فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُلَاعِنُ بِحَمْلٍ لَعَلَّهُ رِيحٌ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنْ لَيْسَ حَمْلٌ، أَمَا تُلَاعِنُ بِالْقَذْفِ؟ قَالَ: بَلَى، قِيلَ: فَلِمَ لَا يُلَاعِنُ مَكَانَهُ؟. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنَ الْحَامِلِ، وَيَنْفِيَ حَمْلَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْ حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَاعَنَ فِي حَمْلِهَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ وَلَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ الْحَمْلُ بِلِعَانٍ، وَصَارَ لَاحِقًا بِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَفْيِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ خَالَفَ فِيهِ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِي وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ، وَلَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ إِنْ كَانَ غِلَظًا أَوْ رِيحًا فَهِيَ حَائِلٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهِيَ كَذَاتِ وَلَدٍ، فَهَلَّا لَاعَنَ مِنْهَا، وَقَدْ مَضَى مِنَ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى. وَإِنْ كَانَ لِعَانُهُ مِنَ الْحَامِلِ جَائِزًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ نَفْيَهُ قَبْلَ وَضْعِهِ فَيَنْتَفِيَ عَنْهُ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ يُؤَخِّرَ نَفْيَهُ حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَيَّنٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ عَجَّلَ بِاللِّعَانِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ الْحَمْلُ كَانَ لَهُ إِذَا وَلَدَتْ وَأَرَادَ نَفْيَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِنَفْيِهِ لِعَانًا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، وَلَمْ يَكُنْ تَأْخِيرُهُ فِي وَقْتِ الْحَمْلِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَظْنُونًا غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَعَمَ لَوْ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ تَرَكَهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَهِيَ فِي الدَّمِ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثَمَّ نَفَى الْوَلَدَ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَيَتْرُكَ مَا حَكَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنَ اللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ كَمَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا قُلْنَا سُنَّةً كَانَ يَجْعَلُ السُّكَاتَ فِي مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ، فَزَعَمَ فِي الشُّفْعَةِ إِذَا عَلِمَ فَسَكَتَ فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالتَّسْلِيمِ، وَفِي الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ إِذَا اسْتَخْدَمَهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَحَيْثُ شَاءَ جَعَلَهُ رِضًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْأَشْبَهِ بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ رِضًا، وَجَعَلَ صِفَتَهُ عَنْ إِنْكَارِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَالْإِقْرَارِ وَأَبَاهُ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّمْتَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يُؤَخِّرَ الزَّوْجُ نَفْيَ الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ، فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ نَفْيَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَعَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْتِعَانِهِ لَعَنَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ نَفْيَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ: لَهُ نَفْيُهُ عَلَى التَّرَاخِي مَتَى شَاءَ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَ نَفْيِهِ لِعَيْبٍ دَخَلَ عَلَى فِرَاشِهِ فَجَرَى مَجْرَى خِيَارِ الْعُيُوبِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ بِمُدَّةٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ بِالشَّرْعِ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْخِيَارِ حَدٌّ مَشْرُوعٌ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي خِيَارِ نَفْيِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ بَعْضُ أَحْوَالِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ يَكُنِ اعْتِبَارُهَا فِي خِيَارِ نَفْيِهِ بِأَوْلَى مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ فِي أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْ بِمُدَّةِ رَضَاعِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ كَانَ نَفْيُهُ فِي الْحَمْلِ عَلَى التَّرَاخِي وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَظْنُونٌ وَبَعْدَهَا مُتَيَقَّنٌ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَعَمَ بِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الشَّهَادَةَ لِيَخْرُجَ بِهَا مِنَ الْحَدِّ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْنَى الْقَذْفِ لَزِمَهُ الْحَدُّ، قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحَلَفْتُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ قُلْتُ: إِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ فِي مَالٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ جُرْحِ عَمْدٍ حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَلِمَ لَا تَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ إِنَّكَ تُحْلِفُهَا لِتَخْرُجَ مِنَ الْحَدِّ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَدْرَأُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا الْعَذَابَ، فَإِذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ فَلِمَ لَمْ تُوجِبْ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَمَا قُلْتَ فِي الزَّوْجِ وَفِيمَنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ؟ وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ حَدًّا، وَفِي التَّنْزِيلِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدْرَأَ بِالشَّهَادَةِ الْعَذَابَ وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَكَ وَهُوَ الْمَعْقُولُ وَالْقِيَاسُ وَقُلْتُ لَهُ: لَوْ قَالَتْ لَكَ: لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لَا تَحْبِسُ إِلَّا بِحَقٍّ؟ قَالَ: أَقُولُ حَبَسْتُكِ لِتَحْلِفِي فَتَخْرُجِي بِهِ مِنَ الْحَدِّ. فَقَالَتْ: فَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ فَأَقِمِ الْحَدَّ عَلَيَّ. قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَالْحَبْسُ حَدٌّ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ قَالَتْ: فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ، لَا أَنْتَ أَقَمْتَ عَلَيَّ الْحَدَّ وَلَا مَنَعْتَ عَنِّي حَبْسًا وَلَنْ تَجِدَ حَبْسِي فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ عَلَى أَحَدِهَا. قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: فَالْعَذَابُ الْحَبْسُ، فَهَذَا خَطَأٌ، فَكَمْ ذَلِكَ مِائَةُ يَوْمٍ أَوْ حَتَّى تَمُوتَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَرَاهُ عَنَى الْحَدَّ أَمِ الْحَبْسِ؟ قَالَ: بَلِ الْحَدُّ، وَمَا السِّجْنُ بِحَدٍّ، وَالْعَذَابُ فِي الزِّنَا الْحُدُودُ، وَلَكِنَّ السِّجْنَ قَدْ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ، قُلْتُ: وَالسَّفَرُ وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قَالَ: وَالَّذِينَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا، وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسُعُودٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَا يَجْتَمِعُ الْمُتَلَاعِنَانِ أَبَدًا رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَا قُلْنَا، وَأَبَى بَعْضُهُمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُفَ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ اللِّعَانِ، وَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا امْتَنَعَتْ مِنْهُ وَيَحْبِسُهَا حَتَّى تُلَاعِنَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحَدَّانِ مَعًا وَيُحْبَسَانِ حَتَّى يُلَاعِنَانِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُمَا يُحَدَّانِ وَلَا يُحْبَسَانِ، فَصَارَ أَبُو يُوسُفَ مُوَافِقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي حَبْسِ الزَّوْجَةِ، وَمُوَافِقًا لِلشَّافِعِيِّ فِي حَدِّ الزَّوْجِ، وَحَبْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النُّورِ: 8]. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا لِلشَّهَادَةِ مُوجِبٌ لِتَوَجُّهِ الْعَذَابِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ: فَالْحَبْسُ عَذَابٌ، قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النُّورِ: 2] أَفَيُحْبَسُ الشُّهُودُ مَعَهُمَا؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: جَعَلْتَ الْحَبْسَ عَذَابًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْعَذَابُ الْمَخْصُوصُ بِالزِّنَا وَالْقَذْفِ، أَوْ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّهُ الْعَذَابُ الْمَخْصُوصُ بِالزِّنَا قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَّبَ الزَّانِيَ بِالْحَدِّ لَا بِالْحَبْسِ. وَإِنْ أَوْجَبَ الْحَبْسَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ، قِيلَ لَهُ: لِمَ خَصَّصْتَ الْحَبْسَ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِهِ؟ هَلَّا عَدَلْتَ إِلَى الدَّهْقِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالْإِعْزَارِ، وَالتَّجْوِيعِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَحَبَسْتَهُمَا عَلَى حَقٍّ أَوْ غَيْرِ حَقٍّ؟. فَإِنْ قَالَ: لِحَقٍّ، قِيلَ: هَلَّا اسْتَوْفَيْتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَمَنَعْتَ مِنَ الْحَبْسِ؟ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إِلَّا مِنْهَا فَلِذَلِكَ حُبِسَتْ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: فَمَا ذَلِكَ الْحَقُّ؟ فَإِنْ ذَكَرَهُ لَمْ يَجِبِ الْحَبْسُ، وَإِنْ لَمْ يُذْكُرْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ حَقٌّ، ثُمَّ يُقَالُ لِأَبِي يُوسُفَ: حَدَدْتَ الزَّوْجَ وَلَمْ يَدْرَأِ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ بِلِعَانِهِ، وَلَمْ تَحُدَّ الزَّوْجَةَ وَقَدْ دَرَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِلِعَانِهَا الْحَدَّ عَنْهَا، فَكَانَ عَكْسُ مَقَالَتِكَ أَوْلَى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عاصم بن عدي قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} قلت: يا رسول الله إلى أن يأتي الرجل بأربعة شهداء قد خرج الرجل؟ فلم ألبث إلا أيامًا فإذا ابن عم لي معه امرأته ومعها ابن وهي تقول: منك. وهو يقول: ليس مني. فنزلت آية اللعان قال عاصم: فأنا أول من تكلم وأول من ابتلى به.
وأخرج أحمد وعبد الرزاق والطيالسي وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} الآية قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور. والله ما تزوّج امرأة قط إلا بكرًا، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله، ولكني تعجبت إني لو وجدت لكاعًا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتىآتي بأربعة شهداء- فوالله- لا آتي بهم حتى يقضي حاجته قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية؛ وهو أحد الثلاثة الذي تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فدخل على امرأته فوجد عندها رجلًا، فرأى بعينه، وسمع بأذنيه، فلم يهجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندها رجلًا، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد به، واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية وأبطل شهادته في المسلمين فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجًا فقال: يا رسول الله إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم إني لصادق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم} فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقال: ابشر يا هلال قد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارسلوا إليها فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد. فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، فلما كان في الخامسة قيل لهلال: فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها. فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين. ثم قيل لها اشهدي.
فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين. فلما كانت في الخامسة قيل لها: اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة فقالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها أن كان من الصادقين. ففرق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى أنه لا يدعى لأب، ولا يرمى ولدها من أجل الشهادات الخمس، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لها قوت، ولا سكنى، ولا عدة، من أجل أنهما تفرقا من غير طلاق، ولا متوفى عنها.
وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة، أو حدٌّ في ظهرك». فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وإلاَّ حَدٌّ في ظهرك. فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل فأنزل الله عليه {والذين يرمون أزواجهم} حتى بلغ {إن كان من الصادقين} فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال يشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة. فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الاليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء. فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل. فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يردده حتى أنزل الله {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} حتى فرغ من الآيتين فأرسل إليهما فدعاهما فقال: إن الله قد أنزل فيكما.. فدعا الرجل فقرأ عليه. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم أمر به فأمسك على فيه، فوعظه فقال له: كل شيء أهون عليك من لعنة الله. ثم أرسله فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم دعا بها فقرأ عليها. فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين، ثم أمر بها فأمسك على فيها، فوعظها وقال: ويحك! كل شيء أهون عليك من غضب الله، ثم أرسلت فقالت: غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي زنت. وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه منكس في الأرض ثم رفع رأسه فقال: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فائت بها. فجاءت فقال: قم فاشهد أربع شهادات، فقام فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين. فقال له: ويلك أو ويحك! إنها موجبة. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قامت امرأته فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين. ثم قال ويلك أو ويحك! إنها موجبة. فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم قال له: «اذهب فلا سبيل لك عليها فقال: يا رسول الله مالي..؟ قال: لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها».