فصل: ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فثال الحيّان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتى سكتوا ونزل وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويومًا حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلس- ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء- فتشهّد حين جلس ثم قال: «أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه» فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه بقطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال!! قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال!! قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله. قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، فقلت: إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثًا تحدّث الناس به، واستقرَّ في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ، واللَّهُ يعلم أني منه بريئة لتصدقُنَّني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلًا إلاّ أبا يوسف إذ قال {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله تعالى في شأني وحيًا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله تعالى فيّ كلامًا يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها.
فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من البيت، حتى أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، فسرّي عنه وهو يضحك... فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: «يا عائشة احمدي الله تعالى فإنه قد برأك».
فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحمديه فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله تعالى، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين جَاءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} [النور: 11] الآيات العشر.
فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعدما قال لعائشة فأنزل الله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة} إلى قوله: {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فقال أبو بكر رضي الله عنه: بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجَّع إلى مسطح النفقة التي كان يجري عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: «يا زينب ما علمت وما رأيت»؟ فقالت يا رسول الله: أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرًا قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى بالورع. قالت: فطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط. رواه البخاري ومسلم.
وهكذا يظهر لنا خطر النفاق والمنافقين، وتآمرهم على الإسلام، وكيدهم لصاحب الرسالة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، حيث استهدفوا عرضه وكرامته، وأرادوا أن يلوّثوا سمعته الطاهرة، بالطعن في عفاف زوجه الصدّيقة عائشة رضي الله عنها... ولكنّ الله جلّ ثناؤه كشف خبثهم وتآمرهم، وبرّأ أم المؤمنين من ذلك البهتان العظيم، وجعل ذلك درسًا للأجيال وعبرة لأولي البصائر، وعنوان مجد وفخار لزوجاته الطاهرات، ودليل طهر ونزاهة لبيت النبوة الكريم {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- وصفُ المرء بالتقى والصلاح جائز إذا لم يدع ذلك إلى العُجب والخيلاء.
2- إذا حلف الإنسان على ترك فعل الخير فليكفّر عن يمينه وليفعل الخير.
3- الصفح والعفو عمن أساء من مظاهر الكمال ودلائل الإيمان.
4- قذف العفائف المحصنات من الكبائر التي توجب سخط الله وغضبه.
5- الجوارح والحواس تشهد على الإنسان يوم القيامة بما عمل في الدنيا.
6- الجزاء العادل يلقاه المرء يوم القيامة على ما اقترف من سيِّئ الأعمال.
7- اتهام زوجات الرسول الطاهرات إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدوان على الدين نفسه.
8- براءة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها أهل الإفك والبهتان.
9- بيت النبوة بيت الطهر والعفة فلا يتصور أن تخرج منه رائحة الخنا أو الفجور.
10- السُنّة الإلهية قضت بالامتزاج الروحي فالنساء الخبيثات للرجال الخبيثين والعكس بالعكس. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {الخبيثات} قال من الكلام {للخبيثين} قال: من الرجال {والخبيثون} من الرجال {للخبيثات} من الكلام {والطيبات} من الكلام {للطيبين} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من الكلام. نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد في قوله: {الخبيثات} قال من الكلام {للخبيثين} من الناس {والخبيثون} من الناس {للخبيثات} من الكلام {والطيبات} من الكلام {للطيبين} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من الكلام {أولئك مبرأون مما يقولون} قال: من كان طيبًا فهو مبرأ من كل قول خبيث لقوله يغفر الله له. ومن كان خبيثًا فهو مبرأ من كل قول صالح يقوله يرده الله عليه لا يقبله منه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني عن قتادة في قوله: {الخبيثات} قال: من القول والعمل {للخبيثين} من الناس {والخبيثون} من الناس {للخبيثات} من القول والعمل {والطيبات} من القول والعمل {للطيبين} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من القول والعمل {لهم مغفرة} لذنوبهم {ورزق كريم} هو الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {للخبيثات} قال: من الكلام {والطيبات} من الكلام {للطيبين} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من الكلام وهؤلاء {مبرأون مما} يقال لهم من السوء يعني عائشة.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن الضحاك وإبراهيم. مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء {الخبيثات} قال: من القول {للخبيثين} من الناس {والخبيثون} من الناس {للخبيثات} من القول {والطيبات} من القول {للطيبين} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من القول. ألا ترى أنك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه، ولا من شيمه، ولا مما يقول. قال الله {أولئك مبرأون مما يقولون} أن يكون ذلك من شيمهم، ولا من أخلاقهم، ولكن الزلل قد يكون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى الجزار قال: جاء أسير بن جابر إلى عبد الله فقال: قد سمعت الوليد بن عقبة اليوم تكلم بكلام اعجبني فقال عبد الله: إن الرجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها، فيسمعها رجل عنده مثلها، فيضمها إليها. وإن الرجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها، فيسمعها الرجل الذي عنده مثلها، فيضمها إليها. ثم قرأ عبد الله {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في قوله: {الخبيثات للخبيثين} قال: نزلت عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبًا، وكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، فكانت أولى أن يكون لها الطيب، وفي قوله: {أولئك مبرأون مما يقولون} قال: هاهنا برئت عائشة.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: لقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة وأجرًا عظيمًا.
