فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
تقدم الكلام على {خطوات الشيطان} تفسيرًا وقراءة في البقرة.
والضمير في {فإنه} عائد على {من} الشرطية، أي فإن متبع خطوات الشيطان {يأمر بالفحشاء} وهو ما أفرط قبحه {والمنكر} وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصير رأسًا في الضلال بحيث يكون آمرًا يطيعه أصحابه.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته} بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم.
وقرأ الجمهور {ما زكى} بتخفيف الكاف، وأمال حمزة والكسائي وأبو حيوة والحسن والأعمش وأبو جعفر في رواية وروح بتشديدها، وأماله الأعمش وكبت {زكي} المخفف بالياء وهو من ذوات الواو على سبيل الشذوذ لأنه قد يمال، أو على قراءة من شد الكاف.
{ولكن الله يزكي من يشاء} ممن سبقت له السعادة، وكان عمله الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح {والله سميع} لأقوالهم {عليم} بضمائرهم.
{ولا يأتل} هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف.
وقيل: معناه يقصر من افتعل ألوت قصرت ومنه {لا يألونكم} وقول الشاعر:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ** بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

وهذا قول أبي عبيدة، واختاره أبو مسلم.
وسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة.
وقال ابن عياش والضحاك: قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإفك، وقالوا: لا نصل من تكلم فيه فنزلت في جميعهم.
والآية تتناول من هو بهذا الوصف.
وقرأ الجمهور {يأتل}.
وقرأ عبد الله بن عياش بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم والحسن يتأل مضارع تألى بمعنى حلف.
قال الشاعر:
تألّى ابن أوس حلفة ليردّني

إلى نسوة كأنهن معائد والفضل والسعة يعني المال، وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان من المهاجرين وممن شهد بدرًا، وكان ما نسب إليه داعيًا أبا بكر أن لا يحسن إليه، فأمر هو ومن جرى مجراه بالعفو والصفح، وحين سمع أبو بكر {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}؟ قال: بلى، أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته وقال: والله لا أنزعها أبدًا.
وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهثيم أن تؤتوا بالتاء على الالتفات، ويناسبه {ألا تحبون} و{أن يؤتوا} نصب الفعل المنهي فإن كان بمعنى الحلف فيكون التقدير كراهة {أن يؤتوا} وأن لا يؤتوا فحذف لا، وإن كان بمعنى يقصر فيكون التقدير في أن يؤتوا أو عن أن يؤتوا.
وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء أمر خطاب للحاضرين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} أي لا تسلكُوا مسالكَه في كلِّ ما تأتُون وما تذرُون من الأفاعيل التي من جُملتِها إشاعةُ الفاحشةِ وحبُّها. وقرئ خُطْواتِ بسكونِ الطَّاءِ وبفتحِها أيضًا {وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان} وُضعَ الظَّاهرانِ موضعَ ضميريهما حيثُ لم يُقلْ ومَن يتبعها أو ومَن يتبع خطواتِه لزيادة التَّقريرِ والمبالغةِ في التَّنفيرِ والتَّحذيرِ {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشاء والمنكر} علَّة للجزاءِ وضعتْ موضعَه كأنَّه قيل: فقد ارتكبَ الفحشاءَ والمُنكرَ لأنَّه دأبُه المستمرُّ أنْ يأمرَ بهما فمَن اتبعَ خطواتِه فقدِ امتثلَ بأمرِه قطعًا. والفحشاءُ: ما أفرطَ قبحُه كالفاحشةِ، والمنكرُ: ما يُنكره الشَّرعُ. وضميرُ إنَّه للشَّيطانِ وقيل: للشَّأنِ على رأي مَن لا يوجبُ عودَ الضَّميرِ من الجُملةِ الجزائيَّةِ إلى اسمِ الشَّرطِ، أو على أنَّ الأصلَ يأمرُه وقيل: هو عائدٌ إلى مَن أي فإنَّ ذلك المتَّبعَ يأمرُ النَّاسَ بهما لأنَّ شأنَ الشَّيطانِ هو الإضلالُ فمن اتَّبعه يترقَّى من رُتبة الضَّلالِ والفساد إلى رُتبة الإضلالِ والإفسادِ.
