فصل: تلميذ المدرسة الاستعمارية وبداية تحرير المرأة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان سعد زغلول من الذين تخرجوا من الأزهر الشريف ودرسوا الحقوق واحترفوا المحاماة واتصل برجال تركيا الفتاة الذين قضوا على الخلافة الإسلامية في تركيا وكانت الأميرة نازلي فاضل تؤيد أفكارهم فالتقت فكريًا بسعد زغلول وعهدت إليه بالإشراف على ممتلكاتها وعن طريق منتداها بدأ نجمه يبزغ في ظل نجم الأميرة ونجم الشيخ محمد عبده ثم سطع نجمه عندما مثل أول أدواره السياسية بوصفه صهر مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء المصري وأحد المقربين إلى اللورد كرومر سنة 1907 ثم عندما أسس حزب الأمة الذي بارك اللورد كرومر تكوينه راجيًا أن يحد به من نفوذ الحزب الوطني ذي النزعة الإسلامية بقيادة مصطفى كامل- ثم أسند اللورد لسعد زغلول نظارة المعارف مكافأة له على خدماته قبل أن تتغير الاتجاهات السياسية في مصر في نهاية الحرب العالمية الأولى وثورة سنة 1919، وفي هذه الفترة التي قدر لسعد زغلولا أن يقرر فيها تاريخ مصر قطعت مسألة تحرير المرأة شوطًا لم يكن يتحقق لها بدونه ومن ثم فقد بز دوره الشيخ محمد عبده وقاسم أمين معًا وذلك لأن سعد زغلول- كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا- في مجلة المنار 28 / 711، 712: دخل في أطوار التفرنج في معيشته وأفكاره الاجتماعية وغلبت نزعة المصرية عنده على فكر الجامعة الإسلامية ولم يعد يذهب إلى المساجد وهو خريج الأزهر الشريف إلا في مناسبات الاحتفالات الرسمية وبعض صلوات الجمعة في زمن زعامته وأنكر عليه أهل الدين أمورًا منها عمله في تجرئة النساء على السفور المتجاوز للحد الشرعي حتى لقد بدا للعيان أنه لو كان الأمر بيد سعد زغلول لحول مصر إلى تركيا كمالية ولكن حال دون ذلك نزوع المصريين الفطري إلى التدين والتمسك بعرى الدين وخوف سعد- إذا تمادى في تحدي مشاعر الناس الدينية- من أن يفقد شعبيته واحترام البسطاء له. اهـ.
سعد زغلول أول وزير مصري في ظل الاحتلال:
لقد بدأ الزعيم حياته السياسية صديقًا للإنكليز وختمها كذلك صديقًا للإنكليز وبدأها بمصاهرة أشهر صديق للإنكليز عرفته مصر في تاريخ الاحتلال الإنكليزي من أوله إلى آخره وهو مصطفى فهمي باشا أول رئيس وزراء في مصر بعد الاحتلال.
وقد اختار اللورد كرومر سعدًا وزيرًا للمعارف فحاول بمجرد تعيينه إحباط مشروع الجامعة المصرية وتصدى للجمعية العمومية حينما طالبت الحكومة في مارس 1907 بجعل التعليم في المدارس الأميرية باللغة العربية وكان وقتئذ بالإنكليزية وكان الاحتلال هو الذي أحل اللغة الإنكليزية محل العربية في التدريس وبعد تعينه وزيرًا أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور فدخل عليهن وبهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن فرفض الدخول والاجتماع بهن إلا أن يكشفن وجوههن فأبين ذلك ولم يحصل الاجتماع.
ومن هنا فلا تعجب إذا رأيت مصطفى كامل يعلق على تصرفات الوزير سعد زغلول قائلًا: إن الناس قد فهموا الآن أوضح مما كانوا يفهمون من قبل لماذا اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا الأمين على وحيه الخادم لسياسته........ ألا إن الذين كانوا يحترمون الوزير كقاض ليأسفون على حاضره كل الأسف وليخافون على مستقبله كل الخوف ويفضلون ماضيه كل التفضيل ذلك لأن الوزير قائم الآن على منحدر هائل مخيف. اهـ.
