فصل: السفور مَطِيَّة الفجور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.السفور مَطِيَّة الفجور:

عن النواس بن سمعان عن رسول الله أنه قال: ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم.
وعن حذيفة أنه قيل له: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟ قال: لا ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه.
ومعلوم أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها فكلما فرط من العبد معصية قالت أخرى إلى جانبها: اعملني أيضًا فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا حتى تصير المعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة بحيث لو عطل المسيء سيئاته لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه أنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولا يزال المسكين يألف المعاصي حتى ينسلخ من قلبه استقباحها فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له بل يحبها حتى يرسل الله عليه الشياطين تؤزه إليها أزًا فيكونون أعوانًا عليه.
وقال شيخ من أهل الشام: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولًا لم ينج آخرًا وإن كان جاهدًا.
وفي بعض الآثار: إذا استشرفت للفتن استشرفت لك ومن هنا قال أبو السعود في مراقي السعود:
سد الذرائع إلى المحرم ** حتم كفتحها إلى المنحتم

إن الذي يسمح لقدمه أن تنزلق خطوة واحدة في أول الطريق لا يدري إلى أين تسوقه قدماه وإلى أين ينتهي به المسير لذا كان علينا أن نضع للأشياء حدودًا لا نسمح لأنفسنا بتخطيها.

.سنة إبليسية:

لقد نهج دعاة التحرير نفس منهج إمامهم الأول إبليس لعنه الله إذا ما كان من إبليس إلا أن زيف للأبوين الحقيقة وألبس الحق لباس الباطل والباطل لباس الحق لم يأت الشيطان ليقول للإنسان: كل من الشجرة المحرمة كي يغضب الله عليك ويطردك من جنته وينزلك إلى دار الشقاء بل قال له: إن في الأكل من الشجرة سعادتك وهناءك وخيرك وقال له: إن أنت أكلت من الشجرة حصلت على الملك العظيم والحياة الخالدة وتحولت إلى ملك غير قابل للفناء.
وزيادة في الإضلال وإمعانًا في التغرير بآدم أقسم له ولزوجه أنه صادق فيما يقول وأنه ناصح لهما يقدم لهما الخير ويدلهما على الطريق الحق {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} طه (120)، {وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وما النتيجة؟ {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}. {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}.
وهكذا تذرع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى يستنزل بها المرأة المسلمة من عليائها وعفتها وما كان للمسلمة أن تطيعه أبدًا إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب والتعفف إلى ما نراه الآن مثلًا على شواطئ البحار وفي دور الخيالة لكن الخبيث تدرج معها ابتداءً بأن السفور كشف الوجه جائز شرعًا وانتهاءً بأن خير الهدي هدي أوربا وأمريكا.
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في معرض كلامه عن أثر كشف المرأة وجهها في وقوع الافتتان بها ولهذا أمر النساء بستر وجوههن عن الرجال فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال المحاسن فيقع الافتتان. اهـ.
جاء في ترجمة عبيد بن عمير المكي من ثقات العجلي قال: كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم فقالت: من؟ قال: عبيد بن عمير قالت: فأذن لي فلأفتننه! قال: قد أذنت لك فأتته فاستفتته فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قالت: فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها: يا أمة الله اتقي الله.
ومن قبل قال بعض أهل الأهواء في تصوير فتنة السفور أو الحجاب النصفي:
قل للميلحة في الخمار المذهب ** أذهبت دين أخي التقى المتعبد

نور الخمار ونور وجهك ساطع ** عجبًا لوجهك كيف لم يتوقد

.تمسك المصريين بالحجاب:

لقد بلغ تمسك المسلمين في مصر بالحجاب مبلغًا عظيمًا إلى حد دفع الشاعر حافظ إبراهيم يعبر عن عجز المتفرنجين عن إزاحة النقاب عن وجه المرأة المسلمة ويأسه هو نفسه من استجابة الشعب لتلك النعرة بقوله وبئس ما قال:
فلو خطرت في مصر حواء ** أمنًا يلوح محياها لنا ونراقبه

وفي يدها العذراء يسفر وجهها ** تصافح منا من ترى وتخاطبه

وخلفها موسى وعيسى وأحمد ** وجيش من الأملاك ماجت مواكبه

وقالوا لنا رفع النقاب محلل ** لقلنا لهم حق ولكن نجانبه

مع أن حافظًا هو نفسه القائل:
الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعبًا طيب الأعراق

أنا لا أقول دعوا النساء سوافرًا ** بين الرجال يجلن في الأسواق

يدرجن حيث أردن لا من وازع ** يحذرن رقبته ولا من واقي

يفعلن أفعال الرجال لواهيًا ** عن واجبات نواعس الأحداق

في دورهن شئونهن كثيرة ** كشئون رب السيف والمرزاق

.سياسة تكسير الموجة:

