فصل: حركة تحرير المرأة في مصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا بهم يقعون على أقوال لبعض الأئمة تجيز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها وتخرج كذلك من بيتها لحوائجها ويؤخذ منها أيضًا أن المرأة يجوز لها أن تشهد الحرب لسقي المجاهدين ومداواة الجرحى ثم وجدوا في تلك الأقوال إذنًا بخروج المرأة إلى المسجد للصلاة وجلوسها للتعلم والتعليم فكفاهم هذا القدر من المعلومات لأن يدعوا أن الإسلام قد أعطى للمرأة حرية مطلقة (13) وأن الحجاب من تقاليد الجهلاء اتخذه المتأخرون من المسلمين الجامدين المتشددين ولا أثر له في آية ولا في حديث وإنما القرآن والسنة يعلمان الحياء والعفاف على سبيل التوجيه الخلقي العام وليس فيهما قانون أو ضابط بقيد حركة المرأة وتنقلها بقيد ما.
ومن الضعف الطبيعي في الإنسان إنه إذ اختار مذهبًا من المذاهب في شئون حياته يكون بدء اختياره لذلك المذهب بنزعة عاطفية غير عقلية ثم يأتي بعد ذلك فيستعين بالمنطق والعقل ليثبت كون نزعته تلك صحيحة معقولة كذلك وقع في أمر الحجاب أيضًا فما عرضت للمسلمين مسألة الحجاب لشعورهم بضرورة عقلية أو شرعية إليه وإنما أتت من ذلك الميل والنزوع الذي نشأ من تأثرهم ببريق حضارة أمة غالية ومن ارتياعهم لدعاية تلك الأمة ضد التمدن الإسلامي.
وذلك أن المسمين برجال الإصلاح لما رأوا المرأة الأوربية وما هي عليه من زينة وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في المجتمع الغربي.... لما رأوا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضًا حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب ثم أثرت فيهم الدعوات الجديدة إلى تحرير المرأة وتعليم النساء ومساواتهن بالرجال... تلك الدعوات التي كانت تنصبُّ عليهم كالوابل المدرار بلغة قوية منطقية وفي طبع أنيق كذاب حتى أماتت هذه الكتب والمنشورات الغربية بقوة دعايتها ملكة النقد والتجريح عندهم فاستقر في سويداء قلوبهم أنه لابد لكل من يرغب أن يعدَّ من المتنورين التقدميين ويدفع عن نفسه تهمة الرجعية والتخلف أن يؤمن بتلك النظريات إيمانه بالغيب ويؤيدها ويحامي عنها فيما يكتب ويخطب ثم يروجها في الحياة العملية بحسب ما أوتي من همة وجراءة كان هؤلاء تكاد تسوح بهم الأرض من فرط الخجل حينما يرون الغربيين يتهكمون بنسائهم المتنقبات المستورات في اللباس العادي وينبذونهن بالجنائز المكفنة المتحركة وإلى متى- يا ترى- يطيق القوم الصبر على هذه الوخزات؟... لذلك استعدوا آخر الأمر- طوعًا أو كرهًا- لأن يقوموا فيدفعوا عن أنفسهم هذا العار المخزي.
وهذه النزعات والعواطف هي التي دفعت المنهزمين إلى أن يقوموا بحركة ما يسمى: تحرير المرأة التي بدأوها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي فمنهم من كانت هذه النزعات كامنة في شعورهم الخفي فلا يدرون بأنفسهم ماذا يجرهم ويدفعهم إلى تلك الحركة فكانوا مخدوعين عن أنفسهم ومنهم آخرون كانوا يشعرون بنزعاتهم شعورًا تامًا ولكنهم يستحيون ويحجمون عن إبداء نزعاتهم الحقيقية فهؤلاء لم يكونوا مخدوعين بل دهاة خادعين وأيًا كان الأمر فقد قام كلا الفريقين بعمل واحد ألا وهو: سحب ذيل الخفاء على المحركات والدوافع الحقيقية لحركته تلك وحاول أن يظهرها بمظهر حركة عقلية بدلًا من إظهارها حركة عاطفية وساق في تأييدها جميع الأدلة التي تلقاها من الغرب مباشرة كصحة النساء وارتقائهن في مجال الفكر والعمل وحقوقهن الفكرية واستقلالهن الاقتصادي وتخلصهن من ظلم الرجال وأثرتهم وانحصار رقي المدنية في رقيهن لكونهن شطرًا كاملًا من الأمة... إلى آخر هذه الحجج وحتى ينخدع عامة المسلمين ولا يفتضح عليهم صميم المقصد من تلك الحركة وهو حمل المرأة المسلمة على اقتفاء آثار المرأة الأوربية واتباع المناهج الاجتماعية الرائجة بين أمم الغرب أعني: اليهود والنصارى.
