فصل: لطائف التفسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: السر في تقديم غض البصر على حفظ الفروج هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور وهو مقدمة للوقوع في المخاطر كما قال الحماسي:
وكنتَ إذا أرسلت طرفك رائدًا ** لقلبك يومًا أتعبتك المناظر

رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ ** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ولأنّ البلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وهو الباب الأكبر الذي يوصل إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته. ولله در شوقي:
نظرة فابتسامة فسلام ** فكلام فموعد فلقاء

وقد قال أحد الأدباء:
وما الحب إلا نظرة إثر نظرةٍ ** تزيد نموًا إن تزده لَجَاجا

اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} المراد غض البصر عما حرم الله، لا غضّ البصر عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاء بفهم المخاطبين وهو من باب الإيجاز بالحذف.
اللطيفة الثالثة: قال العلامة الزمخشري: فإن قلت كيف دخلت {من} التي هي للتبعيض في غضّ البصر دون حفظ الفرج؟ قلت: لأن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثُديِّهن، وأما أمر الفرج فمضيّق وكفاك فرقًا أن أبيح النظر إلا ما استثني فيه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {أزكى لَهُمْ} أفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإنما هو للمبالغة أي أن غض البصر وحفظ الفرج طهرة للمؤمن من دنس الرذائل أو نقول المفاضلة على سبيل الفرض والتقدير.
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} المراد بالزينة مواقعها من باب اطلاق اسم الحال على المحل كقوله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] المراد بها الجنة لأنها مكان الرحمة وإذا نهي عن إبداء الزينة فالنهي عن إبداء أماكنها من الجسم يكون من باب أولى.
قال الزمخشري: وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكنًا في الحظر ثابت القدم في الحرمة.
اللطيفة السادسة: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} في لفظ الضرب مبالغة في الصيانة والتستر وقد عدى اللفظ ب {على} لأنه ضُمِّن معنى الإلقاء ويكون المراد أن تسدل وتلقي بالخمار على صدرها لئلا يبدوا شيء من النحر والصدر.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ} قال أبو السعود: مفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلًا على دلالة جوابه عليه أي قل لهم غضوا يغضوا من أبصارهم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن المؤمن يسارع إلى تنفيذ أمر الله فهو لا يحتاج إلا إلى تذكير.
اللطيفة الثامنة: قال بعض العلماء: كما يكون التلذُّذ بالنظر يكون بالسمع أيضًا وقد قيل والأذن تعشق قبل العين أحيانًا وهذا هو السر في نهي المرأة عن الضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك شهوة الرجال.
وقد دل على أن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ في الزجر. وعلى أن كل ما يحرك الشهوة أو يثيرها منهي عنه، كالتعطر، والتطيب، والتبختر في المشية. والتلاين في الكلام {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] وقيل: إذا نهي عن استماع صوت حليهن، فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهو استدلال لطيف.
اللطيفة التاسعة: قوله تعالى: {وتوبوا إِلَى الله} هو من باب الالتفات وتلوين الخطاب فقد كان الكلام في صدر الآية موجهًا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم صرف عن الرسول إلى الجميع بطريق الالتفات.
اللطيفة العاشرة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: في غض البصر فوائد عديدة أحدها: امتثال أمر الله الذي هو غاية السعادة. ثانيها: أنه يمنع وصول أثر السهم لمسموم. ثالثها: أنه يقوي القلب ويفرحه. رابعها: أنه يورث في القلب أنسًا في الله واجتماعًا عليه. خامسها: أنه يكسب القلب نورًا. سادسها: أنه يورث الفراسة الصادقة. سابعها: أنه يسد على الشيطان مداخله ثامنها: أنَّ بين العين والقلب منفذًا يوجب انفعال أحدهما بالآخر.
وقد أحسن من قال:
قالوا جُننتَ بمن تهوى فقلت لهم ** العشقُ أعظم ممَّا بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهرّ صاحبه ** وإنّما يُصرع المجنون في الحين

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هو حكم النظر إلى الأجنبيات؟

حَرَّمت الشريعة الإسلامية النظر إلى الأجنبيات فلا يحل لرجل أن ينظر إلى امرأة غير زوجته أو محارمه من النساء. أما نظرة الفجأة فلا إثم فيها ولا مؤاخذة لأنها خارجة عن إرادة الإنسان، فلم يكلفنا الله جل ثناؤه ما لا نطيق ولم يأمرنا أن نعصب أعيننا إذا مشينا في الطريق، فالنظرة إذا لم تكن بقصد لا مؤاخذة فيها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. والنظرة المفاجئة إنما تكون في أول وهلة ولا يحل لأحد إذا نظر إلى امرأة نظرة مفاجئة وأحس منها اللذة والاجتلاب أن يعود إلى النظرة مرة ثانية فإنْ ذلك مدعاة إلى الفتنة وطريق الفاحشة وقد عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بزنى العين؛ فقد ورد في الصحيحين: «كُتِبَ على ابن آدم حظُه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر وزنى اللسان النطق، وزنى الأذنيين الاستماع، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين الخُطى، والنفس تمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه».
والمؤمن يؤجر على غض البصر لأنه كف عن المحارم وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها». وعدَّه صلى الله عليه وسلم من حقوق الطريق ففي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا يا رسول الله: ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، قال: غضُّ البصر، وكف الأذى ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

