فصل: موقف مصطفي كامل 1874- 1908:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.موقف مصطفي كامل 1874- 1908:

كان للكتاب دوي شديد في الأوساط الوطنية لأنه كان بمثابة تحدى صريح للرأي الإسلامي العام وهجوم سافر ضد الإسلام لذلك لم يكن عجبا أن يقف الحزب الوطني المصري أو بمعنى آخر أن يقف مصطفى كامل من هذه الحركة موقف المقاومة والعناد إذ تحسس ورائها الأصابع البريطانية فربط بين هذه الحركة التي يديرها ذلك النادي الذي جمع بين أذناب الاستعمار وبين الإنكليز على أنها وسيلة من وسائله المتلونة في القضاء على مقومات الأمة فسارع إلى مقاومة هذه الحركة الخائنة وتحذير الأمة منها فأشار إليها في أول اجتماع عام عقده عقب صدور ذلك الكتاب في الخامس من شعبان سنة 1317 ه الموافق الثامن عشر من سبتمبر 1899 م حيث قال: إني لست ممن يرون أن تربية البنات يجب أن تكون على المبادئ الأوربية فإن في ذلك خطرًا كبيرًا على مستقبل الأمة فنحن مصريون ويجب أن نبقى كذلك ولكل أمة مدنية خاصة بها فلا يليق بنا أن نكون قردة مقلدين للأجانب تقليدًا أعمى بل يجب أن نحافظ على الحسن من أخلاقنا ولا نأخذ عن الغرب إلا فضائله فالحجاب في الشرق عصمة وأي عصمة فحافظوا عليه في نسائكم وبناتكم وعلموهن التعليم الصحيح وإن أساس التربية التي بدونه تكون ضعيفة ركيكة غير نافعة... هو تعليم الدين.
وقد بلغ بمصطفى كامل الاهتمام بمقاومة هذه الحركة المسمومة إلى الحد الذي جعله يفتح صدر صحيفة اللواء منذ أول ظهورها سنة 1900 م لكل طاعن على قاسم أمين وأفكاره فكانت اللواء- كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل-: خصمًا لدودًا لقاسم وأفكاره وكانت ميدان لأشد المطاعن عليه. اهـ.
وكتب مصطفى كامل في اللواء 31 يناير 1901 م يؤكد على وجوب الالتفات إلى تربية النساء فهي دعوة يوافق عليها كل مثقفي الأمة أما الحرية للمرأة فلا محل للحديث عنها الآن وعملية التطور الطبيعي تسير سيرها المحترم وفرق بين التطور والتطوير القسري الذي لا يؤمن معه من سوء العاقبة فإن الرجل منا أهون عليه أن يموت من أن يرى من أهل بيته امرأة فاسدة ولو كانت بهجة العلم وحليته.
ثم يخدش قاسمًا- وما أصاب- فيقول: ولست أدري إذا كان هذا الشعور شعورًا طبيعيًا عند الرجال أو منشؤه الميراث الذي يحمله كل منا في دمه من أخلاق آبائه وأجداده وسواء كان هذا أو ذاك فإن الحرية التي تقتل العصمة شر عندي من الحجاب القاتل للرذائل.

.أثر كتاب تحرير المرأة في العراق والشام:

واجه الكتاب هناك معارضة عنيفة لا تقل عن التي واجهها في مصر وأعلن المعارضون لقاسم أن الدعوة إلى خروج المرأة المسلمة إقتداء بالغربية دعوة لا تستند إلى حجة مقبولة لأن الغربية لم تناد بالخروج إلى المجتمعات وإلى الحرية المطلقة وإنما الرجال هناك هم الذين دفعوها إلى العمل تخلصًا منها وطمعًا في الانتفاع بتعبها فكانت النتيجة أن استدرجت إلى مواقف لم تأمن معها الذلل وفقدت بيتها وفقدت أنوثتها وإذا كان التاريخ يستفظع وأد بعض رعاع العرب لبناتهم تخلصًا من العار فكم يكون استفظاعه لحياة كثير من الفتيات في هذه المدنية التي يود البعض أن نقتضي بها؟!
وثار علماء الدين في الشام ثورة عنيفة ضد قاسم أمين فأعلنوا أن دعاة السفور هم دعاة فساد لأنه يخالف ما أمر به الدين ولأن السفور يقود الناس حتما إلى المجون وهدم القيم وبذلك تنحل كل الروابط الاجتماعية.
الإنكليز يترجمون الكتاب وينشرونه:
وقد كتبمصطفى كامل في اللواء بتاريخ 9 فبراير سنة 1901 م يقول:
هذا وقد انتشر خبر كتاب تحرير المرأة في جهات الهند واهتم الإنكليز بترجمته وبث قضاياه وإذاعة مسائله لما وراء العمل به من فائدة لهم. اهـ.