ولنختم هذا الفصل بما كتبه سعد زغلول عن اللورد كرومر قال: كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية، وكان يصفه بأن صفاته- أي كرومر- قد اتفق الكل على كمالها.
ويحكي سعد في مذكراته وقع خبر استعفاء كرومر من منصبه / 1907 عليه فيقول: أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها... لقد امتلأت رأسي أوهامًا وقلبي خفقانًا وصدري ضيقًا.
وكان سعد في مقدمة الداعين إلى إقامة حفل لتوديع اللورد كرومر الذي سب في خطاب وداعه المصريين جميعًا ولم يمدح إلا رجلًا واحدًا هو سعد زغلول وأعلن أنه يترك مصر مستريحًا لأنه أقام فعلًا القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال وصدق فقد ألف في ذلك العام حزب الأمة وأصبح لطفي السيد حامل لواء الجريدة.
قال الدكتور السيد أحمد فرج: إن حزب الأمة أنهى علاقاته بالجذور القديمة الإسلامية وصفى آثارها تمامًا ليهيئ الجو للفكر العلماني الذي أطبق على البلاد بلا شريك- لأول مرة- وفرض أسلوب الغرب في الحكم والتربية والتشريع والاقتصاد، يوضح ذلك بيان الحزب نفسه الذي صدر ليحذر بجلاء الذين يتهمون هذه الحركة الجديدة حركة حزب الأمة بأن لها مظهرًا من مظاهر التعصب الديني أي ال pan Islamism لأنهم يريدون بهذه التهمة أن يبعدوا بيننا وبين أحرار الأوربيين خاصة وأنهم يعلمون أن المصريين أبعد الناس عن هذه التهمة وأبرؤهم منها. اهـ. المؤامرة على المرأة المسلمة ص (17). وانظر: قصة حياتي أحمد لطفي السيد ص (44).

.تلميذ المدرسة الاستعمارية وبداية تحرير المرأة:

لم يكن يتخيل أحد أن يجاهر أحد من القائمين على دعوة تحرير المرأة بأن هذا التحرير في مفهومه يرادف الأسر بل ويرادف الانحلال بكل ما تحتمله الكلمة من معان.
ومع وضوح السلسلة التاريخية التي مرت بها حركة تحرير المرأة والتي سردنا بعضًا من حلقاتها فيما تقدم ومع إمكان الاختلاف في تحديد بدايتها على وجه الدقة إلا أنه لم يوجد قلم يحترم نفسه جرؤ على الزعم بأن عام 1800م هو عام تحرير المرأة المصرية!
وأن الحملة الفرنسية كانت نقطة الانطلاق إلى تحرير المرأة من كل قيد وأول ذلك قيد الدين والخلق والحياء.. فماذا عن عام 1800؟.
عام 1800 عام هزيمة ثورة القاهرة الثانية عام سبي جنود الاحتلال الفرنسي لنساء مصر وبناتها وغلمانها... هو عام تحرير المرأة المصرية.
لقد انفرد بهذا الكشف لويس عوض! يقول:
أما عام 1800م فهو عام تحرير المرأة ففي الجبرتي وصف لبدايات حركة السفور ووصف لبدايات حركة تحرير المرأة ووصف لما أصاب بعض نساء القاهرة من انطلاق نتيجة لمخالطة المصريين للفرنسيين ومحاكاتهم في الزي وفي السلوك.
ويستشهد لويس عوض على حركة التحرير هذه بقول الجبرتي: ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقنها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن وكان ذلك التداخل أولًا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات وصرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في حوز الفرنسيين ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهم لهن وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجًا فرادى وأزواجًا فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك. اهـ.
هكذا يفهم لويس عوض من العبرات السابقة للجبرتي أنه كانت هناك ثورة نسائية أو ثورة حريم في مصر أو على الأقل في القاهرة عام 1800 ومع أن الجبرتي لم يترك فرصة لسوء الفهم هذا فإن تلميذ المدرسة الاستعمارية يصر على أنها ظاهرة عامة نابعة عن ثورة تحررية! وليست حالة انهيار تحدث في جميع المجتمعات التي تتعرض للاحتلال والنهب والسلب والتجويع وأسر بنات الأسر كالجواري ووضعهن في معسكرات الجنود مأسورات.
