فصل: بحث نفيس وجامع بعنوان عودة الحجاب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بحث نفيس وجامع بعنوان عودة الحجاب:

القسم الأول: معركة الحجاب والسفور جمع وترتيب فضيلة الشيخ: محمد أحمد إسماعيل المقدم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
مقدمة الطبعة الثالثة:
الحمد لله الذي أخمد ذكر الطواغيت فصار بعز التوحيد والإسلام مطموسًا وأذل بقهره منهم أعناقًا ورؤوسًا وصرف عن أهل طاعته بلطفه وإسعاده أذى وبوسًا ورفع كيد شياطين الإنس والجن عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوسًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعلى سائر التابعين مقصده الصابرين من البلاء على أشده.
أما بعد:
فما أشد حاجتنا إلى إعادة النظر في تقويم الرجال بعد رحلة الشقاء التي تركت قلوبنا مجرحة وأيدينا مرتعدة وسيوفنا ملثمة تلك الرحلة التي قام فيها على أمرنا فريق التحف الإسلام وتبطن الكفر حمل بين فكيه لسانًا مسلمًا وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا حرص كل الحرص على أن يطفئ نور الإسلام ويهدم عز المسلمين فلم يجد أعون له على هذا الغرض السيئ من أن يقدم لنا الكفر والفسوق والعصيان في ثوب إسلامي ويتولى تزيينه لنا سدنته من الزعماء وربائبه من المفكرين فكانت النتيجة ركامًا ضحلًا تافهًا مظلمًا من المبادئ التي أخذناها لنستر بها عُريَنا فعرينا! والمناهج التي اقتبسناها لننسج بها آمالنا فنسجنا بها أكفاننا!
إن كثيرًا ممن نعتبرهم اليوم دعائم النهضة الحديثة لم يصبحوا كذلك في أوهام الناس إلا بسبب الدعايات المغرضة التي أرادت أن تضعهم في هذه المنزلة لتحقق بذلك أغراضها في نشر مذاهبهم والتمكين لأرائهم ولأن كثيرًا من الآراء المنحرفة التي لم تكن تستطيع أن تجد طريقها إلى الفكر الإسلامي وإلى مجتمعاته قد أصبح قبولها ممكنًا بنسبتها إلى هذه الزعامات وإلى هؤلاء الأئمة الذين لا يتطرق إلى الناس شك في إخلاصهم وعلمهم والواقع أن كثيرًا من هؤلاء الرجال قد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجدًا وذكرًا بين الناس ولم يكن الغرض من ذلك خدمتهم ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه وخطة الاستعمار واليهودية العالمية في ذلك كانت تقوم- ولا تزال- على السيطرة على أجهزة النشر التي نسميها الآن الإعلام وإلقاء الأضواء من طريقها على كُتاب ومفكرين من نوع خاص يبنون وينشئون بالطريقة التي يبني بها نجوم التمثيل والرقص والغناء بالمداومة عن الإعلان عنهم والإشادة بهم وإسباغ الألقاب عليهم ونشر أخبارهم وصورهم وذلك في الوقت الذي يُهمل فيه الكتاب والمفكرون الذين يمثلون وجهات النظر المعارضة أو تُشوه آراؤهم وتُسفه ويُشهَّر بهم ثم هي تقوم على تكرار آرائهم آنًا بعد آن لا يملون من التكرار لأنهم يعلمون أنهم يخاطبون في كل مرة جيلًا جديدًا أو هم يخاطبون الجيل نفسه فيتعهدون بالسقي البذور التي ألقوها من قبل.
ونحن حين ندعو إلى إعادة النظر في تقويم الرجال لا نريد أن ننقص من قدر أحد ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعم الزاعمون أنهم معصومون من كل خطأ وأن أعمالهم كلها حسنات لا تقبل القدح والنقد حتى أن المخدوع بهم والمتعصب لهم والمروج لآرائهم ليهيج ويموج إذا وصف أحد الناس إمامًا من أئمتهم بالخطأ في رأي من آرائه في الوقت الذي لا يهيجون فيه ولا يموجون حين يوصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم بما لا يقبلون أن يوصف به زعماؤهم المعصومون! ويحتمون بحرية الرأي في كل ما يخالفون به إجماع المسلمين ويأبون على مخالفيهم في الرأي هذه الحرية يخطئون كبار المجتهدين من أئمة المسلمين ويجرحونهم بالظنون والأوهام ويثورون لتخطئة ساداتهم أو مواجهتهم بالحقائق الدامغة. اهـ.
