فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا نظير قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط مما تطيح الطوائح

وهو قياسي عند الكثير فيجوز عندهم أن يقال: ضربت هند زيد بتقدير ضربها أو ضاربها زيد.
وليس هذا كذكر الفاعل تمييزًا بعد الفعل المبني للمفعول نحو ضرب أخوك رجلًا المصرح بعدم جوازه ابن هشام في الباب الخامس من المغنى وإن أوهمت العلة أنه مثله فتأمّل.
وقرأ أبو حيوة وابن وثاب {تُسَبّحُ} بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو {رِجَالٌ} والتأنيث لأن جمع التكثير كثيرًا ما يعامل معاملة المؤنث، وقرأ أبو جعفر {تُسَبّحُ} بالتاء الفوقية والبناء للمفعول وهو قوله تعالى: {بالغدو والاصال} على أن الباء زائدة والإسناد مجازي بجعل الأوقات المسبح فيها ربها مسبحة، وجوز أبو حيان أن يكون الإسناد إلى ضمير التسبيحة الدالة عليه {تُسَبّحُ} أي تسبح هي أي التسبيحة كما قالوا في قوله تعالى: {لِيَجْزِىَ قَوْمًا} [الجاثية: 14] على قراءة من بني {يجزى} للمفعول أي ليجزي هو أي الجزاء.
قال في إرشاد العقل السليم: وهذا أولى من التوجيه الأول إذ ليس هنا مفعول صريح وضعفه بعضهم هنا بأن الوحدة لا تناسب المقام، وأجيب بالتزام كون الوحدة جنسية.
وأيًا ما كان فرفع {رِجَالٌ} على هذه القراءة على الفاعلية أو الخبرية كما سمعت آنفًا.
والتنوين فيه على جميع القراءات للتفخيم، وقوله سبحانه: {لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة} صفة له مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة مفيدة لكمال تبتلهم إلى الله تعالى من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم كائنًا مّا كان، وتخصيص الرجال بالذكر لأنهم الأحقاء بالمساجد.
فقد أخرج أحمد والبيهقي عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» وتخصيص التجارة التي هي المعاوضة مطلقًا بذلك لكونها أقوى الصوارف عندهم وأشهرها أي لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة {وَلاَ بَيْعٌ} أي ولا فرد من أفراد البياعات وإن كان في غاية الربح.
وافرادهم بالذكر مع اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلهاء ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة {لا} لتذكير النفي وتأكيده، وجوز أن يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة وبالبيع المعاوضة مطلقًا فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة، ونقل عن الواقدس أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم، وقيل: المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة ومنه يقال: تجر في كذا أي جلبه.
ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هؤلاء الموصوفين بما ذكر: هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله تعالى.
وأخرج الديلمي وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا نحوه، وفي ذلك أيضًا ما يقتضي أنهم كانوا تجارًا وهو الذي يدل عليه ظاهر الآية لأنه لا يقال فلان لا تلهيه التجارة إلا إذا كان تاجرًا وروي ذلك عن ابن عباس.
أخرج الطبراني وابن مردويه عنه أنه قال: أما والله لقد كانوا تجارًا فلم تكن تجارتهم ولا يبعهم يلهيهم عن ذكر الله تعالى، وبه قال الضحاك، وقيل: إنهم لم يكونوا تجارًا والنفي راجع للقيد والمقيد كما في قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره

كأنه قيل: لا تجارة لهم ولا بيع فيلهيهم فإن الآية نزلت فيمن فرغ عن الدنيا كأهل الصفة، وأنت تعلم أن الآية على الأول المؤيد بما سمعت أمدح ولم نجد لنزولها فيمن فرغ عن الدنيا سندًا سندًا قويًا أو ضعيفًا ولا يكتفي في هذا الباب بمجرد الاحتمال {عَن ذِكْرِ الله} بالتسبيح والتحميد ونحوهما {لَّيْسَ البر} أي إقامتها لمواقيتها من غير تأخير.
والأصل أقوام فنقلت حركة الواو لما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت فقيل: إقام، وعن الزجاج أنه قلبت الواو القائم حذف لاجتماع ألفين.
وأورد عليه أنه لا داعي إلى قلبها ألفا مع فقد شرطه وهو أن لا يسكن ما بعدها.
