فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} قال: لا يزني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في هذه الآية قال: الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله من أهل القبلة، أو مشركة من غير أهل القبلة، والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة، أو مشرك من غير أهل القبلة، وحرم الزنا على المؤمنين.
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال: لما حرم الله الزنا فكان زوان عندهن جمال ومال فقال الناس حين حُرِّم الزنا: لتُطَلَّقْنَ فلنتزوّجهن. فأنزل الله في ذلك {الزاني لا ينكح إلا زانية}.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه وأبو داود في ناسخه عن عبد الله بن عمر قال: كانت امرأة يقال لها أم مهزول، وكانت تسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه، فأراد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجها، فأنزل الله {الزاني لا ينكحها إلا زان أو مشرك}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له، وأنه وجد رجلًا من أسارى مكة يحمله قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظل تحت الحائط، فلما انتهت إليّ عرفتني فقالت: مرثد. فقلت: مرثد.
فقالت: مرحبًا وأهلًا هلم فَبِتْ عندنا الليلة قلت: يا عناق حرّم الله الزنا قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت، فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، وظل بولهم على رأسي ونحاهم الله أنكح عني، ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقًا؟ فأمسك فلم يرد عليّ شيئًا حتى نزلت {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} فلا تنكحها.
وأخرج ابن أبي جرير عن عبد الله بن عمر في قوله: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} قال: كان نساء معلومات، فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس. أنها نزلت في بغايا معلنات كن في الجاهلية، وكن زوان مشركات، فحرم الله نكاحهن على المؤمنين.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق سعيد مولى ابن عباس قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرّم الله عليّ، وقد رزقني الله منها توبة، فأردت أن أتزوّجها فقال الناس {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات، يجعلن على أبوابهن رايات، يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من اثم فعلي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: كن نساء بغايا في الجاهلية كان الرجل ينكح المرأة في الإسلام فيصيب منها، فحرم ذلك في الإسلام، فأنزل الله {الزانية لا ينكحها إلا زان}.
وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن عدي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الحسن {الزاني لا ينكح إلا زانية} قال: المحدود لا يتزوج إلا محدودة مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي أن رجلًا تزوج امرأة ثم إنه زنى فأقيم عليه الحد، فجاؤوا به إلى علي ففرق بينه وبين زوجته وقال له: لا تتزوّج إلا مجلودة مثلك.
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث».
وأخرج ابن ماجة عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن يلقى الله طاهرًا مطهرًا فليتزوّج الحرائر».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وأبو عبيد معًا في التاريخ وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن سعيد بن المسيب في هذه الآية {الزاني لا ينكح إلا زانية} قال: يرون أن هذه الآية التي بعدها نسختها {وأنكحوا الأيامى منكم} فهن من أيامى المسلمين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}.
الناسُ أشكالٌ؛ فكلُّ نظيرٍ مع شكله، وكلُّ يُساكِنُ شكله، وأنشدوا:
عن المرء لا تسأل وَسلْ عن قرينه ** فكلُّ قرينٍ بالمُقَارَنِ يقتدي

أهلُ الفسادِ افسادُ يجمعهم- وإنْ تَبَاعَدَ مزارُهم وأهل السدادِ السدادُ يجمعهم- وإن تناءت ديارهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
هذه الآية الكريمة تدل على تحريم نكاح الزواني والزناة على الإعفاء والعفائف ويدل لذلك قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}... الآية، وقوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} الآية وقد جاءت آيات أُخر تدل بعمومها على خلاف ذلك؛ كقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.
والجواب على هذا مختلف فيه اختلافًا مَبْنِيًا على الاختلاف في حكم تزوج العفيف للزانية أو العفيفة للزاني؛ فمن يقول هو حرام يقول: هذه الآية مخصصة لعموم وأنكحوا الأيامى منكم وعموم وأحل لكم ما وراء ذلكم.
والذين يقولون بعدم المنع وهم الأكثر أجابوا بأجوبة:
منها أنها منسوخة بقوله: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} واقتصر صاحب الإتقان على النسخ، وممن قال بالنسخ سعيد بن المسيب والشافعي.
ومنها أن النكاح في هذه الآية: الوطء وعليه فالمراد بالآية أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلاّ زانية مثله أو مشركة لا ترى حرمة الزنا.
ومنها أن هذا خاص؛ لأنه كان في نسوة بغايا كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا؛ لأن ذلك هو سبب نزول الآية.
