حذرنا الله فلم نحذر.
ثم قال عز وجل: {ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ السيئة}، يعني: ادفع بحلمك جهلهم؛ ويقال: بالكلام الحسن الكلام القبيح؛ ويقال: ادفع بقول لا إله إلا الله الشرك من أهل مكة.
ثم قال: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}، يعني: بما يقولون من الكذب؛ ويقال: معناه نحن أعلم بما يقولون فلا تعجل أنت أيضًا.
{وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين}، يعني: أعتصم بك من نزغات الشيطان وضرباته ووساوسه.
ثم قال: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ}، يعني: قل: رب أعوذ بك من قبل أن يحضرون الشياطين عند تلاوة القرآن؛ ويقال: يحضرون عند الموت؛ ويقال: عند الصلاة.
وأصله أن يحضرونني، إلا أنه يكتب {يَحْضُرُونِ} بحذف إحدى النونين للتخفيف.
قوله عز وجل: {حتى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الموت}، يعني: أمهلهم وأجلهم، حتى إذا حضر أحدهم الموت وهم الكفار، {قَالَ رَبّ ارجعون}؛ يعني: يقول لملك الموت وأعوانه: يا سيدي ردني؛ ويقال: يدعو الله تعالى، ويقول: يا رب ارجعون؛ ويقال: إنما قال بلفظ الجماعة، لأن العرب تخاطب جليل الشأن بلفظ الجماعة؛ ويقال: معناه يا رب مرهم ليرجعوني إلى الدنيا.