فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن كثير: يرى عن بعد كأنه بحر طام، وإنما يكون ذلك بعد نصفف النهار، وأما الآل فإنما يكون أول النهار، يرى كأنه ماء بين السماء والأرض- انتهى.
وقال البغوي: والآل ما ارتفع عن الأرض، وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاءة، يرفع فيه الشخوص، يرى فيه الصغير كبيرًا، والقصير طويلًا، والرقراق يكون بالعشايا، وهو ما ترقرق من السراب، أي جاء وذهب.
{بقيعة} جمع قاع، وهو أرض سهلة مطمئنة فد انفرجت عنها الجبال والآكام- قاله في القاموس.
وقال أبو عبد الله القزاز في ديوانه: القيعة والقاع واحد، وهما الأرض المستوية الملساء يحفن فيها التراب، الفراء: القيعة جمع قاع كجار وجيرة.
وقال الصغاني في مجمع البحرين: والقاع: المستوي من الأرض، والجمع أقواع وأقوع وقيعان، صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها، والقيعة مثل قاع، وهو أيضًا من الواو، وبعضهم يقول: هو جمع؛ وقال ابن جرير: والقاع ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب.
وقال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب: قال الفراء: القاع: مستنقع الماء، والقاع: المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه المطر فيمسكه ويستوي نباته، وجمعه قيعة وقيعان.
{يحسبه الظمآن} أي العطشان الشديد العطش من ضعف العقل {ماء} فيقصده ولا يزال سائرًا {حتى إذا جاءه} أي جاء الموضع الذي توهمه به {لم يجده شيئًا} من الأشياء، فلم يفده قصده غير زيادة العطش بزيادة التعب، وبعده عن مواطن الرجاء، فيشتد بأسه، وتنقطع حليه فيهلك، وهكذا الكافر يظن أعماله تجديه شيئًا فإذا هي قد أهلكته.
ولما كان الله محيطًا بعلمه وقدرته بكل مكان قال: {ووجد الله} أي قدرة المحيط بكل شيء {عنده} أي عند ذلك الموضع الذي قصده لما تخيل فيه الخير فخاب ظنه {فوفاه حسابه} أي جزاء عمله على ما تقتضيه أعماله على حكم العدل، فلم يكفِ هذا الجاهل خيبة وكمدًا أنه لم يجد ما قصده شيئًا كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى نار، لا يفك أسيرها، ولا يخمد سعيرها.
ولما كان سبحانه لا يحتاج إلى كاتب، ولا يدخل عليه لبس، ولا يصعب عليه ضبط شيء وإن كثر، ولا يقد أحد أن يتأخر عما يريده به بنوع حيلة، عبر عن ذلك بقوله: {والله} أي الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل {سريع الحساب} أي لأنه لا يحتاج إلى حفظ بقلب، ولا عقد بأصابع، ولا شيء غير ذلك، ولكنه عالم بذلك كله قبل أن يعمله العبد وبعد عمله له، لا يعزب عنه منه ولا من غيره شيء.
ولما بين سبحانه بهذا المثال أنهم لم يصلوا إلى شيء غير التعب، المثمر للعطب، وكان هذا لا يفعله بنفسه عاقل، ضرب مثالًا آخر بين الحامل لهم على الوقوع في ممثول الأول، وهو السير بغير دليل، الموقع في خبط العشواء كالماشي في الظلام، فقال عاطفًا على {كسراب} قوله: {أو} للتخيير، أي أعمالهم لكونها لا منفعة لها كسراب، ولكونها خالية عن نور الحق {كظلمات} أو للتنويع، فإنها إن كانت حسنة الظاهر فكالسراب، أو قبيحة فكالظلمات، أو للتقسيم باعتبار وقتين كالظلمات في الدنيا والسراب في الآخرة {في بحر} هو مثال قلب الكافر {لجي} أي ذي لج هو اللج، إشارة إلى أنه عميق لا يدرك له قرار، لأن اللج معظم الماء، ويكون جمع لجة أيضًا، والأوفق هنا أن يكون منسوبًا إلى الجمع، لأنه أهول، والمقام للتهويل، قال القزاز في ديوانه: ولجة البحر معروفة وهو المرضع الذي لا ترى منه أرضًا ولا جبلًا، وبحر لجي: واسع اللجة، وجمع اللجة لجج ولج.
{يغشاه} أي يغطي هذا البحر ويعلوه، أو يلحق الكائن فيه {موج} وهو مثل ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، كائن {من فوقه} أي هذا الموج {موج} آخر {من فوقه} أي هذا الموج الثاني المركوم على الأول {سحاب} قد غطى النجوم، وهو مثال الرين والختم والطبع على القلب، فلا سماء تبصر ولا أرض.
ولما كان هذا أمرًا مهولًا، أشار إلى هوله وتصويره بقوله: {ظلمات} أي من البحر والموجين والسحاب {بعضها}.
