فصل: فصل اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ أَمْ لَا؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانِي فِي الْآخِرَةِ. وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَلَالًا فَقَدْ كَانَ رِزْقُهُنَّ مِنْ أَجَلِّ الْأَرْزَاقِ.
وَالثَّانِي: وَاسِعًا: فَقَدْ صَارَ رِزْقُهُنَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي أَيَّامِ عُمَرَ مِنْ أَوْسَعِ الْأَرْزَاقِ.
فصل: وَصَارَ مَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَاكِحِهِ، مِمَّا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ، وَاتَّصَلَ بِهِ نَقْلٌ عَشْرُ خِصَالٍ، تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، مِنْهَا ثَلَاثُ خِصَالٍ تَغْلِيظٌ، وَثَلَاثُ خِصَالٍ تَخْفِيفٌ، وَأَرْبَعُ خِصَالٍ كَرَامَةٌ. فَأَمَّا الثَّلَاثُ التَّغْلِيظُ: فَإِحْدَاهُنَّ: مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَخْيِيرِ نِسَائِهِ تخيير النبي نساءه. وَالثَّانِيَةُ: مَا حُظِرَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهِنَّ طلاق النبي نساءه. وَالثَّالِثَةُ: مَا مَنَعَهُ مِنَ الِاسْتِبْدَالِ بِهِنَّ تبدل أزواج النبي. وَأَمَّا الثَّلَاثُ التَّخْفِيفُ: فَإِحْدَاهُنَّ: مَا أَبَاحَهُ لَهُ مِنَ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ مَحْصُورٍ نكاح النبي أكثر من اربعة. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْلِكَ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ نكاح الرسول بلفظ الهبة. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فعل النبي ذلك كَانَ عِتْقُهَا نِكَاحًا عَلَيْهَا وَصَدَاقًا لَهَا: لِأَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَصَارَتْ بِالْعِتْقِ زَوْجَةً وَصَارَ الْعِتْقُ لَهَا صَدَاقًا. فَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْكَرَامَةُ:
فَإِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ فَضَّلَ نِسَاءَهُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالثَّالِثَةُ: حَرَّمَهُنَّ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَالرَّابِعَةُ: مَا ضَاعَفَ مِنْ ثَوَابِهِنَّ وَعِقَابِهِنَّ.
فصل: وَإِذْ قَدْ مَضَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصًا بِهِ فِي مَنَاكِحِهِ نَصًّا: فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهِ فِي مَنَاكِحِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّصِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِنَقْصِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْإِمَامَةِ: لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي النَّوَازِلِ الْحَادِثَةِ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ: لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ، كَمَا اجْتَهَدُوا فِيمَا لَمْ يَحْدُثْ مِنَ النَّوَازِلِ، فَاجْتَهَدُوا فِي سَبْعِ مَسَائِلَ أَفْضَى بِهِمُ الِاجْتِهَادُ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا: فَأَحَدُهَا: أَنِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي أَلَّا يَنْكِحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ: لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى مَنَاكِحِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شَاهِدِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الْأَحْزَابِ: 6] وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: مَا لِي وَلِيٌّ حَاضِرٌ، فَقَالَ مَا يَكْرَهُنِي مِنْ أَوْلِيَائِكِ حَاضِرٌ وَلَا غَائِبٌ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِهَا عُمَرَ- وَكَانَ غَيْرَ بَالِغٍ-: قُمْ زَوِّجْ أُمَّكَ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ عَلَى مَنْ قَالَ غَيْرَ بَالِغٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا يُرَادُ لِالْتِمَاسِ الْأَكْفَاءِ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَكْفَاءِ، وَالشُّهُودُ إِنَّمَا يُرَادُونَ حَذَرَ التَّنَاكُرِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْهُومٍ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ لَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَفْتَقِرْ نِكَاحُهُ إِلَى وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ.

