فصل: عود على بدء: فصول من المعركة التي دارت بين الحجاب والسفور في بعض البقاع الإسلامية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتابعنا فيما مضى بعض فصول المعركة الفكرية التي انتصر فيها السفور على الحجاب وكانت ساحة هذه المعركة في الغالب صفحات الصحافة ثم الكتب والمطبوعات وقاعات الجامعة وسائر وسائل الإعلام.
وقد كانت هذه الوسائل متوافرة في أيدي دعاة السفور ومن ثم لم تكن المعركة متكافئة ولم تكن الحرب عادلة خاصة إذا انضم غلى ذلك ادعاء السفوريين أن السفور جاء نتيجة طبيعية للتطور الحضاري المرتقب وأن السفور هو اختيار المرأة ذاتها ورغبتها الفعلية الحرة من أجل خلاصها من العبودية.
بل لم يبخل السفوريون بان يخدعوا أنفسهم أو يخادعوا الإسلاميين بقواعد شرعية صحيحة يحرفونها عن مواضعها ويستدلون بها لتسويغ باطلهم.
وتطوع علماء السوء بالتزلف- تحت ضغط سيف المعز وذهب المعز- وراحوا ينتزعون من النصوص الشرعية ما يمكن أن يبرروا به للحكام مخالفتهم للشرع هؤلاء الحكام الذين راحوا يتشدقون بأن الدين في نظرهم ثقافة ليس إلا وإنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين هم أنفسهم رحبوا بالدين طالما صلى لهم رجال الدين صلاة الاستسقاء إذا عطشوا وصلاة النصر إذا انتصروا وصلاة الحاجة إذا مرضوا ثم صلاة الجنازة إذا ماتوا.
معركة سلاحها البطش:
إذا كانت دعوة تحرير المرأة أساسًا دعوة استعمارية أسسها الاستعمار وربى دعاتها على موائده ومكن تلاميذه من نشرها.
وإذا كان هؤلاء السفوريون سلكوا تلك الأساليب الملتوية في عرض دعوتهم لتزييف الحقيقة والصد عن سبيل الله.. وإذا كانت إعراض التآمر واضحة في كل خطوة من خطوات حركة تحرير المرأة.. فهل يمكن بعد ذلك أن يزعم زاعم أن المعركة التي انتصر فيها السفور على الحجاب في بلاد المسلمين كانت معركة شريفة حقًا انتصر فيها السفور لأنه التطور الحضاري المرتقب كما يزعمون ولأنه الرغبة الفعلية للمرأة واختيارها الحر من أجل خلاصها؟
وإذا كانت فصول المعركة الفكرية بعد أن انتهت بهذا الانتصار الكاذب قد تحولت إلى معركة حقيقية تفرضها سياسة جائرة تحكم أمة مستضعفة مقهورة وجنود مسلحون أمام نساء عزل وقوانين إرهابية وإجراءات تعسفية ومشانق تعلق وسجون تعمر ونيران تضرم فهل يمكن بعد هذا كله القول بأنها كانت معركة شريفة انتصر فيها السفور على الحجاب طبقًا للاختيار الحر للمرأة وأنها ثمرة من ثمرات الديموقراطية المزعومة أو الحرية الأسيرة أو التقدم الرجعي الذي يعيدنا إلى الجاهلية الأولى؟
والآن- وقبل أن نستأنف عرض تفاصيل المعركة المسلحة ضد الحجاب- دعونا نطالع أولًا هذه السطور المضيئة للإمام المحقق ابن قيم الجوزية وهو يعدد واجبات أولي الأمر:
مسؤولية الحاكم المسلم:
قال رحمه الله:
ومن ذلك: أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال.
قال مالك رحمه الله ورضي الله عنه:
أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم وأرى أن لا يترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع فأما المرأة المتجالة والخادم الدون التي لا تتهم على القعود ولا يتهم من تقعد عنده: فإني لا أرى بذلك بأسًا انتهى.
فالإمام مسؤول عن ذلك والفتنة به عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وفي حديث آخر أنه قال للنساء: لكُن حافات الطرق ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك.
وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة- إذا تجملت وتزينت وخرجت- ثيابها بحبر ونحوه فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها- ولاسيما إذا خرجت متجملة- بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهن في الطريق فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك.
وقال الخلال في جامعه: أخبرني محمد بن يحيي الكحال أنه قال لأبي عبد الله: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صح به وقد أخبر النبي:
أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيتها فهي زانية.
ويمنع المرأة إذا أصابت بخورًا أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد فقد قال النبي: المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان.
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة. اهـ.
فهذه نبذة يسيرة مما ينبغي أن يكون عليه الحاكم المسلم وأن سلطته- بقوة الشرع الذي يجعل طاعته جزء من الدين- تمتد إلى هذه الحدود الواسعة ردعًا للفسقة ومشيعي الفاحشة ومراعاة لقوله:
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته... الحديث.
قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميه ليمكروا فيها} الآية الأنعام 123.
وقد روى أنه رأى رجلًا وامرأة يتكلمان في الطريق- وقد تكون زوجته أو من محارمه- فعلاهما بالدرة، وقال: ما وجدتما مكانًا غير هذا تتكلمان فيه؟ فأين أنت يا عمر وأين درتك؟ ما أحوجنا إليكما الآن!
وهذا ما جرى من أكابر مجرميها قرانا حيث تمكن منها تلامذة الاستعمار الأمناء على عهده الحافظون لمآربه وهم قوم صغار النفوس لا يقف استهتارهم وعنادهم للشرع عند حد والأمة إذا أسندت أمرها إلى صغار النفوس كبرت رذائلهم لا نفوسهم وإذا حكم الفاسق فقد حكم الفسق.
وللخير أهل يعرفون بهديهم ** إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع

