فصل: قال الدمياطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويدل على أنه تكسير- وليس كَجُنُب مما يقع للواحد فما فوقه بلفظ واحد- قولهم: هِجانان، وكذلك أيضا زَجاج جمع زَجاجة وزِجاجة وزُجاجة تكسير الجمع على ما مضى لا على الجمع بطرح الهاء. ونظير عِمامة وعِمام- إذا لم تجعله تكسيرا، وجعلته جمعا بحذف التاء وإن لم يكن جنسا وكان مصنوعا- قولهم: سفينة وسَفِين، ودواة ودَوًى، وغاية وغايٌ. وراية ورايٌ، وثاية وثايٌ، وطاية وطايٌ.
ومن ذلك قراءة قتادة والضحاك: {كَوْكَبٌ دَرِّيٌ} مخففة.
وقرأ: {دَرِّيءٌ} مفتوحة الدال، مشددة الراء، مهموزة- سعيد بن المسيب، ونصر بن علي، وأبو رجاء، وأبان بن عثمان، وقتادة، وعمرو بن فائد.
قال أبو الفتح: الغريب من هذا {دَرِّيءٌ} بفتح الدال، وتشديد الراء، والهمز. وذلك لأن فَعِّيلا بالفتح وتشديد العين عزيز، إنما حكي منه: السَّكِّينة، بفتح السين وتشديد الكاف، حكاها أبو زيد. وقد ذكرنا في صدر هذا الكتاب القول على الدُّرِّيّ وما فيه من الصنعة، شيئا على شيء، وبسطناه هناك.
ومن ذلك قراءة السملي والحسن وابن محيصن وسلام وقتادة: {يَوَقَّدُ} وثلاثة أوجه في السبعة، وفيه خامسة: {يُوَقَّدُ} برفع الياء، وبنصب الواو والقاف، وبرفع الدال.
قال أبو الفتح: المشكل من هذا {يَوَقَّدُ}؛ وذلك أن أصله يتوقد، فحذف التاء لاجتماع حرفين زائدين في أول الفعل، وهما الياء والتاء المحذوفة. والعرف في هذا أنه إنما تحذف التاء إذا كان حرف المضارعة قبلها تاء، نحو {تَفَكَّرُون} و{تَذَكّرُون} والأصل تتفكرون وتتذكرون؛ فيكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلبا للخفة بذلك. وليس في يتوقد مثلان فيحذف أحدهما، لكنه شبه حرف مضارعة بحرف مضارعة، أعني شبه الياء في يتوقد بالتاء الأولى في تتوقد؛ إذ كانا زائدين، كما شبهت التاء والنون في تَعِد ونَعِد بالياء في يَعِد، فحذفت الواو معهما كما حذفت مع الياء في يعد.
وقياس من قال: {يَوَقَّد}- على ما مضى- أن يقول أيضا: أنا أَوَقَّدُ، ونحن نَوَقَّدُ؛ فتشبه النون والهمزة بالتاء، كما شبه الياء بها فيما مضى.
ونحو من هذا قراءة من قرأ: {نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ}1، وهو يريد: نُنْجِي المؤمنين؛ فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، وشبهها- لاجتماع المثلين- بالزائدة. فهذا تشبيه أصل بزائد لاتفاق اللفظين، والأول تشبيه حرف مضارعة بحرف مضارعة، لا لاتفاق اللفظين، بل لأنهما جميعا زائدان.
ومن ذلك قراءة ابن عباس: {ولَوْ لَمْ يَمْسَسْهُ نارٌ} بالياء.
قال أبو الفتح: هذا حسن مستقيم؛ وذلك لأن هناك شيئين حسنا التذكير هنا: أحدهما الفصل بالهاء، والآخر أن التأنيث ليس بحقيقي. فهو نظير قول الله {سبحانه}: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}4، بل إذا جاز تذكير فعل {الصيحة} مع أن فيها علامة تأنيث فهو من النار التي لا علامة تأنيث فيها أمثل.
فأما قولهم: نعم المرأة هند بالتذكير فإنما جاز- وإن كان التأنيث حقيقيا، ولا فصل هناك- من قبل أن المرأة هنا ليست مقصودا قصدها، وإنما هي جنس؛ لأنها فاعل نعم، والأجناس عندنا إلى الشياع والتنكير.
أما ما رُوِّينا من قول جِران العود:
ألا لَا يَغُرَّنَّ امْرًَا نَوْفَلِيَّةٌ عَلَى ** الرَّأْسِ بَعْدِي أَوْ تَرَائِبُ وُضَّحُ

