فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحدّ عنها لا غير؛ وليس لالتعانها في زوال الفراش معنًى.
ولما كان لعان الزوج ينفي الولد ويسقط الحدّ رُفع الفراش.
وكان عثمان الْبَتِّي لا يرى التلاعن ينقص شيئًا من عصمة الزوجين حتى يطلّق.
وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة؛ على أن البَتِّي قد استحب للملاعن أن يطلّق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك؛ فدلّ على أن اللعان عنده قد أحدث حكمًا.
وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري، وحكاه اللَّخْمِيّ عن محمد بن أبي صُفْرة.
ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة.
واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة، وبقول عُوَيْمِر: كذبتُ عليها إن أمسكتُها؛ فطلّقها ثلاثًا، قال: ولم ينكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ولم يقل له لم قلت هذا، وأنت لا تحتاج إليه؛ لأن باللعان قد طلقت.
والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قولُه عليه السلام «لا سبيل لك عليها» وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عليها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم، وإنما كان تنفيذًا لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة.
السابعة والعشرون: ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنَيْن لا يتناكحان أبدًا، فإن أكذب نفسه جلد الحدّ ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبدًا.
وعلى هذا السنةُ التي لا شك فيها ولا اختلاف.
وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحدّ، وقال: قد تفرقا بلعنة من الله.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا أكذب نفسه جلد الحدّ ولحق به الولد، وكان خاطبًا من الخطاب إن شاء؛ وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعبد العزيز بن أبي سلمة.
وقالوا: يعود النكاح حلالًا كما لحق به الولد؛ لأنه لا فرق بين شيء من ذلك.
وحجة الجماعة قوله عليه السلام: «لا سبيل لك عليها»؛ ولم يقل إلا أن تكذب نفسك.
وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال: فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فُرّق بينهما فلا يجتمعان أبدًا.
ورواه الدَّارَقُطْنِيّ، ورواه مرفوعًا من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبدًا» وروي عن عليّ وعبد الله قالا: مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان.
عن عليّ: أبدًا.
الثامنة والعشرون: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء:
عدد الألفاظ: وهو أربع شهادات على ما تقدم.
والمكان: وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرَيْن بُعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه.
والوقت: وذلك بعد صلاة العصر.
وجمع الناس: وذلك أن يكون هناك أربع أنفس فصاعدًا؛ فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان.
التاسعة والعشرون: من قال: إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما، فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الآخر.
ومن قال: لا يقع إلا بتفريق الإمام فمات أحدهما قبل ذلك وتمام اللعان ورثه الآخر.
وعلى قول الشافعيّ: إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا.
الموفية ثلاثين: قال ابن القَصّار: تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ؛ وهو مذهب المدوّنة: فإن اللعان حكم تفريقه حكم تفريق الطلاق، ويعطَى لغير المدخول بها نصف الصداق.
وفي مختصر ابن الجَلاّب: لا شيء لها؛ وهذا على أن تفريق اللعان فسخ. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن ولذلك قال سعد بن عبادة: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتي آتي بأربعة شهداء والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك بن سحماء فنزلت {والذين يرمون أزواجهم} واتضح أن المراد بقوله: {والذين يرمون المحصنات} غير الزوجات، والمشهور أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر.
وقيل: نازلة عويمر قبل، والمعنى بالزنا ولم يكن لهم شهداء ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات، والمعنى {شهداء} على صدق قولهم.
وقرىء ولم تكن بالتاء.
وقرأ الجمهور بالياء وهو الفصيح لأنه إذا كان العامل مفرغًا لما بعد إلاّ وهو مؤنث فالفصيح أن يقول ما قام إلاّ هند، وأما ما قامت إلاّ هند فأكثر أصحابنا يخصه بالضرورة، وبعض النحويين يجيزه في الكلام على قلة.
و{أزواجهم} يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والإماء، فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من العمل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأحد معنيين أحدهما: أن تكون الزوجة ممن لا يجب على قاذفها الحد وإن كان أجنبيًا، نحو أن تكون الزوجة مملوكة أو ذمية وقد وطئت وطأ حر إما في غير ملك.
والثاني: أن يكون أحدهما ليس من أهل الشهادة بأن يكون محدودًا في قذف أو كافرًا أو عبدًا، فأمّا إذا كان أعمى أو فاسقًا فله أن يلاعن.