.فصل اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ أَمْ لَا؟

فصل: وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنِ اخْتَلَفُوا: هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ أَمْ لَا؟ للنبي صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الْأَحْزَابِ: 6] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ أَزْوَاجِي فِي الْآخِرَةِ وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مُنْتَفِيَانِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِيمَا أَبَاحَهُ لِرَسُولِهِ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَعَمَّاتِهِ الْهِجْرَةَ، فَقَالَ: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الْأَحْزَابِ: 50] فَلَمَّا حُظِرَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ، فَكَيْفَ يَسْتَبِيحُ مَنْ لَمْ تُسْلِمْ وَلَمْ تُهَاجِرْ؟.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ: لِأَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّكَاحِ أَوْسَعُ مِنْ حُكْمِ أُمَّتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لِأُمَّتِهِ: وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَمْتَعَ بِأَمَتِهِ رَيْحَانَةَ بِنْتِ عَمْرٍو بِمِلْكِ يَمِينِهِ، وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ مِنْ بَعْدُ، فَلَمَّا بُشِّرَ بِإِسْلَامِهَا سُرَّ بِهِ، وَالْكُفْرُ فِي الْأَمَةِ أَغْلَظُ مِنْهُ فِي الْحُرَّةِ: لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ حَرَامٌ، وَنِكَاحَ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ مُبَاحٌ، فَلَمَّا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَحْرُمَ عَلَيْهِ الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا نَكَحَ الْكِتَابِيَّةَ، فَهَلْ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا أَنْ تُسْلِمَ فَيُمْسِكَهَا، أَوْ تُقِيمَ عَلَى دِينِهَا فَيُفَارِقَهَا؟ فِيهِ وَجْهَان:
أحدهما: عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى دِينِهَا فَارَقَهَا، لِيَصِحَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَزْوَاجِهِ فِي الْآخِرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ: لِأَنَّهُ مَا خَيَّرَ رَيْحَانَةَ، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ، وَأَقَامَ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا. فَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا لِمِلْكِ يَمِينِهِ: لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَشْرُوطٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ، وَهَذَا غَيْرُ مُجَوَّزٍ عَلَيْهِ.

.فصل اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ فِي إِحْرَامِهِ:

فصل: وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنِ اخْتَلَفُوا: هَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ فِي إِحْرَامِهِ للنبي صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ أَبُو الطِّيبِ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى جَوَازِهِ لَهُ خُصُوصًا: لِرِوَايَتِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ مُحْرِمًا، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ النِّكَاحِ فِي الْإِحْرَامِ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ: لِأَنَّهُ وَإِيَّاهُمْ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ وَمَا نَكَحَ مَيْمُونَةَ إِلَّا حَلَالًا.
اخْتَلَفُوا فِي الَّتِي خَطَبَهَا هَلْ يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ.
وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنِ اخْتَلَفُوا فِي الَّتِي خَطَبَهَا هَلْ يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الْأَنْفَالِ: 24].
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهَا إِجَابَةُ غَيْرِهِ؟ لِأَنَّ عُقُودَ الْمَنَاكِحِ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ. وَالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا مَهْرًا، هَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ: عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ: لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّوَصُّلُ إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
اخْتَلَفُوا فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنَ الطَّلَاقِ هَلْ هُوَ مَحْصُورٌ بِعَدَدٍ أَمْ مُرْسَلٌ بِغَيْرِ أَمَدٍ.
وَالْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنَ الطَّلَاقِ، هَلْ هُوَ مَحْصُورٌ بِعَدَدٍ أَمْ مُرْسَلٌ بِغَيْرِ أَمَدٍ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُرْسَلٌ بِغَيْرِ أَمَدٍ وَلَا مَحْصُورٍ بِعَدَدٍ، وَمَهْمَا طَلَّقَ كَانَ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَنْ يُرَاجِعَ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْحَصِرْ عَدَدُ نِسَائِهِ، لَمْ يَنْحَصِرْ طَلَاقُهُنَّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْصُورٌ بِالثَّلَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ عَدَدُ الْمَنْكُوحَاتِ: لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ أَغْلَظُ: فَعَلَى هَذَا إِذَا اسْتَكْمَلَ طَلَاقَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا، هَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ أَمْ لَا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَحِلُّ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ نِسَائِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا: لِمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّغْلِيظِ فِي أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ. وَالْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ الرسول صلى الله عليه وسلم، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ: لِأَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ يَعْنِي: قَلْبَهُ وَطَيْفَهُ عَلَى نِسَائِهِ مَحْمُولًا فِي مَرَضِهِ حَتَّى حَلَلْنَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَ عَائِشَةَ. وَهَمَّ بِطَلَاقِ سَوْدَةَ، فَقَالَتْ: قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُحْشَرَ فِي جُمْلَةِ نِسَائِكَ، وَقَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَفَّ عَنْ طَلَاقِهَا، وَكَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ يَوْمًا يَوِمًا، وَلِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ، وَقِيلَ: فِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النِّسَاءِ: 128]. وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ.
اختلفوا في وجوب القسم عليه بين أزواجه.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَسْمَ بَيْنَهُنَّ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَطَوَّعُ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَطَائِفَةٍ: لِمَا فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ مِنَ التَّشَاغُلِ عَنْ لَوَازِمَ الرِّسَالَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الْأَحْزَابِ: 51] وَفِيهِ تَأْوِيلَان:
أحدهما: مَعْنَاهُ تَعْزِلُ مَنْ شِئْتَ مِنْ أَزْوَاجِكَ فَلَا تَأْتِيهَا وَتَأْتِي مَنْ شِئْتَ مِنْ أَزْوَاجِكَ فَلَا تَعْزِلُهَا، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ تُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ مِنْ أَزْوَاجِكَ، وَتَضُمَّ إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ مِنْ أَزْوَاجِكَ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الْأَحْزَابِ: 51] أَيْ مَنِ ابْتَغَيْتَ فَآوَيْتَهُ إِلَيْكَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أَنْ تُؤْوِيَهُ إِلَيْكَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِيمَنِ ابْتَغَيْتَ وَفِيمَنْ عَزَلْتَ. وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ.
وَالثَّانِي: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِيمَنْ عَزَلْتَ أَنْ تُؤْوِيَهُ إِلَيْكَ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الْأَحْزَابِ: 51] فِيهِ تَأْوِيلَان:
أحدهما: إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ لَهُ رَدَّهُنَّ إِلَى فِرَاشِهِ إِذَا اعْتَزَلَهُنَّ قَرَّتْ أَعْيُنُهُنَّ فَلَمْ يَحْزَنَّ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَالثَّانِي: إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ هَذَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِنَّ قَرَّتْ أَعْيُنُهُنَّ ولَمْ يَحْزَنَّ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ. فَاخْتَلَفُوا: هَلْ أَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ أَمْ لَا؟ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يُرْجِ مِنْهُنَّ أَحَدًا، وَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ، فَكَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ، لِأَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، رَوَى مَنْصُورٌ عَنِ ابْنِ رُزَيْنٍ قَالَ: بَلَغَ بَعْضَ نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ، فَأَتَيْنَهُ، فَقُلْنَ: لَا تُخَلِّ سَبِيلَنَا وَأَنْتَ فِي حِلٍّ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَأَرْجَأَ مِنْهُنَّ نِسْوَةً وَآوَى نِسْوَةً، فَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَأَ مَيْمُونَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَصْفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَكَانَ يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ مَا شَاءَ، وَكَانَ مِمَّنْ آوَى عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ، فَكَانَ قَسْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيهِنَّ سَوَاءً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل: وَإِذَا قَدْ مَضَى مَا قَدْ خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَاكِحِهِ نَصًّا وَاجْتِهَادًا، وَمَا خُصَّ بِهِ أَزْوَاجُهُ تَفْضِيلًا وَحُكْمًا. فلابد مِنْ ذِكْرِ أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم، لِيَعْلَمَ مَنْ يُمَيَّزُ مِنْ نِسَاءِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً، مِنْهُنَّ سِتٌّ مِتْنَ قَبْلَهُ، وَتِسْعٌ مَاتَ قَبْلَهُنَّ، وَثَمَانٍ فَارَقَهُنَّ. فَأَمَّا السِّتُّ اللَّاتِي مِتْنَ قَبْلَهُ: فَإِحْدَاهُنَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ عِنْدَ مَرْجِعِهِ مِنَ الشَّامِ، وَهِيَ أُمُّ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ، كَانَ الْمُقَوْقِسُ أَهْدَاهَا إِلَيْهِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَى خَدِيجَةَ أَحَدًا حَتَّى مَاتَتْ. وَالثَّانِيَةُ: زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ، وَدَخَلَ بِهَا، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ شُهُورًا، ثُمَّ مَاتَتْ، وَكَانَتْ أُخْتَ مَيْمُونَةَ مِنْ أُمِّهَا. وَالثَّالِثَةُ: سَنَا بِنْتُ الصَّلْتِ، مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ. وَالرَّابِعَةُ: شَرَاقٌ أُخْتُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ. وَالْخَامِسَةُ: خَوْلَةُ بِنْتُ الْهُذَيْلِ، مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ. وَالسَّادِسَةُ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ، مَاتَتْ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا هِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَؤُلَاءِ سِتٌّ مِتْنَ قَبْلَهُ، دَخَلَ مِنْهُنَّ بِاثْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِأَرْبَعٍ.
وَأَمَّا التِّسْعُ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ: فَإِحْدَاهُنَّ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا، عَقَدَ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ وَهِيَ ابْنَةُ سَبْعٍ، وَدَخَلَ بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَالثَّانِيَةُ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، تَزَوَّجَهَا بَعْدَ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أُمَّ خَمْسِ صِبْيَةٍ، فَلَمَّا عَرَفَ أَخُوهَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَا التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: إِنِّي لِسَفِيهٌ لَمَّا حَثَوْتُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي، حِينَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتِي. وَالثَّالِثَةُ: حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ، تَزَوَّجَهَا بَعْدَ سَوْدَةَ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ خَطَبَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَّا أَدُلُّكَ عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَهَا مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا، وَزَوَّجَ بِنْتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِعُثْمَانَ. وَالرَّابِعَةُ: أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ فِي تَزْوِيجِهَا: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الْمُمْتَحَنَةِ: 7]، وَلَمَّا تَنَازَعَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَضَانَةِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ادْفَعُوهُ إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ: فَإِنَّهَا أَقْرَبُهُنَّ مِنْهُ رَحِمًا. وَالْخَامِسَةُ: أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَّيَّةَ.
وَالسَّادِسَةُ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، نَزَلَ عَنْهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَتَزَوَّجَهَا، وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الْأَحْزَابِ: 37] وَكَانَتْ بِنْتَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَطَّلِبَ. وَالسَّابِعَةُ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ فَوَكَّلَ أُمَّ رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ بِهَا وَبَقِيَ بِمَكَّةَ، وَدَخْلٍ بِهَا عَامَ الْفَتْحِ بِسَرِفَ، وَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَرِفَ. وَالثَّامِنَةُ: جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، مَنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، سَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ الَّتِي هَدَمَ فِيهَا مَنَاةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَبْدًا مِنْ قَوْمِهَا إِلَّا أَعْتَقُهُ لِمَكَانَتِهَا، فَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ أَبْرَكَ امْرَأَةٍ عَلَى قَوْمِهَا. وَالتَّاسِعَةُ: صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبَ، اصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَبْيِ النَّضِيرِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَهِيَ الَّتِي أَهْدَتْ إِلَيْهَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيَّةُ شَاةً مَسْمُومَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَؤُلَاءِ تِسَعٌ مَاتَ عَنْهُنَّ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ مِنْهُنَّ. وَأَمَّا الثَّمَانِي اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ:
فَإِحْدَاهُنَّ: أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ الْكِنْدِيَّةُ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: تَعَالَيْ، فَقَالَتْ: أَنَا مِنْ قَوْمٍ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي، فَقَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا، فَقَالَ: مَلِكَةٌ تَحْتَ سُوقَةٍ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ لِي لَأَمْسَكْتُكِ وَطَلَّقَهَا.