فإن النوفلية هنا ليست امرأة، وإنما هي مِشْطَة تعرف بالنوفلية.
وأما قوله:
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا

ففيه شيئان يُؤنّسان، وواحد يُوحش منه.
أما المؤنسان فأحدهما أنه تأنيثٌ لفظي لا حقيقي، والآخر أنه لا علامة تأنيث في لفظه. وأما الموحش فهو أن الفاعل مضمرٌ، وإذا أضمر الفاعلُ في فعله وكان الفاعل مؤنثا لم يحسن تذكير فعله حُسْنَه إذا كان مظهرا؛ وذلك أن قولك: قام هند أعذر من قولك: هند قام، من قبل أن الفعل منصبغ بالفاعل المضمر فيه أشد من انصباغه به إذا كان مظهرا بعده. فقام هند- على صبغة- أقرب مأخذا من هند قام لما ذكرناه؛ وذلك أنك إذا قلت: قام فإلى أن تقول: هند فاللفظ الأول مقبول غير ممجوج؛ لأن الفعل أصل وضعه على التذكير فإذا قلت: هند قام فالتذكير الآتي من بعده مخالف للتأنيث السابق فيما قبل، فالنفس تعافه لأول استماعه. وقولك: قام هند، النفس تقبل تذكير الفعل أول استماعه إلى أن يأتي التأنيث فيما بعد. وقد سبق تذكير الفعل على لفظ غير مأبي ولا مرذول، ورد الغائب ليس كاستئناف الحاضر، فذلك فرق.
ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير وأبي مجلز: {والإيصَالِ}.
قال أبو الفتح: يريد وقت الإيصال، وهو قبل الغروب. وقد مضى القول عليه.
ومن ذلك ما حكاه عبد الله بن إبراهيم العمّي الأفطس، قال: سمعت مسلمة يقرأ: {كَسَرَابٍ بِقِيعَات}3، بالألف.
قال أبو الفتح: كذلك في كتاب ابن مجاهد: {بِقيِعَاةٍ} بالهاء بعد الألف. والذي قاله جائز؛ وذلك أن نظير قولهم: قِيعَةٌ وقِيعَاةٌ في أنه فِعْلَة وفِعْلَاة لمعنى واحد قولهم: رَجل عِزْهٌ وعِزْهَاةٌ: الذي لا يقرب النساء واللهو، فهذا فِعْلٌ وفِعْلَاة، وذلك فِعْلَة وفِعْلَاة، ولا فرق بينهما غير الهاء، وذلك ما لا بال به.
وقد يجوز أن يكون قيعات بالتاء جمع قِيعَة، كدِيمة ودِيمات، وقِيمة وقِيمات. وأما قيعة فيكون واحدا كديمة ويجوز أن يكون جمع قاع، كَنارٍ ونِيرَة- جاء في شعر الأسود- وجارٍ وجِيرَة. ومثله من الصحيح العين وَلَدٌ ووِلْدٌة، وأخٌ وإِخْوَة؛ لأن أخا عندنا فَعَل.
ووجه ثالث، وهو أن يكون أراد {بِقِيعة} فأشبع فتحة العين، فأنشأ عنها ألفا، فقال: {بقيعاة}. ونظيره قول ابن هرمة يرثي ابنه:
فأنْتَ مِنَ الغوائِلِ حِينَ تُرْمَى ** ومِنْ ذمّ الرِّجالِ بِمُنتَزَاحِ

