فصل: النقاب وتغطية الوجه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.النقاب وتغطية الوجه:

س: بعض الناس يقولون أن تغطية الوجه بدعة؟
ج: البدعة هي الأمر الحادث في الدين بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تغطية الوجه لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلو، وهل كانت الصحابيات يخرجن سافرات الوجوه، وهل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن سافرات الوجوه، ينبغي للعاقل أن يتأمل ويعقل ما يقول قبل أن يتكلم.
س: اذكر بعض كلام أهل العلم في وجوب الحجاب وستر الوجه؟
ج: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلّم، ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلّم من الإيمان، وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعًا وعُرفًا احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب. وإن مما لا شك فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.
ولقد كان الناس على طريق الاستقامة في ذلك فكان النساء يخرجن متحجبات متجلببات بالعباءة أو نحوها بعيدات عن مخالطة الرجال الأجانب، لكن لما حصل ما حصل من الكلام حول الحجاب ورؤية من لا يفعلونه ولا يرون بأسًا بالسفور صار عند بعض الناس شك في الحجاب وتغطية الوجه هل هو واجب أو مستحب؟ أو شيء يتبع العادات والتقاليد ولا يحكم عليه بوجوب ولا استحباب في حد ذاته؟ ولإزالة هذا الشك وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسر لبيان حكمه، راجيًا من الله تعالى أن يتضح به الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين رأوا الحق حقًّا واتبعوه ورأوا الباطل باطلًا فاجتنبوه فأقول وبالله التوفيق: اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلّم، والاعتبار الصحيح، والقياس المطرد [مقدمة رسالة الحجاب- للعلامة العثيمين].
س: عندي استفسار بسيط: سمعت أن ما تعم به البلوى هو من الأمور المعفو عنها أفلا يكون كشف الوجه مما تعم به البلوى فيجوز كشف الوجه؟
ج: لا يصح هذا القول لعدة أمور:
1- أنه لا حاجة تدفع إلى كشف الوجه.
2- أن الوجه هو أزين شيء في المرأة وأجمل ما يدعو إليها.
3- أن كشف الوجه أكبر مثير لشهوة الناظرين.
4- أن من حكمة التشريع الإلهي تقليل الشر بمنع وسائله، وتكثير الخير بتقريب أسبابه.
س: هل من زيادة بيان حول مسألة عموم البلوى؟
ج: نعم أنقل هنا كلام الشيخ عبد العزيز بن خلف يقول رحمه الله:
وعلى هذا فلم يكن هذا التقليد الذي يخالف السنة مبيحًا لما ثبت من المنهيات الشرعية وأخذت به الأمة الإسلامية، فالبلوى لها حكمها والمجتمعات لها أحكامها، لأن البلوى لا تبيح محرمًا في نفس الأمر كما لا تبيحه عادات المجتمعات أو لا ينقلب الحرام مباحًا بتغير الزمان والمكان، إن الفتنة هي قاعدةٌ من قواعد التحريم فلو قلنا بانتفاء الفتنة عمن كانت في لندن مثلًا بحيث أن السفور هو العادة المتبعة وربما تنتفي الفتنة غالبًا فهل يقال: إن هذا السفور مباحٌ للمرأة المسلمة؟
نقول: لا يكون السفور مباحًا؛ لأنه لا يجوز لها أن تكشف وجهها للرجال الأجانب لعموم النص، ولو انتفت الفتنة غالبًا [نظرات في كتاب المرأة المسلمة 35-36].
س: هناك حديثٌ جاء فيه: أن النساء كن يصلين الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجعن إلى بيوتهن لا يعرفهن أحد من الغلس.
فهذا يدل على أنهن كن سافرات، ولكن الذي عاق الرجال عن معرفتهن هو الغلس وليس الحجاب؟
ج: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم، ولكن هذا الفهم لم يفهمه علماء الإسلام الأكابر، ولتوضيح فهم هذا الحديث أنقل كلام الشيخ عبد العزيز خلف يقول: هذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن ويتسترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى أنهن من شدة مبالغتهن في التستر والتغطية الوجوه لا يعرف بعضهن بعضًا، ولو كن يكشف وجوههن لعرف بعضهن بعضًا كما كان الرجال يعرف بعضهم بعضًا.
س: هلا زدت الأمر توضيحًا وبيانًا؟
ج: نعم، هناك حديثٌ صريحٌ يوضح الأمر: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- قالت: والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، فانقلب رجالهن إليهن يتلون ما أنزل فيهن، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان [فتح الباري (8/490)]، والاعتجار هو لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه، فهذا صريح الدلالة أن الذي منع الرجال من معرفتهن هو الخمار أولًا، ثم الغلس، لا الغلس وحده.
س: ولكن بعض النساء يقلن: الحجاب تغطية الوجه يؤثر على الرؤية؟
ج: ألسنا نرى من يمارسون حياتهم بعين واحدة، وهناك من تصاب عينه في حادث ويقود السيارة بمهارة، وكذلك القاعدة الفقهية تقول: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمصلحة في تستر المرأة عامة، وإذا كانت هناك مضرة فهي خاصة.