مؤرخ المدرسة الاستعمارية يجعل من انحطاط المرأة إلى حد التكسب بالفاحشة ثورة نساء وبداية تحرر المرأة!
وهو بذلك يعكس احتقارًا عميقًا للمرأة كما يعكس مفهومًا وقحًا لمعنى تحرر المرأة ولكنه لا يكتفي بذلك بل يصر على أن يجعل هذا التحرر بعلم رجال مصر ورضاهم.
والجبرتي دقيق وواضح حين يبين أن الفريق الأول أو الرائدات هن من النساء الأسافل والفواحش أما الفريق الثاني من الحرائر فهو يعتذر عنهن بالأسر ولكن لويس عوض يأبى إلا أن يلوي عنق النص ويدعي أن الجبرتي يتحدث عن الحرائر من ربات البيوت وبناتها... عن سيدات المجتمع وهؤلاء ما كان يمكن أن يخالطن الفرنسيات والفرنسيين إلا برضاء الأولياء عليهن. اهـ.
وهكذا بزعم تلميذ المدرسة الاستعمارية أن المجتمع المصري المتحرر تحولت نساؤه إلى بغايا وتحول رجاله إلى قوم يرضون بذلك!
ثم تأمل افتراءه- عامله الله بعدله- حينما يدعي أن طبقات النساء اللواتي حاكين المتفرنسات والعادات الفرنسية وطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار قد اتسعت بتأثير سبايا الفرنسيين المتحررات من بنات بولاق. اهـ.
نعم في منطق لويس عوض وأمثاله لا تتعارض كلمة سبايا مع كلمة متحررات لأن الحرية التي هي مسار الجدل هنا هي الحرية الشهوانية بمعناها السوقي المبتذل ومن ثم يمكن أن تكون المرأة جارية سبية وفي نفس الوقت متحررة بل وطليعة ثورة تحررية لأنها تتبرج في ثيابها وتخرج سافرة الوجه متأبطة ذراع محررها ومالكها في نفس الوقت ومن ثم يمكن أيضًا- في منطق الرجل- الفصل بين حرية المرأة المملوكة وبين حرية الوطن الأسير.
إن ظاهرة الاحتلال ظاهرة عامة في المستعمرات ولا علاقة لها بمركز المرأة إذ إنها ظاهرة تنشأ عند قشرة المجتمع عند نقطة احتكاكه بالمحتل الأجنبي وهي حينئذ لن تتحول إلى ثورة نسائية ولا إلى حركة تحرير المرأة لأن المرأة لا تتحرر على يد جيش احتلال يهتك الأعراض ويدنس الحرمات.

.الاستعمار الأوربي حملة صليبية جديدة:

{ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: 217].
كان الجندي الإيطالي يرتدي لباس الحرب قادمًا لاستعمار بلاد الإسلام وهو ينشد بأعلى صوته:
يا أماه... أتمي صلاتك.... ولا تبكي بل اضحكي وتأملي... ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا... لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة... ولأحارب الديانة الإسلامية... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن....
والمتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب وشعوب الإسلام يلاحظ حقدًا مريرًا يملئ صدر الغرب حتى درجة الجنون يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام إلى أبعد نقطة في النفسية الأوربية.
هذا الحقد وذلك الخوف لا شأن لنا بهما إذا كانا مجرد إحساس نفسي شخصي أما إذا كانا من أهم العوامل التي تبلور مواقف الحضارة الغربية من الشعوب الإسلامية سياسيًا واقتصاديًا وحتى هذه الساعة فإن موقفنا يتغير بشكل حاسم.
سوف تشهد لنا أقوال قادتهم أن للغرب والحضارة الغربية بكل فروعها القومية وألوانها السياسية موقفًا تجاه الإسلام لا يتغير إنها تحاول تدمير الإسلام وإنهاء وجود شعوبه دون رحمة.
حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين فعادوا يخططون من جديد لينهضوا.. ثم ليعودوا إليهم بجيوش جديدة وفكر جديد وهدفهم تدمير الإسلام من جديد.