أراد بمنتزح، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفا، وقد تقصينا ذلك فيما مضى، فإذا أراد بالقيعات الجمع فهو كقول الآخر:
كأنَّ بالقيعاتِ مِنْ رُغَاهَا ** مِمَّا نَفَى بالليلِ حَالِبَاهَا

أَمْنَاءُ قُطْن جَدَّ حَالِجَاهَا

يريد ما جرى من رغوة لبنها في القيعات، وهو كثير كقولهم: أرض قِفارٌ ومُحُول وسباسِبُ، مما بُولغ فيه بذكر الجمع.
ومن ذلك قراءة طلحة بن مُصّرِّف: {سَنَاءُ بَرْقِهِ}.
قال أبو الفتح: السناء، ممدودا: الشرف، يقال: رجل ظاهر النبل والسناء. والسنى مقصورا: الضوء. وعليه قراءة الكافة: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي: ضوء برقه. وأما {سناء برقه} فقد يجوز أن يكون أراد المبالغة في قوة ضوئه وصفائه، فأطلق عليه لفظ الشرف. كقولك: هذا ضوء كريم، أي: هو غاية في قوته وإنارته، فلو كان إنسانا لكان كريما شريفًا.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: {يُذْهِبُ} بضم الياء.
قال أبو الفتح: الباء زائدة، أي يذهِبُ الأبصار. ومثله في زيادة الباء في نحو هذا قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقول الهذلي:
شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ** مَتَى لُحَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ

أي: شربن ماء البحر، وإن كان قد قيل: إن الباء هنا بمعنى في، أي: في لجج البحر.
والمفعول محذوف، معناه شربن الماء في جملة ماء البحر. وفي هذا التأويل ضرب من الإطالة والبعد، واعلم منْ بعدُ أن هذه الباء إنما تزاد في هذا النحو كقوله: {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَار} {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} لتوكيد معنى التعدي. كما زيدت اللام لتوكيد معنى الإضافة في قولهم:
يا بُؤسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا لِأَقْوَامِ

وكما زيدت الياءان لتوكيد معنى الصفة في أَشقريٌّ ودَوَّارِيٌّ وكَلَّابِيٌّ، وكما زيدت التاء لتوكيد معنى التأنيث في فَرَسَة وعَجُوزَة، فاعرف ذلك، ولا ترين الباء في: {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَار} مزيدة زيادة ساذجة. وإن شئت حملته على المعنى. حتى كأنه قال: يكاد سنى برقه يلْوِي بالأبصار أو يستأثر بالأبصار على ما مضى من قوله تعالى: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}3.
ومن ذلك قراءة علي عليه السلام والحسن بخلاف، وابن أبي إسحاق: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ}4، بالرفع.
قال أبو الفتح: أقوى القراءتين إعرابا ما عليه الجماعة من نصب {القول} وذلك أن في شرط اسم كان وخبرها أن يكون اسمها أعرف من خبرها، وقوله تعالى {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أعرف من قول المؤمنين؛ وذلك لشبه {أنْ} وصلتها بالمضمر من حيث كان لا يجوز وصفها، كما لا يجوز وصف المضمر، والمضمر أعرف من قول المؤمنين؛ فلذلك اختارت الجماعة أن تكون {أنْ} وصلتها اسم كان. ومثله {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا}5 أي: إلا قولُهم على ما مضى فأما قولهم:
وَقَدْ عَلِمَ الأقْوَامُ ما كانَ دَاءَهَا ** بِشَهْلَانَ إلَّا الخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُهَا

وأنه إنما اختير فيه رفع {الخزي} وإن كان مظهرا ومعرفة، كما أن داءها مظهر ومعرفة من حيث أذكره لك، وذلك أن {إلا} إذا باشرت شيئا بعدها فإنما جيء به لتثبيته وتوكيد معناه، وذلك كقولك: ما كان زيد إلا قائما، فزيد غير محتاج إلى تثبيته، وإنما يثبت له القيام دون غيره. فإذا قلت: ما كان قائما إلا زيد، فهناك قيام لا محالة، فإنما أنت نافٍ أن يكون صاحبه غير زيد، فعلى هذا جاء قوله: ما كان داءها بشهلان إلا الخزيُ برفع {الخزيُ} وذلك أنه قد كان شاع وتُعُولِمَ أن هناك داء، وأنما أراد أن يثبت أن هذا الداء الذي لا شك في كونه ووقوعه لم يكن جانيَه ومسببَه إلا الخزيُ ممن يقودها، فهذا أمرٌ الإعرابُ فيه تابعٌ لمعناه ومحذوّ على الغرض المراد فيه. وأما قوله:
وليس الذي يجري من العينِ ** ماءَها ولكِنَّها نَفْسٌ تَذُوبُ فتقْطُرُ

