فصل: (الآية الثانية عشرة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[الآية الثانية عشرة]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخطاب للمؤمنين ويدخل المؤمنات فيه تغليبا كما في غيره من الخطابات.
قال العلماء: هذه الآية خاصة ببعض الأوقات.
واختلفوا في المراد بقوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} على أقوال:
الأول: أنها منسوخة. قاله سعيد بن المسيب.
وقال سعيد بن جبير: إن الأمر فيها للندب لا للوجوب.
وقيل: كان ذلك واجبا حيث كانوا لا أبواب لهم ولو عاد الحال لعاد الوجوب، حكاه المهدوي عن ابن عباس.
وقيل: إن الأمر هاهنا للوجوب، وأن الآية محكمة غير منسوخة، وأن حكمها ثابت على الرجال والنساء.
ولما سئل الشعبي عنها: أمنسوخة هي؟ قال: لا واللّه! فقال السائل: إن الناس لا يعملون بها؟ قال: اللّه المستعان.
وقال القرطبي: وهو قول أكثر العلماء، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: إنها خاصة بالنساء.
وقال ابن عمر: هي خاصة بالرجال دون النساء.
والمراد بقوله: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} العبيد والإماء.
{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} أي من الأحرار.
ومعنى ثَلاثَ مَرَّاتٍ: ثلاثة أوقات في اليوم والليلة، وعبّر بالمرات عن الأوقات لأن أصل وجوب الاستئذان هو سبب مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا نفس الأوقات. وانتصاب ثلاث على الظرفية الزمانية، أي في ثلاث أوقات، أو منصوب على المصدرية أي ثلاثة استئذانات.
ورجح هذا أبو حيان فقال: والظاهر من قوله ثلاث مرات ثلاث استئذانات لأنك إذا قلت ضربتك ثلاث مرات لا يفهم منه إلا ثلاث ضربات. ويرد بأن الظاهر هنا متروك لقرينة التفسير بالثلاثة الأوقات.
فقال: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ} وذلك لأنه وقت القيام عن المضاجع وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، وربما يبيت عريان أو على حالة لا يحب أن يراه غيره فيها.
{وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ} و{من} في قوله: {مِنَ الظَّهِيرَةِ} للبيان، أو بمعنى في، أو بمعنى اللام، والمعنى حين وضعكم ثيابكم التي تلبسونها في النهار من شدة حرّ الظهيرة، وذلك عند انتصاف النهار فإنهم قد يتجردون عن الثياب لأجل القيلولة.
ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث فقال: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} وذلك لأنه وقت التجرد من الثياب والخلوة بالأهل.
ثم أجمل سبحانه هذه الأوقات بعد التفصيل فقال: {ثَلاثُ عَوْراتٍ} كائنة، {لَكُمْ} والجملة مستأنفة مسوقة لبيان علة وجوب الاستئذان.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ} يا أهل البيوت.
{وَلا عَلَيْهِمْ} أي المماليك والصبيان.
{جُناحٌ} أي إثم في الدخول بغير استئذان، لعدم ما يوجبه من مخالفة الأمر والاطلاع على العورات.
ومعنى {بَعْدَهُنَّ} بعد كل واحدة من هذه العورات الثلاث، وهي الأوقات المتخللة بين كل اثنين منها. وهذه الجملة مستأنفة مقررة للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة.
{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} الجملة مستأنفة مبينة للعذر المرخص في ترك الاستئذان.
قال الفراء: هذا كقولك في الكلام: هم خدمكم وطوافون عليكم، أي هم خدمكم فلا بأس أن يدخلوا عليكم.
{بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ} أي بعضكم يطوف أو طائف على بعض.
والمعنى أن كلا منكم يطوف على صاحبه: العبيد على الموالي، والموالي على العبيد، وإنما أباح سبحانه الدخول في غير تلك الأوقات الثلاثة بغير استئذان لأنها كانت العادة أنهم لا يكشفون عوراتهم في غيرها. والإشارة بقوله: {كَذلِكَ} إلى مصدر الفعل الذي بعده كما في سائر المواضع في الكتاب العزيز، أي مثل ذلك التبيين.
{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ} الدالة على ما شرعه لكم من الأحكام.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ} كثير العلم بالمعلومات.
{حَكِيمٌ (58)} كثير الحكمة في أفعاله.

.[الآية الثالثة عشرة]:

{وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}.
{وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا} أي العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، واحدتها قاعد بلا هاء، ليدل حذفها على أنه قعود الكبر.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ} التي تكون على ظاهر البدن كالجلباب ونحوه، لا الثياب التي على العورة الخاصة. وإنما جاز لهن ذلك لانصراف الأنفس عنهن، إذ لا رغبة للرجال فيهن، فأباح اللّه سبحانه لهن ما لم يبحه لغيرهن.
ثم استثنى حالة من حالاتهن فقال: {غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات للزينة التي أمرن بإخفائها في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] والمعنى من غير أن يردن بإظهار مواضع الجلابيب إظهار زينتهن ولا متعرضات بالتزين لينظر إليهن الرجال.
والتبرج: التكشف والظهور للعيون.
{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} أي وأن يتركن وضع الثياب مطلقا فهو:
{خَيْرٌ لَهُنَّ} من وضعها.
{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} أي كثير السماع والعلم أو بليغهما.

