فصل: دور سعد زغلول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.دور سعد زغلول:

قال العقاد: وكان- أي سعد زغلول- رجلًا له رأي في المرأة وفيما ينبغي أن تكون عليه شريكة الحياة يخالف رأي السواد الغالب في تلك الأوقات وفي جميع الأوقات وحسبه من ذلك أنه هو الذي أعان قاسم أمين زميله وصديقه الحميم على إظهار كتابه في تحرير المرأة وتشجيعه على احتمال ما لقي في سبيله من سخط وعناء. اهـ.
وقال الدكتور السيد أحمد فرج- حفظه الله-: والرأي أنه لم يكن في استطاعة قاسم أمين أن يبرز نفسه بهذه الآراء الجريئة في ذلك العصر لولا تعضيد الإمام محمد عبده وأحد تلاميذه الذي صار زعيمًا للأمة سعد زغلول باشا وقد بلغ حب قاسم أمين لهما مبلغًا كبيرًا فأهدى كتابه الثاني المرأة الجديدة لسعد زغلول واستشهد على صحة أقواله فيه بمباركة الشيخ محمد عبده لها وينشر كل بنود اقتراح الشيخ في شأن إصلاح قانون الأحوال الشخصية في آخره.
وسعد زغلول في الحقيقة هو الذي ضمن تنفيذ أفكار قاسم أمين تنفيذًا عمليًا فقد رحل الشيخ محمد عبده سنة 1905 ورحل تلميذه قاسم أمين بعده بسنوات قليلة وكان في ميعة شبابه ثم بقى سعد زغلول وقد أهلته مواهبه الفذة أن يقود المجتمع ويكيفه كما يريد وكان قادرًا خاصة وأن الظروف الاجتماعية والفورة الوطنية قد هيأتا الناس لتقبل الأفكار الجديدة ووضعها موضع التنفيذ العملي فقد ظل العقلاء كما سماهم جرجي زيدان يتهامسون في موضوع تحرير المرأة حتى صرح الشيخ محمد عبده بآرائه فكثر مريدوه والمؤمنون على أقواله وأول أولئك قاسم أمين وسعد زغلول المنفذ الحقيقي لهذه الأفكار. اهـ.
وأيًا ما كان الأمر فقد أحدث الكتاب ضجة عنيفة لأنه صادر من مسلم يشغل وظيفة مستشار في الدولة سبق له أن هاجم أعداء الحجاب منذ وقت قريب ولم تقتصر هذه الضجة على الأوساط الإسلامية الغيورة على دينها بل شملت الأوساط الوطنية والأدبية.
ردود فعل كتاب تحرير المرأة:
تجلت ردود الفعل في موجة عارمة من المعارضة كان أكثرها مقالات صحافية وقد اتهمه المعارضون بالهذيان وبأنه ممن تخطف زخارف التمدن الغربي بصائرهم يرى المحاسن ولا يرى المساوئ وهاجمه علماء الدين هجومًا عنيفًا وحكم الفقهاء بأنه خرق في الإسلام ومروق من الدين وعدها الكثيرون ضربًا من المبالغة في تقليد الغربيين واتهمه آخرون بالجناية على الدين ثم الوطن وأنه يرمي إلى قلب الهيئة الاجتماعية المصرية وممالأة الإنكليز على ضياع البلاد وإنه ينفذ أمنية من أماني الأمم الصليبية التي تريد بها هدم الإسلام وتقويض الآداب والأخلاق وتحريض النساء على الفساد واتهمه من يعضد هذه الدعوة بأنه ليس من المسلمين.
وبادر إلى مناصرة قاسم حفنة من الكتاب وعلى رأسهم جرجي نقولا باز الذي ألف تأييدًا لقاسم كتابين أحدهما: إكليل غار على رأس المرأة والآخر النسائيات.
ولم يكتف دعاة الحق وأنصار الحجاب بالمقالات العنيفة بل ألفوا الكتب العديدة التي بلغ عددها مائة كتاب تبطل شبهات قاسم وتقيم الحجة عليه من أدلة الشريعة المطهرة.
من هذه الكتب:
السنة والكتاب في حكم التربية والحجاب لمحمد إبراهيم القياتي.
ومنها: الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس لمحمد أحمد حسنين البولاقي.
ومنها: خلاصة الأدب لحسين الرفاعي.
ومنها: نظرات في السفور والحجاب لمصطفى الغلاييني.
ومنها: قولي في المرأة لمصطفى صبري.
ومنها: رسالة في مشروعية الحجاب لمصطفى نجا.
ومنها: رسالة الفتى والفتاة لعبد الرحمن الحمصي.