وأوجب الفراء لجواز هذا الحذف تعويض التاء فيقال: إقامة أو الإضافة كما هنا.
وعلى هذا جاء قوله:
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا ** وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا

فإنه أراد عدة الأمر.
وتأول خالد بن كلثوم ما في البيت على أن عدا جمع عدوة بمعنى ناحية كأن الشاعر أراد نواحي الأمر وجوانبه.
ومذهب سيبويه جواز الحذف من عير تعويض التاء أو الإضافة {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً}.
المال الذي فرض إخراجه للمستحقين كما روي عن الحسن.
ويدل على تفسير الزكاة بذلك دون الفعل ظاهر إضافة الإيتاء إليها.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير إيتاء الزكاة بإخلاص طاعة الله تعالى وفيه بعد كما ترى، وإيراد هذا الفعل هاهنا وإن لم يكن مما يفعل في البيوت لكونه قرينة لا تفارق إقامة الصلاة في عامة المواضع مع ما فيه من التنبيه على أن محاسن أعمالهم غير منحصرة فيما يقع في المساجد.
وكذا قوله تعالى: {يَخَافُونَ} إلى آخره فإنه صفة أخرى لرجال أو حال من مفعول {لاَّ تُلْهِيهِمْ} أو استئناف مسوق للتعليل.
وأيًّا مّا كان فليس خوفهم مقصورًا على كونهم في المساجد.
وقوله تعالى: {يَوْمًا} مفعول ليخافون على تقدير مضاف أي عقاب يوم وهو له أو بدونه وجعله ظرفًا لمفعول محذوف بعيد وأما جعله ظرفًا ليخافون والمفعول محذوف فليس بشسيء أصلًا إذ المراد أنهم يخافون في الدنيا يومًا {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والابصار} لا أنهم يخافون شيئًا في ذلك اليوم الموصوف بأنه تتقلب فيه الخ، والمراد به يوم القيامة ومعنى تقلب القلوب والأبصار فيه اضطرابها وتغيرها أنفسها فيه من الهول والفزع كما في قوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] أو تغير أحوالها بأن تفقه القلوب ما لم تكن تفقه وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصر أو بأن تتوقع القلوب النجاة تارة وتخاف الهلاك أخرى وتنظر الأبصار يمينًا تارة وشمالًا أخرى لما أن أغلب أهل الجمع لا يدرون من أي ناحية يؤخذ بهم ولا من أي حهة يؤتون كتبهم، وقيل: المراد تقلب فيه القلوب والأبصار على جمر جهنم وليس بشيء، ومثله قول الجبائي: أن المراد تنتقل من حال إلى حال فتلفحها النار ثم تنضجها ثم تحرقها، وقرأ ابن محيصن {تَتَقَلَّبُ} بإسكان التاء الثانية.
{لِيَجْزِيَهُمُ الله} متعلق على ما استظهره أبو حيان ب {يسبح} [النور: 36] وجوز أبو البقاء أن يتعلق بلا تلهيهم أو بيحافون ولا يخفى أن تعلقه بأحد المذكورين محوج إلى تأويل، ولعل تعلقه بفعل محذوف يدل عليه ما حكى عنهم أولى من جميع ذلك أي يفعلون ما يفعلون من التسبيح والذكر وإيتاء الزكاة والخوف من غير صارف لهم عن ذلك ليجزيهم الله تعالى: {أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} واللام على سائر الأوجه للتعليل وقال أبو البقاء: يجوز أن تكون لام الصيرورة كالتي في قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] وموضع الجملة حال والتقدير يخافون ملهمين ليجزيهم الله وهو كما ترى، والجزاء المقابلة والمكافأة على ما يحمد ويتعدى إلى الشخص المجزي بعن قال تعالى: {لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] وإلى ما فعله ابتداء بعلى تقول جزيته على فعله وقد يتعدى إليه بالباء فيقال جزيته بفعله وإلى ما وقع في مقابلته بنفسه وبالباء، قال الراغب: يقال جزيته كذا وبكذا، والظاهر أن أحسن هو ما وقع في المقابلة فيكون الجزاء قد تعدى إليه بنفسه ويحتاج إلى تقدير مضاف أي ليجزيهم أحسن جزاء عملهم أو الذي عملوه حسبما وعد لهم بمقابلة حسنة واحدة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ليكون الأحسن من جنس الجزاء.