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بما مِن جُملتِه هاتيك البياناتُ والتَّوفيقُ للتَّوبةِ الماحصةِ للذُّنوبِ، وشرحُ الحُدودِ المُكفِّرةِ لها {مَا زَكَى} أي ما طهُر من دنسِها. وقرئ ما زكَّى بالتَّشديدِ أي ما طهَّر الله تعالى. ومِن في قولِه تعالى: {مّنكُمْ} بيانيَّةٌ. وفي قولِه تعالى: {مّنْ أَحَدٍ} زائدةٌ وأحدٌ في حيِّزِ الرَّفعِ على الفاعليَّةِ على القراءةِ الأُولى، وفي محلِّ النَّصبِ على المفعوليَّةِ على القراءةِ الثَّانيةِ {أَبَدًا} لا إلى نهايةٍ {ولكن الله يُزَكّى} يُطهِّر {مَن يَشَاء} من عبادِه بإفاضة آثارِ فضلِه ورحمتِه عليه، وحملِه على التَّوبةِ ثمَّ قبولِها منه كما فَعَل بكُم {والله سَمِيعٌ} مبالغٌ في سمعِ الأقوالِ التي مِنْ جُملتِها ما أظهرُوه من التَّوبةِ {عَلِيمٌ} بجميعِ المعلوماتِ التي مِنْ جُملتِها نيَّاتُهم، وفيه حثٌّ لهم على الإخلاص في التَّوبة. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ للإيذانِ باستدعاءِ الأُلوهيَّةِ للسمعِ والعلمِ مع ما فيهِ من تأكيدِ استقلالِ الاعتراضِ التَّذييليِّ.
{وَلاَ يَأْتَلِ} أي لا يحلفْ، افتعالٌ من الأَليّة وقيل: لا يُقصِّرُ من الأَلْوِ. والأولُ هو الأظهرُ لنزولِه في شأنِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حينَ حلفَ أنْ لا ينفقَ على مِسْطحٍ بعدُ وكانَ ينفقُ عليه لكونِه ابنَ خالتِه وكانَ من فُقراءِ المُهاجرينَ. ويَعضده قراءةُ مَن قرأَ ولا يألُ {أُوْلُو الفضل مِنكُمْ} في الدِّين وكفَى به دليلًا على فضلِ الصِّدِّيقِ رضي الله تعالى عنه {والسعة} في المالِ {أَن يُؤْتُواْ} أيْ على أنْ لا يُؤتوا. وقرئ بتاءِ الخطابِ على الالتفاتِ {أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين في سَبِيلِ الله} صفاتٌ لموصوفٍ واحدٍ جِيء بها بطريقِ العطفِ تنبيهًا على أنَّ كلًا منها علَّة مستقلَّة لاستحقاقِه الأبناءِ، وقيل: لموصوفاتٍ أقيمتْ هي مقامَها وحُذف المفعولُ الثَّاني لغايةِ ظهورِه أي على أنْ لا يُؤتوهم شيئًا {وَلْيَعْفُواْ} ما فَرَطَ منهم {وَلْيَصْفَحُواْ} بالإغضاءِ عنه. وقد قرئ الأمرانِ بتاءِ الخطابِ على وفقِ قولِه تعالى: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أي بمقابلة عفوِكم وصفحِكم وإحسانِكم إلى مَن أساءَ إليكُم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} مبالغٌ في المغفرة والرَّحمةِ مع كمالِ قُدرتِه على المُؤاخذة وكثرةِ ذنوبِ العبادِ الدَّاعيةِ إليها. وفيهِ ترغيبٌ عظيمٌ في العفو ووعدٌ كريمٌ بمقابلتِه كأنَّه قيل: ألا تُحبُّون أنْ يغفرَ الله لكُم فهذا من موجباتِه. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قرأَه على أبي بكرٍ رضي الله عنه فقالَ: بل أحبُّ أنْ يغفرَ الله لي فرجع إلى مسطحٍ نفقتَه وقال: والله لا أنزعها أبدًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} أي لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وما تذرون والكلام كناية عن اتباع الشيطان وامتثال وساوسه فكأنه قيل: لا تتبعوا الشيطان في شيء من الأفاعيل التي من أتباعها إشاعة الفاحشة وحبها.
وقرأ نافع والبزي في رواية ابن ربيعة عن وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة {خطوات} بسكون الطاء ورفعها وهو في جميع ذلك جمع خطوة بضم الخاء وسكون الطاء اسم لما بين القدمين، وأما الخطوة كما جاء فهو مصدر خطا والأصل في الاسم إذا جمع أن تحرك عينه فرقًا بينه وبين الصفة فيضم اتباعًا للفاء أو يفتح تخفيفًا وقد يسكن.
{وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان} وضع الظاهر أن موضع ضميري الخطوات والشيطان حيث لم يقل ومن يتبعها أو من يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشاء} هو ما أفرط قبحه كالفاحشة {والمنكر} هو ما ينكره الشرع، وضمير إنه للشيطان؛ وقيل للشأن وجواب الشرط مقدر سد ما بعد الفاء مسده وهو في الأصل تعليل للجملة الشرطية وبيان لعلة النهي كأنه قيل: من يتبع الشيطان ارتكب الفحشاء والمنكر فإنه لا يأمر إلا بهما ومن كان كذلك لا يجوز اتباعه وطاعته وقد قرر ذلك النسفي وابن هشام في الباب الخامس من المغنى.
وتعقب بأنه يأباه ما نص عليه النحاة من أن الجواب لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضيًا حتى عدوا من الضرورة قوله:
لئن تك قد ضاقت على بيوتكم ** ليعلم ربي أن بيتي أوسع

وأجيب بأن الآية ليست من قبيل ما ذكروه في البيت فإنه مما حذف فيه الجواب رأسًا وهذا مما أقيم مقامه ما يصح جعله جوابًا بحسب الظاهر، وقال أبو حيان: الضمير عائد على من الشرطية ولم يعتبر في الكلام حذفًا أصلًا، والمعنى على ذلك من يتبع الشيطان فإنه يصير رأسًا في الضلال بحيث يكون آمرًا بالفحشاء وهو مبني على اشتراط ضمير في جواب الشرط الاسمي يعود إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه.
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بما من جملته إنزال هاتيك الآيات البينات والتوفيق للتوبة الممحصة من الذنوب وكذا شرع الحدود المكفر لما عدا الردة منها على ما ذهب إليه جمع وأجابوا عن حديث أبي هريرة السابق آنفًا بأنه كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم بذلك {مَا زَكَى} أي ما طهر من دنس الذنوب.
وقرأ روح والأعمش {مَا زَكَى} بالتشديد والإمالة، وكتب {زَكَى} المخفف بالياء مع أنه من ذوات الواو وحقها أن تكتب بالألف، قال أبو حيان: لأنه قد يمال أو حملًا على المشدد، ومن قوله تعالى: {مّنكُمْ} بيانية، وفي قوله سبحانه: {مّنْ أَحَدٍ} سيف خطيب و{أَحَدٌ} في حيز الرفع على الفاعلية على القراءة الأولى وفي محل النصب على المفعولية على القراءة الثانية والفاعل عليها ضميره تعالى أي ما زكى الله تعالى منكم أحدًا {أَبَدًا} لا إلى غاية {ولكن الله يُزَكّى} يظهر {مَن يَشَاء} من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه وحمله على التوبة وقبولها منه كما فعل سبحانه بمن سلم عن داء النفاق ممن وقع في شرك الإفك منكم.
{والله سَمِيعٌ} مبالغ في سمعه الأقوال التي من جملتها ما أظهروه من التوبة {عَلِيمٌ} بجميع المعلومات التي من جملتها نياتهم، وفيه حث لهم على الإخلاص في التوبة، وإظهار الاسم الجليل للإيذان باستدعاء الألوهية للسمع والعلم مع ما فيه من تأكيد الاستقلال التذييلي.
{وَلاَ يَأْتَلِ} أي لا يحلف افتعال من الألية.
وقال أبو عبيدة واختاره أبو مسلم: أي لا يقصر من الألو بوزن الدلو والألو بوزن العتو، قيل: والأول أوفق بسبب النزول وذلك أنه صح عن عائشة وغيرها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه حلف لما رأى براءة ابنته أن لا ينفق على مسطح شيئًا أبدًا وكان من فقراء المهاجرين الأولين الذين شهدوا بدرًا وكان ابن خالته، وقيل: ابن أخته رضي الله تعالى عنه فنزلت {وَلاَ يَأْتَلِ} الخ وهذا هو المشهور.