ويروى: {ولكنه} فالوجه فيه نصب الماء، وذلك أنه رأى ماء يجري من العين فاستكثره واستنكره، فقال: ليس هذا الذي أراه جاريًا من العين ماءً للعين، وإنما هو هكذا وشيء غير مائها. هذا هو الذي عناه فعبر عنه بما تراه، ولم يعنه الإخبار عن ماء العين فيخبر عنه بأنه هذا الشيء الجاري من العين؛ فذلك اختار نصب الماء، ولو رفعه لجاز؛ لأنه كان يعود إلى هذا المعنى، لكنه كان يعود بعد تعب به، ومسامحة فيه، وعلاج يريد حمله عليه.
ومن ذلك قراءة قتادة: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مِفْتَاحَهُ} مكسورة الميم بألف.
قال أبو الفتح: {مِفْتَاحَهُ} هنا جنس وإن كان مضافا، فقد جاء ذلك عنهم، منه قولهم: قد مَنَعَتِ العراقُ قفيزَها ودِرْهَمَهَا، ومنعْتْ مِصْرُ إِرْدَبَّها، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى. اهـ.

.قال الدمياطي:

سورة النور مدنية وآيها ستون واثنتان حجازي وثلاث حمصي وأربع عراقي خلافها ثلاث والآصال بالأبصار عراقي وشامي لأولى الأبصار غير حمصي مشبه الفاصلة اثنان عذاب أليم تمسه نار وعكسه إن كنتم مؤمنين القراآت نقل همزة أنزلناها إلى ما قبلها ورش كحمزة وقفا مع السكت وعدمه وقد وردا عن ابن ذكوان وحفص وإدريس على ما تقدم واتفقوا على رفع سورة خبر محذوف أي هذه سورة وعن أبي عمرو وابن محيصن من غير طرقنا بالنصب أي اتلوا سورة وأنزلناها في موضع الصفة.
واختلف في {وفرضناها} فابن كثير وأبو عمرو بتشديد الراء للمبالغة فيه وافقهما ابن محيصن واليزيدي والباقون بالتخفيف بمعنى جعلناها واجبة مقطوعا بها.
وقرأ {تذكرون} الآية 27 بتخفيف الذال حفص وحمزة والكسائي وخلف وعن المطوعي {ولا يأخذكم بهما} بالياء من تحت على التذكير لأن تأنيث الرأفة مجازي وفصل بالمفعول والظرف.
واختلف في {رأفة} الآية 2 هنا والحديد الآية 27 فقنبل بفتح الهمزة هنا واختلف فيه عن البزي فروى عنه أبو ربيعة فتح الهمزة كقنبل وروى ابن الحباب إسكانها وأما موضع الحديد فابن شنبوذ عن قنبل بفتح الهمزة وألف بعدها بوزن رعافة ورواه ابن مجاهد بالسكون وبه قرأ الباقون فيهما وكلها لغات في مصادر رأف يرؤف أبدلها الأصبهاني وأبو عمرو بخلفه أبو جعفر كحمزة وقفا وأمال هاءها مع الفتحة الكسائي وقفا أيضا كحمزة بخلفه.
وقرأ {المحصنات} الآية 4 بكسر الصاد الكسائي ومر بالنساء وأبدل الثانية واوا مكسورة من شهداء إلا نافع وابن كثير وأبو عمرو وابو جعفر ورويس ولهم تسهيلها كالياء وأما كالواو فتقدم رده عن النشر.