فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفقيه الإمام القاضي: ولا وجه لهذا التخصيص عندي وباقي الآية بين وظاهره والتوعد، وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات} الآية أمر الله تعالى النساء في هذه الآية بغض البصر عن كل ما يكره من جهة الشرع النظر إليه، وفي حديث أم سلمة قالت: كنت أنا وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم فقال النبي عليه السلام «احتجبن» فقلنا: أعمى، فقال النبي عليه السلام «أفعمياوان أنتما؟» و{من} تحتمل ما تقدم في الأولى، وحفظ الفروج يعم الفواحش وستر العورة وما دون ذلك مما فيه حفظ، وأمر الله تعالى بأن {لا يبدين زينتهن} للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، فاختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود ظاهر الزينة هو الثياب، وقال سيعد ين جبير الوجه والثياب، وقال سعيد بن جبير أيضًا وعطاء والأوزاعي الوجه والكفان والثياب، وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس، وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آخر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر لي في محكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه فغالب الأمر أن الوجه بما فيه والكفين يكثر فيهما الظهور، وهو الظاهر في الصلاة، ويحسن بالحسنة الوجه أن تستره إلا من ذي حرمة محرمة ويحتمل لفظ الآية أن الظاهر من الزينة لها أن تبديه ولكن يقوي ما قلناه الاحتياط ومراعاة فساد الناس فلا يظن أن يباح للنساء من إبداء الزينة إلا ما كان بذلك الوجه والله الموفق للصواب برحمته، وقرأ الجمهور {ولْيضربن} بسكون اللام التي هي للأمر، وقرأ أبو عمر في رواية عباس عنه و{لِيضربن} بكسر اللام على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر في ليذهب وليضرب، وإنما تسكينها كتسكين عضد وفخذ، وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة سدلنها من وراء الظهر قال النقاش كما يصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك فأمر الله تعالى ب الخمار على الجيوب وهيئة ذلك يستر جميع ما ذكرناه، وقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله المهاجرات الأول لما نزلت هذه الآية عمدن إلى أكثف المروط فشققنها أخمرة وضربن بها على الجيوب. ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك فشقته عليها وقالت إنما يضرب بالكثيف الذي يستر، ومشهور القراءة ضم الجيم من {جُيوبهن} وقرأ بعض الكوفيين بكسرها بسبب الياء كقراءتهم ذلك في بيوت وشيوخ ذكره الزهراوي.
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}.
المعنى في هذه الآية ولا يقصدن ترك الإخفاء للزينة الباطنة كالخلخال والأقراط ونحوه ويطرحن مؤونة التحفظ إلا مع من سمي وبدأ تعالى ب البعولة وهو الأزواج لأن إطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنى به المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ولكنهم تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوحها، وتختلف مراتب ما يبدي لهم فيبدي للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج، وقوله: {أو نسائهن} يعني جميع المؤمنات فكأنه قال أو صنفهن، ويدخل في هذا الإماء المؤمنات ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة: أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين فامنع من ذلك وحل دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة.
قال فعند ذلك قام أبو عبيدة فابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه. وقوله: {أو ما ملكت أيمانهن} يدخل فيه الإماء الكتابيات ويدخل فيه العبيد عند جماعة من أهل العلم، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقال ابن عباس وجماعة من العلماء لا يدخل العبد على سيدته فيرى شعرها ونحو ذلك إلا أن يكون وغدًا، فمنعت هذه الفرقة الكشف بملك اليمين وأباحته بأن يكون من {التابعين غير أولي الإربة} وفي بعض المصاحف {ملكت أيمانكم} فيدخل فيه عبدالغير، وقوله: {أو التابعين} يريد الأتباع ليطعموا المفسول من الرجال الذين لا إربة لهم في الوطء فهي شرطان، ويدخل في هذه الصفة المجبوب والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمن الموقوذ بزمانته ونحو هذا هو الغالب في هذه الأصناف، ورب مخنث لا ينبغي أن يكشف، ألا ترى إلى حديث هند، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشفه على النساء لما وصف بادنة بنت غيلان بن معتب، وتأمل ما روي في أخبار الدلال المخنث وكذلك الحمقى والمعتوهون فيهم من لا ينبغي أن يكشف، والذي لا إربة له من الرجال قليل و{الإربة} الحاجة إلى الوطء، وعبر عن هذا بعض المفسرين، قال هو الذي يتبعك لا يريد إلا الطعام وما تؤكله، وقرأ عاصم وابن عامر {غيرَ} بالنصب وهو على الحال من الذكر الذي في {التابعين} وقرأ الباقون {غيرِ} بالخفض على النعت ل {التابعين} والقول فيها كقول في {غير المغضوب} [الفاتحة: 7] وقوله: {أو الطفل} اسم جنس بمعنى الجمع ويقال طفل ما لم يراهق الحلم، و{يظهروا} معناه يطلعون بالوطء، والجمهور على سكون الواو من {عوْرات} وروي عن ابن عامر فتح الواو، وقال الزجاج الأكثر سكون الواو، كجوزات وبيضات لثقل الحركة على الواو والياء، ومن قرأ بالفتح فعلى الأصل في فعلة وفعلات.
{وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
أسند الطبري عن المعتمر عن أبيه قال: زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة واتخذت جزعًا فجعلت في ساقيها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية، وسماع هذه الزينة أشد تحريكًا للشهوة من إبدائها، ذكره الزجاج، قال مكي رحمه الله ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه جمعت خمسة وعشرين ضميرًا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع، وقرأ عبد الله بن مسعود {ليعلم ما سر من زينتهن} ثم أمر عز وجل بالتوبة مطلقة وقد قيد توبة الكفار بالإخلاص وبالانتهاء في آية أخرى، وتوبة أهل الذمة بالتبيين، يريد لأمر محمد عليه السلام وأمر بهذه التوبة مطلقة عامة من كل شيء صغير وكبير، وقرأ الجمهور {أيُّهَ} بفتح الهاء، وقرأ ابن عامر {أيُّهَ} بضم الهاء ووجهه أن تجعل الهاء كأنها من نفس الكلمة فيكون إعراب المنادى فيها، وضعف أبو علي ذلك جدًا، وبعضهم يقف {أية} وبعضهم يقف {أيها} بالألف، وقوى أبو علي الوقف بالألف لأن علة حذفها في الوصل إنما هي سكونها وسكون اللام فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على.
{محلي} [المائدة: 1] من قوله: {غير محلي الصيد} [المائدة: 1]، والاختلاف الذي ذكرناه في {أيه المؤمنون} كذلك هو في {أيه الساحر} [الزخرف: 49] و{أيه الثقلان} [الرحمن: 31]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}.
في {من} قولان:
أحدهما: أنها صلة.
والثاني: أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقًا، وإنما أمروا بالغض عما لا يحلُّ.
وفي قوله: {ويحفظوا فروجهم} قولان:
أحدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور.
والثاني: عن أن تُرى، فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية وابن زيد.
قوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى الغض وحفظ الفروج {أزكى لهم} أي: خير وأفضل {إن الله خبير بما يصنعون} في الأبصار والفروج ثم امر النساء بما امر به الرجال.
قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم.
وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهرةٌ وهي المشار إليها بقوله: {إلا ما ظهر منها} وفيه سبعة أقوال.
أحدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء.
والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه.
والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة.
والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد.
والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن.
والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك.
قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه احمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فإن كان لعذر مثل أن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.
فإن قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها.
فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه.
قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن} وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها، والمعنى: وليُلْقِين مَقانِعَهن {على جيوبهن} ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن.
وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: {على جِيوبهن} بكسر الجيم، {ولا يبدين زينتهن} يعني: الخفية وقد سبق بيانها {إلا لبعولتهن} قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.
قوله تعالى: {أو نسائهن} يعني: المسلمات.
قال أحمد: لا يحل للمسلمة أن تكشف راسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبِّلان المسلمة.
قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانهن} قال اصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد.
وقال أصحاب الشافعي: يدخل فيه العبيد، فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأن مذهب الشافعي أنه مَحْرم لها، وعندنا أنه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقد نص أحمد على أنه لايجوز أن ينظر إلى شعر مولاته.
قال القاضي أبو يعلى: وإنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء، لأن الذين تقدم ذكرهم احرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال.
قوله تعالى: {أو التابعين} وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، او لأنهم نشؤوا فيهم.
وللمفسرين في هذا التابع ستة اقوال:
أحدهما: أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، قاله قتادة، وكذلك قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء.
والثاني: أنه العنين، قاله عكرمة.
والثالث: المخنث كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن، قاله الحسن.
والرابع: أنه الشيخ الفاني.
والخامس: أنه الخادم، قالهما ابن السائب.
والسادس: أنه الذي لا يكترث بالنساء، إما لكبر أو لهرم أو لصغر، ذكره ابن المنادي من أصحابنا.
قال الزجاج: {غير} صفة للتابعين.
وفيه دليل على أن قوله: {أو ما ملكت أيمانهن} معناه: {غير أولي الإربة من الرجال} والمعنى: ولا يبدين زينتهن لمماليكهن ولا لتُبَّاعِهن إلا أن يكونوا غير أولي الإربة، والإربة: الحاجة ومعناه: غير ذوي الحاجات إلى النساء.
قوله تعالى: {أو الطِّفْل} قال ابن قتيبة: يريد ألأطفال، بدليل قوله: {لم يظهروا على عورات النساء} أي: لم يعرفوها.
قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن} أي: باحدى الرجلين على الأخرى، ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين. اهـ.