وقال الثوري والحسن بن صالح: لا لعان إذا كان أحد الزوجين مملوكًا أو كافرًا، ويلاعن المحدود في القذف.
وقال الأوزاعي: لالعان بين أهل الكتاب ولا بين المحدود في القذف وامرأته.
وقال الليث: يلاعن العبد امرأته الحرة والمحدود في القذف.
وعن مالك: الأمة المسلمة والحرة الكتابية يلاعن الحر المسلم والعبد يلاعن زوجته الكتابية، وعنه: ليس بين المسلم والكافرة لعان إلاّ لمن يقول رأيتها تزني فيلاعن ظهر الحمل أو لم يظهر، ولا يلاعن المسلم الكافرة ولا زوجته الأمة إلاّ في نفي الحمل ويتلاعن عن المملوكان المسلمان لا الكافران.
وقال الشافعي كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض يلاعن، والظاهر العموم في الرامين وزوجاتهم المرميات بالزنا، والظاهر إطلاق الرمي بالزنا سواء قال: عاينتها تزني أم قال زنيت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وكان مالك لا يلاعن إلاّ أن يقول: رأيتك تزنين أو ينفي حملًا بها أو ولدًا منها والأعمى يلاعن.
وقال الليث: لا يلاعن إلاّ أن يقول: رأيت عليها رجلًا أو يكون استبرأها، فيقول: ليس هذا الحمل مني ولم تتعرض الآية في اللعان إلاّ لكيفيته من الزوجين.
وقد أطال المفسرون الزمخشري وابن عطية وغيرهما في ذكر كثير من أحكام اللعان مما لم تتعرض له الآية وينظر ذلك في كتب الفقه.
وقرأ الجمهور {أربع شهادات} بالنصب على المصدر.
وارتفع {فشهادة} خبرًا على إضمار مبتدإِ، أي فالحكم أو الواجب أو مبتدأ على إضمار الخبر متقدمًا أي فعليه أن يشهد أو مؤخرًا أي كافيه أو واجبه.
و{بالله} من صلة {شهادات} ويجوز أن يكون من صلة {فشهادة} قاله ابن عطية، وفرغ الحوفي ذلك على الأعمال، فعلى رأي البصريين واختيارهم يتعلق بشهادات، وعلى اختيار الكوفيين يتعلق بقوله: {فشهادة}.
وقرأ الأخوان وحفص والحسن وقتادة والزعفراني وابن مقسم وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وأبان وابن سعدان {أربع} بالرفع خبر للمبتدأ، وهو {فشهادة} و{بالله} من صلة {شهادات} على هذه القراءة، ولا يجوز أن يتعلق بفشهادة للفصل بين المصدر ومعموله بالجر ولا يجوز ذلك.
وقرأ الجمهور {والخامسة} بالرفع فيهما.
وقرأ طلحة والسلمي والحسن والأعمش وخالد بن إياس ويقال ابن إياس بالنصب فيهما.
وقرأ حفص والزعفراني بنصب الثانية دون الأولى، فالرفع على الابتداء وما بعده الخبر، ومن نصب الأولى فعطف على {أربع} في قراءة من نصب {أربع} وعلى إضمار فعل يدل عليه المعنى في قراءة من رفع {أربع} أي وتشهد {الخامسة} ومن نصب الثانية فعطف على {أربع} وعلى قراءة النصب في {الخامسة} يكون {أن} بعده على إسقاط حرف الجر، أي بأن، وجوّز أن يكون {أن} وما بعده بدلًا من {الخامسة}.
وقرأ نافع {أن لعنة} بتخفيف {أنَّ} ورفع {لعنة} و{أن غضب} بتخفيف {أن} و{غضب} فعل ماض والجلالة بعد مرفوعة، وهي أن المخففة من الثقيلة لما خففت حذف اسمها وهو ضمير الشأن.
وقرأ أبو رجاء وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون والأعرج ويعقوب بخلاف عنهما، والحسن {أن لعنة} كقراءة نافع، و{أن غضب} بتخفيف {أن} و{غضب} مصدر مرفوع وخبر ما وبعده وهي أن المخففة من الثقيلة.
وقرأ باقي السبعة {أن لعنة الله} و{أن غضب الله} بتشديد {أن} ونصب ما بعدهما اسمًا لها وخبر ما بعد.
قال ابن عطية: و{أن} الخفيفة على قراءة نافع في قوله: {أن غضب} قد وليها الفعل.