وللشر أهل يعرفون بشكلهم ** تشير إليهم بالفجور الأصابع

وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
قال الأستاذ محمد أديب كلكل مشيرًا إلى فوائد هذا الحديث:
وفيه ربط بين الاستبداد السياسي قوم معهم سياط والانحلال الخلقي ونساء كاسيات عاريات وهذا ما يصدقه الواقع فإن المستبدين من الطغاة والمتسلطين من الفراعنة يشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات ويزينها ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة لكي يبقوا سادرين في غفلاتهم غارقين في شهواتهم لا يهتمون بطغيان ولا يسألون عن انحراف ولا يقاومون ظلمًا ولا عدوان. اهـ. بمعناه.
أجل! لقد تطرف هؤلاء الأكابر في انجذابهم إلى طريق الشيطان حتى خرجوا من الدائرة بالكلية وصاروا هم في الحقيقة الرجعيين المتطرفين الداعين إلى الرجعية الجاهلية المظلمة قبل بزوغ فجر الإسلام.
ومن عجيب أمرهم أنه إذا أنكر عليه منكر فتحهم باب الطعن في أحكام الإسلام احتجوا بأن هذه أمور تخضع للحرية الشخصية وأن لابد من التزام مبدأ حرية الرأي والسلوك أفلا يحتجون بحرية الرأي والسلوك في حق من يكفر بنظمهم الأساسية ويطعن في مناهجهم العلمانية؟ أم أنهم يغارون على دنياهم ويستكثرون منا أن نغار على ديننا؟
يقاد للسجن من سب الزعيم ** ومن سب الإله فإن الناس أحرار

.عود على بدء: فصول من المعركة التي دارت بين الحجاب والسفور في بعض البقاع الإسلامية:

