فصل: الحكم الخامس: هل يجوز للحر التزوج بالأمة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الخامس: هل يجوز للحر التزوج بالأمة؟

استدل بعض الحنفية بظاهر قوله تعالى: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} على أنّ الحر يجوز له التزوج بالأمة مطلقًا ولو كان مستطيعًا طَوْل الحرة أخذًا بالعموم في الآية الكريمة وذهب الشافعية إلى أن هذا العموم غير مراد بدليل آية النساء التي قيدت ذلك بعدم الاستطاعة في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات} [النساء: 25] الآية فهذه الآية خاصة، والخاص مقدم على العام، فلا يجوز لمن وجدَ طول الحرة أن يتزوج أمة.
والأدلةُ بالتفصيل يُرْجَع إليها في سورة النساء وليس هذا محل ذكرها فافهم ذاك رعاك الله.

.الحكم السادس: هل للسيد إجبار عبده أو أمته على الزواج؟

استدل العلماء بقوله تعالى: {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} على أن للسيد أن يزوج عبده وأمته بدون رضاهما لأن الآية جعلت للسيد حق تزويج كل منهما ولم تشترط رضاهما، وكذلك أخذوا من الآية أنه لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يتزوجا بغير إذن السيد. والعلّةُ في ذلك أنه لو جاز لهما الزواج بغير إذنه لفوّتا عليه استعمال حقه، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر».
قال العلامة القرطبي: أكثر العلماء على أن للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح وهو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما وروي نحوه عن الشافعي: أنه ليس للسيد أن يكره العبد على النكاح، وقال النخعي كانوا يكرهون المماليك على النكاح ويغلقون عليهم الأبواب.
تمسك أصحاب الشافعي فقالوا: العبد مكلف فلا يجبر على النكاح لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية وإنما تتعلق به المملوكية من جهة الرقبة والمنفعة ولعلمائنا: أنَّ مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه بإجماع والنكاح إنما هو من المصالح، ومصلحةُ العبد موكولة إلى السيد.

.الحكم السابع: هل يفرق بين الزوجين بسبب الإعسار؟

استدل بعض العلماء بالآية الكريمة {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} على أن النكاح لا يفسخ بالعجز عن النفقة، لأنه تعالى لم يجعل الفقر مانعًا من الإنكاح، بل حث على تزويج الفقراء، ووعدهم بالغنى، فإذا كان الفقر ليس مانعًا من ابتداء النكاح، فإنه لا يكون مانعًا من استدامته من باب أولى.
قال النقاش: هذه الآية حجة على من قال: إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيرًا لا يقدر على النفقة لأن الله تعالى قال: {يُغْنِهِمُ الله} ولم يقل يفرق.
قال القرطبي: وهذا انتزاع ضعيف وليست هذه الآية حكمًا فيمن عجز عن النفقة، وإنما هو وعد بالإغناء لمن تزوج فقيرًا، فأما من تزوج موسرًا وأعسر بالنفقة فإنه يفرق بينهما قال الله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] ونفحات الله مأمولة في كل حال.. وهذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقول: كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رزقه على الله وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالإعسار لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار فخرج معسرًا، أو طرأ الإعسار بعدذلك لأن الجوع لا صبر عليه.
أقول: إن غاية ما تفيده الآية الكريمة أنه يندب لأهل الزوجة ألا يردّوا خاطبًا فإذا خطب ابنتهم شاب صالح، حسن السيرة والأخلاق فعليهم ألا يرفضوه لمجرد فقره، فإن المال غاد ورائح، وفي فضل الله ما يغني الجميع. وعلى الشاب نفسه ألا يرجئ أمر زواجه انتظارًا للمزيد من الغنى واليسر بل عليه أن يُقْدم على الزواج متوكلًا على الله ولو كان كسبه قليلًا، فإن الزواج كثيرًا ما يكون السبب في إصلاح حال الإنسان، بسبب ما يبذله من جهد في سبيل الكسب بعد الزواج. والله عز وجل قد وعد بالعون من أراد أن يُعفَّ نفسه على الحرام ففي الحديث الصحيح «ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله».
وليس في الآية ما يدل على فسخ النكاح بالإعسار أو عدم فسخه والله تعالى أعلم.

