فصل: الفصل الثاني: في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله سبعين حجابًا من نور وظلمة...»:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأما القوة الباصرة فلا تطلع على أحوال الماهيات، بل لا ترى إلا أمرًا واحدًا ولا تدري ما هو وكيف هو، فظهر أن القوة العاقلة أشرف الثاني عشر: القوة العاقلة تقوى على إدراكات غير متناهية، والقوة الحاسة لا تقوى على ذلك: بيان الأول من وجوه: الأول: القوة العاقلة يمكنها أن تتوصل بالمعارف الحاضرة إلى استنتاج المجهولات، ثم إنها تجعل تلك النتائج مقدمات في نتائج أخرى لا إلى نهاية، وقد عرفت أن القوة الحاسة لا تقوى على الاستنتاج أصلًا الثاني: أن القوة العاقلة تقوى على تعقل مراتب الأعداد ولا نهاية لها الثالث: أن القوة العاقلة يمكنها أن تعقل نفسها، وأن تعقل أنها عقلت وكذا إلى غير النهاية الرابع: النسب والإضافات غير متناهية وهي معقولة لا محسوسة فظهر أن القوة العاقلة أشرف الثالث عشر: الإنسان بقوته العاقلة يشارك الله تعالى في إدراك الحقائق وبقوته الحاسة يشارك البهائم، والنسبة معتبرة فكانت القوة العاقلة أشرف الرابع عشر: القوة العاقلة غنية في إدراكها العقلي عن وجود المعقول في الخارج، والقوة الحاسة محتاجة في إدراكها الحسي إلى وجود المحسوس في الخارج، والغني أشرف من المحتاج.
الخامس عشر: هذه الموجودات الخارجية ممكنة لذواتها وأنها محتاجة إلى الفاعل، والفاعل لا يمكنه الإيجاد على سبيل الاتقان إلا بعد تقدم العلم، فإذن وجود هذه الأشياء في الخارج تابع للإدراك العقلي، وأما الإحساس بها فلا شك أنه تابع لوجودها في الخارج، فإذن القوة الحساسة تبع لتبع القوة العاقلة السادس عشر: القوة العاقلة غير محتاجة في العقل إلى الآلات بدليل أن الإنسان لو اختلت حواسه الخمس، فإنه يعقل أن الواحد نصف الاثنين، وأن الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.
وأما القوة الحساسة فإنها محتاجة إلى آلات كثيرة، والغني أفضل من المحتاج، السابع عشر: الإدراك البصري لا يحصل إلا للشيء الذي في الجهات، ثم إنه غير متصرف في كل الجهات بل لا يتناول إلا المقابل أو ما هو في حكم المقابل، واحترزنا بقولنا في حكم المقابل عن أمور أربعة: الأول: العرض فإنه ليس بمقابل لأنه ليس في المكان، ولكنه في حكم المقابل لأجل كونه قائمًا بالجسم الذي هو مقابل الثاني: رؤية الوجه في المرآة، فإن الشعاع يخرج من العين إلى المرآة، ثم يرتد منها إلى الوجه فيصير الوجه مرئيًا، وهو من هذا الاعتبار كالمقابل لنفسه.
الثالث: رؤية الإنسان قفاه إذا جعل إحدى المرآتين محاذية لوجهه والأخرى لقفاه.
والرابع: رؤية ما لا يقابل بسبب انعطاف الشعاع في الرطوبات ما هو مشروح في كتاب المناظر وأما القوة العاقلة فإنها مبرأة عن الجهات، فإنها تعقل الجهة والجهة ليست في الجهة، ولذلك تعقل أن الشيء إما أن يكون في الجهة، وإما أن لا يكون في الجهة، وهذا الترديد لا يصح إلا بعد تعقل معنى قولنا ليس في الجهة.
الثامن عشر: القوة الباصرة تعجز عند الحجاب، وأما القوة العاقلة فإنها لا يحجبها شيء أصلًا فكانت أشرف.
التاسع عشر: القوة العاملة كالأمير، والحاسة كالخادم والأمير أشرف من الخادم، وتقرير الفرق بين الإمارة والخدمة مشهور.
