فصل: السلفية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا حق.. فإن الحجاب عند نساء المسلمين واللحية عند رجالهم وغيرهما من المظاهر الإسلامية المتميزة بجانب أنها طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنها أيضًا رمزًا لتحدي الواقع الجاهلي الحريص على طمس معالم الشخصية الإسلامية وهي تعبير صامت عن الحنين إلى جذورنا الأصيلة الضاربة في أعماق التاريخ والتي جعلت من سلفنا خير أمة أخرجت للناس وهي أخيرًا راية على وجوه المسلمين رجالًا ونساءًا تؤكد استعلاءهم على مؤامرات أعداء الإسلام الذين يقف معهم صاحب الردة في خندق واحد حاملًا قوسه المشدود إلى صدر الإسلام وقد شحن بالتحفز حتى إذا ما ارتخت عنها قبضة الرامي ارتدت إلى نحره وكان فيها حتفه بإذن الله {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء (227).
ولما كان من المستحيل أن يجمع الإنسان بين إيمانه بالإسلام كما فهمه السلف الصالح وعملوا له وبين الإيمان بمبادئ العلمانية والليبرالية ولما كان الاقتداء بالسلف الصالح ينافي دعوة المتغربين إلى الاقتداء بفلاسفة الغرب ورجالاته.
ولما كانت قوة المسلمين منوطة بمدى انتهاجهم النهج السلفي القويم.. رأينا شيخ التغريب لا يفوته أن يربط عودة الحجاب بسلفية الشباب والفتيات على أن هذا الرباط من الأمور التي أزعجته وجعلته يجرد قلمه المسموم ليحذر من هذه الموجة الرجعية العاتية فيقول:
لقد أصبحت هذه الموجة المتحفظة ظاهرة في حياتنا الاجتماعية ولا أظن أن لها شبيهًا في بلدان أخرى كثيرة والظاهرة التي أعنيها هي أن يكون الجيل الأكبر في معظم الأسر أو قل في كثير منها أقل نزوعًا إلى تلك المحافظة من الجيل الأصغر ففي حالات كثيرة نرى الأم سافرة وابنتها محجبة... وفي حالات كثيرة أيضًا ترى الوالد حليق اللحية وأبنه مرسلها على هذا النحو أو ذاك وإنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع: أن ترى الجيل الأصغر سلفيًا بدرجة تزيد على الحد المألوف وترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية- في ظاهرة على الأقل- من أبنائه وبناته. اهـ.
وقال في بريده الغاضب: بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة وبطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف. اهـ.
لقد أتي الفيلسوف الهرم من عقدة الخضوع للمفاهيم الغربية الشائعة والانسياق ورائها ظنًا منه أنها مطابقة للتصورات المماثلة في المجتمعات الإسلامية فمال هو وأمثاله إلى الغض من الاتجاه السلفي وأصحابه ونفروا الناس منه وقاموا بحملة تشهير ظالمة ضده.
ولنقف هذه الوقفة مع هذا المصطلح الشريف:

.السلفية:

فمن حيث المصطلح أصبحت السلفية علمًا على أصحاب منهج الاقتداء بالسلف من الصحابة والتابعين من أهل القرون الثلاثة الأولى وكل من تبعهم من الأئمة كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن وشمل شيوخ الإسلام المحافظين على طريقة الأوائل مع تباين العصور وتفجر مشكلات وتحديات جديدة أمثال ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وكذلك أصحاب أغلب الاتجاهات السلفية المعاصرة بالجزيرة العربية والقارة الهندية ومصر وشمال أفريقيا وسوريا وكانت ذات أثر واضح في تنقية مفاهيم الإسلام ودفعه إلى الأمام لمواجهة الحضارة والتطور وللكشف عن جوهر الثقافة العربية والإسلامية الأصيلة القادرة على الحياة في كل جيل وكل بيئة.
ومن حيث المضمون تعني السلفية في الإسلام التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة وقمته الحضارية كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الأولى المفضلة وفيها تحقق الشكل العلمي والتنفيذ الفعلي ومنه استمدت حضارة المسلمين أصولها ومقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعًا للتوحيد وبيانًا لدور الإنسان في هذه الحياة وتنفيذًا لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وروابط الأسرة وفضائل الأخلاق.
والسلفية كمصطلح تعني أيضًا في مدلولها الخاص- الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن أمتنا تنفرد بمزية لا تشاركها فيها أمة أخرى في الماضي أو الحاضر أو المستقبل تلك هي تحقق القدوة في شخصه صلى الله عليه وسلم إذ حفظت سيرته كاملة محققة بكافة تفاصيلها فنحن نعلم عنه كل شيء وفقًا لما نقل إلينا في كتب وعلوم مصطلح الحديث بأدق منهج تاريخي علمي عرفه المؤرخون.