.موقف محمد طلعت حرب:

على أن أول كتاب ألف في الرد على قاسم أمين هو كتاب تربية المرأة والحجاب وهو أهم ما ألف وأعمقه أثرًا ألفه محمد طلعت حرب الذي اقترن اسمه فيما بعد- وللأسف- بشئون الاقتصاد الربوي وقد استنكر في كتابه هذا على قاسم دعوته ودافع عن الحجاب.
ويبدأ الكتاب بمقدمة يثبت فيها المؤلف أن المستعمر الغربي يجاهد بكل الطرق ليغير وضع المرأة المسلمة كأنما وكلتهم المرأة للدفاع عنها وما ذلك إلا ليثبتوا أن الشريعة الإسلامية قد ظلمتهن أما هدفهم البعيد فهو التدخل في شئون المسلمين باسم الإنسانية وفرنجة المرأة في المجتمع الشرقي لتنحل مقوماته الاجتماعية قال:
إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوربة بالعالم الإسلامي.
وقال أيضا: إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق لا في مصر وحدها- إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق.
وهو يذكر أن الخديوي إسماعيل حين أراد أن ينفصل بمصر عن الدولة العثمانية وعد ملوك أوربة- إن هم أيدوه من أجل تحقيق هدفه- أن يبدل أحكام القرآن فيما يتصل بالحياة السياسية والاجتماعية فيفصل السياسة عن الدين ويطلق الحرية للنساء بحيث يسرن في أثر المرأة الغربية وينقل إلى مصر معالم المدنية الأوربية.
وذكر أن الحرية كانت دائما شعار الإسلام فكان أولى بقاسم أن يجعل عنوان كتابه تربية المرأة بدلًا من تحريرها ثم يقول طلعت حرب:
ومن عجيب المصادفات أن الذي يقرأ الرحلة الأصمعية التي طبعت باللغة التركية سنة 1893 في مصر يقرأ فيها الاعتراضات التي وجهها الأوربيون إلى مؤلف الرحلة فيما يختص بوضع المرأة المسلمة فإذا ما قرأنا تحرير المرأة لقاسم أمين وجدناه يردد نفس الاعتراضات فهل هذا يرجع إلى توارد الخواطر؟ ويتحدث طلعت حرب في الباب الأول من كتابه عن وظيفة المرأة فيقرر أن الأديان جميعًا تنفي مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة ويورد النصوص من التوراة والإنجيل والقرآن التي تؤكد سيادة الرجل وحسن المعاملة والتقدير للمرأة ويقرر أن سعادة الأسرة لا تكون بوجود قائدين في بيت واحد وإنما تكون بتوجيه الرجل توجيها حكيما.
ثم قال: إن للمرأة أعمالا غير ما للرجل ليست بأقل أهمية من أعماله ولا بالأدنى منها فائدة وهي تستغرق معظم زمن المرأة إن لم نقل كله: الرجل يسعى ويكد ويشقى ويتعب ويشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله وامرأته ترتب له بيته وتنظف له فرشه وتجهز له أكله وتربى له أولاده وتلاحظ له خدمه وتحفظ عينه عن المحارم وهو يسكن إليها.
وينتقل إلى الباب الثاني فيتناول تربية المرأة ويؤكد أن الشريعة قد حثت على التربية الخلقية التي تضمن إصلاح النفس وعمار الكون وضمان السعادتين وكان السلف الصالح يعودون أبنائهم عليها فيشبون وقد تشبعوا بمكارم الأخلاق ولم تول الدنيا عنا إلا يوم أهملنا تلك التربية ثم دهمتنا المدنية الغربية بما بها من مظاهر خادعة فحسبناها منتهى ما يدركه الإنسان من الكمال فتسابقنا إلى التشبه والتقليد.
فإذا كنا نريد إصلاح حقيقي فلننظر إلى مدنيتنا الإسلامية ولنقتبس منها أسس التربية السليمة لكل أفراد المجتمع من بنين وبنات.
ثم ينتقل إلى أهم نقاط البحث وهي مشروعية الحجاب فيعرض لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وينقل من أحاديث رسول الله وسيرة الصحابة رضي الله عنهم أن المقصود ستر الوجه لأنه أعظم زينة للمرأة أما ما جاء في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فهي الكحل والخضاب ثم كيف يمكن الاختلاط مع غض البصر؟
الدين واحد هو الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران: 19) والشرائع هي التي تختلف من نبي لآخر قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} (المائدة: 48) والله أعلم.
وإذا كان قاسم أمين يرى أن الحجاب خاص بنساء النبي وأن قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} (الأحزاب 32) فيه معنى التخصيص فإن قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} (الأحزاب 59) قد قطع كل شك في وجوب الحجاب وقد اعتمد قاسم على رأي بعض الفقهاء في إباحة كشف الوجه واليدين والقدمين مع أن رأى الفقهاء في هذه الإباحة كان خاصًا بالصلاة وحدها لا بقضية الحجاب والسفور.
