فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}.
لما نزلت الآية المتقدمة في {الذين يرمون} [النور: 4] تناول ظاهرها الأَزواج وغيرهن، فقال سعد بن عبادة يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني»، وفي الفاظ سعد روايات مختلفة هذا نحو معناها، ثم جاء بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك ابن سحماء البلوي، فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف، فنزلت هذه الآية عند ذلك فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وتلاعنا فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت، وقيل إنها موجبة ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم ولجت، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وولدت غلامًا كأنه جمل أورق ثم كان بعد ذلك الغلام أميرًا بمصر وهو لا يعرف لنفسه أبًا. ثم جاءه أيضًا عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن. والمشهور أن نازلة هلال قبل وأنها سبب الآية، وقيل نازلة عويمر قبل وهو الذي وسط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن عدي، والأزواج في هذا الحكم يعم المسلمات والكافرات والإماء، فكلهن يلاعنهن الزوج للانتفاء من الحمل، وتختص الحرة بدفع حد القذف عن نفسه، وقرأ الجمهور {أربعَ شهادات} بالنصب وهو كانتصاب المصدر والعامل في ذلك قوله: {فشهادة} ورفع الشهادة على خبر ابتداء تقديره فالحكم أو فالواجب، أو على الابتداء بتقدير فعليهم أن يشهدوا وبتقدير حذف الخبر وتقديره في آخر الآية كافية أو واجبة، وقوله: {بالله} من صلة {شهادات} ويجوز أن يكون من صلة {فشهادة} وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {أربعُ} بالرفع وذلك على خبر قوله: {فشهادة} قال أبو حاتم لا وجه للرفع لأن الشهادة ليست ب {أربع شهادات} و{بالله} على هذه القراءة من صلة {شهادات} ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة، لأنك كنت تفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو {أربع شهادات} وقوله: {إنه لمن الكاذبين} في قول من نصب {أربعَ شهادات} يجوز أن تكون من صلة {شهادة} وهي جملة في موضع نصب، لأن الشهادة أوقعتها موقع المفعول به، ومن رفع {أربعُ شهادات} فقوله: {إنه لمن الكاذبين} من صلة {شهادات} لعلة الفصل المتقدمة في قوله: {بالله} وقرأ حفص عن عاصم {والخامسةَ} بالنصب في الثانية، وقرأها بالنصب فيهما طلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن والحسن والأعمش، وقرأ الجمهور فيهما {والخامسةُ} بالرفع، فأما من نصب فإن كان من قراءته نصب قوله: {أربعَ شهدات} فإنه عطف الخامسة على ذلك لأنها من الشهادات، وأن كان يقرأ {أربعُ} بالرفع، فإنه جعل نصب قوله، والخامسة على فعل يدل عليه متقدم الكلام تقديره وتشهد الخامسة، وأما من رفع قوله: {والخامسةُ} فإن كان يقرأ {أربعُ} بالرفع فقوله: {والخامسةُ} عطف على ذلك، وإن كان يقرأ {أربعَ} بالنصب فإنه حمل قوله: {والخامسةُ} على المعنى لأن معنى قوله شهادة أحدهم عليهم أربع شهادات والخامسة واستشهد أبو علي لهذا بحمل الشاعر: الكامل:
ومشجج أما سواد قذاله

البيت على قوله: إلا رواكد جمرهن هباء لأن المعنى ثم رواكد ولا خلاف في السبع في رفع قوله: {والخامسةُ} في الأولى، وإنما خلاف السبع في الثانية فقط فنصبه حمل على قوله: {أن تشهد أربع} {والخامسة} على القطع والحمل على المعنى، وقرأ نافع وحده {أن لعنة} و{أنَّ غضب} وقرأ الأعرج والحسن وقتادة وأبو رجاء وعيسى {أَن لعنة} و{أن غضب الله} وهذا على إضمار الأمر وهي المخففة كما هي في قول الشاعر:
في فتية كسيوف الهند

البيت، وقرأ باقي السبعة {أنّ لعنة الله} {وأنّ غضب الله} بتشديد النون فيهما ونصب اللعنة والغضب ورجح الأخفش القراءة بتثقيل النون لأن الخفيفة إنما يراد بها التثقيل ويضمر معها الأمر والشأن وما لا يحتاج معه إلى إضمار أولى.