.الحكم الثاني: ما هو حد العورة بالنسبة للرجل والمرأة؟

أشارة الآية الكريمة {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} إلى وجوب ستر العورة فإن حفظ الفرج كما يشمل حفظه عن الزنى، يشمل ستره عن النظر، يشمل ستره عن النظر، كما بيناه فيما سبق وقد اتفق الفقهاء على حرمة كشف العورة ولكنهم اختلفوا في حدودها وسنوضح ذلك بالتفصيل إن شاء الله مع أدلة كل فريق فنقول ومن الله نستمد العون:
1- عورة الرجل مع الرجل.
2- عورة المرأة مع المرأة.
3- عورة الرجل مع المرأة وبالعكس.
أما عورة الرجل مع الرجل: فهي من السرة إلى الركبة فلا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل فيما بين السرة والركبة وما عدا ذلك فيجوز له النظر إليه. وقد قال النبي «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة». وجمهور الفقهاء على أن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة كما صحّ في الأحاديث الكثيرة، وقال مالك رحمه الله: الفخذ ليس بعورة: ومما يدل لقول الجمهور ما روي عن جرهد الأسلمي وهو من أصحاب الصفة أنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة فقال: «أما علمت أن الفخذ عورة».
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لا تبرز فخذك» وفي رواية «لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» بل إنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتعرى المرء ويكشف عورته حتى إذا لم يكن معه غيره فقال: «إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يُفْضي الرجل إلى أهله».
وأما عورة المرأة مع المرأة: فهي كعورة الرجل مع الرجل أي من السرة إلى الركبة ويجوز النظر إلى ما سوى ذلك ما عدا المرأة الذمية أو الكافرة فلها حكم خاص سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما عورة الرجل بالنسبة للمرأة: ففيه تفصيل فإن كان من المحارم ك الأب والأخ والعم والخال فعورته من السرة إلى الركبة. وإن كان أجنبيًا فكذلك عورته من السرة إلى الركبة. وقيل جميع بدن الرجل عورة فلا يجوز أن تنظر إليه المرأة وكما يحرم نظرة إليها يحرم نظرها إليه والأول أصح، وأما إذا كان زوجًا فليس هناك عورة مطلقًا لقوله تعالى: {إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6].
وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل: فجميع بدنها عورة على الصحيح وهو مذهب الشافعية والحنابلة وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على ذلك فقال: وكل شيء من المرأة عورة حتى الظفر.
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا الوجه والكفين ولكل أدلة سنوضحها بإيجاز إن شاء الله تعالى.
أدلة المالكية والأحناف:
استدل المالكية والأحناف على أن الوجه والكفين ليسا بعورة بما يلي:
أولًا: قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فقد استثنت الآية ما ظهر منها أي ما دعت الحاجة إلى كشفه وإظهاره وهو الوجه والكفان وقد نقل هذا عن بعض الصحابة والتابعين، فقد قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الوجه والكف، وقال عطاء: الكفان والوجه وروي مثله عن الضحاك.
ثانيًا: واستدلوا بحديث عائشة ونصه: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: «يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه.
ثالثًا: وقالوا: مما يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة أن المرأة تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وتكشفهما أيضًا في الإحرام فلو كانا من العورة لما أبيح لها كشفهما لأن ستر العورة واجب لا تصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة.
أدلة الشافعية والحنابلة:
استدل الشافعية والحنابلة على أنّ الوجه والكفين عورة بالكتاب والسنة والمعقول:
أولًا: أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} فقد حرمت الآية الكريمة إبداء الزينة، والزينةُ على قسمين: خلقية، ومكتسبة، والوجه من الزينة الخلقية بل هو أصل الجمال ومصدر الفتنة والإغراء وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلي والكحل والخضاب.. والآية الكريمة منعت المرأة من إبداء الزينة مطلقًا، وحرمت عليها أن تكشف شيئًا من أعضائها أمام الرجال أو تظهر زينتها أمامهم وتأولوا قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المراد ما ظهر بدون قصد ولا عمد مثل أن يكشف الريح عن نحرها أو ساقها أي شيء من جسدها، ويصبح معنى الآية على هذا التأويل ولا يبدين زينتهن أبدًا وهنّ مؤاخذاتٍ على إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها بنفسه وانكشف بغير قصد ولا عمد، فلسن مؤاخذاتٍ عليه فيكون الوجه والكف من الزينة التي يحرم إبذاؤها.
ثانيًا: وأما السنة فما ورد من الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على حرمة النظر منها:
أ- حديث جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: «اصرف نظرك».
ب- حديث علي «يا علي لا تُتْبع النظرةَ النظرةَ، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة».
ج- حديث الخثعمية الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وكان رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا فجاءته امرأة من خثعم تستفيته فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر... الحديث في حجة الوداع.
فجميع هذه النصوص تفيد حرمة النظر إلى الأجنبية، ولا شك أن الوجه مما لا يجوز النظر إليه فهو إذًا عورة.