فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد لاقت هذه الدعوة بدعة كشف الوجه رواجًا بين صفوف كثير من الشباب وخاصة منهم العصريين، لا لأنها دعوة حق ولكن لأنها تلبي داعي الهوى، والهوى محبَّب إلى النفس وتسير مع الشهوة، والشهوة كامنة في كل إنسان، فلا عجب إذًا أن نرى أو نسمع من يستجيب لهذه الدعوة الأثيمة ويسارع إلى تطبيقها بحجة أنها حكم الإسلام وشرع الله المنير.
يقولون: إنها تطبيق لنصوص الكتاب والسنة وعمل بالحجاب الشرعي الذي أمر الله عز وجل به المسلمات في كتابه العزيز، وأنهم يريدون أن يتخلصوا من الإثم بكتمهم العلم.
{إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات والهدى} [البقرة: 159] إلى آخر دعاواهم الطويلة العريضة.
ولست ادري أي إثم يتخلصون منه، وهم يدعون المرأة إلى أن تطرح هذا النقاب عن وجهها وتُسفر عن محاسنها في مجتمع يتأجج بالشهوة ويصطلي بنيران الهوى ويتبجح بالدعارة، والفسق، والفجور؟!
ولقد سبقهم بهذه البدعة المنكرة بعض أهل الهوى من الشعراء حين قال:
قل للمليحة في الخمار المذهب ** أذهبتِ دينَ أخ التُّقى المتعبد

نور الخمار ونور وجهك ساطع ** عجبًا لوجهك كيف لم يتوقد

ولو أن هؤلاء المجدِّدين اقتصرت دعوتهم على النساء العاريات، المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى، اللواتي خالفن تعاليم الإسلام بخلعهن للحجاب فدعوهن إلى التستر والاحتشام وارتداء الجلباب الذي أمرهن به الله عز وجل وقالوا لهن: إن أمر الوجه والكفين فيهما سعة وإن بإمكانهن أن يسترن أجسادهن ويكشفن وجوههن لهان الخطب، وسهل الأمر، وكانت دعوتهم مقبولة لأنها تدرج بالتشريع بطريق الحكمة، ولكنهم يدعون المرأة المؤمنة المحتشمة الساترة لما أمر الله عز وجل ستره، فيزينون لها أن تكشف عن وجهها وتخرج عن حيائها ووقارها فتطرح النقاب تطبيقًا للكتاب والسنة بحجة أن الوجه ليس من العورة؟
وإنه لتحضرني قصة تلك المرأة المؤمنة الطاهرة التي استشهد ولدها في إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة فقيل لها: تبحثين عنه وأنت متنقبة؟ فأجابت بقولها: لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي؟.. عجبًا والله لهؤلاء وأمثالهم أن يدعوا المرأة المسلمة إلى كشف الوجه باسم الدين، وأن يزينوا لها طرح النقاب في مثل هذا العصر الذي فسد رجاله، وفسق شبابه، إلا من رحم الله وكثر فيه الفسق والفجور والمجون.
ونحن نقول لهؤلاء المجدِّدين من أئمة العصر المجتهدين: رويدكم فقد أخطأتم الجادة وتنكبتم الفهم السليم الصحيح للإسلام وأحكامه التشريعية، ونخاطبهم بمنطق العقل والشرع، وكفى بهما حجة وبرهانًا.
لقط شرط الفقهاء- الذين قالوا بأن الوجه ليس بعورة- أمن الفتنة فقالوا: الوجه ليس بعورة، ولكن يحرم كشفه خشية الفتنة، فهل الفتنة مأمونة في مثل هذا الزمان؟
والإسلام قد حرم على المرأة أن تكشف شيئًا من عورتها أمام الأجانب خشية الفتنة، فهل يعقل أن يأمرها الإسلام أن تستر شعرها وقدميها وأن يسمح لها أن تكشف وجهها ويديها؟ وأيهما تكون فيه الفتنة أكبر الوجه أم القدم؟ يا هؤلاء كونوا عقلاء ولا تلبسوا على الخلخال وتتحرك قلوب الرجال أو يبدو شيء من زينتها، فهل يسمح لها أن تشكف عن الوجه الذي هو أصل الجمال ومنبع الفتنة ومكمن الخطر؟.
كلمة العلامة المودودي:
وأختم هذه الكلمة بما ذكره العلامة المودودي في تفسيره لسورة النور حيث قال أمد الله في عمره:
وهذه الجملة في الآية الكريمة {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن، أو ما كان ظاهرًا بنفسه لا يمكن إخفاؤه كالرداء الذي تجلل به النساء ملابسهن يعني الملاءة لأنه لا يمكن إخفاؤه وهو مما يستجلب النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود والحسن البصري.
