فصل: ردة ونكسة ومأساة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجاء في جريدة الأخبار على لسان باحثة أمريكية مشهورة تدعى الدكتورة إيدالين ما نصه: إن تدهور الأخلاق في أمريكا راجع إلى ترك المرأة بيتها واشتغالها بالحياة العامة وإن عودة المرأة إلى نظام الحريم هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الخلقي الذي يسير فيه. اهـ. من الحركات النسائية في الشرق ص (35).
لا ينقصها إلا قاسم أمين جديد ليطلق صرخته مرة أخرى.. وربما تكون نوعًا من الموضة تأخذ مداها ثم تتلاشى بعد فترة طالت أو قصرت وقد تكون حنينًا على العودة إلى رحاب الروحانيات بعد أن طغى سلطان المادة على نواح كثيرة في حياتنا إلى آخر هذه التساؤلات التي تتبادر إلى أذهاننا جميعًا.
ثم تعبر عن حسرتها وقلقها قائلة: إن هذه الظاهرة انتشرت وبصورة أكثر وأوسع داخل كليات الطب في الجامعات الثلاث.
ثم تنقل الكاتبة في حوارها كلمة دكتور يوسف عبد الرحمن رئيس قسم الفسيولوجيا بطب القاهرة:
باعتباري رجلًا مسلمًا أفضل الزي الإسلامي فهو مستحب لأنه حشمة ويخفي عورة المرأة وهذا الزي كما أعرف لا يعوق المرأة عن العمل أما النقاب الذي ظهر حاليًا فهو غير مستحب ولا أفضله أبدًا فهو يقترب بالمرأة من الرهبانية ولا رهبانية في الإسلام ثم يقول:
وما دامت المرأة قد خرجت إلى الشارع والعمل فلابد أن يتعرف عليها المدرس وكمسري الأتوبيس وكل من يتعامل معها أما النقاب فهذا غريب وغير عملي في هذا العصر وأنا أعلم أن النقاب كان موجود في العصور المظلمة فقط انتهى كلامه.
وهذه مها عثمان تكتب في آخر ساعة مقالًا بعنوان ظاهرة الحجاب: لماذا؟.
وتقول: ظاهرة الحجاب من الظواهر اللافتة للنظر الآن ليس فقط في الشارع المصري وإنما في الدواوين والمصالح الحكومية والكثير من مواقع العمل والظاهرة تتنامى ويأخذ معها الحجاب أشكالًا متعددة.
والأسئلة التي تثيرها تلك الظاهرة عديدة وفي مقدمتها: لماذا الحجاب؟ وماذا وراء تلك الظاهرة؟ ثم ما هو الفرق بين الحجاب والنقاب؟ وتحاول الكاتبة الإيحاء بأن الحجاب تقليد مملوكي أو تركي.
ثم تقول: وظلت المرأة تحرص على وضع النقاب على فمها وأنفها عند ظهورها في المجتمعات الراقية واستمر حجاب المرأة بهذه الطريقة حتى دعا قاسم أمين إلى السفور عام 1912 والتحرر من قيود هذه الأغطية وغيرها.
وتتسلل روح التغريب وكراهية الحضارة الإسلامية بين السطور فتقول الكاتبة:
ويمكننا فهم دعوة قاسم أمين للسفور وإلغاء الحجاب على إنها دعوة للإنسان للأخذ بقيم الحضارة الغربية على حساب حضارة أخرى وهي الحضارة التي تمثلها الدولة العثمانية.
فما هي تلك الحضارة الأخرى التي تمثلها الدولة العثمانية إن لم تكن الحضارة الإسلامية؟
ثم تمضي الكاتبة قائلة: وقد نجحت دعوة قاسم أمين حيث كان الجو العام مهيئًا.. وأصبح هذا النمط السائد في التعليم والملبس والمسكن والقانون والسياسة والفلسفة لكن إذا كان هذا هو ما حدث في فترة تاريخية معينة فما هو تحليل عودة الحجاب مرة أخرى؟.