على أن من يقول بجواز النظر لوجه المرأة عند أمن الفتنة قد قضى بتحريم ذلك على الإطلاق خصوصًا في هذه الأيام حيث نشاهد تبذل الشباب واستهتارهم كل حين فما بالنا لو خلعت المرأة الحجاب وأطلقنا لها الحرية؟
إن الإحصائيات تثبت أن المرأة الشرقية- بسبب الحجاب- أكثر نساء العالم تعففًا ولا نريد أن نمزق ستار العفاف.
وإذا كان قاسم يتساءل: لماذا اختص النساء بالاحتجاب والتبرقع دون الرجال وكلاهما مأمور بغض الأبصار؟ الإجابة واضحة إذ من المسلم به أن لكل من الزوجين وظيفة اختص بها وكانت وظيفة الرجل خارج بيته للسعي على معاشه ووظيفة المرأة منزلية داخل البيت وخروجها للضرورة فتكليفها بالتبرقع دون الرجل أكثر ملائمة لظروفها.
أما ما قيل عن علم عائشة رضي الله عنها فهو حجة على قائله لأنها كانت محتجبة حجابا تاما بالإجماع ولم يمنعها الحجاب من التفقه في أمور الدين والمشاركة في أمور الحياة وكذلك كان كل النساء المسلمات اللائي نبغن وبلغن درجة من العلم والكمال فالحجب لم يمنع من تحصيل العلم ولا تدريسه وإذا كان الحجاب هو المانع من الترقي فلما لم يترق كل الرجال؟
قال الشيخ سعيد الجابي رحمه الله في كتابه كشف النقاب:
وإذا قيل ينبغي على الرجال أن يستتروا خوف فتنة النساء اللواتي أمرن بغض أبصارهن.
فنقول: إن النساء اللواتي أمرن بالقرار والوقار وإخفاء صوت الخلخال عن الجار والكلام من وراء حجاب وإدناء الجلباب والإقلال من الخروج خارج الأبواب كاف لهن ومغن عن أن يكلف الرجال بستر وجوههم عنهن سيما وأن أعمال الرجال خارج البيوت وأعمال النساء في داخلها والفرق بين العملين ظاهر لا يماري فيه إلا مكابر ولاسيما أن جمال وجه الرجال سريع الزوال إذا راعوا الحكم الشرعي بإعفاء اللحى القائمة مقام النقاب والحجاب والجلباب وهي عند بعض الزوجات أعظم مصاب! وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فلا مانع من أن تظهر المرأة عينيها أو عينها بعد ستر وجهها وحينئذ لا يقال: حرموا هذه المسكينة أن تبصر طريقها أو النور أو جمال الطبيعة بل يقال: حرموا هذا المسكين أن يرى جمال وجهها. اهـ.
نقله عنه الشيخ محمد أديب كلكل في فقه النظر ص (64- 65).
ولو نظرنا إلى المرأة الأوربية لوجدنا الأمر يرجع إلى حاجة أوربا للأيدي العاملة بسبب ظروف حياتها فخرجت النساء لمساعدة الرجال على الكسب والتعمير فلما ابتذلت المرأة هناك أعرض الشباب عن الزواج فاضطرت المرأة أن تستمر في العمل لتعيش على أن الناظر إلى المرأة الشرقية الآن (85) يراها قد خرجت وأقبلت على ملاذ الدنيا وأغرتنا الحضارة الأوربية على التساهل وسيسير الزمن بنا- باسم الحرية والمدنية- حسب التخطيط الذي يدفعنا الأجنبي إليه إلى أن تصبح المرأة الشرقية مثل الأجنبية ما لم نبادر إلى تقييد تلك الحرية لا إطلاقها وإلى تحرير الرجل قبل المرأة من الجهالة والفساد.
ويختم طلعت حرب كتابه قائلا: الحجاب أصل من أصول الأدب فيلزم التمسك به إلا أن المطلوب أن يكون منطبقا على ما جاء به الشرع.
موقف محمد فريد وجدي:
ونشرمحمد فريد وجدي في المؤيد واللواء بضع مقالات قال في بعضها:
إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب الأمثلة بالغرب دائما ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية.
ويتهكم أحد الكتاب بالدعوة إلى خروج المرأة للعمل ويحاول أن يتصور المرأة وقد خرجت إلى معترك الحياة تعمل فإذا البيوت مقفرة والشوارع مزدحمة بالرجال والنساء والمحال التجارية وقف بها المتحككون بالنساء البائعات أما الزى فخليط عجيب امرأة بقبعة وأخرى بغيرها والمقص قد تحيف الجيوب والذيول والأكمام والتصقت الملابس بالمرأة حتى صارت كبعض جسمها ثم يتساءل قائلا: أهذا ما نريده؟ إن ما نريده حقا هو تربية المرأة قبل كل شيء.