.[الآية الرابعة عشرة]:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتاتًا فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}.
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} اختلف أهل العلم في هذه الآية: هل هي محكمة؟ أو منسوخة؟ قال بالأول جماعة من العلماء، وبالثاني جماعة.
وقيل: إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا زمناهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، وكانوا يحرجون من ذلك وقالوا: لا ندخلها وهم غيّب، فنزلت هذه الآية رخصة لهم.
فمعنى الآية نفي الحرج عن الزمنى وفي أكلهم من بيوت أقاربهم وبيوت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو.
قال النحاس: وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف.
وقيل: إن هؤلاء المذكورين كانوا يتحرجون عن مواكلة الأصحاء حذرا من استقذارهم إياهم وخوفا من تأذيهم بأفعالهم فنزلت.
وقيل: إن اللّه رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به القدرة الكاملة على المشي على وجه يتعذر الإتيان به مع العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه.
وقيل: المراد بهذا الحرج المرفوع عن هؤلاء هو الحرج في الغزو: أي لا حرج على هؤلاء في تأخرهم عن الغزو، وقيل: كان الرجل إذا أدخل أحدا من هؤلاء الزمناء إلى بيته، فلم يجد فيه شيئا يطعمهم إياه، ذهب بهم إلى بيوت قرابته فيتحرج الزمناء من ذلك فنزلت الآية.
{وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ} أي ولا حرج عليكم وعلى من يماثلكم من المؤمنين.
{أَنْ تَأْكُلُوا} أنتم ومن معكم.
والحاصل أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض إن كان باعتبار مواكلة الأصحاء أو دخول بيوتهم فيكون وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ متصلا بما قبله، وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف التي يشترط فيها وجود البصر وعدم العرج وعدم المرض فقوله: {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ} ابتداء كلام غير متصل بما قبله.
ومعنى: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} البيوت التي فيها متاعهم وأهلهم، فتدخل بيوت الأولاد، كذا قال المفسرون. لأنها داخلة في بيوتهم لكون بيت ابن الرجل بيته، ولذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد وذكر غيرها فقال: {أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ} قال النحاس: وعارض بعضهم هذا فقال: هذا تحكم على كتاب اللّه سبحانه!! بل الأولى، في الظاهر، أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء.
ويجاب عن هذه المعارضة بأن رتبة الأولاد، بالنسبة إلى الآباء، لا تنقص عن رتبة الآباء بالنسبة إلى الأولاد بل للآباء مزيد خصوصية في أموال الأولاد لحديث: «أنت ومالك لأبيك»، وحديث: «ولد الرجل من كسبه».
ثم قد ذكر اللّه سبحانه هنا بيوت الإخوة والأخوات، بل الأعمام والعمات، بل الأخوال والخالات، فكيف ينفي سبحانه الحرج عن الأكل من بيوت هؤلاء ولا ينفيه عن بيوت الأولاد؟! وقيد بعضهم جواز الأكل من بيوتهم كلهم بالإذن منهم.
وقال آخرون: ولا يشترط الإذن. قيل: وهذا إذا كان الطعام مبذولا وإن كان محرزا دونهم لهم أكله.
ثم قال سبحانه: {أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ} أي البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها وذلك كالوكلاء والعبيد والخزان فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن لهم بدخول بيته وأعطاهم مفتاحه. وقيل: المراد بها بيوت المماليك.
والمفاتح: جميع مفتح.
{أَوْ صَدِيقِكُمْ} وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة فإن الصديق في الغالب يسمح لصديقه بذلك وتطيب به نفسه، والصديق يطلق على الواحد والجمع.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتاتًا} جمع شتّ بمعنى التفرق يقال: شت القوم أي تفرقوا. وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله، أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا مجتمعين أو مفترقين.
وقد كان بعض العرب يتحرج أن يأكل وحده حتى يجد له أكيلا يؤاكله فيأكل معه، وبعض العرب كان لا يأكل إلا مع الضيف فنزل: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} أي غير البيوت التي تقدم ذكرها، وهذا بيان أدب آخر أدّب به عباده.
{فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ} أي على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم.
وقيل: المراد البيوت المذكورة سابقا.
وعلى القول الأول فقال الحسن والنخعي: هي المساجد، والمراد سلموا على من فيها من صنفكم، فإذا لم يكن في المساجد أحد فقيل: يقول: السلام على رسول اللّه، وقيل: يقول: السلام عليكم مريدا للملائكة وقيل: يقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.
وقال بالقول الثاني-أعني أنها البيوت المذكورة سابقا- جماعة من الصحابة والتابعين. وقيل: المراد بالبيوت هنا هي جميع البيوت المسكونة وغيرها، فيسلم على أهل المسكونة. وأما غير المسكونة فيسلم على نفسه.
قال ابن العربي: القول بالعموم في البيوت هو الصحيح.
{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً} أي تطيب بها نفس المستمع.
{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} تعليل لذلك التبيين برجاء تعقل آيات اللّه سبحانه وفهم معانيها.

.[الآية الخامسة عشرة]:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}.
{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ} أي المؤمنين يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
{لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أي الأمور التي تهمهم.
{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} وامنع من تشاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها.
ثم أرشده اللّه سبحانه إلى الاستغفار لهم بقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} فيه إشارة إلى أن الاستئذان، وإن كان بقدر مسوغ، فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الآخرة.
{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)} أي كثير الرحمة والمغفرة بالغ فيهما إلى الغاية التي ليس وراءها غاية.
قال المفسرون: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حيث يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم.
قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده.
قال الزجاج: أعلم اللّه أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه، وكذلك أن يكونوا مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه في جمع من جموعهم إلا بإذنه وللإمام أن يأذن وله أن لا يأذن على ما يرى، لقوله: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}.
قال العلماء: كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن. اهـ.