فصل: (سورة النور: الآيات 62- 64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النور: الآيات 62- 64]:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}.

.اللغة:

{يَتَسَلَّلُونَ}: ينسلون واحدا بعد واحد أو قليلا قليلا.
{لِواذًا}: في القاموس: اللوذ بالشيء الاستتار والاحتصان به كاللواذ مثلثة واللياذ والملاوذة والإحاطة كالإلاذة وجانب الجبل وما يطيف به ومنعطف الوادي والجمع ألواذ وكان المنافقون يخرجون متسترين بالناس من غير استئذان حتى لا يروا، والمفاعلة لأن كلا منهما يلوذ بصاحبه فالمشاركة موجودة وانما صحت الواو في لواذا مع انكسار ما قبلها لأنها تصح في الفعل الذي هو لاوذ ولو كان مصدر لاذ لكان لياذ مثل صام صياما وقام قياما.
{يُخالِفُونَ}: يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه وخالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه.

.الإعراب:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} جملة مستأنفة مسوقة لتقرير حال المنافقين الذين كان يعرض بهم النبي في مجالسه وخطبه.
وانما كافة ومكفوفة والمؤمنون مبتدأ والذين خبره وجملة آمنوا باللّه ورسوله صلة الموصول أي هؤلاء هم المؤمنون الكاملو الايمان، أما المنافقون فكانوا إذا جلسوا في مجلسه يرامقون أصحابه فإن بدرت لهم منهم غفلة عنهم تسللوا لواذا وذهبوا خفية من غير استئذان.
{وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة كانوا في محل جر باضافة الظرف إليها والواو اسم كان ومعه ظرف متعلق بمحذوف خبر وعلى أمر متعلقان بمحذوف حال ولك أن تعكس الأمر وجامع صفة لأمر كالحروب وصلاة الجمعة والعيدين وسيأتي معنى اسناد الجمع للأمر في باب البلاغة، وجملة لم يذهبوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وحتى حرف غاية وجر ويستأذنوه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى ويستأذنوه فعل وفاعل ومفعول به. {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إن واسمها وجملة يستأذنونك صلة، وأولئك مبتدأ والذين خبره وجملة يؤمنون باللّه ورسوله صلة الموصول، والجملة الاسمية خبر إن. {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة استأذنوك مجرورة باضافة الظرف إليها ولبعض شأنهم متعلقان باستأذنوك بمثابة التعليل للاستئذان، فائذن الفاء رابطة لجواب إذا وائذن فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ولمن متعلقان به وجملة شئت صلة ومنهم حال وفيه تفويض الأمر لرأي رسول اللّه. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} واستغفر عطف على فائذن ولهم جار ومجرور متعلقان باستغفر وجملة إن اللّه غفور رحيم تعليل للاستغفار فلا محل لها. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا اضطربت عبارات المفسرين في تفسير هذا التعبير وأقرب ما قيل فيه: لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم لبعض فتتلكئون وتحجمون كما يتلكأ ويحجم بعضكم عن بعض إذا دعاه لأمر فالمصدر وهو دعاء مضاف إلى الفاعل ويجوز أن يكون مضافا إلى المفعول أي دعاءكم الرسول ونداءكم له كدعاء ونداء بعضكم لبعض. ولا ناهية وتجعلوا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعل ودعاء الرسول مفعول به وبينكم ظرف متعلق بمحذوف حال والكاف بمعنى مثل مفعول به ثان وبعضكم مضاف لدعاء وبعضا مفعول به لدعاء ونصبه بعضهم بنزع الخافض أي لبعض وذلك متحتم عند ما يقدر دعاء مضافا لمفعوله.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذًا} قد هنا بمعنى ربما وذلك مطرد في دخولها على المضارع وسيأتي مزيد تفصيل عنها في باب الفوائد، ويعلم اللّه فعل مضارع وفاعل وجملة يتسللون صلة ومنكم متعلقان بيتسللون ولواذا يجوز أن ينصب على المصدر من معنى الفعل إذا كان التقدير يتسللون منكم تسللا أو يلاوذون لواذا، ويجوز أن يكون مصدر في موضع نصب على الحال أي ملاوذين. {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الفاء الفصيحة أو عاطفة على {قد يعلم} لأنها مترتبة عليه واللام لام الأمر ويحذر فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والذين فاعل وجملة يخالفون صلة ومفعول يخالفون محذوف وهو اللّه تعالى لأنه الآمر وجيء ب {عن} لتضمنه معنى الصد والاعراض وأن يصيبهم مفعول يحذر وفتنة فاعل أو يصيبهم عذاب أليم عطف على أن تصيبهم فتنة. {أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ} قد للتكثير كما تقدم وكما سيأتي ويعلم فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على اللّه تعالى وما مفعول به وأنتم مبتدأ وعليه خبر والجملة صلة. {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ويوم عطف على مفعول يعلم أي ويعلم ما يرجعون وجملة يرجعون صلة ويرجعون بالبناء للمجهول، فينبئهم عطف على يعلم والهاء مفعول وبما عملوا في موضع المفعول الثاني واللّه مبتدأ وبكل شيء متعلقان بعليم وعليم خبر.

