فصل: أما عن علاقة النكسة بعودة الحجاب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نقول: نعم! إن المرأة المصرية حين ألقت بحجابها في بداية القرن العشرين في مياه البحر عند الإسكندرية إنما ألقته عندما كان البحر الأبيض المتوسط في حالة الجزر فانحسرت الأمواج عن شواطئ الإسكندرية وهي تحمله فوق زبدها فلما أسبل الليل سدوله انتشر الظلام وهبت الريح العاتية وخضع البحر لعوامل المد فزحف الموج عائدًا إلى الشاطئ حاملًا مع ما فوقه من الزبد الميني جيب فالتقطه قلة من المصريات وفرحن به فارتدينه أسوة بأخوات لهن في أوربا وأمريكا فكشفت كل واحدة منهن عن ساقيها وسرن بهذا اللباس في الطرقات وذهبن به إلى بعض أماكن العمل ثم دار الزمان دورة أخرى وجاء ليل مظلم آخر وسيطر على البحر عامل المد مرة ثانية وزحف الموج كعادته عندما يعم الظلام قاصدًا شواطئ الإسكندرية وحاملًا ملابس البحر فوق زبد الموج الزاحف فهرعت إليه قلة قليلة من فتياتنا وأعجبن به كما أعجبت به من قبل أخوات لهن في أوربا وأمريكا فارتدينه وسرن به شبه عاريات على بعض شواطئ الإسكندرية واستمر سيرهن على هذا الحال... اهـ.
حتى شاء الله أن يعود لهؤلاء الفتيات أو لقسم كبير منهن الوعي بحقائق الإسلام التي جهدت مدرسة السفور أن تطمسها.. وعاد الوعي بأباطيل خصوم الإسلام ومؤامراتهم.. وعاد الوعي بحقيقة الرائدات والرواد الذين أضرموا فتنة ما يسمى ب تحرير المرأة.. وكانت نتيجة ذلك كله ضرورة أن عاد الحجاب.
إن الفرق بين نهار المرأة المسلمة المحجبة وليلتها البارحة هي أنها أدركت أنكم يا شياطين الظلام تعيشون في حالة ردة عن دين الله القويم إلى الجاهلية الأولى ونكسة إلى الفرعونية الوثنية ومأساة يرثى لكم من أجلها من أنعم الله عليهن بالهداية إلى الصراط المستقيم.
ولعل من أغرب ما في كلام الفيلسوف الهرم أن أكثر ما يشعل النار نار الغيظ في قلبه هو أن الفتيات يرتدين الحجاب طوعًا لا كرهًا بمحض اختيارهن وقناعتهن الذاتية وحريتهن الشخصية فإذا كان هو أحد دعاة احترام الحرية الشخصية وحرية الرأي فما الذي يغيظه ويكيده سوى الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين والكيد الرخيص لمعاندة شرع الله {قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} ولما لم تصدر منه عبارة واحدة في استنكار صور الانحراف الأخلاقي في المجتمع وما أكثرها وإنما الذي استحق أن يلفت نظره هو فتيات آمنَّ بالله سبحانه وصدقن في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وحجبن عوراتهن عن نظر قوم فاسقين لا خلاق لهم ولا خلق لا تعني حرية الرأي عندهم إلا حرية الفسق والفجور.
ثم عقد الفيلسوف الهرم مقارنة أخرى بين الشباب الثائر في العالم وبين الشباب المسلم في بلادنا فقال: بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة وبطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف. اهـ.
هكذا يرتمي الكاتب ثانية في أحضان أوربا وأمريكا ويجتهد في التمسح بالغرب حتى في فساد عقول شبابه.
إن الفرق جد واضح بين هذا وذاك.
إن ثورات الشباب في أمريكا ظهرت بالانحلال وعدم المبالاة والجري اللاهث وراء اللامعقول: بل محاولة كل ما ليس بمعقول فظهرت هناك- والكل يعلم ذلك- فرق الخنافس والهيبز وسائر الفرق الحشرية... وانتشر بينها تعاطي الماريجوانا والحشيش وعقاقير الهلوسة وشاع بين أفرادها الفحش والانحراف والانتحار الجماعي. إلخ.
ولسنا بصدد الحديث عن مظاهر تلك الفوضى تاريخًا وأسبابًا ولكن نريد أن نثبت أن: التنطع على أبواب الغرب والتمسح بعتبات الغرب مرض استشرى في كثير من كتابنا.