أما ما يقوله غيرهم إن معنى {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ما يظهره الإنسان على العادة الجارية. ثم هم يدخلون فيه وجه المرأة وكفيها بكل ما عليها من الزينة، أي أنه يصح عندهم أن تزين المرأة وجهها بالكحل والمساحيق والصبغ، ويديها بالحناء والخاتم والأسورة، ثم تمشي في الناس كاشفة وجهها وكفيها... أما نحن فنكاد نعجز عن أن نفهم قاعدة من قواعد اللغة يجوز أن يكون معنى {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ما يُظْهره الإنسان فإن الفرق بين أن يَظْهر الشيء بنفسه، أو أن يُظهره الإنسان بقصده واضح لا يكاد يخفى على أحد، والظاهر من الآية أن القرآن ينهى عن إبداء الزينة ويرخص فيما إذا ظهرت من غير قصد، فالتوسع في حد هذه الرخصة إلى حد إظهارها عمدًا مخالف للقرآن ومخالف للروايات التي يثبت بها أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما كن يبرزن إلى الأجانب سافرات الوجوه، وأن الأمر بالحجاب كان شاملًا للوجه، وكان النقاب قد جعل جزءًا من لباس النساء إلا في الإحرام.
وأدعى إلى العجب أن هؤلاء الذين يبحون للمرأة أن تكشف وجهها وكفها للأجانب، يستدلون على ذلك بأن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة مع أن الفرق كبير جدًا بين الحجاب وستر العورة فالعورة ما لا يجوز كشفه حتى للمحارم من الرجال، وأما الحجاب فهو شيء فوق ستر العورة. انتهى. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.
أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان: إنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا اعجابًا به، فبينا الرجل يمشي إلى جنب حائط ينظر إليها، إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال: والله لا اغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلمه أمري، فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا عقوبة ذنبك» وأنزل الله {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} الآية أي عما لا يحل لهم {ويحفظوا فروجهم} أي عما لا يحل لهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} قال من شهواتهم عما يكره الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} يعني أبصارهم، فمن هنا صلة في الكلام. يعني يحفظوا أبصارهم عما لا يحل لهم النظر إليه، ويحفظوا فروجهم عن الفواحش {ذلك أزكى لهم} يعني غض البصر، وحفظ الفرج.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كل آية يذكر فيها حفظ الفرج، فهو من الزنا إلا هذه الآية في النور {ويحفظوا فروجهم} {ويحفظن فروجهن} فهو أن يراها.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك قلت: يا نبي الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت: إذا كان أحدنا خاليًا قال: الله أحق أن يستحي منه من الناس.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن العلاء بن زياد قال: كان يقال لا تتبعن بصرك حسن رداء امرأة، فإن النظر يجعل شبقًا في القلب.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: الشيطان من الرجل على ثلاثة منازل: على عينيه، وقلبه، وذكره، وهو من المرأة على ثلاثة: على عينها، وقلبها، وعجزها.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه عن جرير البجلي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث علي مثله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال لا تجلسوا في المجالس، فإن كنتم لابد فاعلين، فردوا السلام، وغضوا الأبصار، واهدوا السبيل، وأعينوا على الحمولة».
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس على الطرقات قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا. نتحدث فيها فقال: إن أبيتم فاعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
وأخرج أبو القاسم البغوي في معجمه والطبراني عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة. إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، غضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم».
وأخرج أحمد والحكيم في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول رمقة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطو، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه إِيمانًا يجد حلاوته في قلبه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عين باكية يوم القيامة، إلا عينًا غضت عن محارم الله، وعينًا سهرت في سبيل الله، وعينًا خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله».
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا- والله أعلم- أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث: أن أسماء بنت مرشد كانت في نخل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات، فيبدو ما في أرجلهن يعني الخلاخل، ويبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء: ما أقبح هذا... فأنزل الله في ذلك {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} الآية.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {ولا يبدين زينتهن} قال: الزينة. السوار، والدملج، والخلخال، والقرط، والقلادة، {إلا ما ظهر منها} قال: الثياب والجلباب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الزينة زينتان. زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فاما الزينة الظاهرة: فالثياب. وأما الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار، والخاتم. ولفظ ابن جرير فالظاهرة منها: الثياب. وما يخفي: فالخلخالان، والقرطان، والسواران.
وأخرج احمد والنسائي والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت، فخرجت، فمرت على قوم فيجدوا ريحها، فهي زانية».
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الكحل، والخاتم.