- ويرهق كثير من الكتاب عقولهم في تحديد هوية أولئك المتآمرين وهذا لا مبرر له إذ يكفينا أنهم كارهون لما أنزل الله فلا نبالي حينئذ أن يكونوا حقًا صنائع اليهودية أو الصليبية أو الماسونية أو الشيوعية لأن الكفر مهما تعددت ألوانه فهو كفر ينبغي محاربته واستئصاله ودين الشيطان لا يعرف الجنسية.
- وهؤلاء الذين ما يزالون يتعامَون عن رؤية الواقع الصارخ الذي يؤكد أن هناك مؤامرة وتدبيرًا خفيًا يستهدف القضاء على الإسلام- غافلون مخدوعون بأصحاب القفازات الحريرية الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
إن من الغفلة أن نعمى عن أعداء ديننا بل ونتخذهم أولياء من دون المؤمنين وهم- في ذات الوقت- لا يدخرون وسعًا في تحطيم مقومات الأمة وتنفيذ مخططات أعدائها:
بأبي وأمي ضاعت الأحلام ** أم ضاعت الأذهان والأفهام

من حاد عن دين النبي محمد ** أله بأمر المسلمين قيام

إن لا تكن أسيافهم مشهورة ** فينا فتلك سيوفهم أقلام

وإذا كنا بصدد الحديث عن المؤامرة على المرأة المسلمة كجزء من مشروع استعماري شامل لتغيير وجه الحياة في مصر واقتلاع المجتمع الإسلامي من جذوره فلا ريب يستوقفنا مواقف رضعاء ألبان الغرب والشرق الذين غسلت أدمغتهم في دهاليز الكفر وترعرعوا في كنف الإلحاد وعادوا إلى بلادنا لترتفع على أكتافهم أعمدة الهيكل العلماني من هنا كان لابد من وقفات معهم تبين بالوثائق والأدلة موقفهم من الإسلام وعليه موقف الإسلام منهم.
ولئن كان هناك رجال وقفوا حياتهم على هدم الإسلام فلابد أن يكون مصيرهم الهدم ومن عجيب أمر بعض السذج أنهم تأخذهم بأولئك الهدامين رأفة في دين الله وينكرون على من يكشف كيدهم قائلين: وما يدريك لعلهم تابوا! ففلان حج أو اعتمر وفلان بنى مسجدًا وفلان أعلن أنه يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم!.
نقول: هذا فهم قاصر لمعنى التوبة في حق هؤلاء فإن من شرط توبتهم أن يتوبوا عن مظالمهم وإن يقلعوا عن غيهم ويتبرأوا مما بدر منهم في حق دين الحق ويندموا على ما بارزوا به الإسلام والمسلمين ويعلنوا ذلك على الملأ.
وقد يقول قائل: لعلهم تابوا ولكن حيل بينهم وبين إعلان توبتهم.
نقول: هذا محتمل وقد قال الله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} البروج (10).
وقال صلى الله عليه وسلم: «وإنما الأعمال بالخواتيم».
والخواتيم مغيبة فلهذا كان من أصول أهل السنة عدم الحكم لمعين بالجنة ولا الحكم على معين بالنار إلا بنص من الوحي ولكن هذا لم يمنعهم من أن يجروا أحكام الإسلام على من كان يظهر الإسلام في الدنيا وأحكام الكفر على من أظهره في الدنيا وانشرح به صدره ولم يمنعهم ذلك أيضًا من أن يحذروا من ضلال المضلين وتلبيس الملحدين مع علمهم بأن الخواتيم مغيبة إذ إن ذلك من واجبات الديانة.
وحينما نعرض الوثائق التاريخية التي تنطق بإدانة أولئك المتمسلمين الذين رفعوا عقيرتهم بالصد عن سبيل الله فإن مقصودنا الأول هو تحذير المسلمين من ضلالهم أما القطع بخاتمة شخص معين أو الحكم عليه بجنة أو نار فهذا لا يملكه إلا العزيز الغفار.