وجوز أن يكون الأحسن هو الفعل المجزي عليه أو به الشخص وليس هناك مضاف محذوف والكلام على حذف الجار أي ليجزيهم على أحسن أو بأحسن ما عملوا.
وأحسن العمل أدناه المندوب فاحترز به عن الحسن وهو المباح إذ لا جزاء له ورجح الأول بسلامته عن حذف الجار الذي هو غير مقيس في مثل ما نحن فيه بخلاف حذف المضاف فإنه كثير مقيس، وجوز أن يكون المضاف المحذوف قبل {أحسن} أي جزاء أحسن ما عملوا، والظاهر أن المراد بما عملوا أعم مما سبق وبعضهم فسره به {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} أي يتفضل عليهم بأشياء لم توعد لهم بخصوصياتها أو بمقاديرها ولم يخطر ببالهم كيفياتها ولا كميتها بل إنما وعدت بطريق الإجمال في مثله قوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عنه عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» إلى غير ذلك من المواعيد الكريمة التي من جملتها قوله سبحانه: {والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} فإنه تذييل مقرر للزيادة ووعد كريم بأنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب والموصول عبارة عمن ذكرت صفاهم الجميلة كأنه قيل والله يرزقهم بغير حساب، ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه بما في حيز الصلة على أن مناط الرزق المذكور محض مشيئته تعالى لا أعمالهم المحكية كما أنها المناط لما سبق من الهداية لنوره عز وجل وللإيذان بأنهم ممن شاء الله تعالى أن يرزقهم كما أنهم ممن شاء سبحانه أن يهديهم لنوره حسبما يعرب عنه ما فصل من أعمالهم الحسنة فإن جميعها من آثار الهداية. اهـ.

.قال القاسمي:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: أمر أن تعظم عن اللغو، أو ترفع بالبناء قدرًا. ويتلى فيه اسمه، ولا يعبد فيها غيره، لأنه شيدت على اسمه جل شأنه. والظرف صفة لمشكاة أو لمصباح أو لزجاجة أو متعلق بتوقد أو بمحذوف. أي: سبحوه في بيوت. أو بيسبّح. ولفظ فيها تكرار للتوكيد.
قال أبو السعود: لما ذكر شأن القرآن الكريم في بيانه للشرائع والأحكام، ومبادئها وغاياتها المترتبة عليها من الثواب والعقاب، وأشير إلى كونه في غاية ما يكون من التوضيح، حيث مثل بنور المشكاة- عقب ذلك بذكر الفريقين وتصوير بعض أعمالهم المعربة عن كيفية حالهم في الاعتداء وعدمه، والمراد بالبيوت، المساجد كلها: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ} يعني قبل طلوع الشمس: {وَالْآصَالِ} جمع أصيل وهو العشي قبل غروب الشمس: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي: بالتسبيح والتحميد: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ} أي: إقامتها لمواقيتها من غير تأخير: {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} أي: المال الذي يتزكى مؤتيه من دنس الشح ورذيلة البخل، وتطهر نفسه ويصفو سره: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} أي: تضطرب وتتغير من الهول والفزع. كما في قوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]،: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} اللام متعلقة بيسبّح أو لا تلهيهم أو بمحذوف يدل عليه السوق. أي: يفعلون ما يفعلون مما ذكر، ليجزيهم. وفي آخر الآية تقرير وتنبيه على كمال القدرة، ونفاذ المشيئة، وسعة الإحسان، لأن بغير حساب كناية عن السعة. والمراد أنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدّهم.
تنبيه:
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية الأمر بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات. وفيها استحباب ذكر الله والصلاة في المساجد. وفي قوله: {رِجَالٌ} إشارة إلى أن الأفضل للنساء الصلاة في قعر بيوتهن. كما صرح به الحديث، إلا في نحو العيدين لحديث: «ليشهدن الخير ودعوة المسلمين»، وقوله: {لاَ تُلْهِيهِمْ} الآية، فيه أن التجارة لا تنافي الصلاة. لأن مقصود الآية أنهم يتعاطونها، ومع ذلك لا تلهيهم عن الصلاة وحضور الجماعة. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان في السوق، فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد. فقال ابن عمر: فيكم نزلت: {رِجَاْلٌ لاَ تُلْهِيهِمْ} الآية. وأخرج عن الضحاك والحسن وسالم وعطاء ومطرف مثل ذلك. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}.