فزعم بعضهم أنها مختصة بذلك السبب بدليل قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ}... الآية، وقوله: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى}... الآية، وهذا أضعفها والله تعالى أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (4- 5):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نفر سبحانه من نكاح من اتصف بالزنى من رجل أو امرأة، وبدأ- لأن نكاح المرأة للزاني مظنة لزناها- بتنفير الإناث بما يوهم جواز إطلاق الزنى عليهن بمجرد نكاح من علم زناه، وذلك بعد أن ابتدأ في حد الزنى بالأنثى أيضًا لأن زناها أكبر شرًا، وأعظم فضيحة وضرًا، عطف على ذلك تحريم القذف بما يوجب تعظيم الرغبة في الستر وصيانة الأعراض وإخفاء الفواحش، فقال ذاكرًا الجمع لأن الحكم بإقامة الحد عليه يفهم إقامة الحد على الواحد من باب الأولى ولا إيهام فيه لأن الجمع إذا قوبل بالجمع أفهم التوزيع: {والذين يرمون} أي بالزنى {المحصنات} جمع محصنة، وهي هنا المسلمة الحرة المكلفة العفيفة، والمراد القذف بالزنى بما أرشد إليه السياق سابقًا ولاحقًا، ذكورًا كان الرامون أو إناثًا بما أفهمه الموصول، وخص الإناث وإن كان الحكم عامًا للرجال تنبيهًا على عظيم حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولأن الكلام في حقهن أشنع.
ولما كان إقدام المجترىء على القذف مع ما شرطه فيه لدرء الحد إرادة الستر- بعيدًا، أشار إليه بأداة التراخي فقال: {ثم لم يأتوا} أي إلى الحاكم {بأربعة شهداء} ذكور {فاجلدوهم} أيها المؤمنون من الأئمة ونوابهم {ثمانين جلدة} لكل واحد منهم، لكل محصنة، إن لم يكن القاذف أصلًا، إن كانوا أحرارًا، وحد العبد نصف ذلك لآية النساء {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] فهذه الآية مخصوصة بتلك إذ لا فرق بين الذكر والأنثى ولا بين حد الزنى وحد القذف {ولا تقبلوا لهم} أي بعد قذفهم على هذا الوجه {شهادة} أي شهادة كانت {أبدًا} للحكم بافترائهم، ومن ثبت افتراؤه سقط الوثوق بكلامه.
ولما كان التقدير: فإنهم قد افتروا، عطف عليه تحذيرًا من الإقدام عن غير تثبيت: {وأولئك} أي الذين تقدم ذمهم بالقذف فسفلت رتبتهم جدًا {هم الفاسقون} أي المحكوم بفسقهم الثابت لهم هذا الوصف وإن كان القاذف منهم محقًا في نفس الأمر.
ولما كان من أصل الشافعي رحمه الله أن الاستثناء المتعقب للجمل المتواصلة المتعاطفة بالواو عائد إلى الجميع سواء كانت من جنس أو أكثر إلا إذا منعت قرينة، أعاد الاستثناء هنا إلى الفسق ورد الشهادة دون الحكم بالجلد، لأن من تمام التوبة الاستسلام للحد والاستحلال منه، ولقرينة كونه حق آدمي وهو لا يسقط بالتوبة، في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} أي رجعوا عما وقعوا فيه من القذف وغيره وندموا عليه وعزموا على أن لا يعودوا كما بين في البقرة في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} [البقرة: 160] وأشار إلى أن الجلد لا يسقط بالتوبة بقوله مشيرًا بإدخال الجار إلى أن قبولها لا يتوقف على استغراقها الزمان الآتي: {من بعد ذلك} أي الأمر الذي أوجب إبعادهم وهو الرمي والجلد، فإن التوبة لا تغير حكم الرامي في الجلد، وإنما تغيره في رد الشهادة وما تسببت عنه وهو الفسق، وأشار إلى شروط التوبة بقوله: {وأصلحوا} أي بعد التوبة بمضي مدة يظن بها حسن الحال، وهي سنة يعتبر بها حال التائب بالفصول الأربعة التي تكشف الطباع.
ولما كان استثناؤهم من رد الشهادة والفسق، فكان التقدير: فاقبلوا شهادتهم ولا تصفوهم بالفسق، علله بقوله: {فإن الله} أي الذي له صفات الكمال {غفور} أي ستور لهم ما أقدموا عليه لرجوعهم عنه {رحيم} أي يفعل بهم من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم في قبول الشهادة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}.
الحكم الثالث: القذف:
اعلم أن ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي به رموا المحصنات وذكر الرمي لا يدل على الزنا، إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر وكفر، بل لابد من قرينة دالة على التعيين، وقد أجمع العلماء على أن المراد الرمي بالزنا وفي الآية أقوال تدل عليه أحدها: تقدم ذكر الزنا وثانيها: أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد بالرمي رميهن بضد العفاف وثالثها: قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} يعني على صحة ما رموهن به، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في الزنا ورابعها: انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا، إذا عرفت هذا فالكلام في هذه الآية يتعلق بالرمي والرامي والمرمي.