قال الفقيه الإمام القاضي: لاسيما وأن الخفيفة على قراءة نافع في قوله: {أن غضب} قد وليها الفعل، قال أبو علي وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلا أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله تعالى: {علم أن سيكون} [المزمل: 20] وقوله: {أَفلا يرون ألا يرجع} [طه: 89] وأما قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] فذلك لقلة تمكن ليس في الأفعال وأما قوله: {أن بورك من في النار} [النمل: 8] ف {بورك} على معنى الدعاء فلم يجز دخول الفاصل لئلا يفسد المعنى، والعذاب المدرأ في قول جمهور العلماء الحد وحكى الطبري عن آخرين أنه الحبس وهو قول أصحاب الرأي وأَنه لا حد عليها إن لم تلاعن وليس يوجبه عليها قول الزوج.
قال الفقيه الإمام القاضي: وظاهر حديث الموفقه في الخامسة حين تلكأت ثم مرت في لعانها أَنها كانت تحد لقول النبي عليه السلام لها فعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة وجعلت اللعنة للرجل الكاذب لأنه مفتر مباهت بالقول فأبعد باللعنة وجعل الغضب الذي هو أشد على المرأة التي باشرت المعصية بالفعل ثم كذبت وباهتت بالقول فهذا معنى هذه الألفاظ والله أَعلم.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولابد أَن نذكر في تفسير هذه الآية ما يتعلق بها من مسائل اللعان إذ لا يستغنى عنها في معرفة حكمه وحيث يجب، أجمع مالك وأَصحابه على وجوب اللعان بادعاء رؤية زنى لا وطء من الزوج بعده، وكذلك مشهور المذهب، وقول مالك إن اللعان يحب بنفي حمل يدعى قبله استبراء، وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء لأَن الحيض يأتي على الحمل، وقاله أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة، وقال لا ينفى الولد إلا بخمس سنين، واختلف المذهب في أن يقذف الرجل أو ينفي حملًا ولا يعلل ذلك لا برؤية ولا باستبراء، فجل رواة مالك لا يوجب لعانًا بل يحد الزوج، وقاله ابن القاسم وروي عنه أيضًا أنه قال يلاعن ولا يسأل عن شيء، واختلف بعد القول بالاسبتراء في قدر الاستبراء، فقال مالك والمغيرة في أحد قوليه يجزىء في ذلك حيضة. وقال أيضًا مالك لا ينفعه إلا ثلاث حيض، وأما موضع اللعان ففي المسجد وعند الحاكم والمستحب أن يكون في المسجد بحضرة الحاكم، وكذلك يستحب بعد العصر تغليظًا بالوقت وكل وقت مجز، ومن قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا هو لدفع الحد وهي لدرء العذاب، وأن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأَنها لو أقرت لم يلزمها شيء، وقال ابن الماجشون لا حد على قاذف من لم يبلغ، قال اللخمي فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل، والمستحب من ألفاظ اللعان أَن يمشي مع ترتيب القرآن ولفظه فيقول الزوج أشهد بالله لرأيت هذه المرأة تزني وإني في ذلك لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة لعنة الله علي أن كنت من الكاذبين، وقال أصبغ لابد أَن يقول كالمرود في المكحلة، وقيل لا يلزمه ذلك وكذلك يقول أشهب لابد أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو، وأَما في لعان نفي الحمل فقيل يقول الرجل ما هذا الولد مني ولزنت، وقال ابن القاسم في الموازنة، لا يقول وزنت من حيث يمكن أَن تغضب، وتقول المرأة أشهد بالله ما زنيت وأنه في ذلك لمن الكاذبين، ثم تقول غضب الله علي إن كان من الصادقين فإِن منع جهلهما من ترتيب هذه الأَلفاظ وأتيا بما في معناها أجزأ ذلك، وحكى اللخمي عن محمد بن أَبي صفرة أَنه قال اللعان لا يرفع العصمة لقول عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها قال: فأحدث طلاقًا، ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة لا يحتاج معها إلى تفريق حاكم وابن أَبي صفرة هذا ليس بعيد يزاحم به الجمهور.
