فصل: فصل وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا نَفَى نَسَبَ وَلَدِ زَوْجَتِهِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ وُجُوبِ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إذَا لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ مِنْ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى مَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى مَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَغَيْرُ جَائِزٍ إيجَابُ الْحَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ إكْذَابٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصَارَ بِمَنْزِلَتِهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الْقَذْفِ لَمَا سَقَطَ اللِّعَانُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ لَا بِإِكْذَابٍ مِنْ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى اللِّعَانِ، كَذَلِكَ إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ لَمْ يَبْطُلْ اللِّعَانُ قِيلَ لَهُ: حَالُ النِّكَاحِ قَدْ يَجِبُ فِيهَا اللِّعَانُ وَقَدْ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَجَبَ الْحَدُّ فِي حَالِ النِّكَاحِ وَغَيْرُ حَالِ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ فِيهِ اللِّعَانُ بِحَالٍ؟
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَنْفِي حَمْلَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ يَوْمٍ لَمْ يُلَاعِنْ حَتَّى يَنْفِيَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَاعَنَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُلَاعِنُ بِالْحَمْلِ، وَذَكَرَ عَنْهُ الرَّبِيعُ: أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ حَتَّى تَلِدَ.
وَإِنَّمَا يُوجِبُ أَبُو حَنِيفَةَ اللِّعَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُ رِيحًا أَوْ دَاءً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَجْعَلَهُ قَذْفًا لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْرِيضَ الْمُحْتَمِلَ لِلْقَذْفِ وَلِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ اللِّعَانِ وَلَا الْحَدِّ بِهِ؟ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مَا نَفَاهُ وَلَدًا وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجِبَ اللِّعَانَ بِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ، ثُمَّ إذَا وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَيَقُّنًا أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا فِي وَقْتِ النَّفْيِ لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَالْقَذْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا بِالْوِلَادَةِ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ بِمَا رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ؛ وَإِنَّمَا أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَجَرِيرُ جَمِيعًا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إنْ وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ هُوَ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فَابْتُلِيَ بِهِ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَاعَنَ امْرَأَتَهُ؛ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَمْلَ وَلَا أَنَّهُ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَالَ: وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، ثُمَّ لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: «أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبَّادُ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَذَفَهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَإِنَّمَا لَا يُوجِبُهُ إذَا نَفَى الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِ قَذْفٍ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَقَدْ تُرَدُّ الْجَارِيَةُ بِعَيْبِ الْحَمْلِ إذَا قَالَ النِّسَاءُ هِيَ حُبْلَى؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ: «مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» قِيلَ لَهُ: أَمَّا نَفَقَةُ الْحَامِلِ فَلَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْعِدَّةِ، فَمَا لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ الْحَامِلِ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ؟ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَمْلَ لِأَنَّ وَضْعَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَنْقَطِعُ بِهِ النَّفَقَةُ، وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَوْنُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا الشُّبْهَةُ وَالْحَدُّ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالشُّبْهَةِ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا.
وَكَذَلِكَ مَنْ يُوجِبُ فِي الدِّيَةِ أَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ، وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْحَدِّ بِهِ، وَهَذَا كَمَا يُحْكَمُ بِظَاهِرِ وُجُودِ الدَّمِ أَنَّهُ حَيْضَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ حَتَّى يَتِمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ ظَاهِرُ أَمْرِهَا الْحَبَلَ لَا تَكُونُ رُؤْيَتُهَا الدَّمَ حَيْضًا، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا؛ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ» فَإِنَّهُ فِيمَا أَضَافَهُ إلَى هِلَالٍ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَةِ إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ مِنْهُ بِلِعَانِهِ إيَّاهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا، وَقَوْلُهُ: فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إلْحَاقُ النَّسَبِ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ مَائِهِ فِي غَالِبِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الزَّانِي لَا يُلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
فَإِنْ قِيلَ: فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاهٍ لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا أَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدْرَجَةٌ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ غَيْرُ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ نَفْيُ النَّسَبِ وَلَا إثْبَاتُ الْقَذْفِ بِالشُّبْهَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْته، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَنَّى تَرَى ذَلِكَ جَاءَهَا؟» قَالَ: عِرْقٌ نَزَعَهَا، قَالَ: «فَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ»، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْيَهُ عَنْهُ لِبُعْدِ شَبَهِهِ مِنْهُ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَفْيُ النَّسَبِ بِالشُّبْهَةِ.

.فصل وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا نَفَى نَسَبَ وَلَدِ زَوْجَتِهِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ اللِّعَانُ حَتَّى يَقُولَ إنَّهَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الزِّنَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا لِنَفْيِهِ الْوَلَدَ، فَثَبَتَ أَنَّ نَفْيَ وَلَدِهَا قَذْفٌ يُوجِبُ اللِّعَانَ.
أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا: شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَرُوِيَ نَحْوُ قَوْلِهِمَا عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجِ فِيهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا أَجْنَبِيِّينَ، وَقَالَ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَإِذَا قَذَفَ الْأَجْنَبِيُّ امْرَأَةً وَجَاءَ بِأَرْبَعَةٍ أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ اقْتَضَى الظَّاهِرُ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ وَسُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ وَإِيجَابَهُ عَلَيْهَا.
وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ جَائِزَةٌ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَفِي الْقِصَاصِ وَفِي سَائِرِ الْحُدُودِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي الزِّنَا.
فَإِنْ قِيلَ: الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا.