الآن نعرض فصولًا من المعركة التي دارت بين الحجاب والسفور في بعض البقاع الإسلامية وقد تحولت من معركة فكرية سلاحها القلم والتضليل إلى معركة حقيقية سلاحها البطش والإرهاب والتنكيل.
1- في تركيا:
شرع أتاتورك- عليه من الله ما يستحق- قانونه لنزع حجاب المرأة المسلمة وراقب تنفيذه وعاقب مخالفيه وشنق معارضيه.
وقال في تسويغ حربه على الحجاب:
لقد رأيت كثيرات من أخواتنا يغطين وجوههن إذا ما رأين غريب يتقدم نحوهن ومن المؤكد أن هذا الغطاء يضايقهن كثيرًا في الحر. اهـ.
وقام عام 1925 بإجبار تركيا بأكملها- وليس المرأة فقط- على هجر الإسلام كلية حتى الحرف الذي تكتب به اللغة التركية متشابهًا مع لغة القرآن أم نزع حجاب المرأة التركية فقد تم بالإرهاب والإهانة في الطرقات حين كان البوليس يقوم بنزع حجاب المرأة التركية بالقوة.
وهكذا كان نزع الحجاب خطوة ضمن خطة علمانية شاملة لإزالة كل أثر للإسلام في تركيا مركز الخلافة العثمانية ويصور الأستاذ أحمد حسن الزيات بعض ملامح هذه الخطة فيقول:
وألزموا التركي المسلم بلبس القبعة وأرغموه أن يكتب من الشمال وفصلوا الدين عن الدولة وانتزعوا العربية من التركية وألغوا العيدين واستبدلوا بعيد الجمعة عيد الأحد وعطلوا الصلاة بمسجد أيا صوفيا وأسكتوا المؤذنين وأبعدوا المصلين فلا يمرون عليه إلا باكين مستعبرين وحولوه إلى متحف وبيت للأوثان وطمست منه آيات القرآن وأظهرت فيه الصور والأوثان- وكأن أتاتورك وأشياعه قد نقلوا أمتهم المروعة المشدوهةعلى المدرعات إلى الشاطئ الأوربي ثم أحرقوامن ورائها سفائن طارق أجل! لقد حولوا جامع أيا صوفيا وهو مسجد الأستانة الكبير كنيسة بمنع الصلاة فيه ومحو ما فيه من آيات قرآنية وأحاديث والكشف عما ستره المسلمون الفاتحون من الصور التي زعمها النصارى للملائكة ومن يسمونهم القديسين والصلبان ونحوها من نقوش نصرانية.
وفي هذا قال حافظ:
أيا صوفيا حان التفرق فاذكري ** عهود كرام فيك صلوا وسلموا

إذا عدت يومًا للصليب وأهله ** وحلي نواحيك المسيح ومريم

ودقت نواقيس وقام مزمر ** من الروم في محرابه يترنم

فلا تنكري عهد المآذن إنه ** على الله من عهد النواقيس أكرم

ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة في 3 مارس عام 1924 من دون مناقشة للجمعية الوطنية وصدر قانون يحكم بالإعدام على من يتآمر على عودتها.
وفي نفس العام 1924 صدر قانون بإلغاء التعليم الديني وجعل التعليم مدنيًا فقط ثم ألغيت المحاكم الشرعية وأصبحت التركية هي لغة البلاد وأنقرة هي عاصمتها.
وكان أتاتورك يجوب تركيا لابسًا قبعة من القش وكان يثور كلما رأى رجلًا يلبس الطربوش وقد أثار أزمة مع سفير مصر في أنقرة إذ صرخ فيه في إحدى الحفلات:
قل للملك إني لا أحب هذا اللباس.
وفي عام 1926 ألغى الزواج الشرعي وجعله مدنيًا وألزم توثيقه أمام موظفي الدولة وقد أمر أتاتورك الأتراك بالتوقف عن إلقاء السلام بالفم ونصحهم بأن تكون تحيتهم بالمصافحة باليد وحرم ارتداء الملابس الدينية لغير رجال الدين ثم ألغى الحريم وأصدر قانونًا بإلغاء الحجاب للمرأة وألغى تعدد الزوجات وأدخل التعليم المختلط... واستبدل بالقانون المدني التركي القانون السويسري وأوقف التقويم الهجري وأمر باستخدام التقويم الميلادي وجعل العطلة الأسبوعية يوم الأحد من كل أسبوع.
وهذه صحيفة السياسة الأسبوعية تكتب مقالًا عن فتاة تركيا 1926 تصف فيه باخرة اتخذتها وزارة التجارة التركية معرضًا عامًا في رحلة على نفقة الحكومة تنتقل فيها بين موانئ أوربا الشهيرة فتقول أن هذه الباخرة كانت تقل خمسًا وعشرين فتاة من فتيات تركيا الجديدة كلهن جميلات مقصوصات الشعور لا يكاد يميزهن الرائي من فتيات لندن وباريس.