.الفوائد:

تقدم القول في قد ونضيف هنا أنها إذا دخلت على المضارع أفادت التكثير وكانت بمعنى ربما ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله ** ولكنه قد يهلك المال نائله

ف قد هنا للتكثير وإلا لم يكن مدحا، والثقة من وثق كالعدة من وعد، وإسناد الإهلاك إلى الخمر مجاز عقلي وكذلك إسناده إلى النائل أي العطاء، والمراد وصفه بالكرم، ومن أمثلة ربما قول ابن عطاء السندي يرثي ابن هبيرة:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ** عليك بجاري دمعها لجمود

عشية قام النائحات وشققت ** جيوب بأيدي مأتم وخدود

فإن تمس مهجور الفناء فربما ** أقام به بعد الوفود وفود

وواسط موضع الواقعة التي قتل المنصور فيها ابن هبيرة، والمأتم مكان الإقامة استعمل في جماعة النساء الحزينات مجازا وجمعه مآتم، يقول: إن كل عين لم تبك عليك ذلك اليوم شديدة الجمود. وعشية بدل من يوم، وجيب القميص مخرج الرأس منه أي مزقت الجيوب والخدود بأيدي النساء ثم التفت إلى الخطاب، وقوله فإن تمس مهجور الفناء كناية عن الموت، فربما أي كثيرا أقام بفناء بيتك جموع من الناس بعد جموع يستمنحونك، فإن يهجر فناؤك الآن فلا حزن لأنه كثيرا ما اجتمع فيه الناس ومنحوا خيرا. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة النور:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قوله تعالى {سورة} بالرفع على تقدير: هذه سورة، أو مما يتلى عليك سورة، ولا يكون سورة مبتدأ، لأنها نكرة وقرئ بالنصب على تقدير: أنزلنا سورة، ولا موضع ب {أنزلناها} على هذا لأنه مفسر لما لا موضع له فلا موضع له، ويجوز النصب على تقدير: اذكر سورة فيكون موضع أنزلناها نصبا، وموضعها على الرفع رفع {وفرضناها} بالتشديد بأنه تكثير ما فيها من الفرائض، أو على تأكيد إيجاب العمل بما فيها وبالتخفيف على معنى فرضنا العمل بما فيها.
قوله تعالى {الزانية والزانى} في رفعه وجهان:
أحدهما هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره: وفيما يتلى عليك الزانية والزانى، فعلى هذا {فاجلدوا} مستأنف.
والثانى الخبر فاجلدوا، وقد قرئ بالنصب بفعل دل عليه فاجلدوا، وقد استوفينا ذلك في قوله تعالى: {واللذان يأتيانها منكم} ومائة وثمانين ينتصبان انتصاب المصادر {ولا تأخذكم بهما} لا يجوز أن تتعلق الباء ب {رأفة} لأن المصدر لايتقدم عليه معموله، وإنما يتعلق بتأخذ: أي ولا تأخذكم بسببهما، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على البيان: أي أعنى بهما، أي لاترأفوا بهما، ويفسره المصدر والرأفة فيها أربعة أوجه: إسكان الهمزة، وفتحها، وإبدالها ألفا، وزيادة ألف بعدها، وكل ذلك لغات قد قرئ به، و{في} يتعلق بتأخذكم.
قوله تعالى {والذين يرمون المحصنات} في موضعه وجهان:
أحدهما الرفع والآخر النصب على ما ذكر في قوله تعالى: {الزانية والزانى} {فاجلدوهم} أي فاجلدوا كل واحد منهم فحذف المضاف {وأولئك هم الفاسقون} جملة مستأنفة، ويجوز أن يكون حالا.
قوله تعالى {إلا الذين تابوا} هو استثناء من الجمل التي قبلها عند جماعة، ومن الجملة التي تليها عند آخرين، وموضع المستثنى نصب على أصل الباب، وقيل موضعه جر على البدل من الضمير في لهم، وقيل موضعه رفع بالابتداء، والخبر {فإن الله} وفى الخبر ضمير محذوف: أي غفور لهم.
قوله تعالى {إلا أنفسهم} هو نعت لشهداء أو بدل منه، ولو قرئ بالنصب لجار على أن يكون خبر كان أو على الاستثناء، وإنما كان الرفع أقوى لأن {إلا} هنا صفة للنكرة كما ذكرنا في سورة الأنبياء في قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} {فشهادة أحدهم} المصدر مضاف إلى الفاعل.
وفى رفعه وجهان:
أحدهما هو خبر مبتدأ محذوف: أي فالواجب شهادة أحدهم.
والثانى هو مبتدأ والخبر محذوف: أي فعليهم شهادة أحدهم، و{أربع} بالنصب على المصدر: أي أن يشهد أحدهم أربع، و{بالله} يتعلق بشهادات عند البصريين لأنه أقرب، وبشهادة عند الكوفيون لأنه أول العاملين، و{إنه} وما عملت فيه معمول شهادات أو شهادة على ما ذكرنا: أي يشهد على أنه صادق، ولكن العامل علق من أجل اللام في الخبر ولذلك كسرت إن، وموضعه إما نصب أو جر على اختلاف المذهبين في أن إذا حذف منه الجار، ويقرأ {أربع} بالرفع على أنه خبر المبتدأ، وعلى هذا لا يبقى للمبتدأ عمل فيما بعد الخبر لئلا يفصل بين الصلة والموصول، فيتعين أن تعمل شهادات فيما بعدها.