فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال: {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعًا} يعني: من جميع ما وقع التقصير من الأوامر والنواهي التي ذكر من أول السورة إلى هاهنا.
{أَيُّهَ المؤمنون} يعني: أيها المصدقون بالله ورسوله، وفي هذه الآية دليل أن الذنب لا يخرج العبد من الإيمان، لأنه أمر بالتوبة.
والتوبة لا تكون إلا من الذنب، ولم يفصل بين الكبائر وغيرها، فقال، بعدما أمر بالتوبة {أَيُّهَ المؤمنون} سماهم مؤمنين بعد الذنب.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي تنجون من العذاب.
قرأ ابن عامر {أَيُّهَ} بضم الهاء، وكذلك في قوله: {وَقَالُواْ يأَيُّهَ الساحر} {أَيُّهَا الثقلان} وقرأ الباقون بالنصب.
قوله عز وجل: {وَأَنْكِحُواْ الايامى مِنْكُمْ} والأيَامَى الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم، يقال: رجل أيم وامرأة أيم، كما يقال: رجل بكر وامرأة بكر، ويقال: الأيم من النساء خاصة كل امرأة لا زوج لها، فهي أيم؛ فأمر الأولياء بأن يزوجوا النساء، وأمر الموالي بأن يزوجوا العبيد والإماء إذا احتاجوا إلى ذلك، فقال للأولياء: {وَأَنْكِحُواْ الايامى مِنْكُمْ} يعني: من قومكم ومن عشيرتكم.
ثم قال المولى سبحانه: {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ} يعني: من عبيدكم زوجوهم امرأة، وهذا أمر استحباب وليس بحتم، {وَإِمائِكُمْ}؛ يعني: زوجوا إماءكم لكيلا يقعن في الزنى.
{إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} يعني: يرزقهم الله من فضله وسعته.
وقال بعضهم: هذا منصرف إلى الحرائر خاصة دون العبيد والإماء؛ وقال بعضهم: انصرف إلى جميع ما سبق ذكرهم من الأحرار والمماليك {يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} يعني: من رزقه، والغنى على وجهين، غني بالمال وهو أضعف الحالين، وغنى بالقناعة وهو أقوى الحالين.
كما روي في الخبر: الغنى غنى النفس.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنْكِحُوا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ».
وقال عمر رضي الله عنه: ابتغوا الغنى في النكاح.
ثم قرأ {يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ}.
وروي عن جعفر بن محمد أن رجلًا شكا إليه الفقر، فأمره أن يتزوج فتزوج الرجل، ثم جاء فشكا إليه الفقر، فأمره بأن يطلقها؛ فسأل عن ذلك، فقال: قلت لعله من أهل هذه الآية {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ}.
فلما لم يكن من أهلها قلت لعله من أهل آية أخرى {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ الله واسعا حَكِيمًا} [النساء: 130].
ثم قال: {والله واسع عَلِيمٌ} أي واسع الفضل؛ ويقال: واسع أي موسع في الرزق، يوسع على من يشاء عليم بقدر ما يحتاج إليه كل واحد منهم.
ثم أخبر أنه لا رخصة لمن لم يجد النكاح في الزنى، وأمر بالتعفف للذي لا امرأة له، فقال عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين} أي ليحفظ نفسه عن الحرام الَّذِينَ {لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا} يعني: سعة بالنكاح، المهر والنفقة ويقال: يعني: امرأة موافقة، {حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ}؛ يعني: من رزقه بالنكاح.
وقد قيل: إنَّ الصبر والطلب خير من الهرب.
{والذين يَبْتَغُونَ الكتاب}؛ قال ابن عباس: وذلك أن مملوكًا لحُويطب، يقال له صبيح، سأل مولاه أن يكاتبه، فأبى عليه، فنزلت الآية {والذين يَبْتَغُونَ الكتاب} يعني: يطلبون الكتابة {مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} يعني: حرفة.
قال مجاهد وعطاء، يعني: مالًا.
وروي، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال أدَبًا وصلاحًا، وقال إبراهيم: يعني: وفاءً وصدقًا.
وروى يحيى بن أبي كثير، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أي حِرْفَةً وَلا تُرْسِلُوهُمْ كَلًا عَلَى النَّاسِ وقال ابن عباس: الخير المال، كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إِن تَرَكَ خَيْرًا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حَقًّا عَلَى المتقين} [البقرة: 180] أي مالًا، وقيل: {خَيْرًا} يعني: صلاحًا في دينه، لكيلا يقع في الفساد بعد العتق، وهذا أمر استحباب لا إيجاب؛ وقال بعضهم: هو واجب.
وروى معمر، عن قتادة قال: سأل سيرين أبو محمد بن سيرين، أنس بن مالك بأن يكاتبهُ، فأبى أنس بن مالك، فرفع عليه عمر الدرة وتلا عليه هذه الآية: {فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}.
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى} يعني: أعطاكم، يعني: يعطيه من الكتابة شيئًا، ويقال: يعطى من بيت المال، حتى يؤدي كتابه.
وقال عمرو، عن علي رضي الله عنه: يترك له ربع الكتابة، وقال قتادة: يترك له العشر؛ وقال: آتوهم أي حث الموالي وغيرهم أن يعينوهم، هذا أمر استحباب وليس بواجب، وقال بعضهم: الحط واجب، والأول أصح.
{وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء} يعني: لا تكرهوا إماءكم على الزنى.
وقال عكرمة: كانت جارية لعبد الله بن أبيّ، يقال لها معاذة، وكان يكلفها الخراج على الزنى، فنزل: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يعني: تعففًا {لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا} يعني: لتطلبوا بكسبهن وولدهن المال.