وهكذا فإن السيرة النبوية حية في كياننا ونحن نعيشها كل يوم وهي تمثل القمة للسلفيين وتطبيق الشريعة الإسلامية ممتد على طول الزمن لا يتعلق بعصر دون آخر بل إن كل جيل من المسلمين مطالب بتنفيذ أصولها النصية مع الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص عند مواجهة أحوال الحياة المتغيرة كما هو معروف في أصول الفقه.
وإزاء خطط الغزو الفكري ومظاهر الاشتباك العقلي مع خصوم الإسلام صمد السلفيون للمحافظة على جوهر الإسلام وأصوله إيمانًا بأنه لم يظهر زيف هذه العقائد والنحل إلا بطريقة السلف أنفسهم مهما تغيرت الأزمنة والأعصار لأنها طريقة موضوعية ذات أسس عليمة منهجية تعتمد على النصوص الشرعية الموثقة فهناك مسائل ثابتة لا تتغير: كفطرة التوحيد ومخاطبة العقول البشرية للبرهنة على النبوات عامة ونبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة والرد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كل ما انحرفوا به عن الشرع المنزل مع دحض شبهات الملحدين والمشركين.
هذا فضلًا عن ثبات الفضائل الأخلاقية وقواعد التحليل والتحريم في المأكل والمشرب والملبس وتنظيم العلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع وإقامة العلاقات الدولية مع سائر الأمم وفقًا لأصول الشرع ولقد أصبحت الحركة السلفية هي الحركة الكبرى التي جددت الدعوة الإسلامية ولولاها لهان على الغرب أن يستعبد الشرق روحيًا وفكريًا إلى أمد بعيد.
فإذا كان المسلمون يتلمسون اليوم طريقًا للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم ووحدة الجماعة ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة وهذه خلاصة الاتجاه السلفي: عودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي العصر الحديث يعمل السلفيون على استئناف الحياة الإسلامية على أساس هذا الفهم وطبقًا للنظرة الرحبة الفسيحة لكل جوانب الإسلام كمنهج رباني شامل لا يعتوره نقص في أي من مجالات الحياة.
وقد اتفق المسلمون السلفيون على قاعدة اضطراد العلاقة بين تقدم المسلمين واستمساكهم بالإسلام وعلى العكس تدهورهم وضعفهم عند الانسلاخ منه فالعلاقة بينهما علاقة المد والجذر مع الإسلام والإيمان.
السلفية والتقدم:
يزعم خصوم الإسلام بعامة والسلفية بخاصة أنها دعوة رجعية وهو زعم خاطئ من جذوره فلا تتعارض السلفية مع التقدم لأن التقدم في الإسلام تقدم أخلاقي يمضي قدمًا في تحقيق الرسالة التي نيطت بهذه الأمة مع الأخذ بأسباب العمران المادي في نواحي الحياة كلها.
والقديم في تاريخ أوربا تعبير يطلق على العصور المظلمة في القرون الوسطى السابقة لعصر النهضة ورفض أوربا لتاريخها القديم موقف عادي يتلاءم مع رغبتها في التقدم لأن الماضي يعد سببًا لتخلفها.
وإذا قارنا الإسلام بمختلف ديانات العالم عرفنا أن عقائدها منعت معتنقيها من التقدم الحضاري عندما استمسكوا بها ودارس التاريخ يلاحظ أن أهل أوربا والبوذيين في اليابان على سبيل المثال لما كانوا راسخين في معتقداتهم الدينية كانوا على أسوأ ما يكون من أدوار التخلف ولما أحرزوا لأنفسهم الرقي والتقدم في حياتهم العلمية والعقلية والمادية ما عادوا مؤمنين بمعتقداتهم المسيحية والبوذية إلا اسمًا.
أما المسلمون فعندما كانوا أقوياء في إيمانهم بمعتقداتهم صاروا أكثر أمم الأرض تقدمًا وازدهارًا وقوة ومجدًا وما أن دب دبيب الضعف في إيمانهم بها حتى تخلفوا في ميادين العلم وضعفوا في صراعهم للرقي الدنيوي وتحكمت فيهم واستولت عليهم أمم أجنبية وهذا فرق عظيم بين معتقدات الإسلام ومعتقدات الديانات الأخرى في العالم.
