فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم روي ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعائشة.
وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وجوز أصحاب الرأي للمرأة تزويج نفسها وقال مالك إن كانت المرأة دنيئة يجوز لها تزويج نفسها وإن كانت شريفة فلا والدليل على أن الولي شرط في النكاح ما روي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» أخرجه أبو داود والترمذي ولهما عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له» وقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} قيل الغنى هنا القناعة وقيل: هو اجتماع الرزقين رزق الزوج والزوجة وقال عمر بن الخطاب.
عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح والله تعالى يقول إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وقال بعضهم إن الله وعد الغنى بالنكاح وبالتفرق فقال تعالى {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وقال {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} {والله واسع} يعني أنه ذو الإفضال والجود {عليم} أي بما يصلح خلقه من الرزق.
قوله تعالى: {وليستعفف الذي لا يجدون نكاحًا} يعني ليطلب العقة عن الزنا والحرام الذين لا يجدون ما ينكحون به من الصدق والنفقة {حتى يغنيهم الله من فضله} يعني يوسع عليهم من رزقه {والذين يبتغون الكتاب} يعني يطلبون المكاتبة {مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم} سبب نزول هذه الآية أن غلامًا لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارًا فأداها وقتل يوم حنين في الحرب، بيان حكم الآية وكيفية المكاتبة وذلك أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على كذا من المال ويسمى مالًا معلومًا تؤدي ذلك في نجمين أو في نجوم معلومة في كل نجم كذا فإذا أديت ذلك فأنت حر ويقبل العبد ذلك، فإذا أدى العبد ذلك المال عتق ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة وإذا عتق بأداء المال فما فضل في يده من المال فهو له ويتبعه أولاده الذي حصلوا في الكتابة في العتق وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق وما في يده من المال فهو لسيده لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» أخرجه أبو داود وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى: {فكاتبوهم} أم إيجاب يجب على السيد أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرًا إذا سأل العبد ذلك على قيمته أو على أكثر من قيمته وإن سأل على أقل من قيمته لا يجب وهو قول عطاء وعمرو بن دينار لما روي أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه وكان كثير المال فانطلق سيرين إلى عمر فشكاه فدعاه عمر فقال له: كاتبه فأبى فضربه بالدرة وتلا فكاتبوهم {إن علمتم فيهم خيرًا} فكاتبه وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي لأنه عقد جوز إرفاقًا بالعبد ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل فيحصل المقصود.
وجوز أبو حنيفة الكتابة إلى نجم وحالة واحدة واختلفوا في معنى قوله: {إن علمتم فيهم خيرًا} فقال أبن عمر قوة على الكسب وهو قول مالك والثوري وقيل مالًا، روي أن عبدًا لسلمان الفارسي قال له: كاتبني قال ألك مال قال لا قال تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ولم يكاتبه قيل لو أراد به المال لقال أن علمتم لهم خيرًا وقيل صدقًا وأمانة.
وقال الشافعي: أظهر معاني الخير في العبد الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمنع من المكاتبة إذا كان هكذا وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ثلاث حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله» أخرجه الترمذي والنسائي وقيل معنى الخير أن يكون العبد عاقلًا بالغًا فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق وقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} قيل هو خطاب للموالي فيجب على السيد أن يحط عن مكاتبه من مال الكتابة شيئًا وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة.
وبه قال الشافعي ثم اختلفوا في قدر ما يحط فقيل يحط الربع وهو قول علي ورواه بعضهم مرفوعًا.
وقال ابن عباس: يحط الثالث وقال الآخرون: ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وبه قال الشافعي قال نافع: كاتب عبد الله بن عمر غلامًا له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف درهم أخرجه مالك في الموطأ.
وقال سعيد بن جبير: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبة لم يضع عنه شيئًا من أول نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ويضع عنه من آخر كتابته ما أحب وقال بعضهم هو أمر استحباب والوجوب أظهر وقيل أراد بقوله: {وآتوهم من مال الله} أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات وهو قوله وفي الرقاب أراد به المكاتب وهو قول الحسن وزيد بن أسلم.
وقيل: هو حث لجميع الناس على مؤنتهم واختلف العلماء فيما إذا مات المكاتب قبل أداء النجوم فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقًا وترتفع الكتابة سواء ترك مالًا أو لم يترك وهو قول عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وبه قال عمر بن عبدالعزيز والزهري وقتادة وإليه ذهب الشافعي وأحمد، وقال قوم: إن ترك وفاء ما بقي عليه من مال الكتابة كان حرًا وإن فضل له مال كان لأولاده الأحرار.
وهو قول عطاء وطاوس والنخعي والحسن وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء وقد وجد وتتبعه أولاده وأكسابه كما في الكتابة الصحيحة لأن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم.
وقوله تعالى: {ولا تكروهوا فتياتكم} أي إماءكم {على البغاء} أي الزنا {إن أردن تحصنًا} الآية م عن جابر قال كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لجاريته اذهبي فابغينا شيئًا قال فأنزل الله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا} وفي رواية أخرى أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة كان يكرههما على الزنا فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} إلى قوله: {غفور رحيم} وقال المفسرون: نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق كانت له جاريتان يقال لهما مسيكة ومعاذة وكان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيرًا فقد استكثرنا منه، وإن يك شرًا فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله هذه الآية وروي أن إحدى الجاريتين جاءت ببرد، وجاءت الآخرى بدينار فقال لهما ارجعا فازنيا فقالتا: والله لا نفعل قد جاء الإسلام، وحرم الزنا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه فأنزل الله هذه الآية واختلف العلماء في معنى قوله إن أردن تحصنًا على أقوال أحدها: أن الكلام ورد على سبب وهو الذي ذكر في سبب نزول الآية، فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه الثاني: إنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأمّا إذا لم ترد المرأة التحصن فإنها تبغي بالطبع طوعهًا الثالث: أن إن بمعنى أي إذا أردن وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنًا، كقوله.
{وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} أي إذا كنتم القول الرابع: أن في هذه الآية تقديمًا وتأخيرًا تقديره وأنكحوا الأيامى منكم إن أردتم تحصنًا، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {لتبتغوا} أي لتطلبوا {عرض الحياة الدنيا} أي من أموال الدنيا يريد كسبهن، وبين أولادهن {ومن يكرههن} يعني على الزنا {فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} يعني للمكروهات والوزر على المكره، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال لهن والله لهن والله.
قوله تعالى: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} أي من الحلال والحرام {ومثلًا من الذين خلوا من قبلكم} أي شبهًا من حالكم بحالهم أيها المكذبون، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من كان قبلهم من المكذبين {وموعظة للمتقين} أي المؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر. اهـ.

.قال ابن جزي:

{خُطُوَاتِ الشيطان} في البقرة {بالفحشاء والمنكر} ذكر في النحل {زَكَا} أي تطهر من الذنوب، وصلح دينه.
{وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى} معنى يأتل يحلف، فهو من قولك: آليت إذا حلفت، وقيل معناه: يقصر فهو من قولك: ألوت أي قصرت، ومنه {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118] والفضل هنا يحتمل أن يريد به الفضل في الدين، أو الفضل في المال، وهو أن يفضل له عن مقدار ما يكفيه، والسعة هي اتساع المال، ونزلت الآية بسبب أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح، لما تكلم في حديث الإفك، وكان ينفق عليه لمسكنته؛ ولأنه قريبه، وكان ابن بنت خالته، فلما نزلت الآية رجع إلى مسطح النفقة والإحسان، وكفر عن يمينه قال بعضهم: هذه أرجى آية في القرآن، لأن الله أوصى بالإحسان إلى القاذف، ثم إن لفظ الآية على عمومه في أن لا يحلف أحد على ترك عمل صالح {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أي كما تحبون أن يغفر الله لكم، كذلك اغفروا أنتم لمن أساء إليكم، ولما نزلت قال أبو بكر رضي الله عنه: إني لأحب أن يغفر الله لي، ثم ردّ النفقة إلى مسطح.
{المحصنات الغافلات} معنى المحصنات هنا العفائف ذوات الصون، ومعنى الغافلات السليمات الصدور، فهو من الغفلة عن الشر {لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة} هذا الوعيد للقاذفين لعائشة ولذلك لم يذكر فيه توبة، قال ابن عباس: كل مذنب تقبل توبته إذا تاب إلا من خاض في حديث عائشة وقيل: الوعيد لكل قاذف، والعذاب العظيم يحتمل أن يريد به الحدّ أو عذاب الآخرة.
{يَوْمَ تَشْهَدُ} العامل فيه يوفيهم، وكرر يومئذ توكيدًا وقيل: العام فيه عذاب أو فعل مضمر.
{دِينَهُمُ الحق} أي جزاؤهم الواجب لهم {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} هذه الآية تدل على أن ما قبلها في المنافقين، لأن المؤمن قد علم في الدنيا أن الله هو الحق المبين، ومعنى المبين الظاهر الذي لا شك فيه.
{الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} الآية: معناها أن الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وأن الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، ففي ذلك ردّ على أهل الأفك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أطيب الطيبين فزوجته أطيب الطيبات، وقيل: المعنى أن الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس، والطيبات من الأعمال للطيبين من الناس، ففيه أيضًا ردّ على أهل الإفك، وقيل: معناه أن الخبيثات من الأقوال للخبيثين من الناس، والإشارة بذلك إلى أهل الإفك: أي أن أقوالهم الخبيثة لا يقولها إلا خبيث مثلهم {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} الإشارة بأولئك إلى الطيبين والطيبات والضمير في يقولون للخبيثات والخبيثين، والمراد تبرئة عائشة رضي الله عنها مما رميت به.
{لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا} هذه الآية أمر بالاستئذان في غير بيت الداخل، فيعم بذلك بيوت الأقارب وغيرهم، وقد جاء في الحديث الأمر بالاستئذان على الأم خيفة أن يراها عُريانة، ومعنى {تَسْتَأْنِسُواْ}: تستأذنوا وهو مأخوذ من قولك: آنست للشيء إذا علمته، فالاستئناس: أن يستعلم هل يريد أهل الدار الدخول أم لا؟ وقيل هو مأخوذ من الأنس ضد الوحشة؛ وقرأ ابن عباس حتى تستأذنوا، والاستئذان واجب، وأما السلام فلا ينتهي إلى الوجوب، واختلف أيهما يقدّم، فقيل يقدّم السلام ثم يستأذن فيقول: السلام عليكم، ثم يقول أأدخل، وقيل يقدم الاستئذان لتقديمه في الآية، وليس في الآية عدد الاستئذان، وجاء في الحديث أن يستأذن ثلاث مرات، وهو تفسير الآية: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} سبب هذه الآية أنه لما نزلت آية الاستئذان تعمق قوم فكانوا يأتون المواضع غير المسكونة فيسلمون ويستأذنون، فأباحت هذه الآية دخولها بغير استئذان، واختلف في البيوت غير المسكونة في هذه الآية، فقيل: هي الفنادق التي في الطرق ولا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، والمتاع على التمتع بالنزول فيها والمبيت وغير ذلك، وقيل هي الخرب التي تدخل للبول والغائط، والمتاع على هذا حاجة الإنسان، وقيل: هي حوانيت القيسارية، والمتاع على هذا الثياب والبسط وشبهها، وهذا القول خطأ لأن الاستئذان في الحوانيت واجب بإجماع.