ولكن الأدهى والأخبث أنهم عادوا يخدعون الناس في هذا الصدد عن طريق احتيالهم في إثبات حركتهم الضالة بنصوص واستنباطات من الكتاب والسنة بالرغم من وجود البون الشاسع بين المنهج الإسلامي الرباني في الاجتماع ومقاصد هذه الشريعة العليا وبين مبادئ النظام الاجتماعي الأوربي ومقاصده.
فإن المقصد الأعلى الذي يريد أن يحققه الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي هو صون الأعراض وكبح جماح الشهوات وترويضها وضبطها وتقييدها بضوابط أخلاقية تضمن استعمالها في خير الإنسان وطهارته بدل إهمالها أو تضييعها في الفوضى والهمجية.
وأما النظام الاجتماعي الغربي فعلى العكس من ذلك يرمي إلى الحث على سير التمدن بإشراك المرأة والرجل في تدبير شؤون الحياة وتحمل تبعاتها على حد سواء واستعمال الشهوات في فنون ووسائل تحول متاعب الحياة إلى لذات ومسرات.
ومن هنا يتضح الفرق إذ أن الإسلام يضع نظامًا للاجتماع ليخدم مقاصده فقد فصل فيه بين دائرتي عمل الرجل والمرأة إلى حد كبير وحُظر اختلاط الذكور بالإناث بدون قيد خلقي ثم حسمت فيه جميع الأسباب التي يمكن أن تخل بهذا الضبط والتقييد وبذلك تجفف منابع الفتنة وتسد الذرائع إليها وتراعى حرمات الله وتؤدى حقوقه سبحانه وتعالى وكذا حقوق النفس وحقوق الخلق في انسجام فطري وتناسق طبيعي وهذا بخلاف النظام الأوربي الذي يدفع الجنسين إلى ميدان مشترك في الحياة مع رفع جميع الحجب من بينهما تلك الحجب التي تحول دون اختلاطهما الحر ومعاملتهما المطلقة التي لا تحدها حدود.
ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي ثم يُسوِّغون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي.
إن أقصى ما أوتيت المرأة من الحرية في النظام الإسلامي هو أن تبدي وجهها وكفيها إذا دعت الضرورة وأن تخرج من بيتها لحاجتها ولكن هؤلاء يجعلون هذا الحد الأقصى من حريتها نقطة البدء وبداية المسير فيقومون إلى آخر حدود الإسلام ويتقدمون في سبيل الحرية ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الحياء والاحتشام فلا يقف الأمر بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين بل يجاوزه إلى تعرية الوجه والذراع والنحر إلى آخر هذه الهيأة القبيحة المعروفة وهي الهيأة التي لا تخص بها المرأة الأزواج والأخوات والمحارم فقط بل يخرجن بكل تبرج من بيوتهن ويمشين في الأسواق ويخالطن الرجال في الجامعات ويأتين الفنادق والمسارح ويتبسطن مع الرجال الأجانب.
ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف على أنها يحل لها أن تغدو وتروح في الطرقات وتتردد إلى المنتزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة وأفتنها للناظرين ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية- ذلك الإذن المقيد المشروط بأحوال خاصة- يتخذ حجة ودليل على أن تودِّع المرأة المسلمة جميع تبعات الحياة المنزلية وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تمامًا وحذو القذة بالقذة كما فعلت الإفرنجية.
وها هو ذا المودودي- رحمه الله- يصرخ في وجوه هؤلاء الأحرار في سياستهم العبيد في عقليتهم قائلًا:
ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يستخرج منه جواز هذا النمط المبتذل من الحياة؟ وإنكم- يا إخوان التجدد- إن شاء أحدكم أن يتبع غير سبيل الإسلام فهلا يجترئ ويصرح بأنه يريد أن يبغي على الإسلام ويتفلت من شرائعه؟ وهلا يربأ بنفسه عن هذا النفاق الذميم والخيانة الوقحة التي تزيِّن له أن يتبع علنًا ذلك النظام الاجتماعي وذلك النمط من الحياة الذي يحرمه الإسلام شكلًا وموضوعًا ثم يخطو الخطوة الأولى في هذا السبيل باسم اتباع القرآن كي ينخدع به الناس فيحسبوا أن خطواته التالية موافقة للقرآن. اهـ.