ومذهب الشافعي أن الفرقة حاصلة إثر لعان الزوج وحده، وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تفريق إلا بحكم السلطان بعد لعانهما، فإن مات أحدهما بعد تمام لعانهما وقبل حكم القاضي ورثه الآخر، ومذهب المدونة أن اللعان حكم تفريقه حكم الطلاق ويعطى لغير المدخول بها نفس الصداق، وفي مختصر ابن الجلاب لا شيء لها وهذا على أن تفريق اللعان فسخ، وقال ابن القصار تفريق اللعان عندنا فسخ وتحريم اللعان أبدي بإجماع فيما أحفظ من مذهب مالك رحمه الله، ومن فقهاء الكوفة وغيرهم من لا يراه متأبدًا، وإن أكذب نفسه بعد اللعان لم ينتفع بذلك، وروي عن عبد العزيز بن أَبي سلمة أنه إن أكذب نفسه بعد اللعان كان خاطبًا من الخطاب، وإن تقدمت المرأة في اللعان فقال ابن القاسم لا تعيد، وقال أشهب تعيد، والجواب في قوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} الآية محذوف تقديره لكشف الزناة بأيسر من هذا، ولأخذهم بعذاب من عنده، أو نحو هذا من المعاني التي أوجب تقديرها إبهام الجواب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والذين يَرْمُون أزواجهم}.
سبب نزولها أن هلال بن أُمية وجد عند أهله رجلًا، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يُهجْه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إِنِّي جئت أهلي، فوجدت عندها رجلًا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يَضْرِبُ رسولُ الله هلالًا ويُبطل شهادته، فقال هلال: والله إِنِّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجًا، فوالله إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إِذ نزل عليه الوحي، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
وفي حديث آخر: أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهلال حين قذفها: «ائتني بأربعة شهداء، وإِلا فحدٌّ في ظهرك»، فنزلت هذه الآية، فنُسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف.
فصل في بيان حكم الآية:
إِذا قذف الرجل زوجته بالزنا، لزمه الحدُّ، وله التخلُّص منه باقامة البيِّنة، أو باللِّعان، فإن أقام البيِّنة لزمها الحدّ، وإِن لاعنها، فقد حقَّق عليها الزنا، ولها التخلُّص منه باللّعان؛ فإن نكل الزوج عن اللعان، فعليه حدُّ القذف، وإِن نكلت الزوجة، لم تحدّ، وحُبست حتى تُلاعِن أو تُقِرَّ بالزنا في إِحدى الروايتين، وفي الأخرى: يُخلَّى سبيلُها.
وقال أبو حنيفة: لا يُحَدُّ واحد منهما، ويُحبس حتى يُلاعِن.
وقال مالك، والشافعي: يجب الحدُّ على الناكل منهما.
فصل: ولا تصح الملاعنة إِلا بحضرة الحاكم.
فإن كانت المرأة خَفِرة، بعث الحاكم من يُلاعِن بينهما.
وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد بالله إِني لمن الصادقين فيما رميتُها به من الزنا، أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: ولعنة الله عليه إِن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول: وغضب الله عليها إِن كان من الصادقين.
والسُّنة أن يتلاعنا قيامًا، ويقال للزوج إِذا بلغ اللعنة: اتق الله فانها المُوجِبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكذلك يقال للزوجة إِذا بلغت إِلى الغضب.