ولما كان تمسك المسلمين بالحجاب أصلًا من أصول نظامهم الاجتماعي نهج أعداء المرأة المسلمة سياسة تكسير الموجة شيئًا فشيئًا وهي سياسة استعمارية معروفة فكانت الخطوة الأولى إبراز فكرة جديدة كنقطة انطلاق يتبعها ما وراءها وتضفي عليها الصبغة الدينية الشرعية حتى لا تصدم شعور العامة ويكون التذرع بالدين وفتح باب الاجتهاد سبيلًا إلى قبولها ولابد في ذلك من استدراج بعض الشيوخ والعلماء لكي يدلوا بدلوهم في القضية باعتبار أنها خلاف فقهي فيه راجح ومرجوح ومن هنا تبدأ القابلية للتردد وزلزلة الأفكار، أجل! لابد أن يبدأ الزحف بصحبة الشيوخ الذين تقدسهم العامة والذين يستغلون في البداية كأسلحة مؤقتة ولا بأس أيضًا بالتنقيب في الأسفار والبحث هنا وهناك عن عبارات وفتاوى مبتورة تبرر الانحراف عن الشريعة ثم بعد ذلك وبعد تمكن الفكرة الجديدة من القلوب وشن الحملات على ما يخالفها من الأوضاع الاجتماعية السائدة يبدأ الانخلاع من الدين شيئًا فشيئًا لتختفي النبرة الإسلامية حينًا ثم تأتي مرحلة الهدم والضرب العشوائي الذي يحطم كل شيء.
لقد بدأت حركة تحرير المرأة على أيدي المتفرنجين فقلدهم بعض الخطباء الجهلة والكتاب الفسقة ونشبت المعركة أول ما نشبت حول كشف وجه المرأة أي السفور وأقام العلماء الناصحون الدنيا وأقعدوها ليحبطوا تلك الدعوة إلى السفور لا لأنه الحكم الراجح في المسألة فحسب ولكن لأنهم فطنوا لحقيقة الخطة المدمرة التي تستهدف القضاء على المرأة المسلمة وتحطيم كيانها لقد نادوا بتخليص المرأة من الحجاب ولزوم البيت والخضوع للآباء والخنوع للأزواج والبعد عن الحياة الاجتماعية والسياسية وواتت هذه الحركة فرصة وجود الأمة المسلمة مستعبدة للأجنبي الكافر مستعمرة له ترزح تحت نيرانه وتأن تحت كلكله تتوجب لما يصب عليها من جم غضبه وما يسومها من سوء عذابه فنسبوا- مكرًا وخديعة- كل ما حل بالأمة المسلمة من تأخر وضعف وهون ودون إلى حجاب المرأة وعفتها وحيائها وبعدها عن التعليم العقيم والسياسة الفاجرة والحياة الاجتماعية الفاسدة.
وانخدع كثير من النساء وأوليائهن بتلك الدعاوى المعسولة المسمومة وأخذت الفتاة المسلمة تتمرد على الحجاب وتحاول التخلص منه فبدأت لأول مرة بإلقاء البرقع الذي كان على وجهها ونزع النقاب من الوجه كذلك فظهرت الوجوه ما يحجبها برقع ولا يغطيها نقاب- وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد كانت خطوة جريئة من المرأة يومذاك صفق لها دعاة السفور وعباد الشهوات ورواد الفجور.

.سنة سيئة:

ثم كان أن خطا الناس إلى أبعد مما نادى به قاسم أمين فقد زعم أنه إنما يدعو إلى الوقوف بالحجاب عندما أمر الله به ولم يدع قط إلى كشف العورات كالأذرع والسوق وغيرها ولم يدع صراحة إلى الاختلاط بالرجال ومراقصتهم كلا ولا دعا إلى شيء مما نراه الآن من انحطاط وتهتك ولكن قاسم أمين- وإن لم يدعو إلى شيء من ذلك صراحة- هو الذي فتح الباب لهذه الدعوات وهو الذي سن تلك السنة القبيحة سنة السفور لتكون ذريعة إلى ما تلاها من فساد وهو الذي خطا بالمرأة المسلمة في طريق يعلم كل عاقل أن الناس لابد أن يسيروا فيه من بعده خطوات وخطوات.. ويعلم كل مدرك واع أن الخلف بين المسلمين وبين الغربيين في هذه القضية خاصة مما لا يرجى معه اتفاق إلا بفناء أحد المذهبين في الآخر تمامًا وبلا قيود وبلا حد وسط.
ومعظم النار من مستصغر الشرر

أخذت الأمور تتطور سريعًا حتى استنفدت دعوة قاسم أمين- في وقت وجيز- كل أغراضها وسارت الحال على سنة التدرج المعروفة واندفع الناس إلى ما وراء السفور في سرعة غير منتظرة فقد بدأت الفتنة العظمى بان خلعت المرأة النقاب وخلعت معه ما هو أغلى منه وأثمن ألا وهو ثوب الحياء الذي طالما صان وجهها أن يكون معروضًا ومبذولًا لكل من شاء أن يراه من أجنبي أو فاسق أو كافر ثم استبدلت المرأة المعطف الأسود بالحبرة وما هي إلا فترة من الزمن حتى امتدت يد التحرر إلى الخمار الذي كان لا يزال يستر شعر الرأس وبدا- لأول مرة- شعر المسلمة مكشوفًا لا شيء عليه يستره عن أعين الناس من أجانب وأقارب وبذلك شل جسم الحياء في المرأة ولم يعد قادرًا على منعها من أن تحدث وتجالس أو تصافح وتضاحك من شاءت من الرجال عامة وأصدقاء وأقارب الزوج خاصة وإن بعدوا أو سفلوا.