فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي حقائق السلمي ثمل نوره في عبده المخلص والمشكاة القلب والمصباح النور الذي قذف فيه والمعرفة تضىء في قلب العارف بنور التوفيق يوقد من شجرة مباركة يضىء على شخص مبارك تتبين أنوار باطنه على آداب ظاهره وحسن معاملته زيتونه لا شرقية ولا غربية جوهرة صافية لا لها حظ في الدنيا ولا في الآخرة لاختصاصها بموالاة العزيز الغفار وتفردها بالفرد الجبار إلى غير ذلك، وجعل بعضهم التشبيه من المركب الوهمي بناءً على أن المراد من النور المشبه الهدى من حيث أنه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم.
وكان الظاهر على هذا دخول الكاف على المصباح دون المشكاة المشتملة عليه، ومن هنا قيل إن في الآية قلبًا، ووجه بعضهم دخولها على المشكاة بأن المشتمل مقدم على المشتمل عليه في رأي العين فقدم لفظًا ودخل الكاف عليه رعاية لذلك، وقيل إنه على هذا أيضًا تشبيه مفرق لأنه شبه الهدى بالمصباح والجهالات بظلم استلزمتها وهو كما ترى.
ومن الناس من جعل التشبيه مفرقًا لكن بنى كلامه على ما أسسه الفلاسفة فجعل النور المشبه ما منح الله تعالى به عباده من القوى الخمس الدراكة المترتبة التي نيط بها المعاش وهي القوة الحساسة أعني الحس المشترك الذي يدرك المحسوسات بجواسيس الحواس الخمس الظاهرة والقوة الخيالية التي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاء والقوة العقلية المدركة للحقائق الكلية والقوة الفكرية التي تأخذ المعارف العقلية فتؤلفها على وجه يحصل به العلم بالمجهولات والقوة القدسية التي يختص بها الأنبياء والأولياء وتنجلي فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت، وجعل ما في حيز الكاف عبارة عن أمور شبه بكل منها واحد من هذه الخمس فقال: شبهت القوة الحساسة بالمشكاة من حيث أن محلها تجويف في مقدم الدماغ كالكوة تضع فيه الحواس الظاهرة ما تحس به وبذلك يضىء، وشبهت القوة الخيالية بالزجاجة من حيث أنها تقبل الصور المدركة من الجوانب كما تقبل الزجاجة الأنوار الحسية من الجوانب ومن حيث أنها تضبط الأنوار العقلية وتحفظها كما تحفظ الزجاجة الأنوار الحسية، ومن حيث أنها تستنير بما يشتمل عليها من المعقولات، وشبهت القوة العقلية بالمصباح لإضاءتها بالإدراكات والمعارف وشبهت القوة الفكرية بالشجرة المباركة من حيث أنها تؤدي إلى نتائج كثيرة هي بمنزلة ثمرات الشجرة، واعتبرت زيتونة لأن لها فضيلة على سائر الأشجار من حيث أن لب ثمرتها هو الزيت الذي له منافع جمة، منها أنه مادة المصابيح والأنوار الحسية وله من بين سائر الأدهان خاصية زيادة الإشراق وقلة الدخان، واعتبار وصف {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} في جانب المشبه من حيث أن القوة الفكرية مجردة عن اللواحق الجسمية أو من حيث أن انتفاعها ليس مختصًا بجانب الصور ولا بجانب المعاني، وشبهت القوة القدسية بالزيت الذي يكاد يضىء من غير أن تمسسه نار من حيث أنها لكمال صفائها وشدة استعدادها لا تحتاج إلى تعليم أو تفكر.
واعترض بأن حق النظم الكريم على هذا أن يقال: مثل نوره كمشكاة وزجاجة ومصباح وشجرة مباركة زيتونة وزيت يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار حتى يفيد تشبيه كل واحد بكل واحد.
وأجيب بأنه لما كان كل من هذه الحواس يأخذ ما يدركه مما قبله كما يأخذ المظروف من ظرفه أشار سبحانه إلى ذلك بأداة الظرفية دلالة على بديع صنعه سبحانه وحكمته جل شأنه.