.من مواقف الشعراء:

وكان للحركة صدى عميق في نفوس الأدباء والشعراء.
وهذا أحمد محرم الذي أعجب به مصطفى كامل وطالما أشاد به وبشعره على صفحات اللواء يقول مستنكرًا دعوة قاسم أمين:
أغرك يا أسماء ما ظن قاسم ** أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم

تضيقين ذرعًا بالحجاب وما به ** سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم

سلام على الأخلاق في الشرق ** كله إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم

أقاسم لا تقذف بجيشك تبتغي ** بقومك والإسلام ما الله عالم

لنا من بناء الأولين بقية ** تلوذ بها أعراضنا والمحارم

أسائل نفسي إذا دلفت تريدها ** أأنت من البانين أم أنت هادم

ولولا اللواتي أنت تبكي مصابها ** لما قام للأخلاق في مصر قائم

نبذت إلينا بالكتاب كأنما ** صحائفه مما حملنا ملاحم

ففي كل سطر منه حتف مفاجئ ** وفي كل حرف منه جيش مهاجم

إلى أن يقول:
لنا في كتاب الله مجد موثل ** وملك على الحدثان والدهر دائم

إذا نحن شئنا زلزل الأرض نابنا ** ودامت لنا أقطارها والعواصم

هممنا بربات الحجال نريدها ** أقاطيع ترعى العيش وهي سوائم

وإن امرءًا يلقى بليل نعاجه ** إلى حيث تستن الذئاب بظالم

وكل حياة تثلم العرض ** سبة ولا كحياة جللتها المآثم

أتأتي الثنايا الغر والطرر العلى ** بما عجزت عنه اللحى والعمائم

فلا ارتفعت سفن الجواء بصاعد ** إذا حلقت فوق النسور الحمائم

عفى الله عن قوم تمادت ظنونهم ** فلا التهج مأمون ولا الرأي حازم

ألا إن بالإسلام داءًا مخامرًا ** وإن كتاب الله للداء حاسم

وهاجم الشاعر العراقي البناء السفوريين وخاطب المرأة قائلًا:
وجوه الغانيات بلا نقاب ** تصيد الصيد في شرك العيون

إذا برزت فتاة الخدر حسرى ** تقود ذوي العقول إلى الجنون

وهذا الشاعر جواد الشبيبي يقول مستنكرًا الدعوة الأثيمة:
منع السفور كتابنا ونبينا ** فاستنطقي الآثار والآيات

تلك الوجوه هي الرياض بها ** أزدهت للناظرين شقائق الوجنات

كانت تكتم في البراقع خفية من ** أن تمس حصانة الخفرات

واليوم فتحها الصبا فتساقطت ** بعواطف الألحاظ والقبلات

صوني جمالك بالبراقع إنها ** ستر الحسان ومظهر الحسنات

وضعي الصدار على الترائب ** إنه حق عليكي فحق نهدك نات

وتماثلي في البيت صورة دمية ** مكنونة الأعضاء في الحبرات

وفي قصيدة للأزدي يعارض فيها الرصافي ويخاطب بنت بغداد كريمة الزوراء ويحذرها من ضلال السفوريين ويبصرها بعواقب مسلكهم الوخيم ويقول:
أولم يرو أن الفتاة بطبعها ** كالماء لم يحفظ بغير إناء

من يكفل الفتيات بعد ظهورها ** مما يجيش بخاطر السفهاء

ومن الذي ينهى الفتى بشبابه ** عن خدع كل خريدة حسناء

إلى أن يقول:
نص الكتاب على الحجاب ** ولم يبح للمسلمين تبرج العذراء

ماذا يريبك من حجاب ساتر ** جيد المهاة وطلعة الذلفاء

ماذا يريبك من إزار مانع ** وزر الفؤاد وضلة الأهواء

ما في الحجاب سوى الحياء فهل ** من التهذيب أن يهتكن ستر حياء

هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى ** لو أصدقتك ضمائر الجلساء

شيد مدارسهن وارفع ** مستوى أخلاقهن لصالح الأبناء

أسفينة الوطن العزيز تبصري ** بالقعر لا يغررك سطح الماء

وهذا أديب التقى يحذر من السفور كذريعة إلى الخلاعة والدمار الاجتماعي:
كيف ترضى بأن ترى حاسرات ** يتملى وجوهها الفجار

واتخذن الخلاعة اليوم خلقًا ** هو للشعب لو أفاق دمار

وفي السودان هاجم الشيخ حسيب علي حسيب يعنف دعاة السفور فقال:
دعوا في خدرها ذات الدلال ** فقد أرهقتموها بالجدال