.حركة تحرير المرأة في مصر:

البذرة الأولى:
إن المتتبع لتاريخ ما يسمى بحركة تحرير المرأة في مصر يجد أن جذور هذه الحركة تمتد إلى عهد محمد علي باشا والي مصر حينما بعث المبعوثين إلى فرنسا ليتلقوا هناك الخبرات والمهارات الفنية ثم يحملوها معهم إلى مصر لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل رجع المبعوثون من فرنسا حاملين تيارات فكرية مادية دخيلة على دينهم بعد أن بهرتهم رهبانية العلم المادي وتعبدهم سلطان العقل لقد عاد أولئك المبعوثون يحتلون مراكز الصدارة والتوجيه في مختلف الميادين السياسية والتربوية والفكرية.
- دور الشيخ رفاعة الطهطاوي 1801- 1873م:
وكان من أعضاء الجيل الأول لهؤلاء المبعوثين الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي أقام في باريس خمس سنوات من 1826- 1831 تقريبًا وكان قد رافق البعثة المصرية كواعظ وإمام لها وما إن عاد إلى مصر حتى بدأ يبذر البذور الأولى لكثير من الدعوات الدخيلة على البيئة المصرية المسلمة تلك الدعوات التي حمل جراثيمها معه من فرنسا مثل الدعوة إلى فكرة الوطنية القومية بمفهومها المادي المحدود المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدت أوطانهم وكذا استوحى من واقع الحياة الفرنسية أفكارًا عن المرأة هي أبعد ما تكون عن شرائع الإسلام وآدابه وقد تجلى ذلك في مواقفه الجريئة من قضايا تعليم الفتاة وتعدد الزوجات وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين حيث ادَّعى في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز ص 305 أن:
{السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعيًا إلى الفساد}. اهـ. وذلك ليُسوِّغ دعوته إلى الاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح والمراقص مدعيًا- ما معناه-:
{الرقص على الطريقة الأوربية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة}.
وأنه لا يخرج عن قوانين الحياء ودعا المرأة إلى التعلم حتى تتمكن من تعاطي الأشغال والأعمال التي يتعاطاها الرجال.
وهكذا كان رفاعة الطهطاوي أول من أثار قضية تحرير المرأة في مصر في القرن التاسع عشر الميلادي فسنَّ بذلك أسوأ السنن وبذر هذه الأفكار الدخيلة في التربية الإسلامية ولم يدرك أنه حين ينقل هذه الآراء خاصة ما يتعلق منها بمدلول كلمة الحرية إلى المجتمع الإسلامي يمكن أن ينتهي إلى نفس النتيجة التي انتهت إليها أوربة وهي نبذ الدين وتسفيه رجاله والخروج على حدوده لم يدرك ذلك ولم يلاحظ إلا الجانب البراق الذي يأخذ نظر المحروم من الحرية حين تمارس في مختلف صورها وألوانها وفي أوسع حدودها فكان كالجائع المحروم الذي بهرته مائدة حافلة بألوان الأطعمة فيها ما يلائمه وما لا يلائمه ولكنه لم ينظر إليها إلا بعين حرمانه ولم يرها إلا صورة من النعيم الذي يتوق إليه ويشتهيه.
وكانت دعوة جريئة من رفاعة لم يجد لها معارضًا خاصة وأن حاكم البلاد قد بارك دعوته وبارك أول كتاب وضعه رفاعة وهو تخليص الإبريز في تلخيص باريز يبرز فيه تقدم الغرب ويحسن لمواطنيه الانتفاع بتقدمه وأكثر من هذا فقد قرأ محمد علي الكتاب قبل نشره- بناء على تزكية له من الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر فأمر بطبعه وأصدر أمره بقراءته في قصوره وتوزيعه على الدواوين والمواظبة على تلاوته والانتفاع به في المدارس المصرية بل إنه أمر بعد ذلك بترجمته إلى التركية. اهـ.