ولما كان المراد استغراق الجهة، لم يثبت الجار فقال: {فوق بعض} متراكمة، فلذلك يبعد كل البعد أن ينفذ فيها بصر، ولذلك قال: {إذا أخرج} أي الكائن في هذا البحر بدلالة المعنى وإن لم يجر له ذكر {يده} وهي أقرب شيء إليه {لم يكد} أي الكائن فيه {يراها} أي يقرب من ذلك فضلًا عن أن يكون، لأن الله قد ستر عنه كل نور بهذه الظلمات المتكاثفة، وهو مثال لعمله وأنه عدم لما تقدم من أن العدم كله ظلمة، فلا عمل له يكون شيئًا ولا يقرب من ذلك لأنه لا أهلية له بوجه {ومن لم يجعل الله} أي الملك الأعظم {له نورًا} من الأنوار، وهو قوة الإيجاد والإظهار {فما له من نور} أصلًا، لأنه سبحانه يستر نوره وإن كان ملء السماوات والأرض عمن يشاء بحجب الأهوية، لأنه قادر على ما يريد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}.
اعلم أنه سبحانه لما بين حال المؤمن، وأنه في الدنيا يكون في النور وبسببه يكون متمسكًا بالعمل الصالح، ثم بين أنه في الآخرة يكون فائزًا بالنعيم المقيم والثواب العظيم، أتبع ذلك بأن بين أن الكافر يكون في الآخرة في أشد الخسران، وفي الدنيا في أعظم أنواع الظلمات، وضرب لكل واحد منهما مثلًا، أما المثل الدال على خيبته في الآخرة فهو قوله: {والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قال الأزهري: السراب ما يتراءى للعين وقت الضحى الأكبر في الفلوات شبيه الماء الجاري وليس بماء ولكن الذي ينظر إليه من بعيد يظنه ماء جاريًا يقال سرب الماء يسرب سروبًا إذا جرى فهو سارب، أما الآل فهو ما يتراءى للعين في أول النهار فيرى الناظر الصغير كبيرًا، وظاهر كلام الخليل أن الآل والسراب واحد، وأما القيعة فقال الفراء: هو جمع قاع مثل جار وجيرة والقاع المنبسط المستوي من الأرض وقال صاحب الكشاف القيعة بمعنى القاع، وقال الزجاج الظمآن: قد يخفف همزه، وهو الشديد العطش، ثم وجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر إن كان من أفعال البر فهو لا يستحق عليه ثوابًا، مع أنه يعتقد أن له ثوابًا عليه، وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه عقابًا مع أنه يعتقد أنه يستحق عليه ثوابًا، فكيف كان فهو يعتقد أن له ثوابًا عند الله تعالى، فإذا وافى عرصات القيامة، ولم يجد الثواب بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتناهى غمه، فيشبه حاله حال الظمآن الذي تشتد حاجته إلى الماء فإذا شاهد السراب تعلق قلبه به ويرجو به النجاة ويقوى طمعه فإذا جاءه وأيس مما كان يرجوه فيعظم ذلك عليه وهذا المثال في غاية الحسن، قال مجاهد السراب عمل الكافر وإتيانه إياه موته ومفارقة الدنيا فإن قيل قوله: {حتى إِذَا جَاءهُ} يدل على كونه شيئًا وقوله: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} مناقض له؟ قلنا الجواب عنه من وجوه ثلاثة: الأول: المراد معناه أنه لم يجده شيئًا نافعًا كما يقال فلان ما عمل شيئًا وإن كان قد اجتهد الثاني: حتى إذا جاءه أي جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئًا فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه الثالث: الكناية للسراب لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة كأنه ضباب وهباء وإذا قرب منه رق وانتثر وصار كالهواء.
أما قوله: {وَوَجَدَ الله عِندَهُ فوفاه حِسَابَهُ} أي وجد عقاب الله الذي توعد به الكافر عند ذلك فتغير ما كان فيه من ظن النفع العظيم إلى تيقن الضرر العظيم، أو وجد زبانية الله عنده يأخذونه فيقبلون به إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} [الغاشية: 3]، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} [الفرقان: 23] وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، كان قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام.