وجوز أن يراد تشبيه النور المراد به القوة العقلية للنفس بمراتبها بذلك ومراتبها أربع، الأولى: أن تكون النفس خالية عن جميع العلوم الضرورية والنظرية مستعدة لها كما في مبدأ الطفولية وتسمى القوة العقلية في هذه المرتبة بالعقل الهيولاني لأنها كالهيولى في أنها في ذاتها خالية عن جميع الصور قابلة لها، وثانيتها: أن تستعمل آلاتها أي الحواس مطلقًا فيحصل لها علوم أولية، وتستعد لاكتساب علوم نظرية وتسمى القوة المذكورة في هذه المرتبة عقلًا بالملكة لحصول ملكة الانتقال إلى النظريات لها بسبب تلك الأوليات، وثالثتها: أن تصير النظريات مخزونة عندها وتحصل لها ملكة استحضارها متى شاءت من غير تجشم كسب جديد وتسمى تلك القوة في هذه المرتبة عقلًا بالفعل لحصول تلك العلوم لها بالقوة القريبة من الفعل، ورابعتها: أن ترتب العلوم الأولية وتدرك العلوم النظرية مشاهدة إياها بالفعل وتسمى تلك القوة في هذه المرتبة عقلًا مستفادًا لاستفادتها من العقل الفعال فشبهت القوة بالمرتبة الأولى بالمشكاة الخالية في بدء الأمر عن الأنوار الحسية المستعدة للاستنارة بها وبالمرتبة الثانية بالزجاجة المتلألئة في نفسها القابلة للأنوار الفائضة عليها من النير الخارجي وبالمرتبة الثالثة بالمصباح الذي اشتعلت فتيلته المشبعة من الزيت وبالمرتبة الرابعة بالنور المتضاعف المشار إليه بقوله تعالى: {نُّورٌ على نُورٍ} والشيخ ابن سينا بعد أن بين المراتب حمل مفردات التنزيل عليها، وحقق في المحاكمات وجه الترتيب فيها حيث جعل الزجاجة في المشكاة والمصباح في الزجاجة بأن هناك استعدادًا محضًا كما في المرتبة الأولى واستعداد اكتساب كما في المرتبة الثانية واستعداد استحضار كما في المرتبة الثالثة ولا شك أن استعداد الاكتساب بحسب الاستعداد المحض واستعداد الاستحضار بحسب استعداد الاكتساب فتكون الزجاجة التي هي عبارة عن العقل بالملكة كأنما هي في المشكاة التي هي عبارة عن العقل الهيولاني والمصباح وهو العقل بالفعل في الزجاجة التي هي العقل بالملكة لأنه إنما يحصل باعتبار حصول العقل أولًا وحيث أن العقل بالملكة إنما يخرج من القوة إلى الفعل بالفكر أو بالحدس أو بالقوة القدسية أشير إلى الفكر بالشجرة الزيتونة وإلى الحدس بالزيت وإلى القوة القدسية بيكاد زيتها يضىء؛ ودفع ما يظهر من عدم انطباق ما ذكر على النظم الجليل لأنه وصف فيه الشجرة بما سمعت من الصفات، وهذه أمور متباينة لا يجوز وصف أحدها بالآخر بأن الشجرة الزيتونة شيء واحد فإذا ترقت في أطوارها حصل لها زيت إذا ترقى وصفًا كاد يضىء؛ وكذلك الاكتساب قوة نفسية هي فكرة فإذا ترقت كانت حدسًا، ثم قوة قدسية فهي وإن كانت متباينة ترجع إلى شيء واحد كالشجرة وذكر أن قوله تعالى: {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} إشارة إلى أنها ليست من عالم الحس الذي لا يخلو عن أحد الأمرين، ولا يخفى عليك أن هذا مع تكلفه وابتنائه على ما أسسه الفلاسفة الذين هم في عمى عن نور الشريعة ولله تعالى در من قال فيهم:
قطعت الأخوة عن معشر ** بهم مرض من كتاب الشفا

فماتوا على دين رسطالس ** وعشنا على سنة المصطفى

لا يناسب المقام ولا ينتظم معه أطراف الكلام، وفيه ما يقتضي أن قوله تعالى: {نُّورٌ على نُورٍ} داخل في التمثيل وفيه خلاف، ثم أعلم أنه يعلم بمعونة ما ذكرنا حال التشبيه على سائر الأقوال في المراد بالنور، ولعل ما ذكرناه فيه أتم نورًا وأشد ظهورًا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: 40] {يَهْدِى الله لِنُورِهِ} أي يهدي سبحانه هداية خاصة موصلة إلى المطلوب حتمًا لذلك النور المتضاعف العظيم الشأن، وإظهاره في مقام الإضمار لزيادة تقريره وتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية الناشئة من إضافته إلى ضمير عز وجل {مَن يَشَاء} هدايته من عباده بأن يوفقهم سبحانه لفهم وجوه دلالة الأدلة العقلية والسمعية التي نور بها السموات والأرض على وجه ينتفعون به أو بأن يوفقهم لفهم ما في القرآن من دلائل حقيته وكونه من عنده عز وجل من الإعجاز والإخبار عن الغيب وغير ذلك من موجبات الإيمان وفيه احتمالات أخر بحسب ما في النور من الأقوال، وأيًا ما كان ففيه إيذان بأن مناط هذه الهداية وملاكها ليس إلا مشيئته تعالى وأن إظهار الأسباب بدونها بمعزل عن الإفضاء إلى المطالب:
إذا لم يكن التوفيق عونًا لطالب ** طريق الهدى أعيت عليه مطالبه

{وَيَضْرِبُ الله الامثال لِلنَّاسِ} في تضاعيف الهداية حسبما يقتضيه حالهم فإن لضرب المثل دخلًا عظيمًا في باب الإرشاد لأنه إبراز للمعقول في هيئة المحسوس وتصوير لأوابد المعاني بصورة المأنوس ولذلك مثل جل وعلا نوره المراد به ما يشمل القرآن أو القرآن المبين فقط بنور المشكاة، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار على ما في إرشاد العقل السليم للإيذان باختلاف ما أسند إليه تعالى من الهداية الخاصة وضرب الأمثال الذي هو من قبيل الهداية العامة كما يفصح عنه تعليق الأولى بمن شاء والثانية بالناس كافة.
{والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ}.
معقولًا كان أو محسوسًا ظاهرًا كان أو باطنًا ومن قضيته أن تتعلق مشيئته تعالى بهداية من يليق بها ويستحقها من الناس دون من عداهم لمخالفته الحكمة التي هي مبني التكوين والتشريع وأن تكون هدايته سبحانه العامة على فنون مختلفة وطرائق شتى حسبما تقتضيه أحوالهم وتقوم به الحجة له تعالى عليهم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله، وقيل جىء بها لوعد من تدبر الأمثال ووعيد من لم يكترث بها، وقيل لبيان أن فائدة ضرب الأمثال التي هي التوضيح إنما هي للناس وليس بذاك، وإظهار الاسم الجليل لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم، وبما ذكر آنفًا من اختلاف حال المحكوم به ذاتًا وتعلقًا. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}.
قال الإمام الغزالي قدس سره في شرح الاسم: النور هو الظاهر الذي به كل ظهور فإن الظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورًا ومهما قوبل الوجود بالعدم كان الظهور لا محالة للوجود ولا ظلام أظلم من العدم فالبريء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير بأن يسمى نورًا والوجود نور فائض على الأشياء كلها من نور ذاته فهو نور السموات والأرض فكما أنه لا ذرة من نور الشمس إلا وهي دالة على وجود الشمس النيرة فلا ذرة من وجود السموات والأرض وما بينهما إلا وهي بجواز وجودها دالة على وجوب وجود موجدها انتهى ويوافقه النجم في التأويلات حيث قال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ} أي: مظهرهما من العدم إلى الوجود فإن معنى النور في اللغة الضياء وهو الذي يبين الأشياء ويظهرها للأبصار انتهى، فقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} من باب التشبيه البليغ أي كالنور بالنسبة إليهما من حيث كونه مظهرًا لهما أي موجدًا فإن أصل الظهور هي الظهور من العدم إلى الوجود فإن الأعيان الثابتة في علم الله تعالى خفية في ظلم العدم وإنما تظهر بتأثير قدرة الله تعالى كما في حواشي ابن الشيخ.
يقول الفقير: لا حاجة إلى اعتبار التشبيه البليغ فإن النور من الأسماء الحسنى وإطلاقه على الله حقيقي لا مجازي فهو بمعنى المنور هاهنا فإنه تعالى نور الماهيات المعدومة بأنوار الوجود وأظهرها من كتم العدم بفيض الجود كما قال عليه السلام: «إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره» فخلق هاهنا بمعنى التقدير فإن التقدير سابق على الإيجاد ورش النور كناية عن إفاضة الوجود على الممكنات والممكن يوصف بالظلمة فإنه يتنور بالوجود فتنويره إظهاره.
واعلم أن النور على أربعة أوجه: أولها: نور يظهر الأشياء للأبصار وهو لا يراها كنور الشمس وأمثالها فهو يظهر الأشياء المخفية في الظلمة ولا يراها.
وثانيها: نور البصر وهو يظهر الأشياء للأبصار ولكنه يراها وهذا النور أشرف من الأول.
وثالثها: نور العقل وهو يظهر الأشياء المعقولة المخفية في ظلمة الجهر للبصائر وهو يدركها ويراها.
ورابعها: نور الحق تعالى وهو يظهر الأشياء المعدومة المخفية في العدم للأبصار والبصائر من الملك والملكوت وهو يراها في الوجود كما كان يراها في العدم لأنها كانت موجودة في علم الله وإن كانت معدومة في ذواتها فما تغير علم الله ورؤيته بإظهارها في الوجود بل كان التغير راجعًا إلى ذوات الأشياء وصفاتها عند الإيجاد والتكوين فتحقيق قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ} مظهرهما ومبديهما وموجدهما من العدم بكمال القدرة الأزلية.
ففي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

وقال سلطان المفسرين ابن عباس رضي الله عنهما: أي هادي أهل السموات والأرض فهم بنوره تعالى يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة ينجون.
ولما وصلوا إلى نور الهداية بتوفيقه تعالى سمى نفسه باسم النور جريًا على مذهب العرب فإن العرب قد تسمي الشيء الذي من الشيء باسمه كما يسمى المطر سحابًا لأنه يخرج منه ويحصل به فلما حصل نور الإيمان والهداية بتوفيقه سماه بذلك الاسم ويجوز أن يعبر عن النور بالهداية وعن الهداية بالنور لما يحصل أحدهما من الآخر قال الله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل: 16) لما اهتدوا بنور النجم جعل النجم كالهادي لهم وجعلهم من المهتدين بنوره وعلى هذا سمي القرآن نورًا والتوراة نورًا بمعنى الاهتداء بهما كما في الأسئلة المقحمة فعلى هذا شبهت الهداية بالنور في كونها سببًا للوصول إلى المطلوب فأطلق اسم النور عليها على سبيل الاستعارة ثم أطلق النور بمعنى الهداية عليه تعالى على طريق رجل عدل.