ومن هنا يتضح لك الجواب عما رمانا به أحد عُباد الصليب وقد أخذته الحمية وتدفقت من قلبه الغيرة على شخصيات تناولها البحث بالنقد فكتب في الأهرام تحت عنوان: تشويه العظماء:
إن محاولات هؤلاء المتخلفين وهجماتهم لم تقتصر على أعلامنا الأحياء بل امتدت لتشمل روادنا الراحلين أي أن حقد المتخلفين لم يقف احترامًا للموت بل استطاع أن يتجاوز حواجزه حتى ينفث سمومه هناك حيث رحاب الله وانهالت عليهم تهم الإلحاد والكفر والزندقة وكأن هؤلاء المتخلفين قد ورثوا بابوات روما في العصور الوسطى المظلمة في منح صكوك الغفران لمن يحبونه وحجبها عمن يحقدون عليهم!! قلت: أنت أدرى!!.
وقد آن الأوان ليعلم هؤلاء المتخلفون الجهلاء أن السلطة الوحيدة التي تملك حق اتهام الآخرين على وجه هذه الأرض هي السلطة القضائية وذلك بناء على قرائن وشواهد محددة أما أن يتخيل جاهل متخلف أن في قدرته تحديد الذاهبين إلى الجنة والساقطين في الجحيم فإنه بهذا يتدخل في إرادة الله سبحانه وتعالى. اهـ.
ولا أجد جوابًا عليه إلا أن أنقل قوله:
ولكي ندرك خطورة ما يجري الآن فلنا أن نتخيل حياتنا الثقافية بدون طابور روادنا العظام ابتداء برفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وهدى شعراوي ولطفي السيد وطه حسين، وسلامة موسى ومحمد مندور وانتهاءً بتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وزكي نجيب محمود ولويس عوض وأمينة السعيد وعبد الرحمن الشرقاوي وحسين فوزي ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وغيرهم ممن حملوا شعلة الثقافة المستنيرة عبر ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان. اهـ.
ثم أتساءل: ما هو الذي يجمعك يا عابد الصلبان مع هؤلاء الرواد العظام سوى وحدة الهدف؟
إن وثائق الإدانة لهؤلاء الرواد العظام! تتزاحم أمامي الآن كل منها يستبق ليحتل السطور القليلة في هذه المقدمة ولكني أرجئ أغلبها وأتخير وثيقة واحدة وهي عبارة مظلمة نطق بها يومًا أحد روادك العظام وهو الذي أسماه أبوه أحمد بهاء الدين قال:
لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيدًا عن اللف والدوران وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير أما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا. اهـ.
إن الإسلام دين الله الحق لا يهزم أبدًا في معركة شريفة ولا يهاب الصراع مع الباطل أيًا كان إذ:
ليس الخطر الذي يهدد المجتمع الإسلامي ناشئًا عن هذا الصراع فالصراع بين الأصيل والدخيل سنة من سنن الله العليم الحكيم يضرب فيها الحق والباطل.
{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} الرعد آية 17 ليس هذا الصراع إذًا مصدر خطر بل إنه ربما يدعو إلى التفاؤل والاطمئنان ولكن مصدر الخطر وعلامته هي أن يزول هذا الصراع وأن يفقد الناس الإحساس بالفرق بين ما هو إسلامي وبين ما هو غربي إن فقدان هذا الإحساس هو النذير بالخطر لأنه يعني فقدان الإحساس بالذات فالجماعات البشرية إنما تدرك ذاتها من طريقين معًا: من طريق وحدتها التي تكونها المفاهيم والتقاليد المشتركة ومن طريق مخالفتها للآخرين التي تنشأ عن المغايرة والمفارقة ولذلك كان الخطر الذي يتهدد هذه الوحدة يأتيها من طريقين: الشعوبية التي تفتتها والعالمية التي تميعها فزوال الإحساس بالمغايرة والمفارقة هو هدم لأحد الركنين اللذين تقوم عليهما الشخصية وهذا هو ما لا نريد أن يكون، نريد أن يظل هذا التمييز بين ما هو إسلامي وبين ما هو طارئ مستجلب- شرقيًا كان أو غربيًا- حيًا في نفوس الأجيال الصاعدة والتالية وهي أمانة تلقاها جيلنا عمن قبله ولابد أن يحملها إلى من يجئ بعده.
وأخيرًا لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان على نشر هذا الكتاب والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الإسكندرية في الجمعة الثالث عشر من شهر الله المحرم 1406 هـ.