{وَمَن يُكْرِههُنَّ} يعني: يجبرهن على الزنى، {فِإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ}؛ يعني: من بعد إجبارهن على الزنى، {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} بهن، يعني: الإماء، لأنهن كن مكرهات على فعل الزنى.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايات مبينات} يعني: واضحات {وَمَثَلًا مّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} يعني: فيه خير من قبلكم من الأمم الماضية {وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ} لكي يعتبروا بما أصابهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان}.
صلح وطهر من هذا الذنب، وقرأ ابن محيص ويعقوب: زكّى بالتشديد أي طهّر، دليلها قوله سبحانه وتعالى {ولكن الله يُزَكِّي} يطهّر {مَن يَشَاءُ} من الإثم والذنب بالرحمة والمغفرة {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال: حدَّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: حدّثنا علي بن زنجويه قال: حدَّثنا سعيد بن سيف التميمي قال: حدَّثنا غالب بن تميم السعدي قال: حدَّثنا خالد بن جميل عن موسى بن عقبة المديني عن أبي روح الكلبي عن حر بن نصير الحضرمي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجل شدّ عضد امرئ من الناس في خصومة لا علم له بها فهو في ظلّ سخط الله سبحانه حتى ينزع، وأيّما رجل حال في شفاعة دون حدّ من حدود الله تعالى أن يقام فقد كايد اللّه حقًّا وحرص على سخطه وأن عليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة، وأيّما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يريد أن يشينه بها في الدنيا كان حقًّا على الله أن يذيبه في النار، وأصله في كتاب الله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} الآية».
{وَلاَ يَأْتَلِ} ولا يحلف، هذه قراءة العامة وهو يفتعل من الأليّة وهي القَسَم، وقال الأخفش: وإن شئت جعلته من قول العرب: ما ألوت جهدي في شأن فلان أي ما تركته، وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو مخلد السدوسي وأبو جعفر وزيد بن أسلم ولا يُتأل بتقديم التاء وتأخير الهمزة وهو يفتعل من الألية والالو.
{أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة} يعني أبا بكر الصدّيق {أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله} يعني مسطحًا، وكان مسكينًا مهاجرًا بدريًا، وكان ابن خالة أبي بكر رضي الله عنه.
{وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا} عنهم خوضهم في أمر عائشة.
وروت أسماء بنت يزيد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {ولتعفوا ولتصفحوا} بالتاء.
{أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. فلمّا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال: بلى أنا أُحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.
وقال ابن عباس والضحّاك: أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر أَلاّ يتصدقوا على رجل تكلّم بشيء من الإفك ولا ينفعونهم فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
{إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات} عن الفواحش وعما قذفن به كغفلة عائشة عمّا فيها {المؤمنات لُعِنُواْ} عُذبّوا {فِي الدنيا} بالجلد وفي الآخرة بالنار {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} واختلف العلماء في حكم الآية، فقال قوم: هي لعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدَّثنا هارون بن محمد بن هارون قال: حدَّثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدَّثنا هشام عن العوّام بن حوشب قال: حدّثنا شيخ من بني كاهل قال: فسّر ابن عباس سورة النور، فلمّا أتى على هذه الآية {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات} إلى آخر الآية، قال: هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وهي مبهمة ليس فيها توبة، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله سبحانه له توبة، ثمَّ قرأ {والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الى قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ} فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأُولئك توبة، قال: فهّم رجل أن يقوم فيقبّل رأسه من حسن ما فسّره.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك كذلك حتى نزلت الآية التي في أول السورة {والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إلى {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فأنزل الله له الجلد والتوبة، فالتوبة تُقبل والشهادة تُرَد.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حيّان قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن علي عن أبي حمزة الثمالي قال: بلغنا أنها نزلت في مشركي أهل مكة إذ كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فكانت المرأة إذا خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا: إنما خرجت تفجر.
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} قرأه العامة بالتاء، وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصمًا بالياء لتقدّم الفعل. {أَلْسِنَتُهُمْ} وهذا قبل أن يختم على أفواههم، وقيل: معناه: يشهد ألسنة بعضهم على بعض {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ} جزاءهم وحسابهم {الحق} قرأهُ العامة بنصب القاف، وقرأ مجاهد الحقُّ بالرفع على نعت الله وتصديقه، قراءة أبي يوفهم اللّه الحق دينهم.
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} يبيّن لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا. {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} الآية. قال أكثر المفسّرين: الخبيثات من القول للخبيثين من الناس {والخبيثون} من الناس {لِلْخَبِيثَاتِ} من القول {والطيبات} من القول {لِلطَّيِّبِينَ} من الناس {والطيبون} من الناس {لِلْطَّيِّبَاتِ} من القول.
وقال ابن زيد: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيّبات من النساء للطيّبين من الرجال، والطيّبون من الرجال للطيّبات من النساء.
{أولئك} يعني عائشة وصفوان فذكرهما بلفظ الجمع كقوله: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} والمراد أخَوَان.
{مُبَرَّءُونَ} منزّهون {مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد بن النعمان الجرجاني بها قال: أخبرنا محمد بن عبد الكريم الباهلي قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي قال: حدّثنا بشر بن الوليد الكندي قال: حدّثنا أبو حفص عن سليمان الشيباني عن علي بن زيد بن جدعان عن جدّته عن عائشة أنها قالت: لقد أُعطيت تسعًا ما أُعطيت امرأة، لقد نزل جبرئيل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوَّجني، ولقد تزوّجني بكرًا وما تزوّج بكرًا غيري، ولقد توفّي وإنّ رأسه لفي حجري، ولقد قبر في بيتي، ولقد حفّت الملائكة في بيتي، وإنْ كان الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه، وإنْ كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه، وإنّي لابنة خليفته وصدّيقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيّبة وعند طيّب، ولقد وعدت مغفرة ورزقًا كريمًا.