.الحكم الثامن: ما هو حكم نكاح المتعة؟

استدل بعض العلماء بهذه الآية الكريمة {وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا} على بطلان انكاح المتعة، لأنه لو كان صحيحًا لم يتعين الاستعفاف سبيلًا للتائق العاجز عن أسباب النكاح. ولم تجعل الآية سبيلًا لمث لهذه الحالة إلا الاستعفاف يعني الصبر على ترك الزواج حتى يغنيه الله من فضله ويرزقه ما يتزوج به، فالأمر بالاستعفاف متوجه لكل من تعذر عليه النكاح بأي وجه من الوجوه ولو كان نكاح متعة صحيحًا لأمر الله تعالى به. وهو استدلال دقيق فتدبره.

.الحكم التاسع: هل تجب مكاتبة العبد؟

معنى المكاتبة في الشرع: هو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجّمًا عليه فإذا أداه فهو حر لوجه الله تعالى وللمكاتبة حالتان:
أ- أن يطلبها العبد ويجيبه السيد عليها وهذا الذي أشارت إليه الآية الكريمة {والذين يَبْتَغُونَ الكتاب}.
ب- أن يطلبها العبد ويأباها السيد وهذا الذي اختلف فيه الفقهاء على مذهبين:
1- مذهب الظاهرية: قالوا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك.
2- مذهب جمهور الفقهاء: قالوا: لا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه بل يندب له المكاتبة.
أدلة الظاهرية:
استدل أهل الظاهر على وجوب المكاتبة بالآية والأثر.
أ- أما الآية فقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ} فإنه أمر وظاهر الأمر للإيجاب، وقالوا: مما يدل عليه أيضًا سبب النزول فقد نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح وقد تقدم.
ب- وأما الأثر فهو ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سألني سيرين المكاتبة فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب فأخبره فأقبل عليَّ بالدرّة وتلا قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فكاتبه أنس. قال داود الظاهري: وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس لو لم تكن الكتابة واجبة.
وهذا المذاهب منقول عن بعض التابعين كعطاء، وعكرمة، ومسروق، والضحاك بن مزاحم.
أدلة الجمهور:
واستدل جمهور الفقهاء المالكية والأحناف والشافعية والحنابلة على أنه مندوب بما يأتي:
أ- إن الله عز وجل قيَّد المكاتبة بشرط علم الخير فيه فقال: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}. فعلّق الوجوب على أمر باطن، وهو علم السيد بالخيرية، فإذا قال العبد: كاتبنْي، وقال له السيد: لم أعلم فيك خيرًا كان القول للسيد فدلّ على عدم وجوبه.
ب- حديث «لا يحل مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبٍ من نفسه» والعبدُ مالٌ فلا يجوز إلاّ برضى السيد.
ج- وتمسّكوا بالإجماع على أنه لو سأل العبدُ سيده أن يبيعه من غيره، لم يجب عليه ذلك، ولم يجبر عليه فكذا الكتابة لأنها معاوضة.
قال الجصاص: فإن قيل: لو لم يكن يراها واجبة لما رفع لعيه الدِرّة ولم يضربه؟
قلنا: لأن عمر رضي الله عنه كان كالوالد المشفق على الرعية، فكان يأمرهم بما لهم فيه الأفضل في الدين، وإن لم يكن واجبًا، على وجه التأديب والمصلحة!
والصحيح ما قاله الجمهور إن الأمر للندب والاستحباب، لا للوجوب والله أعلم.