وعن محمد بن سيرين أن أبا بكر حلف لا ينفق على رجلين كانا يتيمين في حجره حيث خاضا في أمر عائشة أحدهما مسطح فنزلت، وعن ابن عباس، والضحاك أنه قطع جماعة من المؤمنين منهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه منافعهم عمن قال في الإفك وقالوا: والله لا نصل من تكلم فيه فنزلت، وقرأ عبد الله بن عباس بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم {يتال} مضارع تالى بمعنى حلف، قال الشاعر:
تالى ابن أوس حلفة ليردني ** إلى نسوة لي كأنهن مقائد

وهذه القراءة تؤيد المعنى الأول ليأتل {يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ} أي الزيادة في الدين {والسعة} أي في المال {أَن يُؤْتُواْ} أي على أن لا يؤتوا أو كراهة أن يؤتوا أو لا يقصروا في أن يؤتوا.
وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهسم {تُؤْتُواْ} بتاء الخطاب على الالتفات.
{أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين في سَبِيلِ الله} صفات لموصوف واحد بناء على ما علمت من أن الآية نزلت على الصحيح بسبب حلف أبي بكمر أن لا ينفق على مسطح وهو متصف كمما سمعت بها فالعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الموصوفات، والجمع وإن كان السبب خاصًا لقصد العموم وعدم الاكتفاء بصفة للمبالغة في إثبات استحقاق مسطح ونحوه الايتاء فإن من اتصف بواحدة من هذه الصفات إذا استحقه فمن جمعها بالطريق الأولى، وقيل: هي لموصوفات أقيمت هي مقامها وحذف المفعول الثاني لغاية ظهوره أي أن يؤتوهم شيئًا {وَلْيَعْفُواْ} ما فرط منهم {وَلْيَصْفَحُواْ} بالإغضاء عنه، وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد {ولتعفوا ولتصفحوا} بتاء الخطاب على وفق قوله تعالى: {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أي بمقابلة عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} مبالغ في المغفرة والرحمة مع كمال قدرته سبحانه على المؤاخذة وكثرة ذنوب العباد الداعية إليها، وفيه ترغيب عظيم في العفو ووعد كريم بمقابلته كأنه قيل: ألا تحبون أن يغفر الله لكم فهذا من موجباته، وصح أن أبا بكر لما سمع الآية قال: بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا وأعاد له نفقته، وفي رواية أنه صار يعطيه ضعفي ما كان يعطيه أولًا، ونزلت هذه الآية على ما أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بعد أن أقبل مسطح إلى أبي بكر معتذرًا فقال: جعلني الله تعالى فداك والله الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ما قذفتها وما تكلمت بشيء مما قيل لها أي خال فقال أبو بكر: ولكن قد ضحكت وأعجبك الذي قيل فيها فقال مسطح: لعله يكون قد كان بعض ذلك، وفي الآية من الحث على مكارم الأخلاق ما فيها.
واستدل بها على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه لأنه داخل في أولي الفضل قطعًا لأنه وحده أو مع جماعة سبب النزول، ولا يضر في ذلك عموم الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر، ولا حاجة إلى دعوى أنها فيها خاصة والجمع للتعظيم، وكونه مخصوصًا بضمير المتكلم مردود على أن فيها من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيها، وأجاب الرافضة بأن المراد بالفضل الزيادة في المال، ويرد عليه أنه حينئذ يتكرر مع قوله سبحانه {والسعة} وادعى الإمام أنها تدل على أن الصديق رضي الله تعالى عنه أفضل جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبين ذلك بما هو بعيد عن فضله، وذكر أيضًا دلالتها على وجوه من مدحه رضي الله تعالى عنه وأكثرها للبحث فيها مجال، واستدل بها على أن ما لا يكون ردة من المعاصي لا يحبط العمل وإلا لما سمى الله تعالى مسطحًا مهاجرًا مع أنه صدر منه ما صدر، وعلى أن الحلف على ترك الطاعة غير جائز لأنه تعالى نهى عنه بقوله سبحانه: {لا يَأْتَلِ} ومعناه على ما يقتضيه سبب النزول لا يحلف، وظاهر هذا حمل النهي على التحريم، وقيل: هو للكراهة، وقيل: الحق أن الحلف على ترك الطاعة قد يكون حرامًا، وقد يكون مكروهًا، فالنهي هنا لطلب الترك مطلقًا وفيه بحث.
وذكر جمهور الفقهاء أنه إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه كما جاء في الحديث، وقال بعضهم: إذا حلف فليأت الذي هو خير وذلك كفارته كما جاء في حديث آخر.
وتعقب بأن المراد من الكفارة في ذلك الحديث تكفير الذنب لا الكفارة الشرعية التي هي بإحدى الخصال. اهـ.