فإن كان بينهما ولد، اقتصر نفيه عن الأب إِلى ذِكْره في اللعان، فيزيد في الشهادة: وما هذا الولد ولدي، وتزيد هي: وإِن هذا الولد ولده.
فصل:
واختلف الفقهاء في الزوجين اللَّذين يجري بينهما اللعان، فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه، فيدخل تحت هذا المسلمُ والكافر والحرُّ والعبد، وكذلك المرأة، وهذا قول مالك، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز اللعان بين الحرِّ والأمَةَ، ولا بين العبد والحرة، ولا بين الذميَّين، أو إِذا كان أحدهما ذميًّا؛ ونقل حرب عن أحمد نحو هذا، والمذهب هو الأول.
ولا تختلف الرواية عن أحمد: أن فُرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده.
واختلف هل تقع بلعانهما من غير فُرقة الحاكم على روايتين.
وتحريم اللعان مؤبَّد، فإن أكذب الملاعنُ نفسه لم تحلَّ له زوجته أيضًا، وبه قال عمر، وعلي، وابن مسعود؛ وعن أحمد روايتان، أصحهما: هذا، والثانية: يجتمعان بعد التكذيب، وهو قول أبي حنيفة.
قوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إِلا أنفسُهم} وقرأ أبو المتوكل وابن يعمر، والنخعي: {تكن} بالتاء.
قوله تعالى: {فشهادة أحدهم أربع شهادات} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {أربعَ} بفتح العين.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: برفع العين.
قال الزجاج: من رفع {أربعُ} فالمعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأُ حَدَّ القذف أربعُ؛ ومن نصب، فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربعَ.
قوله تعالى: {والخامسةُ} قرأ حفص عن عاصم: {والخامسةَ} نصبًا، حملًا على نصب {أربعَ شهادات}.
قوله تعالى: {أنَّ لعنة الله عليه} قرأ نافع، ويعقوب، والمفضل: {أنْ لعنةُ الله} و{أنْ غضبُ الله} بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من {لعنةُ} والباء من {غضبُ} إِلا أن نافعًا كسر الضاد من {غَضِبَ} وفتح الباء.
قوله تعالى: {ويَدرأُ عنها} أي: ويَدفع عنها {العذابَ} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدهما: [أنه] الحَدُّ.
والثاني: الحبس.
ذكرهما ابن جرير.
والثالث: العار.
قوله تعالى: {ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه} أي: ستره ونعمته.
قال الزجاج: وجواب {لولا} هاهنا متروك؛ والمعنى: لولا ذلك لنال الكاذبَ منكم عذابٌ عظيم.
وقال غيره: لولا فضل الله لبيّن الكاذب من الزوجين فأُقيم عليه الحدّ، {وأن الله توّاب} يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة {حكيم} فيما فرض من الحدود. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}.
فيه ثلاثون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} {أنفسُهم} بالرفع على البدل.
ويجوز النصب على الاستثناء، وعلى خبر {يكن}.
{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} بالرفع قراءة الكوفيين على الابتداء والخبر؛ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حدّ القذف أربع شهادات.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {أربعَ} بالنصب؛ لأن معنى {فشهادةُ} أن يشهد؛ والتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربعَ شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات؛ ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة.
{والخامسة} رفع بالابتداء.
والخبر {أنّ} وصلتها؛ ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لأن معناها أنه.
وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص {والخامِسةَ} بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة.
الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في {أنّ لعنَة اللَّهِ عليهِ} أي والشهادة الخامسة قوله: لعنة الله عليه.
الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشَرِيك بن سَحْماء؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «البَيّنَة أو حدٌّ في ظهرك» قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلًا على امرأته يلتمس البينة! فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «البينةَ وإلا حَدٌّ في ظهرك» فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولَيُنْزِلنّ الله في أمري ما يبرىء ظهري من الحدّ؛ فنزلت {والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} فقرأ حتى بلغ {مِن الصادِقِين} الحديث بكماله.