أما قوله: {والله سَرِيعُ الحساب} فذاك لأنه سبحانه عالم بجميع المعلومات فلا يشق عليه الحساب، وقال بعض المتكلمين معناه لا يشغله محاسبة واحد عن آخر كنحن، ولو كان يتكلم بآلة كما يقوله المشبهة لما صح ذلك، وأما المثل الثاني فهو قوله: {أَوْ كظلمات في بَحْرٍ لُّجّىّ} وفي لفظة {أو} هاهنا وجوه: أحدها: اعلم أن الله تعالى بين أن أعمال الكفار إن كانت حسنة فمثلها السراب وإن كانت قبيحة فهي الظلمات وثانيها: تقدير الكلام أن أعمالهم إما كسراب بقيعة وذلك في الآخرة وإما كظلمات في بحر وذلك في الدنيا وثالثها: الآية الأولى في ذكر أعمالهم وأنهم لا يتحصلون منها على شيء، والآية الثانية في ذكر عقائدهم فإنها تشبه الظلمات كما قال: {يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور} [البقرة: 257] أي من الكفر إلى الإيمان يدل عليه قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: 40] وأما البحر اللجي فهو ذو اللجنة التي هي معظم الماء الغمر البعيد القعر، وفي اللجى لغتان كسر اللام وضمها، وأما تقرير المثل فهو أن البحر اللجي يكون قعره مظلمًا جدًا بسبب غمورة الماء، فإذا ترادفت عليه الأمواج ازدادت الظلمة فإذا كان فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى، فالواقع في قعر هذا البحر اللجى يكون في نهاية شدة الظلمة، ولما كانت العادة في اليد أنها من أقرب ما يراها ومن أبعد ما يظن أنه لا يراها فقال تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} وبين سبحانه بهذا البلوغ تلك الظلمة إلى أقصى النهايات ثم شبه به الكافر في اعتقاده وهو ضد المؤمن في قوله تعالى: {نُّورٌ على نُورٍ} [النور: 35] وفي قوله: {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} [الحديد: 12] ولهذا قال أبي بن كعب الكافر يتقلب في خمس من الظلم كلامه وعمله ومدخله ومخرجه ومصيره إلى النار، وفي كيفية هذا التشبيه وجوه أخر: أحدها:
أن الله تعالى ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات ظلمة البحر وظلمة الأمواج وظلمة السحاب وكذا الكافر له ظلمات ثلاثة ظلمة الاعتقاد وظلمة القول وظلمة العمل عن الحسن وثانيها: شبهوا قلبه وبصره وسمعه بهذه الظلمات الثلاث عن ابن عباس وثالثها: أن الكافر لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ويعتقد أنه يدري، فهذه المراتب الثلاث تشبه تلك الظلمات ورابعها: أن هذه الظلمات متراكمة فكذا الكفار لشدة إصراره على كفره، قد تراكمت عليه الضلالات حتى أن أظهر الدلائل إذا ذكرت عنده لا يفهمها وخامسها: قلب مظلم في صدر مظلم.
أما قوله: {ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} فروي عن ابن كثير أنه قرأ {سحاب} وقرأ {ظلمات} بالجر على البدل من قوله: {أَوْ كظلمات} وعنه أيضًا أنه قرأ {سَحَابٌ ظلمات} كما يقال سحاب رحمة وسحاب عذاب على الإضافة وقراءة الباقين {سَحَابٌ ظلمات} كلاهما بالرفع والتنوين وتمام الكلام عند قوله: {سَحَابٌ} ثم ابتدأ {ظلمات} أي ما تقدم ذكره ظلمات بعضها فوق بعض.
أما قوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ففيه قولان:
أحدهما: أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي فقوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] نفي في اللفظ ولكنه إثبات في المعنى لأنهم فعلوا ذلك وقوله عليه الصلاة والسلام: «كاد الفقر أن يكون كفرًا» إثبات في اللفظ لكنه نفي في المعنى لأنه لم يكفر فكذا هاهنا قوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} معناه أنه رآها والثاني: أن كاد معناه المقاربة فقوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} معناه لم يقارب الوقوع ومعلوم أن الذي لم يقارب الوقوع لم يقع أيضًا وهذا القول هو المختار والأول ضعيف لوجهين: الأول: أن ما يكون أقل من هذه الظلمات فإنه لا يرى فيه شيء فكيف مع هذه الظلمات الثاني: أن المقصود من هذا التمثيل المبالغة في جهالة الكفار وذلك إنما يحصل إذا لم توجد الرؤية ألبتة مع هذه الظلمات.
أما قوله: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} فقال أصحابنا إنه سبحانه لما وصف هداية المؤمن بأنها في نهاية الجلاء والظهور عقبها بأن قال: {يَهْدِى الله لِنُورِهِ مَن يَشَاء} ولما وصف ضلالة الكافر بأنها في نهاية الظلمة عقبها بقوله: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} والمقصود من ذلك أن يعرف الإنسان أن ظهور الدلائل لا يفيد الإيمان وظلمة الطريق لا تمنع منه، فإن الكل مربوط بخلق الله تعالى وهدايته وتكوينه، وقال القاضي المراد بقوله: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا} أي في الدنيا بالألطاف {فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} أي لا يهتدي فيتحير ويحتمل {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا} أي مخلصًا في الآخرة وفوزًا بالثواب {فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} والكلام عليه تزييفًا وتقريرًا معلوم. اهـ.