وَالثَّانِيَةُ: لَيْلَى بِنْتُ الْحَطِيمِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ غَافِلٌ، فَضَرَبَتْ ظَهْرَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ أَكَلَهُ الْأُسُودُ، فَقَالَتْ: أَنَا لَيْلَى قَدْ جِئْتُكَ أَعْرِضُ نَفْسِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُكِ، ثُمَّ عَلِمَتْ كَثْرَةَ ضَرَائِرِهَا، فَاسْتَقَالَتْهُ فَأَقَالَهَا، فَدَخَلَتْ حَائِطًا بِالْمَدِينَةِ، فَأَكَلَهَا الذِّئْبُ.
وَالثَّالِثَةُ: عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيَّةُ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَآهَا تَتَطَلَّعُ فَطَلَّقَهَا.
وَالرَّابِعَةُ: الْعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ، دَخَلَ بِهَا وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا.
وَالْخَامِسَةُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ الْكِلَابِيَّةُ، لَمَّا خَيَّرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، فَفَارَقَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا.
وَالسَّادِسَةُ: قُتَيْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أُخْتُ الْأَشْعَثِ، وَصَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِهَا فِي مَرَضِهِ، فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، فَفَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَالسَّابِعَةُ: مُلَيْكَةُ بِنْتُ كَعْبٍ اللَّيْثِيَّةُ، كَانَتْ مَذْكُورَةً بِالْجَمَالِ، فَدَخَلَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ، فَقَالَتْ: أَلَّا تَسْتَحِينَ أَنْ تَتَزَوَّجِي قَاتِلَ أَبِيكِ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَعِيذِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعِيذُكِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَقَالَ: قَدْ أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنِّي وَطَلَّقَهَا.
وَالثَّامِنَةُ: امْرَأَةٌ مِنْ عَفَّانَ، تَزَوَّجَهَا، وَرَأَى بِكَشْحِهَا لَطْخًا فَقَالَ: ضُمِّي إِلَيْكِ ثِيَابَكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَهَؤُلَاءِ ثَمَانٍ فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ، دَخْلَ مِنْهُنَّ بِثَلَاثٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.فصل الكلام فيما خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غير مَنَاكِحِهِ:

وَإِذْ قَدْ مَضَى مَا خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَاكِحِهِ، فَالْكَلَامُ فِيمَا خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَنَاكِحِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا خُصَّ بِهِ مِنْ فَرْضٍ.
وَالثَّانِي: مَا خُصَّ بِهِ مِنْ حَظْرٍ.
وَالثَّالِثُ: مَا خُصَّ بِهِ مِنْ إِبَاحَةٍ.
وَالرَّابِعُ: مَا خُصَّ بِهِ مِنْ مَعُونَةٍ. وَالْخَامِسُ: مَا خُصَّ بِهِ مِنْ كَرَامَةٍ. فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ فَرْضٍ الرسول صلى الله عليه وسلم فَثَمَانِي خِصَالٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ: فُرِضَ عَلَيَّ الْوِتَرُ وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْكُمْ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فُرِضَ عَلَيَّ السِّوَاكُ وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْكُمْ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُفْرَضْ عَلَيْكُمْ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّ فَرْضَهُ فِي الصَّلَاةِ كَامِلٌ لَا خَلَلَ فِيهِ. وَمِنْهَا: مَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، هَلْ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ؟ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا لَبِسَ لَأْمَةَ سِلَاحِهِ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ لِقَاءِ عَدُوِّهِ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَارَزَ فِي الْحَرْبِ رَجُلًا لَمْ يَنْكِفْ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَفِرُّ مِنَ الزَّحْفِ وَيَقِفُ بَارِزًا عَدُوَّهُ وَإِنْ كَثُرُوا الرسول صلى الله عليه وسلم.