قِيلَ لَهُ: إذَا جَاءَ مَجِيءَ الشُّهُودِ مَعَ ثَلَاثَةٍ غَيْرَهُ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَلَا لِعَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اللِّعَانُ عَلَيْهِ إذَا قَذَفَهَا ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا قَذَفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَأْتِي بِأَرْبَعَةٍ غَيْرِهِ يَشْهَدُونَ بِالزِّنَا، وَلَوْ جَاءَ مَعَ ثَلَاثَةٍ فَشَهِدُوا بِالزِّنَا لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَكَانَ شَاهِدًا، فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ.
إبَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ اللِّعَانَ فِي إبَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ اللِّعَانَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ اللِّعَانِ حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ: أَيُّهُمَا نَكَلَ حُدَّ، إنْ نَكَلَ الرَّجُلُ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَإِنْ نَكَلَتْ هِيَ حُدَّتْ لِلزِّنَا.
وَرَوَى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ وَتَأْبَى الْمَرْأَةُ قَالَ: تُحْبَسُ.
وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالضَّحَّاكِ وَالشَّعْبِيِّ: إذَا لَاعَنَ وَأَبَتْ أَنْ تُلَاعِنَ رُجِمَتْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَقَالَ: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ: «ائْتِنِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك» وَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَمَهُمَا؛ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْحَدِّ عَلَيْهَا بِتَرْكِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَكُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ وَقَتْلِ نَفْسِ بِغَيْرِ نَفْسِ»، فَنَفَى وُجُوبَ الْقَتْلَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ، وَالنُّكُولُ عَنْ اللِّعَانِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ رَجْمُهَا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الرَّجْمُ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً لَمْ يَجِبْ الْجَلْدُ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّق بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: «امْرِئٍ مُسْلِمٍ» إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ دُونَ الْمَرْأَةِ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَرْأَةَ مُرَادَةٌ بِذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}.
وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالنُّكُولِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ، فَكَانَ فِي اللِّعَانِ أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَحَقَّ فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} وَهُوَ يَعْنِي حَدَّ الزِّنَا، ثُمَّ قَالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} فَعَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَتْ هَذِهِ قِصَّةً وَاحِدَةً وَلَا حُكْمًا وَاحِدًا حَتَّى يَلْزَمَ فِيهِ مَا قُلْت؛ لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ إنَّمَا هِيَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الزَّانِيَيْنِ ثُمَّ حُكْمِ الْقَاذِفِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا ثَابِتًا فِي قَاذِفِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَجْنَبِيَّاتِ جَارِيًا عَلَى عُمُومِهِ إلَى أَنْ نُسِخَ عَنْ قَاذِفِ الزَّوْجَاتِ بِاللِّعَانِ، وَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ الْعَذَابَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ حَدَّ الزِّنَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعَذَابَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي غَيْرِهِ مَا يُوجِبُهُ أَنَّ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فِي لِعَانِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الزَّانِيَيْنِ؛ إذْ لَيْسَ يَخْتَصُّ الْعَذَابُ بِالْحَدِّ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَّ، وَقَالَ: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} وَلَمْ يُرِدْ الْحَدَّ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَّ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ الْأَبْرَصِ: وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ فِي تَكْذِيبٍ طُولُ الْحَيَاةِ لَهُ تَعْذِيبُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» فَإِذَا كَانَ اسْمُ الْعَذَابِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْإِيلَامِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ سَائِرِ ضُرُوبِ الْعَذَابِ عَلَيْهِ، لَمْ يَخْلِ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِنْسَ فَيَكُونَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسَمَّى عَذَابًا، أَيْ ضَرْبٌ مِنْهُ كَانَ، أَوْ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَعْهُودًا لِأَنَّ الْمَعْهُودَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْخِطَابِ فَيَرْجِعُ الْكَلَامُ إلَيْهِ؛ إذْ كَانَ مَعْنَاهُ مُتَقَرِّرًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ وَأَنَّ الْمُرَادَ عَوْدُهُ إلَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ قَذْفِ الزَّوْجِ وَإِيجَابِ اللِّعَانِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْأَيْمَانُ قَدْ تَكُونُ حَقًّا لِلْمُدَّعِي حَتَّى يُحْبَسَ مِنْ أَجْلِ النُّكُولِ عَنْهَا وَهِيَ الْقَسَامَةُ مَتَى نَكَلُوا عَنْ الْأَيْمَانِ فِيهَا حُبِسُوا، كَذَلِكَ حَبْسُ النَّاكِلِ عَنْ اللِّعَانِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ إيجَابُ الْحَدِّ بِالنُّكُولِ وَفِيهَا إيجَابُ الْحَبْسِ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النُّكُولَ يَنْقَسِمُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا بَدَلٌ لِمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ؛ وَبَدَلُ الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ وَمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْحَدِّ بِهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النُّكُولَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَرِيحَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِهِ، كَالتَّعْرِيضِ وَكَاللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلزِّنَا وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَا عَلَى الْقَاذِفِ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَعَظَ الْمَرْأَةَ وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا حَدَّ الزِّنَا أَوْ الْقَذْفِ قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِعَذَابِ الدُّنْيَا الْحَبْسَ أَوْ الْحَدَّ إذَا أَقَرَّ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَبْسَ فَهُوَ عِنْدَ النُّكُولِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحَدَّ فَهُوَ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِكْذَابِ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ النُّكُولَ يُوجِبُ الْحَدَّ دُونَ الْحَبْسِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِالنُّكُولِ وَأَيْمَانِ الزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَأَيْمَانِ الْمَرْأَةِ.
قِيلَ لَهُ: النُّكُولُ وَالْأَيْمَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ الْحَدُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ قَذْفًا أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي الْحَدَّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بِيَمِينِهِ؟ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَلَا يُحْكَمُ فِيهَا بِالنُّكُولِ وَلَا بِرَدِّ الْيَمِينِ.