المركز القومي للبحوث الاجتماعية في حالة طوارئ بسبب عودة الحجاب تقول الدكتورة زينب رضوان رئيسة وحدة البحوث الدينية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية:
إن هذه الظاهرة من أهم الظواهر التي اهتم المركز برصدها وتحليلها ولذلك فقد أجري بحثًا حول عوامل هذه الظاهرة وأسبابها والتفاعلات الاجتماعية المرتبطة بها والصلات التي تربط الحجاب بالعوامل الاقتصادية والثقافية والدينية وتلك التي تتعلق بالتنشئة الاجتماعية.
وقد ضم هذا البحث تقريرين أحدهما يتعلق بالطالبات والثاني يهتم بالموظفات وقد تناول البحث حوالي 800 من الفتيات ما بين محجبات وغير محجبات.. واهتمت الأسئلة بالدوافع بالنسبة لكل من الطالبة والسيدة المتزوجة.. وهل هي واحدة أم أنها مختلفة؟ وهل هذه الدوافع دينية أم أنها لأسباب أخرى؟.
وتضيف الدكتورة زينب رضوان: إنه ينبغي لنا أن نسجل ملاحظة هامة وهي:
أن الإنسان يتصرف وفق ما يعتقد أنه صحيح لا وفق ما هو صحيح بالفعل ولذلك فبعض المحجبات يرفضن المساواة بالرجل مستشهدات بالآية الكريمة {الرجال قوامون على النساء} وهذا تفسير نختلف عليه.. والحجاب ليس مجرد مظهر ولكنه سلوك إسلامي حضاري ثم تستطرد قائلة:
إنه إذا أردنا إن نضع هذه الظاهرة داخل إطار معين وأن نفسرها فسنجد أن هناك ثلاثة تفسيرات مختلفة:
التفسير الأول: يرى أن الحجاب في مصر يدخل ضمن مجموعة من الظواهر التي يمكن التأريخ لها عام 1967 وأنه دليل على اتجاه المجتمع للبحث عن بديل للفكر والقيم والسلوكيات العلمانية التي نقلها مجتمعنا عن الغرب ولهذا فإن هذه الظاهرة ما هي في الحقيقة إلا جزء من فكر بديل ألا وهو البديل الديني. اهـ.
لا.. لا أيتها الباحثة! حاشا أن يكون دين الإسلام بديلًا فبئس ما قلت إنما العودة إلى الإسلام عودة إلى الله بعد أن طغى سلطان اللادينية في ظل انقلاب يوليو 1952 وليس الإسلام في ذلك بديلًا كأي بديل ولكنه سير على الطريق الوحيد الموصل إلى سعادتي الدنيا والآخرة فكل طريق إلى الجنة مسدود إلا طريقًا على رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجب ما كان قبله».
وليس الإسلام بديلًا ولكنه هو الأصل وما عداه طارئ بل ما عداه زبد حانت له الفرصة يومًا ما أن يطفو على السطح ثم لم يلبث أن تلاشى كأن لم يكن: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض} (الرعد 17).
قال فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى حلمى حفظه الله في تحليل ظاهرة عودة الشباب إلى الدين:
وكما يفيق المغمى عليه ويعود إلى نفسه كذلك أخذت الطلائع الشابة الواعية ترقب فشل الأنظمة المستوردة من الشرق أو الغرب التي أدى تطبيقها إلى المزيد من الفشل والهوان وأدركت أن هذا الفشل يرجع إلى بعد الأمة عن طريقها وانقطاع صلتها بالعقيدة والتراث وأخذ صوت الإسلام يدوي بين الصفوف لم الاستغراب إذن من عودة ظهور التدين بين شباب الإسلام؟ إن العقيدة لم تختف أصلًا بل ظلت باقية كل ما هنالك أنها اختفت وراء ستر رقيق ذلك أنه ينبغي التمييز بين العوامل الجوهرية للنهوض بالأمم واندثارها وبين مظاهر التدهور والضعف التي تنتابها بين حين وآخر كعوارض مرضية تظهر لتختفي. اهـ.
ثم تقول الكاتبة:
التفسير الثاني: يحاول أن يتجاوز الواقع المصري إلى الواقع الإسلامي بأكمله فهو يرى أن الحجاب ما هو إلا نوع من الإحياء للحضارة والثقافة الإسلامية في مواجهة الطابع الإنساني للعلاقات التي سقطت فيها الحضارة الغربية.
