فصل: الحكم الثامن: ما هي الحالات التي يباح فيها الدخول بدون إذن؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثامن: ما هي الحالات التي يباح فيها الدخول بدون إذن؟

ظاهر الآية يدل على النهي عن دخول البيوت بغير إذن في جميع الأزمان والأحوال ولكن يستثنى منه الحالات التي تقضي بها الضرورة وهي حالات اضطرارية تبيح الدخول بغير إذن وذلك إذا عَرَض أمر في دار من حريق، أو هجوم سارق، أو ظهور منكر فاحش، فإنَّ لمن يعلم ذلك أن يدخلها بغير إذن أصحابها كما نبه على ذلك الفخر الرازي في تفسيره الشهير.

.الحكم التاسع: هل يجب الاستئذان على الطفل الصغير؟

أحكام الاستئذان خاصة بالبالغين من الرجال والنساء، وأما الأطفال فإنهم غير مكلفين بهذه التكاليف الشرعية، وليس هناك محظور يخشى من جانبهم لأنهم لا يدركون أمور العورة، ولا يعرفون العلاقات الجنسية فيجوز لهم الدخول بدون إذن إلا إذا بلغوا مبلغ الرجال لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 59].
وهناك أوقات ثلاثة يجب على الأطفال الاستئذان فيها وهي: وقت الفجر، ووقت الظهيرة، ووقت العشاء كما سيأتي إن شاء الله.