رأيت شعورها الحساس مضنى ** على هذا الجمود عن المعالي

تذوب وقد تناذرتم حياء ** بفحش اللفظ أو هجر المقال

ويعلو خدها خفر ينادي ** ألا يا للنساء من الرجال

زعمتم تعشقون لها صلاحًا ** فظني أن ذا عشق الجمال

ومسألة السفور غدت قديمًا ** لدى الكتاب مشكلة النضال

وما أحد لها يدعوا فماذا ** يريد الناس من قيل وقال

أحب في مناجاة الغواني ** ترى أم ذاك زهدًا في المعالي

بلى فالعلم عندهم كريم ** ولكن المتيم غير سال

دعوها فهي تؤلمها كثيرًا ** سهام المصلحين بلا اعتدال

عجبت لحلمهم في كل خطب ** وإن ذكر البنات دعوا نزال

وقال آخر:
زعموهن بالحجاب عن ** العلم ونور العرفان محتجبات

بنت مصر كالشمس يحجبها ** الليل وراء الآفاق والظلمات

وهي في أفقها ضياء ونور ** ساطع في جدورها النيرات

أو هي المسك ينفذ العرف منه ** من وراء الأستار والحجرات

انتهى. من التيار التراثي العربي الحديث د/ سعد دعيبس ص (148).
الخطوة الثالثة:

.كتاب المرأة الجديدة:

لم يلبث مؤلف تحرير المرأة حين واجه هذه المعارضة التي أحرجته كثيرًا أن أسفر وجهه الحقيقي وخلع عنه ثوب الحياء وقناع التدين وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة في كتاب ظهر في العام التالي وهو كتاب المرأة الجديدة الذي بدأ فيه أثر الحضارة الغربية واضحًا فالتزم فيه مناهج البحث الأوربية الحديثة التي ترفض كل المسلمات والعقائد السابقة سواء منها ما جاء من طريق الدين أو ما جاء من غير طريقه، ولا تقبل إلا ما يقوم عليه دليل من التجربة أو الواقع على حسب المنهج الذي يسلكه باحثو الاجتماع الأوربيين وهو ما يسمونه ب المنهج العلمي فتراه يعتمد على آراء مفكري الغرب ويصطنع أساليبهم في الإحصاء وفي الدراسات النفسية والاجتماعية والتجريبية.
بينما كنت تراه هادئًا في كتابه الأول يحوم حول النصوص الإسلامية ويمتص من رحيقها لتعضيد مواقفه في المطالبة بحقوق المرأة انقلب في الكتاب الثاني يسلط حمم غضبه ويستعمل عبارات قاسية في التعبير عن رأيه عبارات لا تقرها المرأة ذاتها فهو لا يقبل- بزعمه- حق ملكية الرجال للنساء ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى ولو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحددها قانون.
والمرأة الجديدة التي قصدها قاسم أمين هي المرأة الأوربية التي أراد من المصرية أن تتحول إليها وتتخذها مثلًا أعلى. قال قاسم:
هذا التحول هو كل ما نقصد وغاية ما نسعى إليه هو أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع وأن تخطو هذه الخطوة إلى سلم الكمال وأن تكون مثلها تحررًا فالبنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى أخرى ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما وكان من تحررها أن يكون لها أصحاب غير أصحاب الزوج والرجل يرى أن زوجته لها أن تميل إلى ما يوافق ذوقها وعقلها وإحساسها وأن تعيش بالطريقة التي تراها مستحسنة في نظرها.
وطلب قاسم أمين من المصريين أن يتخلصوا مما وقر في أنفسهم من أن عاداتهم هي أحسن العادات وأن ما سواها لا يستحق الالتفات وقال: إن طالب الحقيقة لا يجب أن يجري في إصدار أحكامه على هذا الضرب من التساهل بل يجب أن يعود نفسه على أن يجري نقده للحوادث الاجتماعية على أسلوب علمي ص (75).
ويقول في موضع آخر: إن التشريح الفسيولوجي والتجربة في البلاد التي منحت المرأة حريتها قد أثبتت أن المرأة مساوية للرجل في الملكات ويستشهد في معرض كلامه عن أثر حرارة الجو في إثارة الشهوة بكلام كاتب إيطالي يقول: إن العفة تكتسب بمنح الحرية للمرأة وإن اختلاف الأجواء لا أثر له في ذلك.
ثم يقول في موضع آخر: لما تخلصت المرأة المصرية من الاستعباد رأت نفسها في أول الأمر في حيرة لا تدري معها ماذا تصنع بحريتها الجديدة وهكذا يكون الحال بالنسبة لحرية النساء: أول جيل يظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها ويظن الناس أن بلاء عظيما قد حل بهم لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ومع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئًا فشيئًا وترتقي ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنسانًا شاعرًا بنفسه.
ويقول في موضع آخر: إننا قد ورثنا الصورة التي كوناها عن المرأة من العرب الذين قامت حياتهم- حسب زعمه- على الغزو والنهب ومن ثم لم يكن فيها للمرأة نصيب ثم لم يكن لها نصيب في تربية الولد لأن تربيته كانت مقصورة على تغذية جسمه ليشب مقاتلًا لا عالمًا فاضلًا وصورة المرأة هذه التي ورثها المسلمون- حسب زعمه- عن العرب قد تكون صحيحة بالقياس إلى الماضي ولكنها مزورة إذا نظرنا إلى الحال والمستقبل. اهـ.