العشرون: القوة الباصرة قد تغلط كثيرًا فإنها قد تدرك المتحرك ساكنًا وبالعكس، كالجالس في السفينة، فإنه قد يدرك السفينة المتحركة ساكنة والشط الساكن متحركًا، ولولا العقل لما تميز خطأ البصر عن صوابه، والعقل حاكم والحس محكوم، فثبت بما ذكرنا أن الإدراك العقل أشرف من الإدراك البصري، وكل واحد من الإدراكين يقتضي الظهور الذي هو أشرف خواص النور، فكان الإدراك العقلي أولى بكونه نورًا من الإدراك البصري، وإذا ثبت هذا فنقول هذه الأنوار العقلية قسمان:
أحدهما: واجب الحصول عند سلامة الأحوال وهي التعقلات الفطرية والثاني: ما يكون مكتسبًا وهي التعقلات النظرية أما الفطرية فليست هي من لوازم جوهر الإنسان لأنه حال الطفولية لم يكن عالمًا ألبتة فهذه الأنوار الفطرية إنما حصلت بعد أن لم تكن فلابد لها من سبب وأما النظريات فمعلوم أن الفطرة الإنسانية قد يعتريها الزيغ في الأكثر وإذا كان كذلك فلابد من هاد مرشد ولا مرشد فوق كلام الله تعالى وفوق إرشاد الأنبياء، فتكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل بمنزلة نور الشمس عند العين الباصرة إذ به يتم الإبصار، فبالحري أن يسمى القرآن نورًا كما يسمى نور الشمس نورًا، فنور القرآن يشبه نور الشمس ونور العقل يشبه نور العين وبهذا يظهر معنى قوله: {فَئَامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا} [التغابن: 8] وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ} [النساء: 174] {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174] وإذا ثبت أن بيان الرسول أقوى من نور الشمس وجب أن تكون نفسه القدسية أعظم في النورانية من الشمس، وكما أن الشمس في عالم الأجسام تفيد النور لغيره ولا تستفيده من غيره فكذا نفس النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الأنوار العقلية لسائر الأنفس البشرية، ولا تستفيد الأنوار العقلية من شيء من الأنفس البشرية، فلذلك وصف الله تعالى الشمس بأنها سراج حيث قال: {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} [الفرقان: 61] ووصف محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه سراج منير، إذا عرفت هذا فنقول ثبت بالشواهد العقلية والنقلية أن الأنوار الحاصلة في أرواح الأنبياء مقتبسة من الأنوار الحاصلة في أرواح الملائكة قال تعالى: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: 2] وقال: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] وقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبّكَ بالحق} [النحل: 102] وقال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} [النجم: 4، 5] والوحي لا يكون إلا بواسطة الملائكة فإذا جعلنا أرواح الأنبياء أعظم استنارة من الشمس فأرواح الملائكة التي هي كالمعادن لأنوار عقول الأنبياء لابد وأن تكون أعظم من أنوار أرواح الأنبياء، لأن السبب لابد وأن يكون أقوى من المسبب.
ثم نقول ثبت أيضًا بالشواهد العقلية والنقلية أن الأرواح السماوية مختلفة فبعضها مستفيدة وبعضها مفيدة، قال تعالى في وصف جبريل عليه السلام: {مطاع ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21] وإذا كان هو مطاع الملائكة فالمطيعون لابد وأن يكونوا تحت أمره وقال: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] وإذا ثبت هذا فالمفيد أولى بأن يكون نورًا من المستفيد للعلة المذكورة ولمراتب الأنوار في عالم الأرواح مثال وهو أن ضوء الشمس إذا وصل إلى القمر ثم دخل في كوة بيت ووقع على مرآة منصوبة على حائط ثم انعكس منها إلى حائط آخر نصب عليه مرآة أخرى ثم انعكس منها إلى طست مملوء من الماء موضوع على الأرض انعكس منه إلى سقف البيت فالنور الأعظم في الشمس التي هي المعدن، وثانيًا في القمر، وثالثًا ما وصل إلى المرآة الأولى، ورابعًا ما وصل إلى المرآة الثانية، وخامسًا ما وصل إلى الماء، وسادسًا ما وصل إلى السقف، وكل ما كان أقرب إلى المنبع الأول فإنه أقوى مما هو أبعد منه فكذا الأنوار السماوية لما كانت مرتبة لا جرم كان نور المفيد أشد إشراقًا من نور المستفيد، ثم تلك الأنوار لا تزال تكون مترقية حتى تنتهي إلى النور الأعظم والروح الذي هو أعظم الأرواح منزلة عند الله الذي هو المراد من قوله سبحانه: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفًّا} [النبأ: 38] ثم نقول لا شك أن هذه الأنوار الحسية إن كانت سفلية كانت كأنوار النيران أو علوية كانت كأنوار الشمس والقمر والكواكب، وكذا الأنوار العقلية سفلية كانت كالأرواح السفلية التي للأنبياء والأولياء أو علوية كالأرواح العلوية التي هي الملائكة، فإنها بأسرها ممكنة لذواتها والممكن لذاته يستحق العدم من ذاته والوجود من غيره، والعدم هو الظلمة الحاصلة والوجود هو النور، فكل ما سوى الله مظلم لذاته مستنير بإنارة الله تعالى وكذا جميع معارفها بعد وجودها حاصل من وجود الله تعالى، فالحق سبحانه هو الذي أظهرها بالوجود بعد أن كانت في ظلمات العدم وأفاض عليها أنوار المعارف بعد أن كانت في ظلمات الجهالة، فلا ظهور لشيء من الأشياء إلا بإظهاره، وخاصة النور إعطاء الإظهار والتجلي والانكشاف، وعند هذا يظهر أن النور المطلق هو الله سبحانه وأن إطلاق النور على غيره مجاز إذ كل ما سوى الله، فإنه من حيث هو هو ظلمة محضة لأنه من حيث إنه هو عدم محض، بل الأنوار إذا نظرنا إليها من حيث هي هي فهي ظلمات، لأنها من حيث هي هي ممكنات، والممكن من حيث هو هو معدوم، والمعدوم مظلم.