.الحكم العاشر: لو اطلع إنسان على دار غيره بغير إذنه فما الحكم؟

اختلف الفقهاء في مسألة هامة تتعلق بالنظر وهي: إذا رأى أهل الدار أحدًا يطلع عليهم من ثقب الباب فطعن أحدهم عينه فقلعها، فهل يجب القصاص؟ وما الحكم؟
1- ذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى أنه لو فقئت عينه فهي هدر ولا قصاص.
2- وذهب مالك وأبو حنيفة إلى القول بأنها جناية يجب فيها الأرش أو القصاص.
دليل الشافعية والحنابلة:
أ- حديث أبي هريرة من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه.
ب- حديث سهل بن سعد قال: اطَّلع رجل في حُجْرة من حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي مِدْرَى آلة رفيعة من الحديد يحك بها رأسه فقال: «لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر».
دليل المالكية والأحناف:
أ- عموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] فمن أقدم على هذا النحو كان جانبًا، وعليه القصاص، إن كان عامدًا، والأرش إن كان مخطئًا.
ب- واستدلوا بإجماع العلماء على أن من دخل دارًا بغير إذن أهلها فاعتدى عليه بعض أهلها بقلع عينه فإن ذلك يعتبر جناية تستوجب القصاص.
قالوا: فإذا كان دخول الدار واقتحامها على أهلها مع النظر إلى ما فيها غير مبيح لقلع عين ذلك الداخل، فلا يكون النظر وحده من ثقب الباب مبيحًا لقلع عينه من باب أولى.
ج- وتأولوا الحديث الذي استدل به الشافعية والحنابلة على أنّ من اطَّلع في دار قوم ونظر إلى حُرَمهم ونسائهم فمونع فلم يمتنع وقاوم وقاتل فقلعت عينه بسبب المقاومة والمدافعة فهي هدر، لأنه ظالم معتد في هذه الحالة.
قال أبو بكر الرازي:
والفقهاء على خلاف ظاهر الحديث وهذا من أحاديث أبي هريرة التي تُرَدّ لمخالفتها الأصول مثل ما روي أن ابن الزنى لا يدخل الجنة، ومن غسّل ميتًا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ.. ثم قال: ولا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامنًا وعليه القصاص... إلخ.
قال الفخر الرازي من فقهاء الشافعية وصاحب التفسر المسمى التفسير الكبير:
واعلم أن التمسك بقوله تعالى: {والعين بالعين} [المائدة: 45] في هذه المسالة ضعيف.
وأما قوله: إنه لو دخل لم يجز فقأ عينه فكذا إذا نظر. قلنا: الفرق بين الأمرين ظاهر، لأنه إذا دخل علم القوم دخوله عليهم فاحترزوا عنه وتستَّروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطَّلع على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ هاهنا في الزجر حسمًا لباب هذه المفسدة.
أقول: ولعلّ ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أرجح، لقوة أدلتهم والله تعالى أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولًا- وجوب الاستئذان عند دخول ببيت الغير.
ثانيًا- حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد.
ثالثًا- وجوب الرجوع إذا لم يؤذن للداخل.
رابعًا- السلام مشروع للزائر لأنه من شعائر الإسلام.
خامسًا- لا يجوز لإنسان أن يطلع على عورات الناس.
سادسًا- البيوت إذا لم تكن مسكونة فلا حرج من دخولها.
سابعًا: على المسلم أن يرعى حرمة أخيه المسلم فلا يؤذيه في نفسه أو ماله.
ثامنًا- في هذه الآداب التي شرعها الله طهارة للمجتمع والأفراد. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}.
أخرج الفريابي وابن جرير من طريق عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: قالت امراة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد لا ولد ولا والد، فيأتيني الآتي فيدخل علي، فكيف أصنع؟ ولفظ ابن جرير: وانه لا يزال يدخل عليَّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم} الآية.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان والضياء في المختارة من طرق ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} قال: أخطأ الكاتب إنما هي حتى تستأذنوا.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن إبراهيم قال: في مصحف عبد الله {حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال: هي في قراءة أبي {حتى تسلموا وتستأذنوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حتى تستأنسوا} قال: حتى تستأذنوا.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الاستئناس. الاستئذان.
وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم والترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال: قلت يا رسول الله أرأيت قول الله {حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة، وتكبيرة، وتحميدة، ويتنحنح، فيؤذن أهل البيت.
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاستئناس أن تدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {حتى تستأنسوا} قال: تنحنحوا وتنخموا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والبيهقي في سننه من طريق ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقيل له: قل السلام عليكم. أأدخل؟.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن سعد الثقفي أن رجلًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: «قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن فقولي له يقول السلام عليكم. أأدخل؟».
وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق كلدة؛ أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبن وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال: فدخلت عليه ولم أسلم، ولم استأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فقل السلام عليكم. أأدخل؟».
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام على رسول الله السلام عليكم. أيدخل عمر؟
وأخرج ابن وهب في كتاب المجالس وابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: أرسلني أبي إلى ابن عمر فجئته فقلت: أألج؟ فقال: ادخل. فلما دخلت قال: مرحبًا يا ابن أخي لا تقل أألج؟ ولكن قل السلام عليكم، فإذا قالوا وعليك فقل: أأدخل؟ فإن قالوا ادخل فأدخل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم أياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة فقلت: ندخل فقالت: لا. فقالت واحدة: السلام عليكم. أندخل؟ قالت: ادخلوا ثم قالت {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}.
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السلام قبل الكلام».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة؛ فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: لا يؤذن له حتى يبدأ بالسلام.
وأخرج البخاري في الأدب عن أبي هريرة قال: إذا دخل ولم يقل السلام عليكم فقل: لا.. حتى تأتي بالمفتاح.
واخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس تكلم ورفع صوته.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن مسعود قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم واخواتكم.
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل البصر فلا اذن له».
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستئذان في البيوت فقال «من دخلت عينه قبل أن يستأذن ويسلم فقد عصى الله، ولا أذن له».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من كان يشهد أني رسول الله فلا يدخل على أهل بيت حتى يستأنس ويسلم، فإذا نظر في قعر البيت فقد دخل».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في شعب الإِيمان عن هذيل قال: جاء سعد فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن، فقام على الباب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هكذا عنك فإنما الإِستئذان من النظر».
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود عن عبد الله بن بشر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الايسر، ويقول: السلام عليكم السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.