.الحكم التاسع: من هم المخاطبون بإيتاء المال؟ وما مقداره؟

اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ} من هم المخاطبون به؟ على قولين:
أحدهما: أنه خطاب للأغنياؤ الذين تجب عليهم الزكاة، أُمروا أن يُعْطوا المكاتبين من سهم الرقاب وقد روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون، أي المراد أن يدفعوا لهم من مال الزكاة.
والثاني: أنه خطاب للسادة أمروا أن يُعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئًا. ولعلّ هذا أصح لأن سياق الآية يدل على ذلك حيث أمر السادة بطريق الندب والاستحباب أن يكاتبوا عبيدهم، وأمروا أيضًا أن يحطوا عنهم شيئًا من مال الكتابة عونًا لهم على فكاك أنفسهم من ربقة العبودية.
قال القرطبي: هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة، إمَّا بأن يعطوهم شيئًا مما في أيديهم أعني أيدي السادة أو يحطوا عنهم شيئًا من مال الكتابة.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الإيتاء هل هو واجب؟ وفي مقداره؟ على مذهبين:
1- مذهب الشافعية والحنابلة: أنه واجب وقدّره أحمد بربع بمال الكتابة وقال الشافعي: ليس محدودًا ويكفي في أقل شيء يقع عليه اسم المال.
2- مذهب المالكية والأحناف: أنه ليس بواجب وأنّ هذا الأمر على الندب.
حجة الشافعية والحنابلة:
أ- ظاهر قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله} والأمر للوجوب.
ب- واستدلوا بما روي أن عمر بن الخطاب كاتب غلامًا يقال له أبو أمية فجاءه بنجمةِ حين حلّ فقال: اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك، قال: يا أمير المؤمنين: لو أخّرته حتى يكون في آخر النجوم؟ فقال: يا أبا أمية: إني أخاف أن لا أدرك ذلك ثم قرأ: {وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ}.
قال عكرمة: وكان ذلك أول نجمٍ أُدّي في الإسلام.
حجة المالكية والحنفية:
1- احتج المالكية والحنفية بأن الأمر في الكتابة للندب فكيف يكون الأمر بالإيتاء للوجوب؟ وقالوا: قد جاء في الآية أمرانِ فكاتبوهم وآتوهم فإمّا أن يكونا للوجوب، أو للندب.
قال ابن العربي: ولو أن الشافعي حين قال: إن الإيتاء واجب يقول: إنّ الكتابة واجبة لكان تركيبًا حسنًا ولكنه قال: إنّ الكتابة لا تلزم، والإيتاء يجب فجعل الأصل غير واجب. والفرع واجبًا. وهذا لا نظير له فصارت دعوى محضة.
ب- واستدلوا من السنة بحديث «أيما عبدٍ كاتبَ على مائةِ أوقيةٍ فأدّاها إلا عشر أواق فهو عبد» فلو كان الحطّ واجبًا لسقط عنه بقدَره.
واستدلوا كذلك بحديث عائشة حين جاءتها بريرة تستعينها على أداء كتابتها فقالت لها عائشة: إنْ أحبّ أهلك أن أعطيهم ذلك جميعًا ويكون ولاؤك لي فأبوا، فذكرتْ ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها عليه السلام: «إبتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق» قالوا: فلم ينكر عليها الرسول ولم يقل إنها تستحق أن يحطّ عنها من كتابتها أو يعطيها المولى شيئًا من ماله.

.الحكم العاشر: ما هو الإكراه وهل يرتفع به الحد عن الرجل والمرأة؟

أشارت الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء} إلى أنّ الإكراه يسقط التكليف عن الإنسان، وبالتالي يبقى العبد غير مؤاخذ، ويصبح الإثم على المُكْرِه. والإكراه إنما يحصل متى وجد التخويف بما يقتضي تلف النفس كالتهديد بالقتل، أو بما يوجب تلف عضو من الأعضاء، واما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة. فحال الإكراه على الزنى كحال الإكراه على كلمة الكفر، وقد قال الله تعالى فيه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106] وقد ذكر بعض المفسرين أنّ الله تعالى إنما ذكر إرادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصوّر الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يُتصور إكراه وقال بعضهم: خرج مخرج الأغلب إذ الغالب أن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن.
والصحيح ما ذكرناه سابقًا أنّ المقصود به التقبيح والتشنيع على هذا المنكر الفظيع الذي كان يعمله أهل الجاهلية، حيث كانوا يُكْرهو الفتيات على البغاء مع إرادتهن للتعفف.
واختلف العلماء فيمن أكره على الزنى من الرجال هل يرتفع عنه الحد كما يرتفع عن المرأة؟
فذهب الجمهور: إلى أنّ الإكراه يرفع الحد عن الرجل والمرأة، ولقوله عليه السلام «رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما اسْتُكرهوا عليه».