فالأمر عكسي بالنسبة لنا تمامًا: فإن تاريخنا يعبر عن تقدم حضاري في كافة المجالات وإذا نحن طالبنا بالترقي إلى مستوى السلف فإننا نعني بذلك التمسك بالمفاهيم الإسلامية الشاملة للعقيدة والعبادة والشريعة وسائر الأنشطة الإنسانية التي منها- بلا شك- الحقل العلمي.
ولكننا في الوقت نفسه لا نزعم- ولا نظن أن عاقلًا يخطر له على بال- أن نضع الأمة الإسلامية في متحف للتاريخ! بمعنى أن نطالب بإرجاعها للأخذ بوسائل العصور السابقة في الحياة العمرانية بأساليبها في الإنتاج والنقل والتعليم والتطبيب وتشييد المدن وتجهيز الجيوش وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات.... إلخ.
ويتضح لكل دارس للإسلام أن المفهوم الإسلامي للحضارة أرقى بكثير من التصور الغربي فلا نحن نرضى بتخلف المسلمين الحالي عن تحقيق النموذج الإسلامي ولا نرضى في الوقت نفسه بتقليد الغرب في فلسفته ومضامينه الفكرية الشاملة.
أما نبذ السلفية بحجة التسابق مع الزمن واللحاق بكل ما هو جديد فمنهج خاطئ قائم على مفاهيم غربية متصلة بفلسفتها فإن ما نراه اليوم جديدًا سيصبح غدًا- وحتمًا- قديمًا فليست الموازنة إذن بين قديم وجديد موازنة صحيحة ولكن ينبغي أن تتم بالمقارنة بين الحق والباطل أيًا كان العصر والزمان لأن القيم لا تتغير ولا تتبدل فليس الجديد مقدمًا بالضرورة عن سلفه.
ولعلنا نصدم أصحاب دعوى التجديد المتغربين النابذين للسلفية عندما نضع أمامهم الحديث النبوي:
إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
والتجديد إنما يكون بعد الدروس فالتجديد ارتقاء وتقدم بالأمة لتسلك طريقها مرة أخرى كلما بعدت عن الصحيح الأصيل المتوارث.
ونحن نرفض تقليد الغرب ونبحث عن الأصالة ولا تأتي الأصالة بترقيع الشخصية بل بالارتباط بالعقيدة التي كانت حجر الزاوية في كيان هذه الأمة وينبغي هنا التمييز بين تقليد مقومات الشخصية والعقائد والتصورات وبين النتائج العلمية فلا وطن للعلم ولا جنسية للاكتشاف والأبحاث الإنسانية في الميادين المختلفة.. ولكن المشكلة هي اختلافنا الأساسي معهم على قواعد جوهرية تتناول عقيدة التوحيد والإيمان بالله سبحانه وتعالى وإفراده بالألوهية والربوبية وما هية الإنسان والغرض من خلقه وبيان مآله في اليوم الآخر وما هي وسائله لسلوك أحسن السبل الممكنة في الحياة والارتقاء بها؟
وتأتي آفة التقليد عندما ننسى أصالتنا ولذا ينبغي التنبيه إلى الحكمة النبوية في الحديث الذي رواه البخاري لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون الأمم قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب خرب لتبعتموهم قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن غيرهم!.
إذا عرفنا كل هذا أصبح هدف السلفية واضحًا أمامنا كضوء الشمس وهو يتلخص في:
تطهير العقيدة من شوائب البدع وتربية الشخصية الإسلامية وفتح الذهن البشري لقبول كل جديد في ميادين العلوم التجريبية وإحياء العقيدة من منابعها بعيدًا عن المذهبية الضيقة بصورتها الأخيرة أو تطويع العقيدة والشريعة في الإسلام لدعاوي التطوير الخاطئة ورفض فكرة لا دينية الدولة.
وأخيرًا: أسعفت الفيلسوف الهرم ذاكرته فتذكر أن هناك قرآنًا يستدل المسلمون بآياته على حتمية الحجاب فقال: ثم وجدت هذه اللفتة السلفية من يربطها للشباب بالدين وهنا تأتي النقطة الرابعة التي سأجعلها الأخيرة وهذه النقطة المؤخرة عنده- أخره الله وأخزاه- هي آيات القرآن المجيد الآمرة بالحجاب وكان ينبغي أن يبدأ بما انتهى به وأن يقدم ما أخره فإن حق كلام الله عز وجل أن يقدم على كل كلام لو كان صدقًا فكيف إذا كان لغوًا وزورًا وافتراءً على الله كتلك المئات من السطور التي سودها ذلك المنافق يصد بها الناس عن القرآن؟!