فهل الذين يعبدون الله وحده لا شريك له متأثرون بثورات الشباب الغربي الماجن؟
وهل المسلمة التي تتحجب ابتغاء رضوان الله متأثرة بالفتيات الأوربيات التي لا يعلم كثيرات منهن أبًا أو أمًا أو بيتًا ويتسكعن على الأرصفة هنا وهناك في أزقة عالمهن المادي الكافر؟
وهل من يتأثر باطنه بظاهره فيصدق الحديث ويفي بالعهد ويؤدي الأمانة ويصبح- هو أو هي- عضوًا نافعًا في الجماعة التي يحيا بينها ويشيع الطمأنينة والراحة النفسية بينه وبين كل من يتعامل معهم هل نقول عنه: إنه متأثر بثورات الشباب الذي يدفعه اليأس والضلال كل يوم إلى مزيد من العنف والجرائم الخلقية ومزيد- كذلك- من الانتحار؟!! أم كنت أيها الفيلسوف الهرم تحب أن يكون شبابنا وبناتنا كهؤلاء حتى لا يكون الصدى جاء عندنا- كما تقول- ليعكس الترتيب الطبيعي للأوضاع؟؟
ويثير صاحب الردة شبهة طالما يحلو لأمثاله أن يرددوها وهي أن هذا الحجاب نموذج نقل إلينا عن آخرين فوجد ذلك النموذج ترحيبًا من الشباب اليائس. اهـ.
نقول: إن كان قصدك بالآخرين: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ونساءهم رضي الله عنهن والتابعين لهم بإحسان من المؤمنين والمؤمنات الممتثلين والممتثلات لشرع الله سبحانه وتعالى في أي مكان وجدوا أو في أي زمان عاشوا منذ أن كان الصحابة وإلى زماننا هذا.
فنحن نوافقك في ذلك تمام الموافقة مع تصحيح بسيط جدًا وهو أن الذين رحبوا بهذا النموذج المبارك ليسوا هم الشباب اليائس لكنهم الشباب المؤمن والمؤمن لا ييأس أبدًا لقوله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} يوسف (87).
فمهما بلغ الأمر بالعاصين والمفرطين فهم لا يزالون يستمعون وينصتون إلى قول الله تبارك وتعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر (53).
وإن كان قصدك بالآخرين الذين نقل عنهم ذلك النموذج غير هؤلاء.. فخبرنا بربك عنهم.. لتزداد سعادتنا نحن المسلمين بهم ونزهو بكثرة أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تعرفهم أنت وحدك.
ثم يؤرخ صاحب النكسة لبداية ظهور مأساة عودة الحجاب فيقول:
لقد بدأت هذه الموجة المتحفظة مع شبابنا- ذكورًا وإناثًا- بعد نكسة 1967 م ثم أخذت في التضخم والاتساع حين وجدت من ينفخ لها النار حتى أصبحت ظاهرة في حياتنا الاجتماعية. اهـ.
ثم يحاول صاحب الردة أن يعلل هذه الظاهرة الخطيرة التي أقضت مضجعه فيقول: ماذا حدث فأحدث في حياتنا الاجتماعية تلك المفارقة؟ والذي حدث- أولًا- هو هزيمة 1967 م فنتج عن تلك الهزيمة- ثانيًا- شعور قوي بالإحباط واليأس وانسداد الطريق أمام الشباب قبل سواهم. اهـ.
والخطأ الأول الذي وقع فيه صاحب الردة هو في تحديد تاريخ امتثال المؤمنات لأوامر الله عز وجل ولا نقول تاريخ الظاهرة.. فإنه لم يبدأ بعد النكسة ولكن قبلها ومنذ زمن بعيد بعيد جدًا.
ولكن صاحب الردة لا يعرف ذلك التاريخ وهو أمر سيئ.
أو: يعرف ولكنه يغالط ويغش ويخدع.. وهو أمر أسوأ.
وعلى كلا الاحتمالين: فلقد بدأ الامتثال:
1- يوم أنزل الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} الأحزاب (59).
2- يوم أن أمر الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال في سورة النور:
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور (31).
3- يوم أن قال تعالى آمرًا أمهات المؤمنين: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب (23) ولسائر المؤمنات فيهن أسوة.
4- ويوم أن أمر الله عز وجل المؤمنين بقوله في حق أمهات المؤمنين: {وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب (53) وغيرهن من المؤمنات أولى بذلك.