ثم إن الذي أمر بستر الوجه هو أعلم بما يصلح عباده.
س: قل لي بالله عليك ما هو الداعي إلى الحجاب إذا كان الرجال مأمورين بغض البصر، وإذا كان الوجه والجسم مغطى فعن ماذا يغضون أبصارهم؟
ج: نعم وردت آيات وأحاديث فيها الأمر بغض البصر منها: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]. وعن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري رواه مسلم، ولكن أعداء الحجاب ودعاة السفور قالوا: إذا كان هناك أمرٌ بغض البصر فلابد أن هناك شيئًا مكشوفًا من المرأة.
والجواب: أن الأمر بغض البصر هو أمرٌ من الله تعالى يجب التزامه ولا يلزم منه أن يكون الوجه والكفين للمسلمة مكشوفًا.
بل هناك أحوال تستوجب غض البصر مثل: أن في المدينة زمن التنزيل كان هناك نساء اليهود والسبايا والإماء وربما بقي النساء غير المسلمات في المجتمع الإسلامي سافرات الوجوه كاشفات فأمروا بغض البصر.
وكذلك قد يظهر من جسم المحجبة شيء طارئ نتيجة سقوطها أو نتيجة هواء أو رياح أو ما شابه فيجب غض البصر.
وكذلك لو اجترأت امرأةٌ وكشفت سترها فيجب غض البصر عنها.
س: ذكر لي أحد زملائي في الجامعة أن امرأة مدت يدها من وراء ستارة إلى رسول الله صلى الله فلم يمد يده إليها وقال: لا أدري أيدُّ رجل أم يد امرأة؟ فقالت: بل امرأة.
قال زميلي: فهذا دليلٌ على إباحة السفور هل هذا صحيح؟
ج: أختي الكريمة قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أذكِّركِ وأحذرك من رفقة السوء فإن الصاحب ساحب إلى الخير أو إلى الشر، والمرء على دين خليله فاحذري، كما أن اختلاط المرأة بالرجال فتنةٌ عظيمة، وباب شرٍّ وخيم.
أما عن السؤال: فابتداءً هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعفه علماء الحديث، وممن حكم بضعفه: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في كتابه ضعيف الجامع برقم 4846، والقول الصحيح الراجح: أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف لا في العقائد ولا في العبادات ولا في فضائل الأعمال.
ثانيًا: إذا افترضنا صحة الحديث فليس فيه دليلٌ على إباحة السفور.
س: وماذا عن حديث أخر سمعته جاء فيه أن النساء كن يهوين بأيديهن في صلاة العيد يلقين الذهب في ثوب بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدٌ وكذلك ابن عباس؟
ج: نعم، هذا حديثٌ صحيح رواه البخاري وأذكر نصه أولًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما- قيل له: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن أبي الصلت فصلى فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يَشُقهم، ثم أتى النساء ومعه بلال فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله، ثم قال: هلم لكن فداكن أبي وأمي فرأيتهن يهوين يقذفنه، وفي رواية: فجعلن يلقين الفُتُخَ والخواتم في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته رواه البخاري.
س: كنت قد قرأت في كتاب المحلى لابن حزم قال: فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة وما عداهما ففرضٌ ستره.
ج: يجاب عن هذا الكلام بعدة أجوبة: أولًا: أنه ليس في الحديث ذكر الوجه على الإطلاق فأين إذن ما يدل على أن الوجه ليس بعورة من الحديث.
ثانيا: إنه وإن ورد في الحديث ذكر الأيدي لكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مشكوفة حتى يتم الاستدلال به على أن يدي المرأة ليست بعورة.
ثالثًا: حتى وإن ثبت في الحديث أن ابن عباس رأى وجوههن وأيديهن فليس في ذلك دليلٌ على جواز السفور، ولا حجة فيه على إباحة كشف الوجه والكفين.
فقد جاء في الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنهما: ولولا مكاني من الصغر ما شهدته فهذا يدل على أن ابن عباس كان صغيرًا ليس عليه حرج ولا جناح، ولا على النساء إن أظهرت وجوههن أمامه لأنه لم يبلغ.
وأختم بكلام الحافظ ابن حجر رحمه الله قال في فتح الباري: قوله: ثم أتى النساء يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطاتٍ بهم، قوله: ومعه بلال فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهدٍ ونحوه، لأن بلالًا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره.
س: هناك حديثٌ مشهورٌ جدًّا وفيه حجةٌ قويةٌ على جواز كشف المرأة وجهها وكفيها وهو نص في هذه المسألة؟
ج: وما هو هذا الحديث المشهور جدًّا.
س: حديث أسماء رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا ينبغي أن يظهر منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه، هل عندك جوابٌ على هذا النص الصريح.
ج: الجواب سهل: فمع وضوح هذا النص وصراحته يكفي أن نقول: إن هذا الحديث ضعيفٌ وفيه ثلاث علل: ففي سنده راويان الأول ضعيف والثاني مدلس وهناك إرسالٌ في إسناده.
وقد تقدم أن الحديث الضعيف لا يجوز العمل به.