فالنور إذا نظر إليه من حيث هو هو ظلمة، فأما إذا التفت إليها من حيث أن الحق سبحانه أفاض عليها نور الوجود فبهذا الاعتبار صارت أنوارًا.
فثبت أنه سبحانه هو النور.
وأن كل ما سواه فليس بنور إلا على سبيل المجاز.
ثم إنه رحمه الله تكلم بعد هذا في أمرين: الأول: أنه سبحانه لم أضاف النور إلى السموات والأرض؟ وأجاب فقال قد عرفت أن السموات والأرض مشحونة بالأنوار العقلية والأنوار الحسية، أما الحسية فما يشاهد في السموات من الكواكب والشمس والقمر وما يشاهد في الأرض من الأشعة المنبسطة على سطوح الأجسام حتى ظهرت به الألوان المختلفة، ولولاها لم يكن للألوان ظهور بل وجود، وأما الأنوار العقلية فالعالم الأعلى مشحون بها وهي جواهر الملائكة والعالم الأسفل مشحون بها وهي القوى النباتية والحيوانية والإنسانية وبالنور الإنساني السفلي ظهر نظام عالم السفل كما بالنور الملكي ظهور نظام عالم العلو، وهو المعنى بقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض} [النور: 55] وقال: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأرض} [النمل: 62] فإذا عرفت هذا عرفت أن العالم بأسره مشحون بالأنوار الظاهرة البصرية والباطنية العقلية، ثم عرفت أن السفلية فائضة بعضها من بعض فيضان النور من السراج فإن السراج هو الروح النبوي، ثم إن الأنوار النبوية القدسية مقتبسة من الأرواح العلوية اقتباس السراج من النور، وأن العلويات مقتبسة بعضها من بعض وأن بينها ترتيبًا في المقامات، ثم ترتقي جملتها إلى نور الأنوار ومعدنها ومنبعها الأول، وأن ذلك هو الله وحده لا شريك له، فإذن الكل نوره فلهذا قال: {الله نُورُ السموات والأرض}.
السؤال الثاني: فإذا كان الله النور فلم احتيج في إثباته إلى البرهان؟ أجاب فقال إن معنى كونه نور السموات والأرض معروف بالنسبة إلى النور الظاهر البصري، فإذا رأيت خضرة الربيع في ضياء النهار فلست تشك في أنك ترى الألوان فربما ظننت أنك لا ترى مع الألوان غيرها، فإنك تقول لست أرى مع الخضرة غير الخضرة إلا أنك عند غروب الشمس تدرك تفرقة ضرورية بين اللون حال وقوع الضوء عليه وعدم وقوعه عليه، فلا جرم تعرف أن النور معنى غير اللون يدرك مع الألوان إلا أنه كان لشدة اتحاده به لا يدرك ولشدة ظهوره يختفي وقد يكون الظهور سبب الخفاء، إذا عرفت هذا فاعلم أنه كما ظهر كل شيء للبصر بالنور الظاهر فقد ظهر كل شيء للبصيرة الباطنة بالله ونوره حاصل مع كل شيء لا يفارقه، ولكن بقي هاهنا تفاوت وهو أن النور الظاهر يتصور أن يغيب بغروب الشمس، ويحجب فحينئذ يظهر أنه غير اللون، وأما النور الإلهي الذي به يظهر كل شيء لا يتصور غيبته بل يستحيل تغيره فيبقى مع الأشياء دائمًا، فانقطع طريق الاستدلال بالتفرقة، ولو تصورت غيبته لانهدمت السموات والأرض ولأدرك عنده من التفرقة ما يحصل العلم الضروري به، ولكن لما تساوت الأشياء كلها على نمط واحد في الشهادة على وجود خالقها، وأن كل شيء يسبح بحمده لا بعض الأشياء، وفي جميع الأوقات لا في بعض الأوقات ارتفعت التفرقة وخفي الطريق، إذ الطريق الظاهر معرفة الأشياء بالأضداد فما لا ضد له ولا تغير له بتشابه أحواله، فلا يبعد أن يخفى ويكون خفاؤه لشدة ظهوره وجلائه، فسبحان من اختفى عن الخلق لشدة ظهوره واحتجب عنهم بإشراق نوره، واعلم أن هذا الكلام الذي رويناه عن الشيخ الغزالي رحمه الله كلام مستطاب ولكن يرجع حاصله بعد التحقيق إلى أن معنى كونه سبحانه نورًا أنه خالق للعالم وأنه خالق للقوى الدراكة، وهو المعنى من قولنا معنى كونه نور السموات والأرض أنه هادي أهل السموات والأرض، فلا تفاوت بين ما قاله وبين الذي نقلناه عن المفسرين في المعنى، والله أعلم.