أما التفسير الثالث والأخير: فهو يرى أن الحجاب شكل من أشكال الرفض التلقائي للظواهر الاستهلاكية التي بدأت تسود مجتمعنا والتي تحول هذه المجتمعات إلى أسواق استهلاكية تابعة للحضارة الرأسمالية الغربية المنتجة فهي صحوة تحاول الحفاظ على طهارة الذات القومية في مقابل الترف الاستهلاكي. اهـ.
ولن نشغل أنفسنا بمناقشة هذه التفسيرات الهزيلة لأن هدفها واضح وهو إضعاف الصبغة الإسلامية لعودة الحجاب والتشويش على نوايا الفتيات المخلصات لربهن المعتزات بإسلامهن والانحراف بهذه الظاهرة الإسلامية الواضحة إلى مفاهيم مائعة تفت في عضد الملتزمات وتوهن عزيمة الراغبات في التحجب وهيهات هيهات، {ولتعرفنهم في لحن القول} سورة محمد (30).

.ردة ونكسة ومأساة:

.زكي نجيب محمود:

أعداء الإسلام من المنافقين المتمسلمين الكارهين لما أنزل الله الصادين عن سبيل الله الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف لا يملون ولا يكلون من ممارسة هوايتهم الرخيصة في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا والترويج للذرائع المفضية إلى مزيد من الفساد والإفساد لهذه الأمة الغافلة عما يراد بها إنهم لا يألون جهدًا في قطع صلتنا بأسلافنا ووصل الحبال مع أعداء ديننا الكارهين- أيضًا- لما أنزل الله.
نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 9 / 4 / 1984م مقالًا بعنوان ردة في عالم المرأة للفيلسوف الهرم الذي أفنى عمره داعية لثقافة الغرب وكارهًا للحياة في ظلال الإسلام إنه الرجل الذي رشح لاقتعاد محل الصنم الضال طه حسين بعد هلاكه الذي أنفق ردحًا من عمره في دراسة الفكر المادي الذي كانت قمته كتابه المعروف بخرافة الميتافيزيقا أي بمعنى آخر: اتهام مفهوم الغيب بأنه خرافة وإنكار كل ما سوى المحسوس تبعًا لمدرسة الفيلسوف الملحد أوجست كنت تلك المدرسة التي يفاخر فيلسوفنا الهرم بأنه يمثلها.
إنه الكاتب الذي باع عقله للهوى وانضوى تحت لواء الأعداء فهو جندي من جنود الاستعمار الفكري والانحراف الخلقي إنه الرجل الذي لم يستح أن يجهر في الأهرام بقوله: من الخطأ الظن بأن التشريع الإلهي قد غطى كل معضلات الحياة.
لقد أثار الفيلسوف الهرم في مقاله قضية المرأة ومن خلال هذه القضية أثار قضية أخرى أخطر وأهم وهي قضية ارتباط جيلنا بدينه وأسلافه المسلمين أكثر من ارتباطه بجيل الآباء ورأى الكاتب في هذا الارتباط خطرًا وبيلًا على الفكر والأمة والمستقبل.
وأول ما يفجع القارئ أن يرى الكاتب يعنون مقالته بقوله: ردة في عالم المرأة فلربما يستبشر القارئ ويخيل إليه من أول وهلة أن الكاتب يقصد استنكار الحال الذي وصلت إليه بعض النساء اللاتي ارتددن عن الإسلام بأن تكون منهن- مثلًا- من قد أنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو استحلت شيئًا حرمه الله أو أنها اتهمت شرع الله بالنقص أو طعنت في حكمه سبحانه وتعالى أو اتهمت الإيمان بالغيب بأنه خرافة مثلًا ولكن القارئ لا يلبث أن يصدم شعوره حين يرى الكاتب منكوس القلب منكوس الرأي مطموس البصيرة مركوس السريرة قد رأى الأشياء على عكس حقائقها كالمريض الذي فسد مزاجه فإنه يحس بالأشياء على خلاف طبائعها:
وما على العنبر الفواح من حرج أن مات من شمه الزبال والجعل فتراه كالجعل الذي اعتاد الخبائث فهو يندفع إليها ويسقط عليها وينفر غاية النفرة أو يموت من الروائح الطيبة.