5- ويوم أن أثنت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على الممتثلات لأمر الله سبحانه وتعالى في قولها: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن أكف مروطهن فاختمرن بها، ويوم... ويوم... ويوم، فإن كنت تعرف تلك الأيام الكثيرة الحافلة خاصة وأنك تزعم أن القرآن كتابك كما هو كتابنا.. فأنت تخدع نفسك وتكذب على ربك وتغش القارئين.
وإن كنت لا تعرف: فأنت- بالتالي- لا تقدر ما تقول قدره.
المهم: أن المسلمين حافظوا على هذا الامتثال- ذكورًا وإناثًا- غير من شذ منهم وعصى الله سبحانه وتعالى وخالف تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم.
وظل الأمر على ذلك: حتى كانت تلك الفترة التي تغدق عليها آيات التمجيد وتعطرها بالفخر والثناء وهي الخمسون سنة التي بدأت مع مطلع هذا القرن وهي التي أسميتها بارحة المرأة المصرية.
وفيها.. وبعد التزام المرأة المسلمة المصرية لتشريع الله تعالى طيلة هذه القرون.. رأينا: أول امرأة مصرية منتسبة إلى الإسلام.. تخلع الحجاب.
ورأينا كذلك: أول زوجة زعيم سياسي عربي- تقريبًا- تظهر معه سافرة الوجه في المحافل والصور وتبعهما في ذلك من تبع.
ورأينا من ينفخ لهن النار.. نار تلك الفتنة من أمثال صاحب الردة بيد أنه قد بقيت الكثرة الغالبة منهن: تؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبالقرآن كتابًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا في كل ما تأتي وتذر وذلك قبل نكسة (67) وبعد نكسة (67) وستظل كذلك بإذن الله إلى ما شاء ربك.. دون أن تحتاج إلى من ينفخ لها النار كما يدعي صاحب الردة.

.أما عن علاقة النكسة بعودة الحجاب:

فلا ننكر أنها قد أثرت في تقوية هذا الاتجاه لدى كثرة كثيرة من الناس أيقنت بصدق شيئين وهما:
أولًا: أن نكسة 67 واحدة من الآثار المشئومة والنتائج الحتمية لبارحة المرأة المصرية التي أخذت تتغشى المجتمع المصري كله بفسادها وضلالها وانحرافها تحت ستار تحرير المرأة وبعبارة أخرى: إن الحجاب لم يكن ثمرة النكسة بقدر ما كانت النكسة ثمرة التخلي عن الحجاب كمظهر من مظاهر التخلي عن الإسلام.
ثانيًا: أن الخلاص من تلك البارحة التي انساق المجتمع كله في تيارها وسرت فيه عدواها وأن التخلص من آثارها ونتائجها الوخيمة لا يكون ولن يكون- إلا بالعودة إلى الله تعالى والالتجاء إلى حماه والالتزام بشرعه والامتثال لمنهجه- توسلًا لمرضاته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعبارة أخرى: أن التخلص من آثار العدوان اليهودي لن يتم إلا بالتخلص من آثار العدوان العلماني على شريعة الله عز وجل وأن الصوت الوحيد الذي ينبغي أن يعلو كل صوت هو الذي يدوى قائلًا: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف (40).
وقد ظهر ذلك كله في الجنود المسلمين يوم دكوا خط بارليف بصيحة الله أكبر قبل أن يدكوها بسلاحهم ويوم تجاوبت أصداء البلاد بالمطالبة بالحكم بما أنزل الله وتحرير البلاد من الاستعمار التشريعي ويوم كانت عودة المرأة إلى الحجاب رمزًا صامتًا يصفع أحلام الرائدات والرواد الأول ويتحدى مؤامرات اللاحقين من دعاة النهضة النسائية- استغفر الله-: بل الكبوة الشيطانية.
صدق وهو كذوب:
ومن عجيب أمر صاحب الردة أنه فهم من أمر الحجاب معنا زائدًا على ما يفهمه كثير من بسطاء المسلمين في هذا الزمان وهم الذين يصفون كل ما يمت إلى المظهر الإسلامي بصلة كالحجاب واللحية. إلخ. بأنه قشور وفرعيات لا ينبغي أن تشغل حيزًا من اهتمام المسلمين.
أما صاحب الردة فقد فطن إلى أن الحجاب رمز له دلالته في قوله:
ولم يكن أحد ليعلق بكلمة واحدة على قطعة من ثياب امرأة اختارتها كما يختار أي إنسان ثيابه التي تلائم ذوقه لكن الموقف يتغير إذا أريد بقطعة معينة من الثياب أن تكون رمزًا له دلالته. اهـ.