.الفصل الثاني: في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله سبعين حجابًا من نور وظلمة...»:

تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله سبعين حجابًا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أدرك بصره» وفي بعض الروايات سبعمائة وفي بعضها سبعون ألفًا، فأقول: لما ثبت أن الله سبحانه وتعالى متجل في ذاته لذاته كان الحجاب بالإضافة إلى المحجوب لا محالة والمحجوب لابد وأن يكون محجوبًا، إما بحجاب مركب من نور وظلمة، وإما بحجاب مركب من نور فقط، أو بحجاب مركب من ظلمة فقط، أما المحجوبون بالظلمة المحضة فهم الذين بلغوا في الاشتغال بالعلائق البدنية إلى حيث لم يلتفت خاطرهم إلى أنه هل يمكن الاستدلال بوجود هذه المحسوسات على وجود واجب الوجود أم لا؟ وذلك لأنك قد عرفت أن ما سوى الله تعالى من حيث هو هو مظلم، وإنما كان مستنيرًا من حيث استفاد النور من حضرة الله تعالى، فمن اشتغل بالجسمانيات من حيث هي هي وصار ذلك الاشتغال حائلًا له عن الالتفات إلى جانب النور كان حجابه محض الظلمة، ولما كانت أنواع الاشتغال بالعلائق البدنية خارجة عن الحد والحصر فكذا أنواع الحجب الظلمانية خارجة عن الحد والحصر.
القسم الثاني: المحجوبوبن بالحجب الممزوجة من النور والظلمة.
اعلم أن من نظر إلى هذه المحسوسات فإما أن يعتقد فيها أنها غنية عن المؤثر، أو يعتقد فيها أنها محتاجة، فإن اعتقد أنها غنية فهذا حجاب ممزوج من نور وظلمة أما النور: فلأنه تصور ماهية الاستغناء عن الغير، وذلك من صفات جلال الله تعالى وهو من صفات النور وأما الظلمة: فلأنه اعتقد حصول ذلك الوصف في هذه الأجسام مع أن ذلك الوصف لا يليق بهذا الوصف وهذا ظلمة، فثبت أن هذا حجاب ممزوج من نور وظلمة، ثم أصناف هذا القسم كثيرة، فإن من الناس من يعتقد أن الممكن غني عن المؤثر، ومنهم من يسلم ذلك لكنه يقول المؤثر فيها طبائعها أو حركاتها أو اجتماعها وافتراقها أو نسبتها إلى حركات الأفلاك أو إلى محركاتها وكل هؤلاء من هذا القسم.
القسم الثالث: الحجب النورانية المحضة.
واعلم أنه لا سبيل إلى معرفة الحق سبحانه إلا بواسطة تلك الصفات السلبية والإضافية ولا نهاية لهذه الصفات ولمراتبها، فالعبد لا يزال يكون مترقيًا فيها فإن وصل إلى درجة وبقي فيها كان استغراقه في مشاهدة تلك الدرجة حجابًا له عن الترقي إلى ما فوقها، ولما كان لا نهاية لهذه الدرجات كان العبد أبدًا في السير والانتقال، وأما حقيقته المخصوصة فهي محتجبة عن الكل فقد أشرنا إلى كيفية مراتب الحجب، وأنت تعرف أنه عليه الصلاة والسلام إنما حصرها في سبعين ألفا تقريبًا لا تحديدًا فإنها لا نهاية لها في الحقيقة.