وأخرج الطبراني عن ذكوان حاجب عائشة قال: دخل ابن عباس على عائشة فقال: ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمدًا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله، ولم يكن يحب رسول الله إلا طيبًا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأنزل الله أن {تيمموا صعيدًا طيبًا} [النساء: 43] وكان ذلك بسببك، وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح وليس مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار قالت: دعني منك يا ابن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيًا منسيًا.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا كان يوم القيامة حد الله الذين قذفوا عائشة ثمانين ثمانين على رؤوس الخلائق، فيستوهب ربي المهاجرين منهم، فاستأمرك يا عائشة، فسمعت عائشة الكلام وهي في البيت فبكت ثم قالت: والذي بعثك بالحق نبيًا، لَسُرُورُكَ أحب إليّ من سروري، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا وقال: «إنها ابنة أبيها».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام».
وأخرج الحاكم عن الزهري قال: إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام.
وأخرج الحاكم عن الزهري قال: لو جمع علم الناس كلهم، ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكانت عائشة أوسعهم علمًا.
وأخرج الحاكم عن عروة قال ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة رضي الله عنها.
وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال: ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة رضي الله عنها.
وأخرج أحمد في الزهد والحاكم عن الأحنف قال: سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخطباء هلم جرا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من عائشة رضي الله عنها.
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم عن مسروق أنه سئل أكانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال: لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وأخرج الحاكم عن عطاء قال: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم البطين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عائشة زوجتي في الجنة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: خلال فيَّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران. والله ما أقول هذا لكي أفتخر على صواحبي قيل: وما هن؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأهديت إليه وأنا بنت تسع سنين، وتزوجني بكرًا لم يشركه فيَّ أحدٌ من الناس، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن، ورأيت جبريل لم يره أحد من نسائه غيري، وقبض لم يله أحد غير الملك وأنا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إن جبريل يقرأ عليك السلام» قالت عائشة: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق أبي بكر محمد بن عمر البغدادي الحنبلي عن أبيه، ثنا محمد بن الحسن الكاراني، حدثني إبراهيم الخرجي قال: ضاق بي شيء من أمور الدنيا، فدعوت بدعوات يقال لها دعاء الفرج فقلت: وما هي؟ فقال: حدثني أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل، حدثني سفيان بن عيينة، ثنا محمد بن واصل الأنصاري، عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسًا عند أم المؤمنين عائشة لأقر عينيها بالبراءة وهي تبكي فقالت: والله قد هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة، وما عرض عليَّ طعام ولا شراب، فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة، فرأيت في منامي فتى فقال لي: ما لك فقلت: حزينة مما ذكر الناس فقال: ادعي بهذه يفرج عنك فقلت: وما هي؟ فقال: قولي يا سابغ النعم، ودافع النقم، ويا فارج الغمم، ويا كاشف الظلم، يا أعدل من حكم، يا حسيب من ظلم. يا ولي من ظلم، يا أول بلا بداية، ويا آخر بلا نهاية، يا من له اسم بلا كنية، اللهم اجعل لي من أمري فرجًا، ومخرجًا، قالت: فانتبهت وأنا ريانة شبعانة، وقد أنزل الله منه فرجي قال ابن النجار: خبر غريب. اهـ.