قال أبو علي: وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلاّ أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله: {علم أن سيكون} وقوله: {أفلا يرون أن لا يرجع} وأما قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى} فذلك لعلة تمكن ليس في الأفعال.
وأما قوله: {أن بورك من في النار} فبورك على معنى الدعاء فلم يجر دخول الفواصل لئلا يفسد المعنى انتهى.
ولا فرق بين {أن غضب الله} و{أن بورك} في كون الفعل بعد أن دعاء، ولم يبين ذلك ابن عطية ولا الفارسي، ويكون غضب دعاء مثل النحاة أنه إذا كان الفعل دعاء لا يفصل بينه وبين أن بشيء، وأورد ابن عطية {أن غضب} في قراءة نافع مورد المستغرب.
{ويدرؤوا عنها العذاب} أي يدفع و{العذاب} قال الجمهور الحد.
وقال أصحاب الرأي لا حد عليها إن لم يلاعن ولا يوجبه عليها قول الزوج.
وحكى الطبري عن آخرين أن {العذاب} هو الحبس، والظاهر الاكتفاء في اللعان بهذه الكيفية المذكورة في الآية وبه قال الليث، ومكان ضمير الغائب ضمير المتكلم في شهادته مطلقًا وفي شهادتها في قوله عليها تقول عليّ.
فقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: يقول بعد {من الصادقين} فيما رماها به من الزنا وكذا بعد من الكاذبين، وكذا هي بعد من الكاذبين و{من الصادقين} فإن كان هناك ولد ينفيه زاد بعد قوله فيما رماها به من الزنا في نفي الولد.
وقال مالك: يقول أشهد بالله أني رأيتها تزني وهي أشهد بالله ما رآني أزني، والخامسة تقول ذلك أربعًا و{الخامسة} لفظ الآية.
وقال الشافعي: يقول أشهد بالله أني لصادق فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كان حاضرة أربع مرات، ثم يقعد الإمام ويذكره الله تعالى فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول: إن قولك وعليّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا، فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين في كل شهادة، وإن نفي ولدها زاد وأن هذا الولد ما هو مني، والظاهر أنه إذا طلقها بائنًا فقذفها وولدت قبل انقضاء العدة فنفي الولد أنه يحد ويلحقه الولد لأنه لا ينطلق عليها زوجة إلاّ مجازًا.
وعن ابن عباس: إذا طلقها تطليقة أو تطليقتين ثم قذفها حدّ.
وعن ابن عمر: يلاعن.
وعن الليث والشافعي: إذا أنكر حملها بعد البينونة لاعن.
وعن مالك: إن أنكره بعد الثلاث لاعنها.
ولو قذفها ثم بانت منه بطلاق أو غيره فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا حد ولا لعان.
وقال الأوزاعي والليث والشافعي: يلاعن وهذا هو الظاهر لأنها كانت زوجته حالة القذف، والظاهر من قوله: {فشهادة أحدهم} أنه يلزم ذلك فإن نكل حبس حتى يلاعن وكذلك هي، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وقال مالك والحسن بن صالح والليث والشافعي: أيهما نكل حدّ هو للقذف وهي للزنا.
وعن الحسن: إذا لاعن وأبت حبست.
وعن مكحول والضحاك والشعبي: ترجم ومشروعية اللعان دليل على أن الزنا والقذف ليسا بكفر من فاعلهما خلافًا للخوارج في قولهم: إن ذلك كفر من الكاذب منهما لاستحقاق اللعن من الله والغضب.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله؟ قلت: تغليظًا عليها لأنها هي أصل الفجور ومتبعة بإطماعها، ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لخويلة: «والرجم أهون عليك من غضب الله».
{ولولا فضل الله} إلى آخره.
قال السدّي فضله منته ورحمته نعمته.
وقال ابن سلام: فضله الإسلام ورحمته الكتمان.
ولما بين تعالى حكم الرامي الحصنات والأزواج كان في فضله ورحمته أن جعل اللعان سبيلًا إلى الستر وإلى درء الحدّ وجواب {لولا} محذوف.
قال التبريزي: تقديره لهلكتم أو لفضحكم أولعاجلكم بالعقوبة أو لتبين الكاذب.
وقال ابن عطية: لكشف الزناة بأيسر من هذا أو لأخذهم بعقاب من عنده، ونحو هذا من المعاني التي يوجب تقديرها إبهام الجواب. اهـ.